شهدَ هذا العصر العديد من المآثر التي لعبت دوراً مهماً في حركة التغيير والتحديث العالمي الشامل في شتى مجالات الحياة، سياسياً، اقتصادياً، ثقافياً وعلمياً.والثابت أنّ من مجريات هذا العصر الذي اتسم بعصر السرعة، شهدنا جميعاً عملية التطوير التي لا ينضب معينها والتي جعلت من العالم قرية صغيرة تتسارع فيها الأحداث وتنقلب فيها الأنظمة رأسا على عقب.وقد أفرغ المشهد السياسي تقلبات في أنظمة الحكم العالمية، فمن الملكية والإمبراطورية إلى نظام الحكم الجمهوري وأخيراً نظام الحكم الاتحادي.حدث ذلك خلال مراحل متقاربة ومتسارعة _ خصوصاً بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية واللتين تلتهما موجة تحديث وتطوير قوية أفرزت الثورة الصناعية التي بدورها أدت إلى ثورة في مجال تكنولوجية المعلومات والاتصالات وصولاً إلى انفتاح السوق العالمية الحُرة.من مآثر هذا العصر البارزة ولادة أوروبا الموحدة التي أصبح لها برلمان واحد ومنظومة قوانين موحدة وعملة واحدة ولا ينقصها سوى دستور واحد.هذا الاتحاد الأوروبي قدّم أوروبا ليس كقارةٍ واحدة.. بل ككيان ومنظومة قيم واحدة، أصبحت تعرف بالقيم الأوروبية. ومن القيم الأوروبية نجد خُلاصة الثقافة الأوروبية والتاريخ الأوروبي الحديث.. وترمز القيم الأوروبية المشتركة إلى عنوان المصير الأوروبي الواحد.أوروبا هذه القارة، أصبحت قوة تقارع أمريكا، هذا الكيان المسيطر الذي فرض نفسه كقوةٍ عظمى عالمية ولعب دوراً كبيراً في تغيير أنظمة دول أو غزت ثقافتها الشارع الأوروبي والعربي على حدٍ سواء.ومن هنا انطلقت فكرة السوق الحرة العالمية والتبادل التجاري بين هاتين القوتين وبين بقية دول العالم، حيث أصبح التنافس التجاري والمعلوماتي هو القوة الحقيقية في ميدان المعركة بدلاً من قوة المدافع والأسلحة.والحال ان فكرة أوروبا والجديدة وأمريكا كقوتين عظميين متنافستين، لم تكن فكرة جديدة طرحتها ظروف الحرب الباردة وما بعدها، بل كانت حلما ً حمله رواد القرن التاسع عشر أمثال فيكتور هوجو.ومن دماغ الأديب الفرنسي العالمي فيكتور هوجو تكوّنت فكرة أوروبا وأمريكا كقوة عظمى عالمية،فمن دماغ هذا الأديب العالمي تكوّنت فكرة أوروبا وأمريكا كقوى عظمى عالمية، حيث تنبأ في خطاب له قبل مائتي عام بأنّه سيأتي يوم تنتهي فيه الحروب الدائرة في تلك المرحلة بين لندن وباريس، وبين بطرسبورج وبرلين، وفيينا وتورين، وستكون هذه الحروب مستحيلة بين برستون وفيلادلفيا. في ذلك الخطاب الذي قرأت نصه كاملا باللغة الفرنسية أدرك هوجو بفطنته وتصوره الاستشرافي للمستقبل البعيد ضرورة أن توجد أسواق حرة وتجارة عالمية وتقدم معلوماتي في يوم ما داخل اوروبا.هذه القارة التي ستكون على موعد مع التاريخ لمقارعة ا مشروع إمبراطوري سينطلق من الفارة الاميركية كي يفرض نفسه كقوةٍ عظمى عالمية تتطلع الى ان تلعب دوراً كبيراً في تغيير أنظمة ودول وإعادة تشكيل الثقافات وبضمنها الثقافة الأوروبية والثقافة الغربية. كما قال فيكتور هوجو بأنّه سيأتي يوم تتوحد فيه فرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا وإيطاليا، وكل شعوب قارة أوروبا.. مبشراً بتأسيس نظام قوي في اتحاد عظيم، دون أن تفقد كل دولة هويتها أو تراثها الخاص بها. نعم .. لقد تحدث هوجو قبل مائتي عام في تلك الخطبة عن يقينه بأنّ رابطة الإخوة الأوروبية ستزداد وثوقاً بين شعوب القارة، مثلما حدث لنورمندي وبريتان وبورجون لورين، الزاس، وكل المقاطعات التي كوّنت فرنسا قبلاً.وقال إنّه سوف يأتي يوم لن تبقى هناك معارك أخرى سوى التنافس في ميدان التجارة العالمية والأسواق المفتوحة وسيكون هناك انفتاح فكري. ، مشيرا ً إلى أنّ التصويت عبر الانتخابات الشعبية ومجلس التحكيم الموقر (مجلس الشيوخ) في أوروبا والبرلمان في إنجلترا والديت في ألمانيا سيحل محل القنابل والمدافع والحروب بين الاورزبيين ، وهو الذي سيقرر مصير شعوب وثقافات اوروبا على نحو ما جاء في ذلك الخطاب الذي انطوى على تنبؤات مدهشة اوضح فيها أنّ هاتين القوتين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ستكونان قوتين عظميين متواجهتين تتبادلان المنافع والمنافسة في تجارتيهما وإنتاجهما وصناعتهما وثقافتهما.والأكثر دهشةً في خطاب التنبؤات عند فيكتور هوجو قوله إنّ هذا اليوم لن يستغرق أربعمائة عام ليأتي، لأننا في زمن السرعة الذي يبدو أنّ الأوروبيين تمكنوا من إدراكه، بينما لم يدركه غيرهم حتى الآن وفي مقدمتهم العرب الذين لم يستوعبواا بعد حقيقة أنّهم يسيرون خلف موكب حضاري يحاول رواده استشراف الآفاق واقتحامها بحساب زمن تتسارع عجلة متغيراته ، وتتضخم فواتير الدفع على الذين يتأخرون عنه ويرغبون في اللحاق به!![email protected][c1]* كاتبة يمنية[/c]
|
فكر
الذين يستشرفون المستقبل يقتحمون آفاقه بسرعة
أخبار متعلقة