المرأة اليمنية..
للموضوعية والأمانة؛ أحب أن أنوه بأنني لست متخصصة في الشريعة والقانون، ولكنني متابعة لقضايا المرأة والطفل في كل التشريعات الوطنية، وفي نفسي شيء من الغصة من بعض النصوص القانونية التي تكرس التمييز ضد المرأة، وأجدها فرصة لإثارة التساؤلات حولها، وبخاصة أن بعض المتخصصين قد لاحظوا هذا التمييز، وأنكروه، فلعلَّ الله يهدي علماءنا الشرعيين والمتخصصين في القانون لإعادة النظر في القوانين التي تظلم المرأة، وبخاصة أن هناك إرادة سياسية صادقة لإزالة التمييز الظالم ضد المرأة، وتدعم هذه الإرادة كل العقول النيرة التي تدرك أن الظلم عاقبته وخيمة. لقد لفت نظري ما ورد من ملحوظات حول النصوص القانونية المتصلة بالمرأة والطفل في كتاب: (ملاحظات على مشروع التعديلات التي تضمنها التقرير المقدم من لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية بمجلس النواب) حول قانون الجرائم والعقوبات رقم(12) لسنة 1994م)، للباحث الدكتور حسن علي مجلي- أستاذ علوم القانون الجنائي في جامعة صنعاء - وهو كتاب قيم، جدير بقراءة ما ورد فيه من آراء ومناقشتها؛ فقد التزم فيه الباحث بمنهجية واضحة، ولغة عربية مقروءة، تسهل على القارئ الموازنة بين نصوص القانون الحالي، ونصوص القانون بعد التعديلات التي اقترحتها اللجنة الشرعية؛ حيث عمد المؤلف إلى إيراد النص القانوني قبل التعديل وبعد التعديل ثم يورد تعليقه على النوعين، وقد قدم المؤلف آراء جديرة بالقراءة عقب كل نص قام بمناقشته؛ إما بإثبات النص أو بتقديم ملاحظات قانونية أو لغوية على النص بصورته النافذة أو المعدلة بما في ذلك المواد المضافة، وفي كثير من النصوص التي أوردها الباحث قدم صياغات جديدة لنصوص القانون كما يراها هو في ضوء قراءاته المتخصصة، ولن أكون بعيدة عن الحقيقة إذا ما جزمت بأن آراء المؤلف جديرة بالنظر فيها قبل اعتماد التعديلات على القانون النافذ. كما نرجو من الدولة أن تتيح الفرصة لكل من لديه استعداد من الباحثين المتخصصين لتقويم تلك القوانين في ضوء الواقع ومستجدات العصر الحالي، وألا تُعتمد أية مقترحات يتم تقديمها على القوانين النافذة إلا بعد فحصها وتمحيصها من قبل المتخصصين في ضوء الدين والواقع، حتى تتوفر أساليب الحماية الكافية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حق الإنسان في الحياة، وحتى تواكب تلك القوانين المستجدات بصورة غير مناقضة للثوابت الدينية؛ فالإسلام صالح لحياة الإنسان في كل زمان ومكان، فقط نحن بحاجة إلى عقول شرعية اجتهادية منصفة تفهم الواقع، وتقدم ما يرشد الناس إلى كيفية التعامل مع هذا الواقع، بعيداً عن التمييز الدوني، وعن الإفراط أو التفريط. يحتاج تناول ما ورد من نصوص قانونية حول المرأة في قانون الجرائم والعقوبات إلى مقالات عديدة، وفي هذا المقال ستتم الإشارة إلى ما ورد حول (دية المرأة)؛ فالنص القانوني النافذ حول دية المرأة في المادة(48) يقر أن: «دية المرأة نصف دية الرجل، وإرشها مثل إرشه إلى قدر ثلث دية الرجل، ويُنصف ما زاد...» هذا هو نص القانون النافذ، وربما هذا النص من النصوص القليلة، التي لم تعدل اللجنة الشرعية صياغته، بل اقترحت اللجنة إضافة إلى نص القانون تتمثل في جدول تفصيلي يبين الأروش ونسبها، ومقدار كل إرش بالعملة الورقية، ما يدل على أن اللجنة الشرعية تزكي بقاء النص كما هو على الرغم من مخالفته للنص القرآني الخاص بالقصاص، بل وتلغىعمومية الإرش، وتدعو إلى تقييده بعملة قابلة للانخفاض والارتفاع حسب السوق.. لكن الدكتور مجلي- مشكوراً- قد أجلى النص بعين القانوني المتخصص، فأدرك ما فيه من ظلم وتمييز ضد المرأة، وأوصى بإعادة النظر فيما يخص دية المرأة، وقدم مجموعة من المبررات الدينية والقانونية والمنطقية، التي من أهمها: أن الرأي الفقهي الغالب والمعمول به في شتى أنحاء المعمورة هو لزوم تساوي المرأة والرجل في الدية لتساويهما في القصاص، كما ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، كما إن الانتقاص من دية المرأة يتعارض مع المواد (25، 31، 41) من الدستور اليمني، والعهود والمواثيق الدولية الموقع عليها من اليمن، والتي يجب الالتزام بها وفقاً للمادة(6) من الدستور اليمني، كما أن النص يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في المادة (6) منه على أن الناس يولدون سواسية، ولا يجوز التمييز بينهم بسبب الجنس من حيث كون الإنسان ذكراً أم أنثى، كما أن العلة في المساواة واحدة، وهي الحرمان من الحق في الحياة، أي قتل الإنسان الموجب للدية، فلا يجوز من ثم التمييز في الحكم من حيث جنس الضحية رغم اتحاد العلة. تلك المبررات قدمها رجل منصف على نص مفبرك أصبح قانوناً ظالماً يستهين بحياة المرأة، وفبركته اللغوية واضحة؛ فقد صيغ بطريقة حسابية متأرجحة، لا نعرف ما مرجعيتها؟ وإلا فلماذا جعلوا دية المرأة نصف دية الرجل، وجعلوا إرشها مثل إرشه ؟! ثم لماذا تراجعوا عن مساواة الإرش إذا تعدى مقداره ثلث دية الرجل؟! ثم لماذا بعد ذلك رحموا المعتدي على المرأة حينما يتمادى في اعتدائه بأن ينصفوا ما زاد من إرش ؟! ومع أن نوع الزيادة غير واضحة، فهل المقصود نصف الثلث لدية الرجل؟! أم نصف إرش الرجل؟! أم هل أصبح الاعتداء على المرأة مشروعاً قابلاً للمزايدة والمناقصة؟!! المنطق يقول: إن العقوبة يجب أن تغلظ كلما زاد حجم الاعتداء، لكن ما هو واضح جداً أن مفهوم النص يثبت لدى القارئ ، أنه كلما زاد الاعتداء على المرأة قل الإرش، يعني أن هناك تخفيضات لمن يجرح المرأة أكثر ويضربها أعمق، فكلما كانت إصابة المرأة كبيرة كانت العقوبة قابلة للتخفيف!!! ألا تستحق المرأة أن توضع لحماية حياتها نفس الضوابط القانونية التي توضع لحماية حياة الرجل؟!! وهل يجوز أن تبقى في القانون نصوص متصلة بحق الحياة تكرس الظلم وتشجع على التمييز بين الأرواح من أجل إرضاء اتجاهات بشرية ما أنزل الله بها من سلطان؟!!! تلك التساؤلات أضعها - باسم جميع النساء في اليمن - أمام أهل العقد والحل، وسنضعها في رقابهم يوم القيامة أمام الحاكم العدل إذا لم يفعلوا شيئاً تجاه هذه القوانين الظالمة.[c1]* أستاذة علم المناهج وطرائق التدريسفي كلية التربية - جامعة صنعاء[/c]