جبران صالح شمسان زيد [c1] دور سكان ا لمدن في درء الغزاة[/c]لعب سكان المدن أدواراً عظيمة بطولية ومشرفة على مر التاريخ في إقامة الحضارة وإقامة الدين السمح ودرء الغزاة والدفاع عن الوطن ومقاومة المحتلين والمستعمرين وإذا كانت قد ظهرت في التاريخ الإسلامي أدوار إيجابية للقبيلة فإن الكثير من هذه الأدوار قد تراجع وانقلب رأساً على عقب على مر القرونوالعواصف وعاد إلى طبيعته الجاهلية الأولى وتفكيره السلبي في النهب دون الوهب وفي الأخذ دون العطاء، وعادت القبيلة لتكون متكورة على ذاتها ، عصية, وتستبعد الآخر، علماً بأن الذين أقاموا الإسلام السمح ودولته وكانوا الأنصار الأوائل هم سكان مدينة تحرروا من عصبيتهم ونزعتهم القبلية، فنصرهم الله على أعداء الرسالة من الأعراب وأهل البداوة وغلاظ القلوب من ذوي التمسك العشائري بمكة. وبينما قامت الحضارات في المدن، وكان للمدن نصيب الأسد من الثورات كانت القبيلة أما أن تشن الهجمات على المدن أو على الثورات وإما أن تكون أداه بيد الحاكم المستبد يغريها بالمال ويبيح لها نهب المدينة كما فعل الإمام أحمد مع صنعاء في 1948م أو تكون طيِّعة للمحتل متواطئة معه ولكنها عصية على المدينة و على كامل الشعب و على التاريخ كما سنرى في بعض الأمثلة من بعض البلدان العربية في لمحة سريعة.ففي التاريخ الحديث والمعاصر في شرق المتوسط والجزائر ومصر والعراق نجد أن القبيلة تحولت من الجانب الإيجابي إلى السلبي فقد تحولت أما إلى الاستكانة أو إلى الترحيب بالمحتل أو مؤازرة الحاكم الظالم أو التمرد على مركزية الدولة أو محاربة الثورة التي جاءت من أجل الجميع ضد الظلم. . فالكاتبة الإنجليزية ( مس بل ) ( Miss Bell ) تشير إلى أن الذين وقفوا ضد الإنجليز بسواحل المتوسط الشرقية هم قادة المدن وليست القبائل التي كان موقفها على العكس من ذلك تماماً ويشير الرئيس الأسبق أحمد بن بللا (1) :إلى أن روح الثورة الجزائرية كانت هي( ولاية باتنة ) وليست ( ولاية القبائل ) وهما من بين الست الولايات في الجزائر. وبعد نكسة 5 يونيو 1967م حاول عبد الحكيم عامر في الوقت الضائع الرجوع إلى العشيرة إلى جانب ضباطه للاستعانة بهم في الانقلاب ضد جمال عبد الناصر الذي فوت الفرصة عليه واعتقله. أما في عراق اليوم فقد وصل إلى علمنا إن المقاومة ضد الاحتلال هي ليست من العشائر. كما أن مدينة ( أم قصر ) وهي ميناء عراقي صمدت 14 يوماً في وجه أكبر قوة في العالم عند بدء الحرب لغزو العراق بينما لم تطلق العشائر طلقة رصاص واحدة. أما في اليمن فنجد أن القبيلة هي التي انقضت على ثورة 1948م الدستورية. ثم شنت حرباً ضروساً على النظام الجمهوري لسنوات عديدة وهو النظام الذي أتي لتخليص القبيلة نفسها من الظلم والظلام. وكان المرتزق الأجنبي والمرتزق المحلي القبلي يقفان جنباً لجنب وكتفاً لكتف، لقصف العاصمة صنعاء بمنشآتها وإحيائها السكنية ودون اعتبار للمدنيين من نساء وأطفال وشيوخ. وهكذا كانت مثل تلك القبائل العصية على الدوام في الاتجاه المعاكس من أي طرح مهما كان نبيلاً أو شرعياً أو وطنياً أو مثالياً أو محقاً. وهذه المخالفة الدائمة، ليست سوى لسبب وحيد واضح هو الطمع المادي والجشع والرغبة المستمرة في الكسب والاشتغال بتجارة الحرب والارتزاق نظراً للفراغ في الوعي والعمل. وليس في الأمر مبادئ ثابتة أو قيم ومثل عليا بل الدافع هو الوقوف على النقيض المكلل بالغطرسة كمرض مزمن إلى جانب الجنيهات الذهبية. وفي جنوب الوطن اليمني مثَّلت القبائل التي تسلمت الحكم عند التاريخ المقرر للاستقلال قمة التناحر والصراعات من أجل مصالحها الخاصة و امتلاك ( السلطة والثروة و الـ ....... ) بحسب اعتراف نبيل لرئيس أسبق. ولو كانت مصلحة الوطن هي العليا بالنسبة لها لما حدثت تلك الصراعات.ورغم الانتفاضات القبلية العفوية الصادقة والشجاعة ضد المستعمر في جنوب الوطن إلا أن القبيلة وحدها هي التي انخرطت أيضاً في جيش صنعه المستعمر وكان نواة امتدَّت طويلاً لتنقض على صنَّاع الثورة الحقيقيين وتطاردهم قبل وبعد الاستقلال ووجَّه هذا الجيش مدافعه ضد الثورة السبتمبرية في حربين.[c1]فضلاً أوقفوا ميزانية شئون القبائل[/c]لا نعرف في التاريخ ولا العالم المعاصر العربي والأجنبي، المتخلف و النامي والمتقدم، قدراً من المهادنة والاسترضاء من قبل الدولة تجاه مواطنيها كهذا القدر والمستوى القائم بين دولتنا ودوائر واسعة من القبائل.إذ تلجأ الدولة في بلادنا إلى ضخ ميزانية ضخمه ( بالمليار ) إلى تلك الحلقات الاستنزافية وتعرف بميزانية شؤون القبائل، وهذه الميزانية إذا ما وفرت للتنمية والخدمات فإن الخير سيعم الجميع بما في ذلك مناطق الأفراد الممتصين لتلك الميزانية والذين يصرفونها للقات واللحم المتخم والمزيد من السلاح و السيارات الفخمة والتطاول في الدور وغيره . وفي تقديري أنه سيخف الضغط على عملتنا الوطنية وطبعها المرقـّع للعجز ويتقوى مركزها أمام العملة الصعبة الأجنبية وتلغى ( الجرع ) وتعزز الرواتب الحقيقية والمفترضة للعاملين بعرقهم وسهرهم في مجال الخدمات والدفاع والأمن في جميع المحافظات، وكل ما من شأنه تحسين مستوى المعيشة في الريف والمدينة. إنها ميزانية تصالح واسترضاء ومداراة وتدليل وليست ميزانية سد حاجة. وهو عطاء يقوى من شوكة القبيلة العصية ويطول قرونها على حساب هيبة الدولة وحاجتها وحاجة الغالبية الساحقة من السكان وقضايا الوطن والأمة، بما في ذلك المستضعفون الذين لا ذنب لهم في مناطق القبائل العصية نفسها التي ترى نفسها بأنها تنتزع هذه الميزانية انتزاعاً وإن ذلك من حقها وحدها فرضاً واجباً على الدولة غصباً شاءت الدولة أم أبت وأنه ليس من حق الآخرين أن يأخذوا ما تأخذه هذه الفئة. ويرجع هذا الشعور والسلوك المتعجرف إلى غرق القبيلة بالسلاح وكونها مدججة به من مصادر مختلفة في حروب سابقة وذلك بدلاً من أن يكون ( سلاح المسافر ) فقط هو سلاح القبيلي كما جاء في اتفاقية 1934م بين اليمن ودولة شقيقة مجاورة. وإن كان هناك من طرف خارجي يطرح نزع سلاح كشرط انضمام إلى مجلس تعاوني فهو نفسه الذي أغرق القبيلة بالسلاح في فترة من الفترات.وهناك أطراف قبلية ممن تمن على الشعب تارة بأصولها وتارة بوقوفها مع الثورة ولذا ترى نفسها إنه يجب أن يكون لها نصيب الأسد من الثروة أية ثروة كانت. وأطراف أخرى تدَّعى أنها ظلمت ولابد من تعويضها وأخرى ترى الأرض أرضها والحق حقها ولابد من انتزاعه ومالها وما للآخرين، فنظرتها هي في حدود نفسها و منطقتها فقط ، وهنا تكمن المشكلة .. [c1] للمتعجرفين صورتان[/c]للبعض من المرضى بالنزعة القبلية المتعصبة صورتان : صورة خارج البلد وصورة داخله. ففي الخارج نجد الواحد منهم متواضع بسيط متبسم محترم للنظام والقانون وللآخرين ولنفسه فهو ( مسكين الله ) ويخاف الله ويخشى العقوبة الأجنبية ولكنه في الداخل يتحول إلى نمر لا تستطيع ترويضه. لقد تعرفت منذ الخمسينات على عشرات الأصدقاء من مختلف المناطق والقبائل اليمنية العصية والطيعة ووددتهم جميعاً منهم الجيران والعمال وغيرهم وغيرهم، وذلك في المسجد والمقهى وأثناء سفلتة الشوارع في عدن وفي رصيف الميناء ومشاريع البناء والمطارات الخارجية والمدن .. وكان كل واحد من هؤلاء غاية في الطيبة واللطف والأدب والشهامة والأخلاق ولكني شاهدت منذ وقت ليس ببعيد انقلاب الحال ووحوش تسوق سيارات أو تحمل أسلحة. وتبدو الغطرسة والكبر واضحَين في ملامحها وسلوكها. كما يبدو أن السلاح هو اللغة الوحيدة التي تفهمها كما شاهدت شيخاً كبيراً وقوياً وذي أصل يتودد بالتسليم والتقبيل متوثباً إلى أمير واقف كعمود الكهرباء لا يبادله التقبيل والتسليم، بل واقف كأبي الهول وهذا مما يحز بالنفس.[c1]هل القبيلة هي العمود الفقري لنظام الحكم؟[/c]لا أظن ذلك لأن العمود الفقري هو الدعامة التي نستند عليها وليست هي التي تستند علينا. العمود الفقري هو الذي يحملنا وليس الذي نحمله والقبيلة هنا برموزها الاستهلاكية تثقل كاهل الدولة وتضغط عليها وتتكئ, وتأخذ منها ولا نرى أنها تعطيها أو تقدم لها شيئاً. وإذا قيل أنها تحمي الحدود فمشاكل الحدود قد سويت وقد صار القلق الآن منها وليس على الحدود. والقبيلة تصنع التمرد ولا تصنع الثورة ولا النظام ولا القانون وهي في وضعها الحالي تأخذ ولا تعطي وهذا ينطبق على القبائل البارزة التي قصد بها بأنها العمود الفقري أو على قبائل الأفراد المتمشدقين بأنهم الأصل و البقية دون. لقد كان الأنصار اليمانيون من الأوس والخزرج هم العمود الفقري الحقيقي لنظام ودولة الإسلام لأنهم أقاموه وحملوه على كاهلهم ولأنهم كانوا يعطون ولا يأخذون. كانوا ينفقون على المهاجرين ويكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع. وقاتلت همدان مع علي كرم الله وجهه دون أن تأخذ أو تنتظر منه ما كان يعطيه معاوية بن أبي سفيان للقبيلة لتقاتل معه. أما اليوم فيبدو أن الذات اليمنية عند البعض بحاجة إلى وقفة لانها تراجعت . وأن المبادئ العظيمة والمثالية بحاجة إلى بحث لأنها للأسف مفقودة او في دور انحسار .. فصار الهدف هو انتزاع المال من الدولة دون مقابل ودون التفكير في الآخرين وفي مستقبل الأبناء والأجيال القادمة القريبة.أيهما أولى وأقدم وأحق، قات الشيخ القبيلي ومزاجه أم مدرسة ومستوصف لأولاده وطريق وماء وكهرباء ومجاري للجميع ؟إنَّ الأحق بالعطاءات هم اليتامى والفقراء والأرامل واسر الشهداء والمرضى والمعوقين والذين بدون عائل في أي قرية أو شارع في الريف والمدينة .. وليس المقتدرون من ميسوري الحال. إن المال الذي لا عرق قبله لا طعم له والنفس العزيزة الشريفة هي التي تفرق بين المال الحلال وغير الحلال، وترفض وتأبى أن تقبل غير الحلال. إنَّ صفات أحد المذاهب المهمة والبارزة في اليمن هي أنه مذهب إيمان وعمل وجد ونشاط وعدل وإيثار فأين هؤلاء من كل هذه المعاني؟ وهل يدرك هؤلاء المعنى الهام والعميق لكلمة إيثار؟ يقول تعالى ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) الآية حول الأنصار، ومعنى الكلمة أن يحرم الشخص الكريم نفسه من الشيء رغم حاجته الماسة إليه ويعطيه للطرف الآخر، إن الإيثار هو عكس الأنانية، فأين هو العمل والجد والنشاط والعدل إذا ظل الشخص يأخذ لقمة الآخرين عنوة؟ كما يدعو هذا المذهب النبيل في اليمن إلى التحرر الفكري وإلى التعمق في العلوم النافعة (2) فهل يتعمق القوم في ذلك أم في غيره؟ ويدعو هذا المذهب الجليل بطبيعته إلى القوة والتضحية، ويفرض الطاعة والنظام والتعاون ولا يرضى لأتباعه بالمذلة والكسل ولكن يبدو أننا نتبيَّن العكس من ذلك فلا ندري من أين جاء هؤلاء و أولئك بصفات وأساليب مختلفة تناقض هذا المذهب العظيم وسلوك الأجداد الأوائل كالأنصار والقبائل اليمنية الخمسين العظيمة التي أقامت الإسلام ونشرته دون مقابل غير وجه الله وإذا أخذت الأنفال فهي من مال العدو وليس من مال الإخوة. بل أن الآباء في التاريخ القريب، في عهد الإمام يحيى والذين عارضوه، كانوا مثالاً للإيثار والتضحية لا يفكرون في المطامع بل همهم اليمن كما سنبين لاحقاً. إنه في الوقت الذي لا يستطيع مثقف أن يشتري كتاباً من الكتب فإن أحد المبذرين والمسرفين يشتري قنينة عطر بحجم الإصبع بـ 150 ألف ريال وهي راتب موظف بسيط لعام كامل أما ما يصرفه أقل المبذرين والمسرفين على القات لعام كامل فإنه يساوي قيمة مشروع في القرية أو في الحارة. لقد كان الإمام يحيى بخيلاً حتى على نفسه وعلى ذويه (3) ولم يكن يعطي أحداً شيئاً. وكذلك كان الإمام أحمد، فقصة إرساله بالأكياس الفارغة لاسترداد ما صرفه ابنه البدر على بعض القبائل لإخماد تمرد الجيش عام 1959م هي قصة معروفة. ولكن كان سخياً وقت المؤامرات بالرشوة لكسب مؤيدين يقفون إلى جانبه لاسترجاع ملكه كلما قابله تمرد أو ثورة. بل كان البعض يخرج فرحاً من عند الإمام ليس لأن الإمام قد أعطاه مالاً، ولكن لأن الإمام ربَّت على ظهره حيث يظل يردد قائلاً: ( سيدي ربَّت على ظهري ... مولاي الإمام ربَّت على ظهري ... ) وكأنه حصل على صفقة.أما اليوم - والعياذ بالله - فاللعب هو بالمليار.. ولا ندري متى يصحو الضمير. لقد جاءت انتفاضة ناصر مبخوت الأحمر كثورة ارتقى وارتفع بها من مستوى القبيلة إلى مستوى الوطن حينما طرح على الإمام يحيى تطهير جهاز حكمه من الفئة الفاسدة (4) مما يعني أن همه كان اليمن وليس القبيلة ولا المال أو الثروة وكذلك كان يحيى شيبان وغيره ممن دفعوا الشهادة ثمناً ولكنهم خالدون في قلوبنا أما أبناؤنا وإخواننا اليوم ماذا يفعلون، هل يفكرون بهذه الطريقة في محاربة الفساد أم يحمون عناصره وشعار الواحد قد يكون ( أنا .. و من بعدي الطوفان ! ) إن جيل الآباء من الوطنيين المخلصين في القبيلة تجاه الوطن قد حملوا أسماء من ذهب في صفحة التاريخ وهم كـالزبيري والموشكي ومطيع دماج والنعمان وجازم الحروي و عبد الغني مطهر والمشايخ كالقوسي وأبي راس وناصر الأحمر ويحيى شيبان وغيرهم يرحمهم الله والقاضي عبد السلام صبره وغيره أطال الله أعمارهم. كان همهم اليمن وليس الذات أو الجيب أو الترف والبذخ، كانوا بسطاء حتى وهم مشايخ وأعيان كان همهم تخليص اليمن ضماناً لمستقبل الأجيال .. ولكن ليس على صورة أقليات في القمم وغالبية في الحضيض. ونجد مثلاً الآن أن الفاسد المحتال على الدولة بكسب غير مشروع وهو محمي بالقبيلة أو برصيد آخر نجده يهَّرب الأموال إلى الخارج و قد يذهب لتفقدها بين الحين والحين بحجج أخرى إلى أن يلصق هناك وقت الضرورة والضرر ولا يعود إلى الوطن. لقد سبقنا شرفاء مصر الآن بطرح وطني لتعقب مثل هؤلاء في الخارج وإرجاع أربعين مليار دولار سحبت بعد الانفتاح؛ ويسعى آخرون من الشرفاء لطرح بقعة سكن للمواطن المستحق والبسيط إذ كيف سيدافع هذا المسكين عن وطنه إذا كان لا يملك ما ينام عليه. علماً بأن أصحاب الثراء الفاحش غير المشروع وغير المستحق لن يخافوا إلا على أموالهم ولن يقاتلوا سيفكرون بالاختفاء أو الهروب أو الهجرة إذا حل مكروه ، هذا مع العلم بأن البقية الباقية من المتكورين على أنفسهم والمشاركين في نهب الثروة بالضغط على الدولة لا علم لهم بحرب البحر والجو ولن يغنوا في ذلك شيئا. وقد شوهدت سيارات كثيرة فاخره تهرب من العاصمتين إلى الدواخل بداية حرب الانفصال.ومن سوء حظها تقلب بعضها نظراً لسرعة السياقة خوفاً وذعرا من نيران الحرب. [c1]موت القبيلة والقبلية في اوروبا[/c]عندما كانت القبائل الأوربية تجوس في أوربا خلال الديار كانت أوربا تعيش في غاية التخلف، كانت قبائل بربرية متوحشة تهاجم وتنهب وتسلب أثناء العصور المظلمة لأوربا وذلك أثناء العصر الذهبي للإمبراطورية الإسلامية. وعند ذوبان القبيلة، بدأت أوربا بالنهضة والتقدم، أوربا اليوم بدون هذه القبائل. إن الشعب كله قبيلة واحدة، وكل واحد يحس بالآخر، ومحسوب على الآخر. تثور الدولة والشعب لو أن واحداً من مواطنيهم مسه خطر في أقصى الأرض. هناك قيمة للإنسان، وكل مواطن يحس بقيمة المواطن الآخر حتى وهو لا يعرفه.وإن كان من قائل أن أوربا قد احتاجت إلى قرون لهذا التغيير، وإننا سنكون بحاجة إلى وقت طويل لنصل إلى مستواهم فهذا غير صحيح، لأن عندنا أولاً الإسلام ثانياً الدولة والدستور والنظام والقانون وعندنا المدارس والمعاهد والكتب والصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون إضافة إلى ثورة العصر في الاتصالات والتقنية وغيرها من أساليب التطور والتواصل. العالم اليوم قد أصبح قرية واحدة أو بيتاً واحداً وبإمكان أي دولة مهما كانت صغيرة أو كبيرة فقيرة أن تقفز إلى القمة وتكون في مصاف الدول المتقدمة ما لم يكن بها متطفلون معطلون لحركتها. وإذا تحرك الجميع حركة رجل واحد مع احترام للنظام والقانون وأولي الأمر من سلطة وحكومة ودولة وقيادة منهين الفساد والغطرسة وتكديس السلاح. ولم يعد يفكر البعض في أن يكون أميراً أو زعيماً هنا نكون بلداً مشرفاً أمام العالم ، وليتذكر الجميع عهد الأئمة المظلم وأن البطر حرام، هذا و( لا تصلح جنبيتان في عسيب) كما يقول المثل اليمني الريفي . أن البعض يأخذون من العالم او من الخارج كل ما هو سيء ويتركون كل ما هو خير. وهذا نابع من الأنانية والجهل .. إضافة إلى الكبر والغروروالجشع . [c1]القبيلي إذا لم يُظلَم يَظلِم[/c]هذه مقولة للإمام يحيى، لا نتفق معها ولكن يبدو أن الإمام يحيى قد قالها حسب تجربته ومعرفته بنفسية البعض من محكوميه.. فالرعية أو الموطنون ولا سيما القبيلي والشيخ في نظر الإمام يحيى إذا لم يُظلَم - بضم الياء وفتح اللام - فإنه يَظلـِم - بفتح الياء وكسراللام- أي إذا لم يقع عليه الحزم والحسم بدرجة عالية من الشدة فإنه يقوم هو بظلم الآخرين بقسوة. فأنت إذا راضيته وتركت له العنان فإنه يكون وحشاً لا يردعه رادع. لذا عليك أن تردعه وتقمعه إذا تطلب الأمر ، حتى لا يقع الآخرون فريسةً له. وإلى جانب كون الإمام يحيى كان بخيلاً وحريصا في غير محله,ً فقد كان عالماً و مطَّلعاً إلا انه كان قاسياً وقد أغلق باب اليمن في وجه العصر، وكانت له مواقف ضعف عديدة سنحاول المرور عليها سريعاً. [c1]( الصميل خرج من الجنة )[/c]وهذه مقولة شعبية سمعتها من رجل في الخمسين يرددها بنشوة وحماس وفخر ويقولها لسائق حافلة صغيرة وهو يجلس إلى جانبه في الخط الدائري بصنعاء ويروي أن جماعته انتزعوا أشياء من الدولة بفضل استخدام الضغط والقوة الاحتجاز وغيره ضد الدولة حتى نزلت الدولة عند رغبتهم ووفرت لهم مطالبهم وظفروا بما يريدون وهذا بفضل ( الصميل ) على حد تعبيره أي العصا الغليظة التي استخدموها. وطالما أن الصميل عندهم خرج من الجنة فيعني أنه مقدس لديهم وأنه يمكن أن ينقلب عليهم ويستخدم ضدهم من قبل الدولة طالما وأنه مقدس لديهم ومرغوب فيه.إن مثل هذا الشخص يعتز ويفخر ويؤكد أن العنف والقوة قد خرجا أصلاً من الجنة بمعنى أنهما جزء منها، وعليه فإنه ينقلب استخدام هذا المثل على مثل هذا الشخص وضده. وبالإمكان عمل العكس من قبل الدولة واستخدامها ( للصميل ) ضد العاصي لأن الصميل خرج من الجنة كما قالوا وعلى أصحاب هذا المثل ألا يغضبوا إذا طـُبق ضدهم.[c1]سلاح المسافر[/c]مصطلح سلاح المسافر ورد ذكره ضمن بنود اتفاقية 1934م مع دولة شقيقة مجاورة حيث يقتصر تسلح الفرد على السلاح الشخصي كالبندقية والجنبية مثلاً التي يحمي بهما نفسه ( في عمان تلحم الجنبية وقبائل عمان محترمة للنظام والقانون وهي قبائل قحطانية - يمانية - في اغلبيتها ومنها تنحدر أسرة السلطنة) ولكن أتضح فيما بعد تكدس الأسلحة بشكل لم يسبق له مثيل من حيث المكان والزمان بعد الثورة وبسبب أعدائها وصارت محاولة نزع السلاح كمحاولة إنهاء الفساد كلاهما يتطلب ثورة ثالثة أو رابعة. ولنا مع الفساد طرح آخر ورأي. إن شراء السلاح من القبائل كطريقة مخففة لنزعه أمر وحده لا ولن يكفي، ولكن هناك إجراءات أخرى نراها وذلك مثل: التحرك المستمر لإنهاء الثأر وإجراء الصلح من قبل الدولة واستمرارها للترغيب والترهيب والاستبدال التدريجي لميزانية شؤون القبائل التبذيرية بمشاريع لمناطق القبائل نفسها لقد أصبح الكثيرون يرفضون نزع السلاح الثقيل لخوفهم من خصومهم في الثأر.إجراء مؤتمر برعاية الدولة للمشايخ المدججة قبائلهم بالسلاح بحيث يقيمون العهد والاتفاق على التسلح المحدود ونهاية الثأر ويمكن أن يكون ذلك في بلد شقيق مجاور ومبادر خاصة إذا سبق وأن كدَّس هذا البلد لهم السلاح فربما بإمكان الذي عطَّل قادر على أن يصلح إذا حسنت النية.على الدولة أن تظهر العين الحمراء على القبيلي المتغطرس أو الشيخ أو السيد المتعصب العصي وتنزع أسلحته الثقيلة التي لا حاجة له بها إلا الإضرار بإخوانه ولا نرى بأنه سيدافع بها عن الوطن، أولاً : لأنه بمعزل، ثانياً : لأنه إما كان ضد الوطن والجمهورية يوماً ما سابقا او لاحقا ، وإما أنه لن يقف معهما لأن أسلحته واستعداده متخلف عن امكانية العدو المحتمل . ثالثا : غير متحمس لانه لايوجد فيد سيجنيه من العدو. وفي حرب خاطفة قد لاتوجد فرصة لاجراء صفقة ذهب او مال معه يستلمها لكي تحركه .. والقبيلي إذا لم يُظلَم يَظُلِم ، والصميل خرج من الجنة ، ولا تصلح جنبيتان في عسيب . [c1]مرة أخرى دور سكان المدن ضد الغزاة[/c] عندما احتل الأحباش اليمن كان لمدن الأطراف والحواشي والسواحل شأن في تحرير الدواخل من الديار اليمنية من غزو الأحباش وذلك عندما أتى سيف بن ذي يزن بالمقاتلين الفرس الذين لم يكن عددهم سوى 600 مقاتل انضم إليهم الآلاف من أبناء الشعب اليمني عندما نزل سيف بالساحل الجنوبي وجعل خط سيره طويلاً ليتمكن من دعوة أهل المدن والأطراف والحواشي من الانضمام إلى جيش التحرير لتحرير الداخل ولم يكن أولئك المقاتلون الفرس بعددهم المحدود سوى عدد رمزي لإرهاب الأحباش بلفت نظرهم إلى أن خلف اليمنيين دولة كبرى في ذلك العصر هي دولة فارس، وذلك مما ساعد على هبوط معنويات جنود الاحتلال إلى جانب آلاف المقاتلين اليمنيين الذين لم يقفوا موقف المتفرج فحسمت المعركة لصالح اليمن و دحر الأحباش. وقبل ذلك لم يتمكن الرومان من احتلال عدن فقد صدتهم عدن. وفيما بعد حينما حاول البرتغاليون احتلال عدن و الشحر فشلوا في ذلك. أما عدن فقد التحم الجيش وأهالي عدن كقوة واحدة وهزموا البرتغاليين شر هزيمة في عام 1516م وذلك بعد خروج العرب من الأندلس ( أسبانيا والبرتغال ) بحوالي أربعة وعشرين عاماً برغم توفر المدفعية البرتغالية الجديدة بالنسبة للسلاح اليمني في عدن. ولكن عندما وقع الغزو البريطاني على عدن 1839م لم يكن للأهالي دور بحكم سلوك الحاكم وكان السور قد أهمل وتحطم بعضه كما تم أهمال الأهالي من قبل الحكام ومع ذلك فلم يتمكن الغزاة الإنجليز من دخول عدن إلا في اليوم الثالث من بداية المعركة. ( السور كان ممتداً من الجبل الأخضر قرب المحكمة حالياً إلى الجبل المقابل لقلعة صيرة وله ثمانية أبواب ). وفي الوقت الذي تحركت فيه لحج والفضلي وبئر أحمد و المخاء بل ومكة بحملات عسكرية على الإنجليز دوَّخت المستعمر على مدى الخمسة عشر عاماً الأولى من الاحتلال حتى كاد فيها الكابتن هنس أن يهم بالجلاء عن عدن إلا أن الإخباريات التي كانت تصل باللغة العبرية إلى الكابتن هنس عن تلك الحملات قبل وصولها كانت تجعل المحتلين يستعدون وتفشل الحملات حيث كان العبريون (اليهود) المنتشرون في اليمن هم أحسن جواسيس هنس. في هذه الأثناء تناوب في صنعاء ثلاثة أئمة على الحكم أحدهم طلب مالاً من بريطانيا والثاني سلاحاً وآخر توجه بجيشه إلى قرب لحج لدخول معركة مع الإنجليز ولكنه استدار من قرب لحج وعاد إلى صنعاء ولم يدخل المعركة. أما الإمام يحيى في عهده فقد أضاع فرصة كبيرة عندما قام سعيد باشا التركي بتحرير مناطق الجنوب والوصول إلى الشيخ عثمان والاتصال بالإمام يحيى لتسليمه المناطق المحررة فقد رفض يحيى كما كان موقفه أيضاً ضعيفاً بالنسبة لحرب 1934م مع الجيران في أقصى شمال الوطن. والأسوأ أنه لم يعمل ما يكفي لجريمة ذبح خمسة ألاف حاج يمني ويمنية محرمين عزل من السلاح في طريقهم إلى مكة عام 1922م بعد تجاوزالحدود اليمنية وذلك على أيد قتلت ونهبت وسلبت حيث لم ينج من المذبحة سوى سبعة أشخاص (5). ويروي مرتزق بريطاني ( ديفيد سمايلي ) (6) كيف أنه ورفاقه كانوا يسرحون ويمرحون بين القبائل الملكية والمرتزقة حيث كان يقوم بقيادة تلك العصابات ضد الجمهورية. وفي منطقة أخرى في وادي شعب تسلَّح الشيخ عبد اللطيف الشعبي بالسلاح البريطاني لدحر جيش الإمام من المناطق التي كان قد حررها جيش الإمام في نهاية العشرينات من القرن الفائت في وقت قامت فيه الثورة الحقيقية في وادي شعب باسم طالب الشعبي ضد السلطان والاستعمار البريطاني الذي أخمد الثورة بسلاحه المتطوِّر. وعندما نزل الأتراك الحديدة في إحدى المرات الثلاث التي احتلوا فيها اليمن استقبلهم إمام سابق في الحديدة وجاء بهم إلى صنعاء حيث قام أهالي المدينة وليس القبائل بالثورة على الجنود الأتراك وقتلهم في الأزقة حيث حرروا المدينة واعتقلوا الإمام (7) ولم يكن للقبيلة دور يذكر ولكن معركة شهارة كانت مشرفة, هزم فيها الأتراك على يد القبائل ولم يلبث الإمام إلا أن ميعها بصلح دَعـّان مع الأتراك تسلم بموجبه معاشات تركية للمشايخ في الجناحين تماما مثلما كما كان الإنجليز يصرف المعاشات للسلاطين والمشايخ في الجنوب. وقد علق شاعر شعبي على صلح دعَّان حانقاً: قالوا سبرصلح ( دَعّان ) فيه سدوا الرجال ومادرينا عليش تموا ، وكيف المقال ما غير ليش ما يسدوا قبل بد ع القتال عليش سرنا وجينا في السيال و الجبال لا سيرتك ما تفيدك : ما يضر الجلـوس (10) و كانت معركة هبنِّـقة - بتشديد النون- في الحجرية كانت معركة ظافرة ومشرفة ضد الترك خاضها الأهالي بالحجارة رميا من الأعلى وبما توفر من السلاح[c1]دور أبناء عدن في فك حصار صنعاء[/c] للأسف نجد أن الجبهة الوحيدة المهضومة الذكر في حصار صنعاء هي جبهة نقيل يسلح لفتح طريق صنعاء - تعز، التي شارك فيها عدد كبير من مواليد مدينة عدن إذا ما قورن بأحجام أو بأعداد الفرق الأخرى داخل صنعاء وخارجها من الصامدين مع الجمهورية. فلا الكتاب ولا الساسة ولا العسكريون ولا غيرهم من أمثال المرحومين عمر الجاوي وجار الله عمر والعلفي يرحمهم الله ولا الباحثين قد انصفوا هذه الجبهة أو عرضوا لذكرها بالتفصيل عندما كتبوا عن الحصار عدى الأخ الجناحي في سطرين (8) والعقيد الدفعي في عبارة واحدة حيث أشار إليها بـ( جماعة التحرير) ويقصد جبهة التحرير والتنظيم الشعبي وجيش التحريروقد تناوب المئات على هذه الجبهة من التنظيم الشعبي وجيش التحرير وتمكنوا بعد جهد جهيد ودفعات عديدة من فتح الطريق وفك الحصار عن هذه الجبهة حيث استشهد كبير قادتهم الشهيد هاشم عمر إسماعيل وبجيبه خمسون ريالاً فقط في وقت كانت فيه الجنيهات الذهبية والأسلحة الأمريكية مكدسة لدى الطرف الملكي و هؤلاء الفدائيون لم يتعودوا على حرب الجبال ولا طلوعها ولا المعارك النظامية في أخطر موقع كعنق الزجاجة وهو نقيل يسلح الذي يبعث على الرهبة في السلم فكيف في الحرب ( حوالي 3000 متر ) لقد كان إلى جانب هؤلاء عدد يسير من الشرفاء من أبناء القبائل الذين أدوا دورهم رغم قلة عددهم . لقد كان سلاح الفدائيين من أبناء الشيخ عثمان والمنصورة وباقي عدن وغيرها البندقية الشيكي فقد سحبت عليهم الآليات ولم تصل الطائرات القاصفة في موعدها حسب الخطة ووعد ( الدفعي ) لهم بذلك وكان الفدائيون في مقدمة المعركة كما ذكرالقائد الدفعي والكاتب الجناحي(9) وغيره وبدءوا بالطلوع هجوماً على العدو لتطهير جبل ارتفاعه حوالى 3000 متر في أول معركة لهم واستخدموا المدرعة لأول مرة حيث أنهم لم يكونوا قد تدربوا عليها. وأمام الضربات القوية لم يستطع المشايخ السيطرة على أفراد قبائلهم الذين تبعثرت قواتهم .... ( كتاب الجناحي ص 405 ) وذلك هاربين بينما واصل فدائيو عدن من التنظيم الشعبي المعركة وفقدوا خمسين شهيداً لعدم وصول الطيران حسب الوعد. وقد كان طعامهم الكدم ولم يكن الماء يصل إليهم لأن الملكيين كانوا يثقبون بالرصاص خزانات الماء المحمولة على الشاحنات كلما صعدت شاحنة، وكانت جيوبهم خالية من النقود ولكنهم في نهاية الأمر و بدفعات أخرى من إخوانهم الفدائيين وغيرهم فتحوا أهم طريق هو طريق صنعاء - تعز، تحية لهؤلاء الأبطال ورحمة من الله على الشهداء. [c1]المراجع والهوامش:[/c] لقاء فضائية الجزيرة مع الرئيس الأسبق بن بللا في حلقة ضمن برنامج (شاهد على العصر) في 24/12/2002م .القاضي عبد الله الشماحي : اليمن الإنسان والحضارة ص 101 طبعة 1984م دار الكلمة صنعاء .3 و 4 - الشماحي : المرجع السابق ص 168 ، ص 172 .5- سعيد الجناحي : الحركة الوطنية اليمنية ص 46 الطبعة الأولى 1992م صنعاء .6- حامد جامع : ترجمة لمذكرات ديفيد سمايلي مجلة الحكمة عدد 147 ص 26 . 7- الشماحي : مرجع سابق ص 152 . 8و9- سعيد الجناحي : مرجع سابق ص 405 . 10- عبدالله البردوني : قضايا يمنية ، ص187 طبعة ثانية 1978م ، دار الاندلس- بيروت .[c1]* [email protected][/c]
اشتباك قبلي
الامام يحيى حميد الدين
تسجيل القبائل في الجيش قبل الاستقلال
جيش الامام الحافي من القبائل