الصحوة الجديدة للإسلام السياسي (1 ـ 3)
[c1]سعود القحطاني*[/c] في الثمانينات من القرن العشرين الميلادي ، ونتيجة للثورة الإيرانية وبعد حادثة جهيمان الشهيرة، ظهر نجم جديد في سماء الفكر الاسلامي السياسي يحب مريدوه أن يُطلق على تيارهم الجديد والقادم بسرعة الضوء اسم: تيار الصحوة الإسلامية، بينما يصر المخالفون على تسميته باسم: التيار السروري[1]، ومنهم من يسميه تجاوزاً باسم: التيار الاخواني القطبي[2].كانت الميزة الرئيسة لهذا التيار تتلخص بالتوفيق بين طرفي معادلة لا توافق بينهما في الحقيقة، وهما : الفكر الوهابي في المجال العقدي والفكر الإخواني/القطبي في مجال العمل الواقعي. أو كما قال الباحث السعودي علي العميم في كتابه (مشايخنا ومشايخ الصحوة ) : "ولدت الفكرة السرورية في محاضن الصحوة والتي حافظت على التزمت الحنبلي الوهابي الشكلي من جهة، ومن جهة اخرى منحته ديناميكية سياسية واجتماعية وعقائدية"مع ملاحظة أن هذه المعادلة قد تتـغير متغيراتها بين الحين والآخر وذلك على ضوء تبدل الظروف، لذا لاحظنا أن المتغير الإخواني قد يتحول إلى متغير جديد هو المتغير القطبي والمنبثق في الأساس من العباءة الإخوانية. وهذا ماحصل بالفعل في فترات كثيرة من عمر الصحوة الإسلامية. وفي الآونة الأخيرة وبعد أن كثر الهجوم على الفكر الوهابي بالداخل والخارج في آنٍ واحد، لم يكن غريباً أن نشاهد في الصحويين من يحاول أن يقوم بإحلال متغير الإسلام الوسطي بدلاً من العقيدة الوهابية، حين كثر متربصوها، وظهر في الأفق جلياً أن هذه العقيدة لن يقدر لها مقاومة التحديات القادمة. والنموذج الأميز في ذلك هو الدكتور محسن العواجي المؤسس والمشرف على موقع منتدى"الوسطي[3].سياسياً كان الصحويون، ولا يزالون، كما يقول الباحث علي العميم: "يتبنون موقفاً سياسياً يمكن وصفه بأنه موال للجسم الديني للدولة السعودية (من الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز) وغير موال للجسم السياسي فيها منذ إعادة تأسيسها الثالث على يد المؤسس الكبير الملك عبدالعزيز آل سعود. بكلام آخر كانوا موالين لـ(الدعوة) وغير موالين لـ (الدولة) التي تمخضت عنها في الطور السعودي الثالث".ويؤكد باحث سعودي آخر هو محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، في احد ابحاثه ، على أن الوهابيين التقليديين هم بناة الدولة وحماتها وذلك على عكس الصحويين، الذين هم دعاة لهدم الدولة وبنائها بشكل جديد ومختلف تماما، هذا ما يحلمون به ويأملون بتحقيقه. وبعبارة أخرى يمكن القول: إن التقليديين يطوعون النصوص لحماية الدولة وذلك على عكس الصحويين الذين يقومون بتطويع النصوص لهدمها[4].ولايفوتنا هنا أن نؤكد على قضية هامة ورئيسة وهي أن الكلام في أمور السياسة وبشكل مفصل وجريء،لم يكن معهوداً بالسابق من قبل المشايخ التقليديين، والذين وإن تكلموا في هذه الأمور فهم إنما يتكلمون فيها بناءاً على موقف الدولة العام من الأحداث السياسية. ولكن مشايخ الصحوة كسروا هذه القاعدة وبنوا لأنفسهم جماهيرية كبيرة بتبنيهم لمثل هذا الطرح غير المألوف. ويلاحظ على التيار الاخواني الصحوي بصورة عامة تشدده الكامل بما يحب البعض أن يسميه بإسلام المظاهر (الإسلام القشري) وهم بهذا وكما قال العميم يمثلون: " تجسيداً عملياً اجتماعياً وثقافياً لمسائل أساسية ومهمة في نص العلماء والمشايخ التقليديين النظري وفي ممارساتهم العملية". وضرب الباحث مثالاً ببعض المسائل المهمة في التدين السني الوهابي الحنبلي (التقليدي) ومن هذه الأمثلة التي طرحها: إعفاء اللحية، وكراهية إسبال الثياب لغير الخيلاء، وقال: إن هذه المسائل أساسية ومهمة في التدين الصحوي، وشدد على أن الصحويين قد غالوا في بعضها، وضرب مثالاً بتحريم الصحويين لمس اللحية بعد أن كان جائزاً في السابق أخذ ما يتعدى قبضة الكف، واعتبارهم لإسبال الثياب والذي كان مكروهاً فيما سبق أمراً محرماً، بل إنهم زادوا في مسائل أخرى ذكر منها لبس المرأة القفازين في يديها وغير ذلك.وهذا التمسك الشديد بالإسلام القشري رتب كراهية شديدة وعداءً متواصلاً بين التيار الصحوي والتيار الحداثي في البلاد، وسنحت للصحويين فرصة كبيرة بتسديد ضربتهم الموجعة للحداثيين السعوديين عن طريق أحد مشايخهم الجدد - في ذلك الحين ـ وهو الدكتور عوض القرني، والذي ألف كتاباً كان عنوانه (الحداثة في ميزان الإسلام). والكتاب، وكما هو واضح من عنوانه، يهدف إلى محاكمة الحداثيين وتيارهم محاكمة دينية صارمة على غرار محاكم التفتيش في العصور الوسطى. وكان من الواضح أن لا مجال للحداثيين في أن يكسبوا مثل هذه الحرب وخصوصاً إن الحكم فيها هو الخصم نفسه، ومن هنا فلا غرابة في أن تكون محاكمة الحداثيين في كتاب القرني محاكمة صورية بحتة، نتائجها معروفة قبل قراءة الكتاب ومعرفة محتواه. ومن هنا تزول الغرابة التي قد تواجه القارىء حين يقرأ ـعلى سبيل المثال - في مقدمة الكتاب: "أن الصراع مع الحداثة ـ أولاً وأخيرا ًـ صراع عقائدي بحت"[5]. ويقول الكاتب في مكان آخر من الكتاب نفسه: "ومما يؤكد لنا حرب الحداثة للإسلام والأصالة وعدم وجود أي رابط بينها وبين ماضينا ومجدنا وتاريخنا، خلو جميع إنتاجها الأدبي والفكري من أي إشارة إلى القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح، إلا ما كان من باب الطعن والغمز واللمز، مع اكتفائها برموز الوثنية والإلحاد القديمة والمعاصرة"[6].وفي الحقيقة فإن الكاتب قد أشار في مقدمته إلى خشيته من تغلغل المحسوبين على التيار الحداثي في الصحف والنوادي والجمعيات الأدبية، أو كما هو النص بعبارته: " ان الحداثيين سيطروا على كثير من الأقسام الثقافية في الصحافة المحلية وتغلغلوا في غيرها من النوادي الأدبية والأندية الرياضية وفروع جمعيات الثقافة والفنون"[7]. ومن المعلوم أن السماح لأي تيار مغاير للصحويين بالتعبير عن آرائه بشكل قد يدفع العامة لمتابعته، أمر مرفوض في سياسة الصحويين العليا بشكل كلي وتام، لذا فقد كان هذا الكتاب حتمياً لإلغاء هذه الهيمنة الحداثية على الوسط الثقافي السعودي، و إحلال السطوة الصحوية بدلاً عنها. الغاية والأسس التي تقوم عليها الحركة الصحوية للاسلام السياسي الغاية النهائية للصحوة الإسلامية السعودية تتلخص بتكرار التجربة الإيرانية على الأراضي السعودية، ونقل فكرة ولاية الفقيه من إيران إلى السعودية. يقول الدكتور غازي القصيبـي في كتاب (حتى لاتكون فتنة) معرفاً ـ ما نسميه هنا ـ حركة الصحوة الاسلامية السعودية : "حركة تستهدف الوصول إلى الحكم يقودها فقهاء / زعماء/ ساسة ويتبعون فيها كل أساليب المعارضة السياسية، ويتخذون من الثورة الإسلامية في إيران النموذج"[8]. وترتكز الصحوة الإسلامية على مجموعة من الأسس المتفق عليها بين منسوبي هذا التيار، وبالاستقراء يمكن القول إن هذه الأسس هي :- [c1]1 - شمولية الإسلام :[/c]بمعنى كونه ديناً ودنيا (يقوم على تفسيرهما الصحويون). يقول سلمان العودة في "من يملك حق الاجتهاد" معطياً هذه الدلالة: "وإن هذه الصحوة الطيبة المباركة لسوف تؤتي أكلها بعد حين بإذن ربها، فتخرج لنا علماء صالحين عاملين يكفون الأمة مؤنة الإفتاء والتعليم ، والتصدي لهؤلاء المتطفلين على الشريعة، الذين يتبعون كل صيحة ويميلون مع كل ريح، ولا يستضيئون بنور العلم"[9]. وبمعنى ، أن الفصل بين الدين والسياسة (العلمانية) ليس إلا كفراً كما يوضح الدكتور سفر الحوالي: "نستطيع أن نرى حكم الله فى العلمانية بسهولة ووضوح إنه باختصار: نظام طاغوتي جاهلي يتنافى مع لا إله إلا الله من ناحيتين أساسيتين متلازمتين: [c1]أولاً: ـ[/c] من ناحية كونها حكماً بغير ما أنزل الله. [c1]ثانياً: ـ[/c] من ناحية كونها شركاً في عبادة الله"[10].ويجب ملاحظة أن الدولة السعودية تركز على نقطة الشرعية الدينية في خطابها الإعلامي وبشكل متواصل ، ولكي يتغلب الصحويون على هذه الإشكالية فإنهم يلجأون إلى المزايدة على هذه الشرعية باستمرار، وعبر كل الطرق المباشرة منها وغير المباشرة، وذلك تبعاً للظروف السياسية ومايرتبط بها من قوة الدولة أو ضعفها. أو بمعنى آخر: فإن المزايدة على شرعية الدولة الدينية تصل إلى أقصى درجاتها في لحظات الضعف و الأزمات التي تمر بها الدولة، وأما في لحظات القوة والتوحد فإن هذه المزايدة تتخذ شكلاً غير مباشر.وإذا رجعنا لأزمة غزو الكويت، والصعوبات التي واجهت الدولة في ذلك الحين، والتي وصفها المحللون بأنها أحرج لحظات واجهتها الدولة السعودية منذ إنشائها مما دفع بصاحب القرار إلى اتخاذ القرار التاريخي المتمثل بطلب مساعدة الدول الصديقة في الدفاع عن الأراضي السعودية، وذلك بعد أن أصدرت المؤسسة الدينية التقليدية فتواها بالموافقة على هذا الإجراء. في تلك الأثناء نلاحظ أن الخطاب الصحوي المناهض للدولة والمشكك في شرعيتها الدينية يتصاعد بشكل واضح وصريح ويصل إلى درجة غير مسبوقة. يصف الدكتور غازي القصيبي الموقف في ذلك الحين: "يقف صدام حسين على بعد ساعات من الظهران، ويومين من الرياض، ويتخذ علماء المملكة أخطر قرار في تاريخ المملكة، بإجازة الاجراءات التي اتخذها ولي الأمر للدفاع عن الكيان. وفي هذه اللحظات العصيبة يخرج الفقيه السياسي سفر الحوالي بشريط اسمه (فروا إلى الله) يشرح فيه أن القوات التي استعنا بها اخطر من العدو الذي لم تفصل بينه وبين الظهران سوى ساعات. كان هذا الشريط باباً للفتنة، أحدث بلبلة هائلة، وكان شرخاً في قلب الإجماع. ومالبث الفقيه السياسي سلمان العودة أن خرج بشريط آخر اسماه (أسباب سقوط الدول)زعم فيه أن الاستعانة بغير المسلمين كانت من أهم أسباب سقوط الدول ثم انفتح الباب وتوالت الأشرطة، والخطب، والمناشير على نحو لم نعهده من مجتمعنا من قبل لأننا لم نعهد طبقة الفقهاء السياسيين من قبل"[11]. وإذا أردنا أن نقف على الحد الذي وصل إليه الصحويون حينها في تشكيكهم لشرعية الدولة، فلا مناص من إيراد النص التالي للدكتور سفر الحوالي في كتاب (كشف الغمة عن علماء الأمة) والذي أصدره في ذلك الوقت العصيب. يقول الدكتور سفر: " لقد ظهر الكفر والإلحاد في صحفنا وفشا المنكر في نوادينا ودُعي إلى الزنا في إذاعتنا وتلفزيوننا واستبحنا الربا حتى أن بنوك دول الكفر لا تبعد عن بيت الله الحرام إلا خطوات معدودات. أما التحاكم إلى الشرع ــ تلك الدعوى القديمة ــ فالحق أنه لم يبق للشريعة عندنا إلا ما يُسميه أصحاب الطاغوت الوضعي الأحوال الشخصية وبعض الحدود التي غرضها ضبط الأمن (ومنذ أشهر لم نسمع شيئاً منهم عن حد أقيم)، ومع ذلك وضعنا الأغلال الثقيلة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصفدنا الدعوة والموعظة بالقيود المحكمة، وهذا من استحكام الخذلان وشدة الهوان ومن يُهِن الله فما له من مُكرم"[12]كان ماسبق عرضاً مختصراً لاستغلال الصحويين لإحدى الأزمات التي مرت بها الدولة واستغلال الأزمة في سبيل التشكيك بشرعيتها، وهي خطوة مهمة لابد من الوصول إليها لتحقيق الغاية النهائية والمتمثلة باستيراد التجربة الإيرانية إلى الأراضي السعودية وتطبيقها وفق منظور سني صحوي.[c1]2 - الولاء للعقيدة وليس للوطن:[/c]وهذا الأساس الإيديولوجي من أخطر الأسس التي تقوم عليها الحركة الصحوية، فهي تلغي من قلوب مريديها قضية الولاء الوطني ، وتستبدله بقضية الولاء الديني العقدي. ورغم أن شيوخ الصحوة لا يحبذون في الوقت الحالي خروج الناس إلى الأقطار الأخرى في سبيل الجهاد ، على اعتبار أن المرحلة الحالية هي مرحلة بناء الجماعة في " أرض الحرمين"، وهي التسمية البديلة عندهم للمملكة العربية السعودية ، إلا أن نشر مثل هذه الفكرة واستيطانها في قلوب العامة يدفعهم في نهاية الأمر إلى عصيان الأوامر والخروج من عباءة الصحويين والانخراط تحت مظلة مشايخ التيار الجهادي [13].ان نشر فكرة الولاء للعقيدة على حساب الولاء الوطني، يوضح لنا تعاطف شريحة كبيرة من المواطنين السعوديين وتحديداً الفئة المتعارف على تسميتها بجيل الصحوة، مع الحركات الجهادية في شتى أقطار الأرض، حتى وإن كانت الأرض التي يستهدفونها هي الأراضي السعودية ذاتها!ففكرة الوطنية غير مطروحة في الخطاب الإعلامي الصحوي العربي و السعودي، إلا إذا كان ذلك على سبيل الانتقاص والتحقير. يقول الدكتور سفر الحوالي في مقدمة رسالته للماجستير عن العلمانية: "وجاءت طلائع الغزو الفكري - كما هو الحال في سبل الشيطان- متعددة الشعارات، متباينة الاتجاهات، عليها من البهرجة والبريق ما يكفي لتضليل وإغراء أمة منبهرة مهزوزة. جاءت الاشتراكية والقومية والوطنية والديمقراطية والحرية وفلسفة التطور واللادينية..وغيرها من المسميات والشعارات وسرت عدوى هذه الأوبئة سريان النار في الهشيم وتغلغلت في العقول والقلوب التي فقدت رصيدها من (لا إله إلا الله) أو كادت، وتربت على ذلك أجيال ممسوخة هزيلة، أخذت على عاتقها مهمة تعبيد أمتها للغرب والإجهاز على منابع الحياة الكامنة فيها"[14]. كما قال في محاضرة له بعنوان (لماذا نستدعي أمريكا) "فلا نؤمن بمبادىء القومية، ولا الوطنية، بل كلها عصبية جاهلية وضعها النبي صلى الله عليه وسلم تحت قدميه"[15].نخلص من هذا، أن الاخوانيين الصحويين لا يؤمنون بالوطنية بمفهومها الحالي، وأنهم يهدفون إلى هدمها في سبيل بناء الدولة الأمة، وإقامة نظام الخلافة الذي يعتبر هدفاً استراتيجياً للاسلام السياسي الذي أنبعث على يد جماعة الاخوان المسلمين منذ تأسيسيها كرد فعل على إلغاء نظام الخلافة وإقامة النظام الجمهوري في تركيا بعد قيام الثورة التركية بقيادة كمال اتاتورك والتي كانت بدورها نتيجة طبيعية لتحلل نظام الخلافة وهزيمته في الحرب العالمية الأولى.يقول سلمان العودة: " فمفهوم الوطن عندنا شمل واتسع: ولست أبغي سوى الإسلام لي وطناالشام فيه و وادي النيل سيانيوحيثما ذكر اسم الله في بلدعددت أرجاءه من لب أوطانيقضيتنا قضية الإسلام والمسلمين في كل مكان، ينبغي أن تزول فكرة الحواجز والحدود والسدود والموانع التي جعلت المسلم لا ينتصر لأخيه أو لا يسمع صوته أو لا يستجيب أو لا ينصره ظالما كان مظلوما كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام"[16].[c1]3 - العداء للغرب:[/c]الصراع مع الغرب هو صراع حتمي في المنظور الصحوي. فهم من أنصار نظرية صراع الحضارات ولا يعترفون بالحوار فيما بينها، يقول الدكتور سفر الحوالي: " فلا حرج ولا تردد في الإجابة القاطعة الواضحة عن سؤال: ما هو موقف الإسلاميين من المبادرة العربية للسلام وفكرة حوار الحضارات والتعايش بين الاديان؟ فهو الرفض الحاسم ، وذلك ليس عنادًا ولا تصلبًا ولكنه موقف عقدي محتوم"[17]. ويقول"لقد قال بوش في مؤتمر مدريد: (إن غرض المؤتمر ليس إنهاء الحرب بين الطرفين وإنما إنهاء العداوة) ولكن الله تعالى يكذب هذا القول وهذه الدعوى، فسيظل المسلمون يعادونهم"[18]. ويقول سلمان العودة: " وقع في يدي عدد من الكتب التي كتبها -مع الأسف- بعض الفقهاء والمفكرين المعاصرين، فوجدت أنهم يطرحون قضية الجهاد طرحًا ميتًا متماوتًا مخذولاً مهزومًا، يقول لك: الأصل المسالمة مع الكفار، والأصل أننا ندعو وننشر الإسلام بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالسلم وبالدعوة السلمية، وما على شاكلة هذه التعبيرات ، بل أصبح كثيرا -لا أقول من عامة الناس ، بل من دعاة الإسلام مع الأسف في هذا العصر، يتصورون أننا في دعوتنا الناس جميعًا للإسلام ينبغي ألا نسلك إلا هذا الطريق، ولا نحتاج إلى رفع راية الجهاد[19]، ولا نحتاج إلى حمل السيوف للقتال، يتصور بعض المغفلين مثل هذا الأمر. والواقع أن من يقرأ القرآن الكريم قراءة واعية لا يحتاج إلى أي كلام ولا بيان ليظهر له بطلان ذلك... فإننا لو أتينا إلى جمهور المسلمين ــ دعك من علمائهم ودعاتهم ــ ، فإننا نرى كثيرًا منهم يجهلون وجوب عداوة الكفار والبراءة منهم، فلا يعرفون الولاء والبـراء ، بل قد تجد المسلم يعيش إلى جنب اليهودي والنصراني والمشرك والشيوعي سواءً بسواء، وتحت سقفٍ واحد، يأكلون طعامًا واحدًا، ويعملون في عملٍ واحدٍ، وبينهم من الألفة والمودة الشيء العظيم كأنهم إخوة، فحتى عوام المسلمين اليوم ضاعت منهم معاني الولاء والبراء، وفقدوا إحساس التميُّز بالدين".[20][c1]4 - فرض الهيمنة الصحوية على المجتمع:[/c]يؤمن الاخوان المسلمون بوجوب العمل السري المنظم لفرض السيطرة الصحوية على كافة المنابر الموجهة للرأي العام للمجتمع وهم يعتبرون هذا جهاداً شرعياً، أنظر مثلاً إلى ما قاله سلمان العودة: "جهاد المنافقين: وهذا يكون بكشف ألاعيبهم، وفضحهم، وبيان مؤامراتهم ، لأنهم يبغون من المسلمين غائلة السوء، ويخططون ويتآمرون للقضاء على الإسلام، فلابد من جهادهم.فهل يصح أن نتجاهل - مثلاً - جهاد المنافقين، ونتفطن إلى جهاد الكفار، مع أن جهاد الكفار قائم في موقع واحد أو موقعين أو ثلاثة، لكن جهاد المنافقين في كل مكان؟ إذ لا يكاد يوجد في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه بلد ولا مدينة ولا قرية - بل ربما نقول أحيانًا ولا مؤسسة - إلا وفيها منافقون يسعون لتوجيه هذا البلد أو هذه الدولة أو تلك المؤسسة أو المدرسة إلى الوجهة التي تخدم أغراضهم، فيخططون ويتآمرون، وهذا أمر ملموس. فمَنْ لهؤلاء المنافقين؟ وكيف نتجاهل هذه الثغرات المفتوحة في كل مكان؟ ومن أمثلة ذلك: جهاد المنافقين من خلال أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي". ويعبر العودة عن ذلك بقوله: " أننا بحاجة ..إلى حركة جهادية إعلامية تصنع الإعلام الإسلامي، الذي يكون بديلاً عن الإعلام المنحل"[21]. وفي سبيل ذلك فهم يتبعون إحدى طريقتين مع المنابر والشخصيات المخالفة لتوجهاتهم :[c1]الطريقة الأولى :[/c] محاولة التغلغل والتغيير من الداخل، بحيث يتحول المنبر المخالف منبراً موالياً للتيار الصحوي.[c1]الطريقة الثانية :[/c] الهجوم والتشهير المنظم والقوي والمتكيء على فكرة الوصاية الدينية على المجتمع. ويبدأ هذا الهجوم بالتشكيك ثم يتدرج إلى التفسيق والتبديع حتى يصل في نهاية الأمر إلى التكفير.يقول سلمان العودة: "وعلى ذلك فإن الواجب على المسلم إذا وجد إنساناً مجاهراً بالفساد مثل الذي يكتب المقالات المضللة والمؤلفات الهدامة التي تحارب الإسلام وتطعن في أهل الاستقامة وتشوه تاريخ الأمة المجيد أقول إن الواجب على المسلم أن يعلن الإنكار عليه وأن يفضحه بين الناس"[22]. كما قال: "إذا لزم الأمر ودعا الموقف إلى اللجوء إلى التشهير بالمنكر وصاحبه فلا بأس"[23].والأمثلة على استخدام الصحويين لهذه الطريقة أكثر من أن تحصى، مثل موقفهم من حادثة قيادة مجموعة من النساء للسيارات في الرياض، وموقفهم من جريدة "الوطن" السعودية .ويؤكد الباحث علي العميم على أن قنوات حركة الصحوة ومنابرها تتمثل بـ"الكاسيت الإسلامي، المساجد دروساً وخطباً، المحاضرات العامة، المناشط اللامنهجية في جميع المراحل الدراسية (ونضيف على هذا: المخيمات الصيفية والأنترنيت) ومن خلال قدرتهم- وهذا هو الأهم- على إنشاء كلام إسلامي في قضايا سياسية واجتماعية وتربوية وثقافية وفكرية لم يكن علماء المؤسسة الدينية والمشايخ التقليديون بقادرين على إنشاء كلام مثله".هذه القنوات والمنابر شكلت سلاحاً هاماً في يد الصحويين لمهاجمة من يخالفهم ، وفرض رؤآهم ونشر ثقافتهم الخاصة في المجتمع (كما حصل مع غازي القصيبي وتركي الحمد وحسن بن فرحان المالكي ومنصور النقيدان ومشاري الذايدي وعبدالله بن بجاد العتيبـي ..). ناهيك عن استغلال هذه القنوات والمنابر في لحظات المواجهة مع الدولة، كما جرى في حرب الخليج الثانية ، أو في الشأن الداخلي مثل دمج رئاسة تعليم البنات بوزارة المعارف ، وقرار منح البطاقة الشخصية للمرأة السعودية.وفي الحقيقة : إذا تمعنا في وجود مثل هذه القنوات للتيار الصحوي، وماتشكله من تأثير حيوي على أفراد المجتمع، وإذا لاحظنا أن هذه القنوات غير موجودة لدى التيارات الأخرى في المملكة العربية السعودية، فإننا نخلص أن التيار الصحوي يشكل بحد ذاته حزباً سياسياً غير رسمي، مستقلاً ومعارضاً ومتفرداً بالساحة، وهذا التفرد هو أخطر مافي الموضوع.إن التنظيم الذي بناه الصحويون في السنوات الماضية هو تنظيم حقيقي، ومحترف بمعنى الكلمة، وهذا التنظيم يستقي قوته من عدة عوامل:[c1]اولا ً: -[/c] الخبرة الإخوانية (والتي شكلت طرفاً في المعادلة التي قام عليها التيار الصحوي) في التنظيم والعمل السياسي.[c1]ثانيا ً : -[/c] جاذبية الطرح الذي يطرحه الصحويون. حيث أن المجتمع السعودي محافظ بطبعه، يتعاطف مع كل من يخاطبه باسم الدين. والدين - كما هو معلوم- يشكل الرافد الأهم في الثقافة السعودية التقليدية.[c1]ثالثا ً : -[/c] تفرد الصحويين في ساحة العمل الحزبي المنظم في السنين الماضية.[c1]( بتبع غدا ً )الهوامش :[/c][1] نسبة إلى: محمد سرور بن نايف زين العابدين، يقول علي العميم :"محمد سرور كان سيد قطبي وسلفياً في آن، وكان يرى ان ماينقص السلفية هو ان تكون مسيسة وثورية . وفكر سيد قطب كان يتكفل بهذه المهمة".[2] كان دخول الأخوان المسلمين الى المملكة العربية السعودية في الفترة الناصرية، وذلك حين ساءت العلاقات بين المملكة ومصر، فكان إستقطابهم الى المملكة لظروف سياسية بحتة. والحقيقة ان دخولهم أحدث تغييرا كبيرا في الفكر الديني السعودي، وذلك نتيجة الحركية الكبيرة التي يتمتع بها الأخوان .وقد "أطلق وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز مؤخرا تصريحات مثيرة بشأن أسباب التطرف في العالم الإسلامي ومنابعه. وأنحى الأمير نايف باللائمة بشكل رئيسي على جماعة الإخوان المسلمين محملا إياها المسؤولية في معظم ما يعاني منه العالم الإسلامي من عنف وتطرف، قائلا إن الإخوان هم أصل البلاء ومصدر كل المشكلات " - من مقال للكاتب الأمريكي غراهام فولر، منشور في موقع قناة الجزيرة بتاريخ 6/12/2002 .[3] أنظر على سبيل المثال قول الدكتور محسن العواجي في مقابلة لقناة الجزيرة عبر برنامج بلا حدود بتاريخ 5 / 11 / 2003 "الفكر الوهابي المتشدد الذي يجب علينا كلنا أن ننأى بأنفسنا عنه الآن" . وقوله في نفس المقابلة : "الفكر الوهابي لا يصلح أن يكون فكراً لدولة حديثة مركزية مثل المملكة العربية السعودية قلب العالم الإسلامي لا يصلح إطلاقاً" . بل انه حمل الفكر الوهابي مسئولية العنف في بلاد الحرمين وفي ذلك تبرئه غير مباشرة للتيار الصحوي الذي يمثله . أنظر الى قوله في نفس المقابلة المشار اليها : "حتى لا أتهم بأني يعني أعطي الكلام على عواهنه، أنا حينما أقول إن هؤلاء الشباب(= الارهابيين) الذين في نهاية الأمر تبنوا العنف ينطلقون من أفكار هي أصلاً موجودة في الفكر الوهابي".[4] محمد بن عبداللطيف ال الشيخ : "بن لادن ودعوة محمد بن عبدالوهاب: التضاد " جريدة الحياة، العدد: 14245، تاريخ: 21-03-2002، تم نقل العبارة بتصرف، والعبارة بصيغتها الأصلية: "يمكن القول في منتهي العلمية إن الوهابيين علي مرّ مراحلهم التاريخية كانوا بناة دولة ومن ثم حماتها، بينما نجد الثوريين الإسلاميين المعاصرين، بمن فيهم أسامة بن لادن، هم دعاة ثورة وانقلاب".[5] د.عوض القرني " الحداثة في ميزان الاسلام" ص 4[6] د.عوض القرني " مرجع سابق" ص 33[7] د.عوض القرني " مرجع سابق" ص4[8] د.غازي القصيبي " حتى لاتكون فتنة" ص 103. [9] ص65.[10] د.سفر الحوالي "العلمانية .. نشاتها وتطورهاوآثارها في الحياة الاسلامية المعاصرة" ص 277.[11] غازي القصيبي" حتى لا تكون فتنة" ص99-100.[12] سفر الحوالي " كشف الغمة عن علماء الأمة" ص61.[13] في : "رسالة التعليم مني الى اخوان الكتائب" شرح حسن البنا ثلاث مراحل يجب ان تمر بها دعوة الأخوان (سبق وان تم شرح دور الأخوان في التأثير على الفكر الصحوي) وهي- مرحلة التعريف : تكون الدعوة فيها عامة، والطاعة التامة غير ملزمة.- مرحلة التكوين : تقوم على أساس استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد، وتجميعها، والطاعة التامة ملزمة في هذه المرحلة . وهي عسكرية بحتة من الناحية العملية. - مرحلة التنفيذ : الدعوة في طور جهاد لا هوادة فيه، وعمل متواصل في سبيل الوصول الى الغاية. ويقول سيد قطب: "أن مرحلة بناء العقيدة التي طالت في العهد المكي على هذا النحو، لم تكن منعزلة عن مرحلة التكوين العملي للحركـة الإسلامية، والبناء الواقعي للجماعة المسلمة . لم تكـن مرحلة تلقِّي " النظرية " ودراستها ! ولكنها كانت مرحلة البناء القاعدي للعقيدة وللجماعة وللحركة وللوجود الفعلي معاً .. وهكذا ينبغي أن تكون كلما أريد إعادة هذا البناء مرة أخرى. هكذا ينبغي أن تطول مرحلة بناء العقيدة، وأن تتم خطوات البناء على مهل، وفي عمق وتثبت .. ثم هكذا ينبغي ألا تكون مرحلة دراسة نظرية للعقيدة، ولكن مرحلة ترجمة لهذه العقيدة - أولاً بأول - في صورة حية، متمثلة في ضمائر متكيفة بهذه العقيدة ومتمثلة في بناء جماعي وتجمع حركي، يعبر نموه من داخله ومن خارجه عن نمو العقيدة ذاتها، ومتمثلة في حركة واقعية تواجه الجاهلية، وتخوض معها المعركة في الضمير وفي الواقع كذلك، لتتمثل العقيدة حية، وتنمو نمواً حياً في خضم المعركة"، سيد قطب، معالم في الطريق، ص34، الناشر: منبر التوحيد والجهاد.[14] د.سفر الحوالي "العلمانية .. نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة" ص 2.[15] د.سفر الحوالي" محاضرة : لماذ نستدعي أمريكا" منشورة بالكامل بموقعه في الانترنت، والجزئية المقتبسة موجودة تحت عنوان : ما الذي يجب علينا أمام الأحداث.[16] سلمان العودة :من شريط كاسيت بعنوان: رسالة من وراء القضبان. [17] د. سفر الحوالي" القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى" ص 71.[18] د. سفر الحوالي"القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى" ص 76.[19] قارن هذا بما كتبه سيد قطب في "معالم في الطريق"، مثل ماورد في صفحة 59:" أما محاولة إيجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية، ومحاولة البحث عن أسانيد لإثبات أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت لمجرد صد العدوان من القوى المجاورة على( الوطن الإسلامي) - وهو في عرف بعضهم جزيرة العرب - فهي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين، ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض. كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر، وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي". [20] سلمان العودة " حي على الجهاد" ص 18-21.[21]سلمان العودة " حي على الجهاد" ص 48.[22] سلمان العودة " حتى لاتغرق السفينة" ص30.[23] سلمان العودة " حتى لاتغرق السفينة" ص37[c1]* كاتب وصحفي سعودي[/c]