ماذا حصل للإنسان العربي؟! ماذا جري للمسلم؟! ماذا حدث للمجتمع العربي والمسلم؟! أن يفجر الإنسان نفسه بحزام ناسف أو قنبلة، منكر عظيم، وكبيرة توعد الله صاحبها بعذاب النار، فكيف إذا فجر نفسه - عامدا متعمدا - في الآخرين وأزهق أرواحا بريئة، فيتم أطفالا، ورمل زوجات، وأثار فزعا وترويعا؟! ماهذا الذي يحدث في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من تصاعد للعمليات الانتحارية وفتك بالمدنيين الآمنين وترويع الناس؟!لقد عربد الإرهاب طويلا في الأرض العربية حتى توحش وازداد ضراوة وأصبح يستهدف تجمعات للناس البسطاء، في الأسواق وفي دور العبادة، ومحطات الحافلات، والمطاعم الشعبية، بل وحتى في المستشفيات. لقد جن الإرهاب وأصبح كل هدفه إزهاق أكبر عدد من البشر عبر اندساس الانتحاري وسطهم وتفجير نفسه فيهم لإحداث الدوي الإعلامي المنشود.هذا النوع من الإرهاب المتوحش، لم تعرفه البشرية من قبل، نعم كل الشعوب تعاني صنوفا من العنف والقتل والتفجير والانتحار، ولكن ليس مثل هذه التفجيرات المجنونة.هذا الإرهاب الأعمى المدمر لم يوفر حتى النساء والأطفال، حولهم إلى قنابل متفجرة، فمنذ أيام، استهدفت انتحارية عراقية، مركزا لتجنيد الشرطة في شمال بغداد، لتفجر نفسها وتودي بحياة 17 متطوعا بائسا، وتصيب 33 آخرين، كل ذنبهم أنهم يريدون حماية أمن الناس وليعيدوا الاستقرار إلى حياة العراقيين المضطربة.وهذه الانتحارية هي الثالثة غير ساجدة الريشاوي المندوبة الانتحارية للزرقاوي إلى الأردن، وغير البلجيكية الحسناء - مورييل ديغوك - التي تزوجت مغربيا وأسلمت وفجرت نفسها في العراق!!.سياسة المصالحة لم تنجح في وقف العنف في الجزائر، صحيح أن آلاف المسلحين استفادوا من سياسة العفو والمصالحة التي تبناها بوتفليقه ولكن هاهي وتيرة العنف تتصاعد، فتشهد العاصمة الجزائرية 3 تفجيرات انتحارية، حصيلتها 24 قتيلا و 222 جريحا، نفذتها الجماعة السلفية للدعوة والقتال بعد أن بايعت بن لادن وغيرت اسمها إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وأصبحت عرابا للمجموعات المسلحة في المغرب العربي.وكان الإرهاب الغادر قد ضرب المغرب العربي - 11 مارس الماضي - واستطاعت الأجهزة الأمنية محاصرة المجموعة الإرهابية ليخرج أحدهم من بين الصفوف ويفجر نفسه وسط رجال الأمن قائلا: الله أكبر.. ويصيب 19 شخصا!! ثم يضرب الإرهاب بغداد بواسطة انتحاريين، الأول بحزام ناسف والثاني بشاحنة مفخخة البرلمان و جسر الصرافية ليسقط العديد من القتلى والجرحى.أما في إسلام أباد فيهدد مولانا - عبدالعزيز، إمام المسجد الأحمر - بعمليات انتحارية وسط تأييد الآلاف من أتباعه ويقود حملة لفرض مرسوم طالبان للمحرمات، تبدأ بحرق أشرطة الفيديو والموسيقي وتشكيل محاكم شرعية!!وفي مقاله لخالد الحروب قال فيها ان هناك 16 ألف مسلم أعلنوا استعدادهم للقيام بعمليات انتحارية في بريطانيا انتقاما من المظلومية الراهنة للمسلمين في العراق والشيشان والبورسة وكشمير المواضيع التي يركز عليها خطباء الإسلام السياسي في المساجد والقنوات الفضائية، أما القيادات السياسية في إيران فهم دائمو التهديد بالآلاف الذين علي استعداد للعمليات الانتحارية إذا تعرضت إيران لأي هجوم!!السؤال المطروح والذي يستدعي استنفارا فكريا وثقافيا من المربين والعلماء وأساتذة النفس والاجتماع والمعنيين كافة لماذا أصبحت ثقافة الانتحار ثقافة مقبولة بل وممجدة لدى قطاعات شعبية ونخب دينية في مجتمعاتنا؟!إن ديننا من أكثر الأديان التي حرمت الانتحار وثقافتنا الإسلامية ومناهجنا الدينية والتعليمية والإعلامية والتربوية - كلها تدين الانتحار وتجعله من الكبائر المحرمة فما الذي جعل بعض أبنائنا يتسابقون إلى الموت والهلاك؟! كيف أصبحنا في زمن يُعَد النضال فيه بأسلوب تدمير الذات أسمي أنواع الجهاد؟!إن النصوص الدينية قاطعة وصريحة لا مجال للاجتهاد فيها، في أنه يحرم تفجير النفس ولو في العدو، فضلاً عن المدنيين، بل إنه يحرم علينا أن نعامل العدو بالمثل في المحرّمات، بمعني انه لا يجوز لنا مجاراة العدو في قتله لأطفالنا بأن نعمد إلى قتل أطفالهم لأن المعاملة بالمثل في الإسلام مقيدة بالفضيلة والإنسانية وبالآية ولاتزر وازرة وزر أخرىلا يجوز لنا مجاراة العدو في تصرفاته الوحشية لأننا أصحاب رسالة وإلا كنا مثلهم، لا يجوز لنا أن نتخلى عن مبادئنا بدافع الثأر أو لمبرر الانتقام فهذا ليس من أهداف الجهاد بل مبررات سياسية بحتة وان قال بها بعض فقهاء الإسلام السياسي، من منطلق التعاطف الأيدلوجي مع جماعات سياسية ترفع شعارات الجهاد والمقاومة، وهم الذين قالوا..إن الحوار مع اليهود لا يكون إلا بالقنابل البشرية وشجعوا العمليات الانتحارية ووصفوها بأسمى الجهاد ففتحوا ثغرة خطيرة في الميزان الأخلاقي الإسلامي، وأحدثوا بدعة عظيمة في أدبيات الجهاد، إذ لا توجد حادثة واحدة في غزوات الرسول صلي الله عليه وسلم والصحابة وعلي مر التاريخ الإسلامي تبرر العمل الانتحاري، إذ فضلا عن إساءته إلى الدين فإن العمل الانتحاري لم يحقق مطلقا أي مكسب وهدف سياسي لا قديما ولا حديثا، ثم أن الإنسان أثمن ما في الوجود فكيف نضحي به من أجل لا هدف؟! الجهاد مطلوب وله وسائله التي ليس منها قطعا تفجير النفس. لذلك كان أئمة السلفية الذين لا يتأثرون بأهواء أيدلوجية أو تملق جماهيري، واضحين قاطعين مجمعين حين قالوا: العمل الانتحاري ولو ضد العدو عمل محرّم، وجاءت القمة العربية في تونس مؤيدة رأيهم إذ أصدرت لأول مرة بياناً يدين العمليات التي تستهدف المدنيين سواء في إسرائيل أو فلسطين.الكاميكاز اليابانيون يشعرون بالإهانة لتشبيههم بالانتحاريين المسلمين بحجة أنهم كانوا يقاتلون عسكريين فيما انتحاريو المسلمين يستهدفون مدنيين ومعظمهم مسلمون، لقد بلغ ضحاياهم في العراق والجزائر فحسب أكثر من 200 ألف ضحية. وفي حين تنجح اليابان في تخفيض عدد المنتحرين من الرغم أن ثقافتها تمجد الانتحار، نفشل نحن فتتصاعد العمليات الانتحارية عندنا من الرغم أن ثقافتنا تحرم الانتحار.علماء السلفية حرّموا العمل الانتحاري، والقمة العربية أكدت التحريم، والعديد من الدول العربية أدانته.. ويتبقي على المؤسسات الدينية والمجامع الفقهية أن تمارس دورها المسؤول فتصدر بيانا حاسما بتحريم العمليات الانتحاريةكافة ضد المدنيين ودون استثناء أو قيد.. إنها أكبر أزمة فكرية وأخلاقية تواجه الإسلام كما قال جمال خاشقجي وأضاف: حرّموها لله والإسلام قبل السياسة ومصالحها! ولأنه نحن الذين ندفع ثمنها الباهظ!!.[c1]* نقلا عن /صحيفة (الراية) القطرية[/c]
على المجامع الفقهية تحريم كافة الأعمال الانتحارية
أخبار متعلقة