أضواء
الكويت تعيش معارك كريهة، معارك الفتنة والطائفية. فقد انقسم الشارع الكويتي حول موضوع تأبين “عماد مغنية”. بالأمس انقسم الشارع الكويتي حول استجواب وزيرة التربية، وكان الانقسام بين البدو والحضر حيث إن من قدم الاستجواب هم “نواب البدو” كما يسمون في الكويت. واليوم يعود الانقسام مرة أخرى، ولكنه انقسام يهدد أمن الكويت وينذر بخطر من نوع آخر، حيث إن هناك مصالح لدول مثل إيران بأن تتحول ساحة الكويت إلى ساحة لتصفية الحسابات.القضية محصورة في نائبين وهما يمثلان نفسيهما فيما تفوها به من إساءة يجب عدم تعميمها على الطائفة الشيعية، حيث إن شيعة الكويت هم أبناء الوطن ولا يمكن أن يعزلهم أحد عن وطنيتهم أو يشكك في انتمائهم. “حزب الأمة” السلفي انتهز الفرصة ليرمي سهامه نحو شيعة الكويت، مما أثار حنق الجميع من أهل البلاد.القضية تنحصر في عجز الدولة الكويتية عن التحرك وأخذ المبادرة لمنع الخطاب المتشدد، سواء السني أو الشيعي، فهي مطالبة بأخذ المبادرة ونزع ثوب المجاملة. وكان بإمكان الدولة منع اللقاء المذكور، ولو تم ذلك لما تفاقم الوضع.بعض دولنا لا تريد تحمل مسؤولياتها، ولا تسعى إلى ترشيد الخطاب الديني، رغم سيطرتها على المؤسسات الدينية. الدولة تزج بالشباب في خانة التطرف الفكري، ومن ثم تجد نفسها في حالة من فقدان السيطرة على انحراف الشباب. قتل الأبرياء، كثيراً ما حدث بمباركة من بعض رجال الدين، وانتشار ثقافة العنف هي نتاج لتراخي الدولة في قيامها بواجباتها. فكرة الدين فكرة خيرة، وجوهرها يقوم على الأخلاق والابتعاد عن الخطيئة والانتصار على نوازع النفس الشريرة، لكن ما يحدث في الخطاب الديني في وقتنا الحالي، مخالف للحقيقة الدينية ومجاف لفلسفة الدين.حالة التمادي مصدرها تراخي الدولة وتراجع مؤسسات المجتمع، لاسيما شريحة المثقفين الذين استسلموا لهاجس الخوف والتخويف من مواجهة الخطاب الديني بحجة الخروج عن الإسلام أو الانتماء إلى مدارس الفكر المختلفة، وهي حجج تستخدمها الأحزاب الدينية عندما تعجز عن مقارعة الفكر العقلاني. على الفئات المناهضة للأحزاب الدينية ألا تنزلق إلى ساحة التناقض مع الدين، لكن عليها أن تخوض المواجهة ضد أيديولوجية دينية لا علاقة لها بجوهر الدين.أنصاف مشايخ الدين الذين ابتليت بهم الأمة، تسببوا في حالة الانحراف الكبيرة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، إذ قدموا تفسيرات غير ناضجة، ونشروا خطاباً دينياً يتسم بالعنف والكراهية تجاه الآخر. وبعض المدارس الدينية، سواء السنية أو الشيعية، تعبئ الناشئة بأفكار مسمومة وتقضي على مشروع التآخي والوحدة الوطنية. ولعل ما جرى بعد حادثة مقتل “عماد مغنية”، يمثل أكبر دليل على محاولات ضرب الوحدة الوطنية وعلى تجاوز فكرة الانتماء والولاء للوطن. وذلك لا يقتصر على “حزب الله” وأنصاره في الكويت، فالكل يتذكر مباركة احتلال صدام حسين للكويت، من قبل أحزاب دينية سنية وشيعية، فكلهم وجهوا خناجرهم لخاصرة الوطن. غياب الدولة هو مصدر حالة التقاذف والانقسام المريض الذي نعيشه، حيث لم تعمل الدولة على تنمية فكرة الانتماء بين مواطنيها، بل تراخت في فرض النظام العام وتهذيب الخطاب الديني وردع كل من يتسبب في تنمية سلوك التطرف بين الشباب. الدولة تجامل الأحزاب الدينية، وقد نتج عن تلك السياسة كثير من الفوضى والاضطراب، وسوف يستمر الوضع طالما تغاضت الدولة عن حدية الخطاب الديني، سواء في الإعلام أو في المدارس.[c1]* صحيفة (الاتحاد) الضبيانية[/c]