لا يختلف اثنان على أنّ جرائم القتل والتدمير وسفك الدماء التي كان آخرها ما حدث في انفجارات الجزائر والدار البيضاء ، جسدت صورة بشعة لثقافة الإرهاب والتعصب .صحيح أن تلك التفجيرات قوبلت باستنكار واسع من البلدان العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بأسره ، لكن تلك الانفجارات لم تهدأ بعد أن أزهق القتلة وسافكو الدماء أرواح عشرات الأبرياء، بل أنّها فجرت ردود فعل ومناقشات ساخنة في البلدان العربية، وعلى وجه الخصوص في الجزائر والمغرب على حدٍ سواء حول ظاهرة الإرهاب ومنابعه وسبل تجفيفها ، خصوصا بعد أن أ شهر تنظيم القاعدة وجوده لقتال (( فسطاط الكفر )) في عدد من البلدان العربية وبضمنها السعودية والعراق والأردن وبلدان المغرب العربي ، ناهيك عن إعلان مسؤوليته عن تفجير المدمرة الأميركية (كول ) في ميناء عدن عام 2000 وناقلة النفط الفرنسية ( ليمبرج ) في ميناء الضبّة بالمكلا عام 2002م ، بالإضافة الى تكفير الحكومة اليمنية علناً في شريط صوتي بلسان أسامة بن لادن زعيم تنظيم “القاعدة” عام 2004م.الثابت أنّ الإرهاب هو نتاج للتطرف .. وحين يحاول المتطرفون من خلال أفكارهم المشوّهة والمريضة إضفاء القداسة الدينية على مشروعهم السياسي والآيديولوجي ، وما يترتب على ذلك من ممارسات إرهابية، فإنّ نطاق خطر الإرهاب يتسع ليشمل الإنسان والدين والعقل والحرية والحياة.يقيناً أنّ الإرهاب الذي تمارسه جماعات متطرفة باسم الإسلام يلحق ضرراً جسيماً بمصالح المسلمين عموماً ويسيء إلى علاقتهم بالغير في إطار المجتمع الدولي والحضارة الإنسانية المعاصرة، حيث تحاول هذه الجماعات فرض وصايتها على الحقيقة والحرية، والتحدث باسم الله ، والإدعاء بحراسة الدين من خلال إباحة القتل وإهدار الأرواح وسفك الدماء ومصادرة حق الإنسان في الحياة وترويع الناس، وإثارة مشاعر الكراهية ضد الآخر المغاير، وما يترتب على ذلك من تهديد مباشر للسلم الاجتماعي على مستوى كل بلدٍ إسلامي ، وزعزعة الأمن والسلم الدوليين على مستوى العالم الإنساني عموماً.المثير للدهشة إننا عقب كل جريمة إرهابية يرتكبها المتطرفون باسم الدين نكتشف حقيقة جديرة بالتأمل ، وهي أنّ أخطار هذه الجرائم الإرهابية لا تهدد فقط حق الإنسان في الحياة ، بل تمتد لتشمل الدين نفسه، حيث يؤدي نشر وممارسة الأفكار المنحرفة والدفاع عنها أو البحث عن ذرائع لتبريرها، إلى تشويه صورة الإسلام وتحريف رسالته السامية.صحيح أنّ ثمّة جهداً كبيراً يبذل في مواجهة الإرهاب وملاحقة مرتكبيه في السعودية واليمن ومصر والأردن والجزائر وتونس والمغرب وبلدان عربية أخرى، بيد أنّ هذا الجهد ظل وما يزال محصوراً في المستوى الأمني فقط ، فيما تظل المنابع التي تصنع التطرف وتغذي الإرهاب آمنة ًوناشطة ً، الأمر الذي يؤدي إلى تفريخ المزيد من المتطرفين الذين يواصلون مسيرة سابقيهم ممن طالتهم المعالجات الأمنية.في تقديري إننا نرهق أجهزة الأمن كثيراً ونلقى عبء مواجهة هذا الخطر عليها وحدها حين يتم حصر مكافحة الإرهاب داخل نطاق المؤسسات الأمنية، وترك منابع ثقافة التطرف والتعصب تعمل بحرية وفعالية داخل المجتمع بأسره عبر وسائل الإعلام والثقافة والمكتبات والأشرطة الصوتية ومناهج التعليم والمساجد والمعاهد الدينية التي تتبع مناهج سلفية متشددة ووافدة من خارج الحدود، وغيرها من الآليات التي تسهم في صياغة وعي الناس، وتشكيل مواقفهم واستعداداتهم وممارساتهم. وعليه فإنّ فعالية الدور الذي تلعبه الأجهزة الأمنية في ملاحقة الإرهاب وحماية المجتمع من مخاطره المدمرة، لا تنفصل عن الدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع بأسره في حماية نفسه من ثقافة التعصب والتطرف والكراهية، الأمر الذي يستوجب التصدي الحازم لكل الأعمال والمناشط الفردية والجماعية التي تسعى الى إضفاء المشروعية الدينية على هذه الثقافة الهدامة والممارسات الناجمة عنها!!أعتقد أنّنا الآن بحاجةٍ إلى الشفافية والابتعاد عن القوالب القديمة عند مناقشة سبل مواجهة هذه الثقافة المتعصبة، لأنّها موجودة في بعض مكوّنات البيئة الثقافية والروحية وليست وافدة علينا من كوكب آخر، وإن كانت دخيلة وغريبة على ديننا الإسلامي الذي يُعد مكوّناً محورياً للثقافة السائدة في مجتمعاتنا الإسلامية وبضمنها مجتمع المملكة العربية السعودية . وقد سبق لي شخصيا ً قول هذا الكلام بوضوح وصراحة في حوارً مع إحدى الصحف السعودية، ونشر فيها بدون أي حذف.ولئن كانت المملكة العربية السعودية الشقيقة قد اكتوت خلال الأعوام الماضية وحتى وقت قريب بنار الإرهاب الذي سفك دماء العديد من المواطنين ورجال الأمن من خلال التفجيرات التي استهدفت مجمعات سكنية ومواقع أمنية في الرياض وجدة، ناهيك عن المواجهات المسلحة التي جرت بين أجهزة الأمن السعودية وبعض الخلايا الإرهابية الناشطة في العديد من مدن المملكة ، فإن الإرهاب المتستر بشعارات دينية في المجتمع السعودي المعروف بميوله الأصيلة للتدين، يحمل إشارة إنذار إلى مجتمعاتنا الإسلامية كي تنتبه لخطورة توظيف الدين سياسياً من أجل تحقيق أهداف دنيوية غير أخلاقية وذات أبعاد إجرامية على نحو ما حدث في الجزائر والمغرب مؤخراً، وغيرها من المدن العربية والإسلامية التي اكتوت بنار الإرهاب قبل ذلك.. ولا عزاء للنائمين والمكابرين والمنافقين بعد ذلك. في هذا السياق من المفيد التذكيربأن وزارة الخارجية الأمريكية قدرت في تقرير أصدرته أواخر عام 2002 خسائر اليمن من جراء العمل الإرهابي الذي تعرّضت له ناقلة النفط الفرنسية العملاقة “ ليمبرج “، في ميناء الضبة فقط بأنّها تجاوزت أربعة ملايين دولار يومياً (120 مليون دولار شهرياً)، نتيجة لرفع رسوم التأمين على السفن والناقلات التي تتعامل مع الموانئ اليمنية بنسبة 250% آنذاك ، ما أدى إلى انخفاض النشاط الملاحي في قطاع الموانئ بنسبة 50%، وتراجع صادرات اليمن السمكية، وانتكاس الجهود التي بذلتها الحكومة اليمنية خلال الفترة ما بين حادث تفجير المدمرة الأميركية ( كول ) في ميناء عدن عام 2000م ، وحادث تفجير ناقلة النفط الفرنسية ( ليمبرج ) في المكلا عام 2002م . لطمأنة الاستثمارات الأجنبية واجتذابها للمساهمة في خطط تطوير الاقتصاد الوطني. ربما تكون خسائر اليمن أكبر من ذلك بالنظر إلى ما ترتب على ذلك من نفقات كبيرة تم إنفاقها لحماية السواحل اليمنية، بالإضافة إلى ما كانت بلادنا قد خسرته في السنوات السابقة نتيجة للأعمال الإرهابية التي استهدفت اختطاف السياح، في محافظة أبين على أيدي ما يسمى بجيش عدن – أبين الإسلامي وتفجير أنابيب النفط في محافظة مأرب واختطاف عدد من الخبراء الأجانب العاملين في بعض الشركات النفطية ما أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة بقطاعات الملاحة والسياحة والنفط. لا ريب في أنّ الإرهاب هو العدو الأول للمصالح العليا لكافة البلدان التي اكتوت بناره ودفعت ولا زالت تدفع ثمنا ً غالياً مقابل فواتيره الباهظة والمتواصلة. ولذلك أصبح الإرهاب اليوم مشروعاً لاغتيال المستقبل، ناهيك عن أنّه بما ينطوي عليه من فكر إلغائي تصفوي، وممارسة دموية إجرامية، يشكل خطراً أكيداً على الحرية والقيم الإنسانية المشتركة التي لا مجال فيها للعنف وسفك الدماء .من نافل القول إنّ الإرهاب لم يعد فقط خطراً على حياة أبرياء يتعرضون للموت الجماعي على أيدي عصابات منظمة من القتلة المحترفين الذين جرى حشو عقولهم بأفكار متطرفة ترتدي طابع القداسة الدينية الزائفة، بل أنّه أصبح أيضاً يشكل خطراً على سيادة واستقلال ومصالح البلدان التي تكتوي بنار الإرهاب، إذ يؤدي التهاون في مكافحته وإدانته – بعد أن أصبح خطراً يهدد العالم بأسره – إلى تمهيد الطريق للتدخلات الأجنبية بذرائع مختلفة من بينها الدفاع عن النفس وتصفية بؤر الإرهاب الدولي!!لا يجوز بعد الآن السكوت أمام هذا الخطر أو الحياد في المعركة الدائرة معه .. وعلى الذين تعز عليهم حياة المدنيين الأبرياء في كل مكان أن يحددوا موقفهم بدون أي لبسٍ أو تمويه من خطر الإرهاب الذي لا يقيم وزنا ً للحياة ، وأن يقولوا رأيهم بوضوح حول إرهاب ما تسمى بالجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والنصارى، وجناحها العسكري المعروف بتنظيم “القاعدة” وذلك حتى لا نقع ضحايا لإرهاب يسعى الى تغيير العالم بالقوة، وضحايا لإرهاب من نوعٍ مكمل له يسعى الى حرف الأنظار عن تلك الجرائم الإرهابية وتغطيتها من خلال إثارة قضايا أخرى ملتبسة ومتماهية مع الإرهاب !!.[c1]نقلاً/ عن صحيفة «26سبتمبر»[/c]
|
فكر
الإرهاب يهدد العرب من المشرق الى المغرب
أخبار متعلقة