أضواء
التحدّث بالعربية والفارسية والبستكية (الهولي) والهندية ثم لاحقاً الإنجليزية كلها لغات كان يتحدث بها أهل البحرين قديماً. أما الأجيال الحالية فتتحدث العربية والإنجليزية والقلة منهم من يتقن مما ذكر بدايةً، إلى جانب ما تبقى من جيل الآباء والأجداد فهم من يتحدث بها حتى الآن. استخدام هذه اللغات كما هي لهجات البحرين المختلفة لم يأتِ من فراغ بل يعكس التعددية في نسيج البحرين المعروف الذي لم يهضم يوماً حق أية جماعة في ممارسة حقوقها الثقافية بحرية من دون قيود، بل كانت ومازالت خصوصية تميز بها أهل البحرين منذ القدم حتى وقتنا الحالي مقارنةً بدول المنطقة.وبالتالي إن من الطبيعي أن نسمع هذا المزيج من اللغات والخليط من اللهجات في سوق المنامة القديم والمحرق. وهو أمر معروف وليس بغريب إلا مع الغرباء أنفسهم أو من أصبح لتوّه «بحرينياً» لا يعرف طبيعة هذا النسيج البحريني واعتبر ذلك ضمن مخططات الهجمة المدبَّرة من الخارج للقضاء على هوية البحرين العربية. إن الجهل بالحقائق مصيبة. ولكن لا يمكن تغيير التاريخ مهما حاول البعض الذي لا يعرف شيئاً عن عوائل البحرين وما تنتمي إليه من أعراق، وهي موجودة منذ أكثر من مئة أو مئتي عام أو أكثر، وقد ساهمت في بناء هذا الوطن، وكانت تتنقل وتعمل مع التجار. ومثالاً على ذلك عائلة «دي آي» البونيان (الهندوسية). فجدُّهم كان أول من أنشأ مصرفاً متنقلاً في المنامة، وهي إحدى العوائل التي لها تاريخ طويل سكنت وعملت مع أجدادنا عبر الزمن حتى الآن. هذا الأمر ليس بغريب، ولكنه غريب على من اكتسب الجنسية البحرينية حديثاً، على رغم أنهم في بلدانهم الأصلية التي قدموا منها لديهم الأرمن والشركس (الشيشان) واليونانيون الموجودون بكثافة في بلدانهم. فلماذا الاستغراب من نسيجنا البحريني المعروف، فهؤلاء لديهم عناصر دخلت على نسيج مجتمعاتهم وأصبحت من أهل البلد بعد أن خدمت البلد ولم تأخذ الخبز من أفواه أبنائه. إن أجواء المنامة - مثلاً - لها طابع مختلف... فهي التي كانت في يوم ما بوابة لنقل البضائع التجارية من بلاد فارس والهند والعراق وسلطنة عمان عبر «باب البحرين» الذي كان يُعَدُّ معبراً للسفن وحالياً تحوَّل إلى ساحة ميدان تكتظُّ بالعمالة الآسيوية. «المجنسون» لا يعرفون شيئاً عن طبيعة هذه المدينة ولا عن أهلها سوى أنها مركز لتجمهر الآسيويين ومحلاتهم على رغم أنها عاصمة البحرين، التي أهملت الآن. إن المتغيرات التي طرأت على النسيج البحريني المعروف أدت إلى هجرة الكثير من العوائل المنامية إلى مناطق أخرى، وما بقي من عاصمتنا سوى بعض البيوت والمباني المتهالكة وأخرى هُدمت، على حين القلة من بقت داخل أجوائها. غير ان المساجد والحسينيات (المآتم) ظلت شاهداً على التواصل بين هذه العوائل في اللقاءات والمناسبات المختلفة، فبقيت مسمياتها وحالها من دون رتوش مع أن الدولة للأسف لم تُعِرْ اهتماماً بإبقاء أسماء أحيائها؛ لاعتبارات لا تبعد عن كونها محاولات مستمرة لمسح التاريخ عن أهم منطقة في جزيرة البحرين (الأم). فبعد إزالة أسماء عدد من الأحياء التاريخية من السجلات الرسمية نشاهد الآن ممارسات ذاتها تتكرر لمسح أسماء منطقتي الماحوز والسقية. وهو أمر لا ينصف تعددية أهل البحرين ولا تاريخهم على رغم أن هذه الأسماء تحمل في جعبتها الكثير من الإرث الذي لا يمكن شطبه. إننا نرفض التلاعب بتاريخ وهوية البحرين ونرفض ادعاءات الغرباء بأنهم يدافعون عن عروبة بلادنا؛ لأن المُدافع عن ذلك يعرفه الجميع بشهادة الأمم المتحدة العام 1970. *عن / جريدة “الوسط” البحرينية