[c1]* [/c]غالبا ما تعتقد المعارضة العربية أن السلطة القائمة فاسدة وغير نزيهة وأنها عميلة للاعداء. وهي ضد ذلك كله. وبمجرد حلولها محل السلطة القائمة الموصومة بهذه النقائص، ستغير الامور من حال الى حال.[c1]* [/c]رثاثة المعارضة السياسية العربية، في مجملها، قد لا تترك للمتأمل في التغيير خيارا إلا التشبث بالنظام الموجود رغم كل ما يمكن قوله، عن اخفاقات هذه الانظمة وعثراتها. ولذلك فإن القول بأن هذه المعارضات إن هي الا ظلال سلبية للصورة الرسمية، او "نيغاتف" النظام الرسمي، قول على قدر كبير من الصواب.الحق أنه لا يوجد الآن، في أغلب المعارضات السياسية العربية ما هو مقنع. دعونا نقرر هذا في البدء. لنتفرس أكثر في ملامح الصورة وأجزاء المشهد حتى نتحقق من هذه الدعوى. الملاحظة الأولى انه لا يوجد فرق جوهري بين السلطة الرسمية ومعارضاتها العربية. كلاهما يصدران عن مصدر واحد في استبعاد الانسان كقيمة فلسفية. والملاحظة الأخرى تصعيد دور السلطة الابوية المشرفة على تفاصيل الامور ومجملاتها. كلاهما (السلطة والمعارضة) يعتقدان امتلاك النموذج الكامل والوصفة الجاهزة. لا يوجد شيء خارج النطاق. هناك سيطرة كاملة على حركة الواقع وإدراجٌ لها في قوالب معدة سلفا، تستوعب بكل دعة ويقين، المتغيرات الدائمة والمتسارعة. غالبا ما تعتقد المعارضة العربية أن السلطة القائمة فاسدة وغير نزيهة وأنها عميلة للاعداء. وهي ضد ذلك كله. وبمجرد حلولها محل السلطة القائمة الموصومة بهذه النقائص، ستغير الامور من حال الى حال. المشكلة في هذا التصور هي اشتراكه مع تصور السلطة القائمة في اعتقاد مركزية، بل واحدية دور السلطة السياسية وتهميش أدوار المجتمع والناس في صياغة مصيرهم وإدارته. والمفارقة ان هذا يتم باسم الجماهير. نعرف أن هذا داء قديم في الذهنية العربية السياسية الابوية، فإذا صلح رب الدار صلح تبعا له اهل الدار، كما تقول أمثالنا. إن رثاثة المعارضة السياسية العربية، في مجملها، قد لا تترك للمتأمل في التغيير خيارا إلا التشبث بالنظام الموجود رغم كل ما يمكن قوله، عن اخفاقات هذه الانظمة وعثراتها. ولذلك فإن القول بأن هذه المعارضات إن هي الا ظلال سلبية للصورة الرسمية، او "نيغاتف" النظام الرسمي، قول على قدر كبير من الصواب. تنقم هذه المعارضات على السلطة استبدادها وعدم تداول السلطة فيها او عدم التشاور، وهو عين ما تقع فيه هذه المعارضات، فنحن نعرف عن "القيادات التاريخية" للأحزاب، والصراعات المريرة على قيادة الانصار او التحدث باسم اللجنة او الاصطراع على المدخرات والمال الى درجة مهينة. وإن بشرت بالحرية فبلون واحد منها ومفصل على مقاسها، ورد في نص البرنامج العملي لإحدى هذه المعارضات التي تنشط منذ عقد "ومفهومنا لحرية التجمعات هو حق تكوين أي جماعة أو مؤسسة بلا شروط ولا موانع إلا إذا تبين أن جماعة ما تأسست على أمر يخالف الشرع" هنا يصبح السؤال المشروع والكبير، هل يقتصر هذا الحق السياسي على من يمتلك المواصفات الآيديولوجية المتفقة مع هذه المعايير الخاصة؟ أليس هذا استبداداً وديكتاتورية أخرى؟! عيب آخر ومزمن، في هذا النمط من المعارضات، وهو تبسيط المشكلات الاقتصادية والسياسية، وممارسة خطاب ديماغوجي مع الجمهور، عبر تقريب الحل وتسهيله بمجرد تمثل جوابهم والاقتناع بتشخيصهم الفقير لطبيعة الازمة. فحينما تتم مطالبة السلطة السياسية بحل عاجل للبطالة وانخفاض اسعار البترول وارتفاع اسعار السلع والخدمات وتفشي الجرائم ومحاربة التعصب الاجتماعي والطائفي والتمييز ضد المرأة، وحل قضية فلسطين وانجاز الوحدة الاسلامية او العربية... توجيه كل هذه المطالب للسياسي وعيبه بها، والايهام بامتلاك البديل عبر تكرار هذا النقد التبسيطي، امر يثير العجب ويدعو للتساؤل: هل يعقل ان يتحمل السياسي كل هذه العيوب والخطايا، فوق مالديه، من دون التفات للمجتمع نفسه وثقافته ومحددات شخصيته الخاصة وسلوكه العام، او دور المؤثرات الخارجية وسياسات الدول القوية؟ هذا الخطأ يتكرر في أدبيات المعارضة الاسلامية التي اشرنا اليها آنفا، ورد في هذه الادبيات "لا شك لدينا أن الأركان الأساسية في الشرعية الدينية للنظام مفقودة، وهي الحكم بما أنزل الله وإقامة علاقات الدولة على أساس الإسلام ورفع شعائر الإسلام والعدل والشورى" بعيدا عن المناقشة الفقهية والفكرية والمحاكمة التاريخية لمفهوم الحكم بما أنزل الله ونقد فكرة الحاكمية. لنا ان نسأل هل تكمن مشكلة المجتمعات العربية في عدم اقامة شعائر الاسلام، ام في التخلف الشامل والاخفاق الكامل في مجالات الدنيا لا الاخرة؟ وهل يكفي مجرد رفع شعار العدل المفقود لتخلف التطبيق الصحيح للشريعة، كما في النص السابق، لجعلنا نصدق ان هناك حلا ناجزا وبديلا جاهزا وقادرا؟ وحتى لا يذهب الظن بعيدا في تحميل الاسلاميين وحدهم وزر هذه الاوهام والاباطيل السياسية، نعتقد أن المعارضات العربية العلمانية التي افلحت في الحلول محل من سبقها وقعت في ذات المحذور وان من خلال ادبيات ومنطلقات فكرية اخرى. وهذا يقودنا الى تشخيص وتحليل مفهوم المعارضة العربية، فـ"مفهوم المعارضة كان غريبا على تلك التنظيمات اليسارية والعروبية والإسلامية التي كانت تصدر عن إشكالية البديل الثوري والطليعة وما إليهما..."، ولم تكن قد تشكلت قوى تطرح تصورا للدولة والسياسة مختلفا عن التصورالقائم حسب تحليل ياسين الحاج صالح. وإذا كان الامر كذلك، والمعارضة العربية الآن، اكثر رداءة، وفي احسن الاحوال في رداءة النظام الرسمي، فلماذا اصبحت كذلك؟ ولماذا تحولت في بعض الاحيان الى الاصطراع الدموي على السلطة مع السلطة، وخصوصا من قبل الاسلاميين في العقود الاخيرة؟ هل الاستخدام الواسع وغير المبرر لامكانيات الدولة من قبل الحكومات الدكتاتورية في المنطقة ادى بطريقة اوتوماتيكية إلى ردة فعل مشابهة لدى المعارضة التي وجدت في العنف المضاد وسيلة مشروعة للدفاع عن النفس فضلاً عن كونها اداة يمكن من خلالها اضعاف نظام هو المسؤول الاول عن الحرية السياسية والتعددية الحزبية، كما يلاحظ الباحث صادق أحمد؟! لا شك ان لذلك دوراً في هذا. ولكن هذا هو الجزء الظاهر من الصورة. الباطن يحيل الى ازمة اعمق واقدم، يحيل الى غياب مفهوم المجتع المدني عن العقل العربي وكذلك غياب مبحث الانسان عن التراث الفكري. ولذلك فمن المتأكد عدم الاكتفاء بالوقوف عن الظواهر دون البواطن. ان مشكلة المعارضات الحالية هي انها تثير من الغبار اكثر مما تقدم من الحلول. تتحدث عن المشكلة ولا تمسك بها من كتفها. تتخيلها بدل أن تتحسسها. لو تحدثنا عن غياب الديموقراطية عن الخليج العربي، مع تسجيلي ان المعارضة الاسلامية في الخليج لا تعتبرها قضيتها الرئيسية باستثناء المعارضة البحرينية وتلك قصة اخرى. فهل السياسي هو المحاسب بالاصالة عن ذلك أم بنية اجتماعية وإرث فكري هو من يعوق التقدم على هذا الصعيد؟ يقول عبد الله النفيسي متحدثا عن معوقات الديموقراطية في الخليج "القبلية من أبرز التحديات التي تواجه نقل الديمقراطية... ففي الكويت وعلى الرغم من وجود برلمان منتخب منذ عام 1962 لا تزال للقبائل سطوة غير محدودة على أبنائها. وبدلا من وجود أحزاب سياسية تنشط على المسرح السياسي، توجد قبائل... هي التي تحتل المشهد السياسي"، وما يقال عن هذا العائق يقال عن العائق الطائفي الذي لا يسمح للديمقراطية الخليجية بالنمو. صحيح ان الشارع العربي والاسلامي يساند كثيرا هذه المعارضات الخلاصية، الا ان لهذه المساندات مسوغاتها الموضوعية وإحالاتها الواضحة الى قصور الدولة العربية الحديثة، فهو نوع من "التصويت العقابي" ضد النخب المقصرة في تنمية المجتمع في الدرجة الاولى، ثم خوف مرضي او "فوبيا هوية" في ظل عصر تهشمت فيه الهويات لصالح صيغة جديدة لم يتأكد العربي والمسلم بعد من وجود موضع قدم له فيها، فيلجأ الى الحضن الذي يمنحه الدفء والحنان... والوهم! وفوق هذا وذاك عجينة فكرية واجتماعية لم تخالطها خمائر الحداثة الفكرية المعاصرة. يبدو أنه كلما تردت الدولة العربية والاسلامية الحديثة وأخفقت في التنمية الشاملة، كان انعكاس هذا التردي أوضح في معارضتها... ربما يتغير الحال إذا افلح العقل العربي يوما ما في صياغة المشكلة بطريقة اخرى، والأهم أن يوصل ما لديه للناس.. كل الناس. [c1]* كاتب سعودي[email protected] [/c]
|
فكر
حديث في المعارصة .. وعنها !
أخبار متعلقة