مقدم ركن / عبدالحكيم طاهرونحن نحتفل هذه الايام بالعيد الـ34 لقيام ثورة الـ14 من اكتوبر المجيدة التي انطلقت شرارتها الاولى من على قمم جبال ردفان الشماء.. ندرك جميعاً حقيقة ان هناك بعض الحقائق ربما غابت بقصد او بغيره عن الاشكالات التي واجهت اندلاع الثورة، وكانت محل جدل وشد وجذب بين مختلف فصائل العمل الوطني، وخلاف على كثير من القضايا. وكان لبريطانيا محاولات لتغذية الشقاق بين عناصر الكفاح الوطني المسلح.وهنا نقتبس بعض ما ورد في كتاب الاخ الاستاذ محمد عباس ناجي والذي يحمل عنوان (لماذا تسلمت الجبهة القومية السلطة في الجنوب اليمني المحتل). وعلى وجه الخصوص الفصل المتعلق بمحاولات بريطانيا تسليم السلطة لغير الجبهة القومية، واسباب موافقتها بعد ذلك على تسلم السلطة، وذلك بغرض الاستفادة بغض النظر عن وجود ملابسات قد تحيط بهذا الموضوع.فقد أجرت السلطات البريطانية العديد من المحاولات لتسليم السلطة الى جهات موجودة على الساحة في جنوب اليمن قبل عرضها على الجبهة القومية، فأول محاولة هي تسليم السلطة الى حكومة الاتحاد الموالية لها، لكن تلك الحكومة لم تستطع القيام بمهامها مما دعا الحكومة الاتحادية ذاتها بعد حركة 20 يونيو عام 1967م التي استولت فيها بعض عناصر الجيش والبوليس وفدائيي الجبهة القومية وجبهة التحرير على مدينة كريتر لمدة 51 يوماً. دعت الجيش الى تسلم السلطة، كم ان بريطانيا في نهاية شهر يوليو اجرت حواراً مع جبهة التحرير لتسلم السلطة ايضاً، ثم عادت لتعلن بانها سوف تسلمها الى حكومة وحدة وطنية.منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي شدت المنطقة العربية ثورات تحررية كان لها تأثير كبير بين صفوف الضباط والجنود وخاصة بعد قيام الثورة المصرية في عام 1952م وما خلفته لدى الكثير من افكار وآراء سياسية تحررية ادت ببعض الطلائع من الضباط الى تشكيل التنظيم السري للضباط والجنود الاحرار في الجيش والامن، ومنهم في الجيش محمد سعيد شنظور اليافعي واحمد محمد بلعيد ومحمد احمد السياري ومحمد قاسم عليو وناجي عبدالقوي وعبدالقوي محمد المفلحي وآخرون، ومن الامن عبدالله صالح سبعة وحسين عثمان عشال والصديق احمد الجفة واحمد صالح مبرقي وعبدالله علي مجور، وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن بدأت تجري الاتصالات بين حركة القوميين العرب والناصريين والقبائل وغيرهم من التنظيمات لتشكيل الجبهة القومية. حيث كان الضباط والجنود الاحرار من المؤسسين الاوائل لها، وبعد الفترةالتي تلت تشكيل الجبهة القومية وانطلاقة ثورة 14 اكتوبر عام 1963م نشط العمل السياسي داخل الجيش والامن وانخرط العديد من افراد الجيش والامن في العمل الفدائي، وشكلت قيادات للخلايا التنظيمية في الكتائب الاربع الموجودة حينها اضافة الى كتيبة التدريب وكان يقود الخلايا التنظيمية للجبهة القومية في الكتيبة الاولى ناجي عبدالقوي، وفي الكتيبة الثانية محمد احمد السياري، وفي الكتيبة الثالثة احمد مسعود دهيس ومنصر محسن اليافعي وفي الكتيبةالرابعة محمد سعيد شنظور اليافعي ومن بعده سالم عبدالله العبدلي وفي كتيبة التدريب علوي عبدالاله الشاذلي.لقد برز موقف الجيش على مسرح الاحداث في النصف الثاني من سنة 1967م، فحينما سيطر الثوار على حي كريتر في 20 يونيو (حزيران) 1967م طلبت السلطات البريطانية عن طريق علي سعد البابكري رئيس حكومة الاتحاد من الجيش استلام السلطة تحت شعار (انقاذ البلاد من الحرب الأهلية) وكان هدف البريطانيين من تكليف الجيش حماية الامن وتسلم السلطة لتقليل عدد الضحايا البريطانيين، واظهار القضية عالميا على انها صراع بين فريقين عربيين لا دخل لبريطانيا فيها. الا ان الجيش لم يستجب لهذه الدعوة. بل خرج عن طاعة حكومة الاتحاد، وانضم الى صفوف الثوار واطلق سراح (500) معتقل كانوا موجودين في سجن عدن، وزودوا الثوار بكميات كبيرة من العتاد والسلاح.وفي تحليل لأحد قادة جبهة التحرير عن سبب رفض الجيش تسلم السلطة بانه "رفض علناً القبول باقتراح علني لـ(وزير اتحادي) بتسلم الحكم وكان يرى انه يريد من السلطات البريطانية التفاوض مع المنظمات السياسية، ولكنه كان منقسماً في ولائه السياسي بين الجماعات، الا ان هذه الولاءات تبدو انها تعكس ا لتمزق القبلي اكثر من كونها تعكس ارتباطا حقيقيا بمجموعة أو بأخرى.لم تكن قيادة الجيش "تجهل ماكان يمكن ان يترتب على أيلولة السلطة اليها من الانجليز مباشرة من المتاعب والمشاكل التي كان سيتعين عليها تحملها ومواجهتها، والتي كان اقلها ان يلقى حكمها صعوبة في الحصول على اعتراف دولي واسع، مما قد يجعله يجد نفسه في عزلة، اما افدح تلك المتاعب والمشاكل فهو ولاشك خوفهم من ان يصبحوا هدفا لعداء الجبهتين على السواء الجبهة القومية وجبهة التحرير".اما رأي الجبهة القومية يذهب الى ان الجبهة القومية استفادت من تنظيمها داخل القوات المسلحة والامن الذي كان ينتشر بين صفوف الجنود والضباط الصغار،، ويقول عبدالفتاح اسماعيل إن الجبهة القومية كات في وضع يمكنها من مجابهة القيادات العسكرية عن طريق تنظيمها في الجيش، حيث عطلت امكانية استفادة البريطانيين والسلاطين من الجيش، فكان تنظيمها وراء رفض نداء علي سعد البابكري رئيس الحكومة الاتحادية للجيش بتسلم السلطة. كما اصدرت الجبهة القومية بياناً حذرت فيه قيادة الجيش من تسلم السلطة.حيث كان لدى الجبهة القومية ليس فقط في اوساط الجنود والضباط الصغار. بل ومن كبار ضباط الجيش والبوليس. ومن بينهم كان العقيد عبدالله صالح سبعة قائد بوليس الجنوب العربي، والعقيد عبدالله مجور. والعقيد الأمني رئيس مخابرات جيش الجنوب العربي من ابناء العوالق، وكان بين كبار ضباط الجيش لا مجرد حلفاء بل واعضاء في حركة القوميين العرب، اشخاص ذو معتقدات يسارية، بينهم العقيد احمد صالح عبده من قبائل الضالع، والعقيد احمد حاجب والرائد الحسني وغيرهم.وقد استفادت الجبهة القومية من اعضائها في الجيش والامن بشكل كبير بعد اعلان انفصال الجبهة القومية عن التحرير الذي نتج عنه وقف الدعم من قبل القيادة العربية للجبهة القومية، حيث لجأت الى عناصرها داخل الجيش والامن الذين قدموا لها الدعم المادي من ذخائر واموال ودعم معنوي من خلال التحريض لصالحها، كما انه منذ حركة 20 يونيو 1967م فرض المستعمر البريطاني طوقا امنيا مشددا على مدينة عدن مما اعاق التواصل النضالي بين اعضاء الجبهة القومية في عدن والمناطق الريفية، لهذا كان اعضاؤها في الجيش والامن يقومون بنقل السياسيين والفدائيين والاسلحة والذخائر من والى مدينة عدن على سيارات الجيش والأمن.ونود ان نشير الى ان الجبهة القومية ليس وحدها التي كان يوجد لها عناصر ومناصرون في الجيش والأمن، وانما يوجد لبقية الاحزاب والتنظيمات السياسية عناصر وانصار، ولكنها محدودة للغاية وليس ضمن خلايا منظمة ولها قيادات فاعلة.[c1]موافقة الجبهة القومية على تسلم السلطة والتهم الموجهة اليها: [/c]كان لاستيلاء الجبهة القومية على معظم المناطق الداخلية يزيد الارتباك في اوساط المستعمرين والحكام التقليديين الذين كان قد تم الاطاحة بهم. وادراك المستعمرين ان الموقف يتغير في صالح الجبهة القومية، ولم يعد بإمكان الانجليز الاعتماد على جبهة التحرير، اذ كانت الجبهة القومية قد تغلبت عليها، وكان يخيفهم شبح الجنوب العربي الموالي لعبدالناصر.في يوم 7 نوفمبر اعلن المندوب السامي البريطاني في عدن آنذاك السير "همفري تريفليان" اعتراف بلاده بالجبهة القومية وحدها ممثلاً شرعياً للشعب، ثم أرفق الاعتراف بدعوة قيادتها للتفاوض وتسلم السلطة، وفي اليوم التالي 8 نوفمبر قطع وفد قيادة الجبهة القومية محادثاته مع وفد جبهة التحرير، وغادر القاهرة إلى بيروت حتى دون ان يكلف نفسه عناء اخطار احد بقراره.وقد اثار هذا الموقف جبهة التحرير، فعقد عبدالله الاصنج مؤتمراً صحفياً في بيروت قال فيه إن جبهة التحرير لا تلتزم بأية اتفاقية تبرمها بريطانيا مع اطراف مهدت لها بوجود قواتها المسلحة تسلمها السلطة، وان جبهته ستقاوم كل جهاز يستولي علـى السلطة بطرق غير شرعية، واكد على سلامة الاجانب وممتلكاتهم، وانها لن تكون هدفاً في المستقبل، واتهم اجهزة الدعاية البريطانية بانها كانت تنفخ في بالون مكتوب عليه الجبهة القومية خلال ستة اشهر، والغرض من ذلك ابرازها كتنظيم وطني له سابقة في الكفاح المسلح ضد بريطانيا ليصبح وريثاً يدعي الحق الكامل في تمثيل الاماني الشعبية بدلاً من جبهة التحرير، واضاف ان هدف البريطانيين هو التخلص من اي نفوذ مصري في اليمن والاحتفاظ بنفوذ كاف في الجنوب من خلال الحكم المهزوز.
|
فكر
ماهي أسباب موافقة بريطانيا على تسليم السلطة للجبهة القومية ؟
أخبار متعلقة