منذ أيام وصلني من تعز ديوان شعر جديد من صاحبة الشاعر اليمني الشاب عبدالفتاح قائد حسين الاسودي وهو أول ديوان لهذا الشاعر المبتعد عن الأضواء.كان أول ماسمعت بهذا الشاعر من صديق مشترك هو الدكتور عزيز ثابت سعيد أستاذ اللغويات في جامعة الشارقة والذي هو ايضاً رئيس اللجنة الثقافية بكلية الآداب والعلوم وكان د.عزيز في أثناء دراسته الأولى بجامعة صنعاء من المع تلاميذ شقيقتي الدكتورة عزة محمد عبده غانم أول خريجة جامعية في اليمن وأستاذة علم النفس وعميدة كلية التربية بجامعة صنعاء سابقاً وهي اليوم بعد ان تقاعدت من تلك الجامعة ترأس جامعة جديدة خاصة ود.عزيز الذي حصل على الدكتوراه من أمريكا عاشق للشعر ويكتب القليل منه ولكنه يحفظ الكثير منه فهو يحفظ على سبيل المثال الكثير من النصوص في كتاب والدي " شعر الغناء الصنعاني " أضعاف ما أحفظ منه.. وهو ايضاً يحفظ بعض قصائد صديقة والآن صديقنا - الشاعر عبدالفتاح الاسودي.د.عزيز استضافني أكثر من مرة للمشاركة في صبحيه شعرية نقدمها في كلية البنات بحكم رئاسته للجنة الثقافية وكان من الزملاء المشاركين في بعض تلك الصباحيات شعراء إجلاء من أستاذة جامعة الشارقة أمثال. إبراهيم السعافين ود. عصفور ود. السامرائي.. الخ والحقيقة انه يحث لليمن ان تفخر بأنها تصدر الكفاءات إلى مختلف أصقاع الأرض وليس إلى الإمارات والدول العربية فقط ففي الستينيات هاجر من عدن عشرات الدكاترة والمهندسين والمحامين والعلماء هرباً من قسوة الحكم الشمولي وخنقه لحرية التعبير. ولكن د.عزيز التحق بجامعة الشارقة استاذاً لأسباب غير تلك الأسباب.وفي حفل الغذاء الذي تبع الصبحية الشعرية وفي لفيف من الأساتذة الأجلاء في مطعم الجامعة، قرأ علينا د.عزيز قصيدة طبعاً من ذاكرته المتميزة- تقول:في موطن الثقافة[c1] *** [/c]تلميذة شفافهفي وجهها براءة[c1] *** [/c]في طبعها لطافه أثوابها بسيطة[c1] *** [/c]تنم عن حصافة ما أحملت مسكرة[c1] *** [/c]او"روج" اوسخافهفحسنها مؤصل[c1] *** [/c]تفسده الإضافهيد الإله زينت[c1] *** [/c]من قغرها ضفافهوالورد في خدودها[c1] *** [/c]قج اعلن اعتكافهعيونها إلى المها[c1] *** [/c]منسوبة مضافةكم تيمت من شاعر[c1] *** [/c]بنظرة هدافهقامتها- وان بدت-[c1] *** [/c]تميل للنحافةكالخيزران ان مشت[c1] *** [/c]وان تقف صفصافهاقل مايقال في[c1] *** [/c]جمالها.. خرافةإني إذا رايتها[c1] *** [/c]تنتابني ارتجافهفليتني في حضنها[c1] *** [/c]كدفتر الثقافهتضمه فلايرى[c1] *** [/c]بردا ولا مخافه احسدة ان لامست[c1] *** [/c]أنفاسها غلافهمرت كطيف عابر[c1] *** [/c]او نسمة مصطافهلكنها لما تزل[c1] *** [/c]في خاطري طوافهوسألني د. عزيز عن أريي في القصيدة وهو يراني في حالة طرب فلمته لأنه لم يشارك بالإلقاء معنا ظانا انه صاحب القصيدة فوضح إنها لصديقة عبدالفتاح الاسودي وقد اثبت القصيدة كاملة لكي لايشوهها البتر فهي قصيدة تتحلى بوحدة موضوعية واضحة وموضوعها نادر في عالم النشر وان كنت متاكداً ان طلبة الجامعات المختلطة يكتبون الكثير من هذا النوع من الغزل دون ان يجد طريقة للنشر لانه من المحاولات غير المكتملة على عكس هذا النص الجميل.والحقيقة ان القصيدة ذكرتني بقصيدتين: الأولى للشاعر العراقي بدر شكر السياب بعنوان " ديوان شعر" وخصوصاً حين يقول عبدالفتاح:فليتني في حضنها[c1] *** [/c]كدفتر الثقافةاحسده ان لامست[c1] *** [/c]أنفسها غلافهوالسياب يقو في قصيدته الشهيرة:ياليتني أصبحت ديواني[c1] *** [/c]اختال من حضن الى ثانقد بت من حسد أقول فه[c1] *** [/c]ياليت من تهواك تهوانيألك الكؤوس ولي ثمالتها[c1] *** [/c]ولك الخلود وإنني فانإما القصيدة الثانية التي ذكرتني بها قصيدة عبدالفتاح فللشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان الشقيق الأكبر لفدوى طوقان وقصيدته بعنوان" في المكتبة" ومنها نختار دون تسلسل:وغريرة في المكتبة[c1] *** [/c]بجمالها متنقبةأبصرتها عند لصباح[c1] *** [/c]الغض تشبه كوكبهراقبتها فشهدت أن الله أجزل في ألهبه[c1] *** [/c]الله اجزل في الهبةياليت خط كتابها[c1] *** [/c]لضلوعي المتعذبةحضنته تقرأ ماحوى[c1] *** [/c]وحنت عليه ومانتبه سمحت لانملها الجميل[c1] *** [/c]بريقها ان يقلبهوشعراؤنا الثلاثة يجسدون الكتب التي تحضنها معشوقاتهم اللائي ربما لايعرفن شيئاً عن ذلك العشق وشعراؤنا الثلاثة نسوا قول المتنبي:"وخير جليس في الزمان كتاب"بعد فترة قصيرة- ربما أسابيع- على سماعي تلك القصيدة شرفني د.عزيز والأخ الشاعر عبدالفتاح الذي كان في زيارة للإمارات-بزيارتي في منزلي بدبي وجرى حديث الأدب والشعر وسمعت بعض قصائد عبدالفتاح فتأكدت انه شاعر رومانسي ينتمي إلى تلك المرحلة التي تعطرت باشعار علي محمود طه وإبراهيم ناجي واحمد رامي وأبو القاسم الشابي والتيجاني يوسف بشير وإبراهيم طوفان وخليل مطران ولطفي جعفر أمان .. الخ.. الخ.. وهي فترة جميلة سبقت نشوء وانتشار شعر التفعيلة . وعرفت من خلال زيارة عبدالفتاح انه الأخ الأصغر للمفكر اليمني احمد قائد الاسودي.عندما وصلني الديوان وعنوانه" العزف الصامت" مما يؤكد رومانسية الشاعر، وهو ديوان صغير الحجم وان كان يحوي 47 قصيدة معظمها متوسطة الحجم اوقصيرة وتكاد تدور كلها حول موضوع الحب العفيف وجدت به مقدمة للصديق العزيز المثقف الكبيرة الشاعر والدبلوماسي الدكتور عبدالولي الشميري رئيس مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون بصنعاء ورئيس منتدى المثقف العربي بالقاهرة والذي يكرمني بالتواصل معي عبر البريد الالكتروني والهاتف منذ سنوات وان لم احظ بلقائه حتى يومنا، ولكن أصدقاءنا المشتركين من كبار الشعراء المصريين دائمو الإشادة به وبمنتداه في القاهرة، وهو ايضاً من اليمنيين الذي يشرفون اليمن كثيراً. وعبدالفتاح قد اهدى الديوان إليه ضمن من أهداه إليهم، ومقدمة د. عبدالولي تشيد بالحب والإيمان وتلاحظ رومانسية عبدالفتاح الذي يصور محبو بته كحورية تكتمل فيها الصفات الخلفية والخلقية :قد اظهر المولى بها[c1] *** [/c]اعجارة والمقدرة ان مر يوم دونها[c1] *** [/c]فحالتي مكررهوان أطلت فالحياة كلها[c1] *** [/c]مستبشرةياسعد من تحبه[c1] *** [/c]او من له منتظرةفسوف يقضي عمره[c1] *** [/c]في روضة مخضوضرةيارب فاجمعني بها[c1] *** [/c]في الأرض قبل الآخرةولو قرأنا قصائد الديوان لوجدنا مثل هذه الدعوةإلى الله ان يزف إليه معشوقته زوجة بالحلال فنشرة فيها فهو رومانسي أصيل ولكن ايضاً محافظ على دعوة الإسلام له لإكمال نصف دينه ولايبحث عن اللهو العابث يقول: ما أروع الحب العفيف إذانما[c1] *** [/c]وزكت قطوف كرومه بقرانوالديوان يحوي ست قصائد تفعيليه وان كان معظم الديوان بيتي او عمودي الشكل ولكنه ايضاً رومانسي في تلك القصائد لنستمع إليه في قصيدة بعنوان "حورية من صنعاء"[c1]هناكفي مدينة تعانق السماءحيث يملأ الجمال كل ساعةويملأ الاشراقة الأشياءصادفتهاكماسة تموج بالبهاءالبدر يغص نورهاوكل أنجم السماءخدودها ورديةكأنها على الدوام في حياء[/c]ولنقرأ في عناوين قصائده .. فمن قصائده التفعيلة الأخرى:غداً تسافرين" و" مرافئ الحزن" و" أمنية العيد" و" الميلاد الجديد" و" فرحة اللقاء" ومن قصائده البيتية :" في قبضة حوريتين"، الى متشائمة " وردة في باقة" لماذا العشق"، عيناك" ، غمامة"، قبلة الهوى" " امرأة مذهلة" ، " قيثارة" ، " غزال" ومنها قصيدة الوهم الكبير" التي نقتطف منها هذه الأبيات التي تدل على الآن العاشقين:حواء تاهت في هواك مراكبي[c1] *** [/c]وتعثرت قدمي وضاع ندائيوتحطم الأمل الكبير وأوغلت[c1] *** [/c]سكينة الأحزان في أحشائيماكنت احسب أن بدرا ناعما[c1] *** [/c]يوما يلطخ كفة بدمائيأو همته بالحب ثم صرعته[c1] *** [/c]غدراً .. فيا للطعنة النجلاءونحن الآن بانتظار الديوان الثاني للشاعر، فلا شك عندي انه لن يتوقف بعد الديوان الأول فهل سيبقى الشاعر على هذه الرومانسية التي بدأ بها كثير من شعراء اليمن أمثال د. محمد عبده غانم وعلى محمد لقمان واحمد بن محمد الشامي وإبراهيم الحضراني ود. عبدالعزيز المقالح بل وكاتب هذا المقال.. ثم كتبوا شعراً آخر وان بقيت اللمسة الرومانسية الحقيقة الرقيقة والحزينة في كثير من الأحيان في خلفية كثير من إشعارهم.
|
ثقافة
الشاعر عبد الفتاح الاسودي في ديوانه الأول "العزف الصامت"
أخبار متعلقة