غضون
- توجد في ثقافتنا كثير من الأمثال والمسكوكات اللغوية التي عبر الناس من خلالها عن احترامهم للدولة وعن رغبتهم في أن تكون لهم دولة قوية ومطاعة ولا تتساهل في تطبيق قوانينها ، فيقولون : الدولة خلاقة أي تستطيع تحقيق ما يعجز عنه غيرها ، ويقولون: الدولة تلحق الظبي بالجمل أي تستطيع اللحاق بالظبي السريع وهي راكبة على جمل بطيء السرعة ، وقالوا أيضاً : الدولة الظالمة لها في اليوم ألف حسنة ، ودولة تنهبك ولا زوجة تسترقك، والدولة ما تعرف جحر مريض والقائمة طويلة على أية حال .. فتصوروا أن أسلافنا كانوا يقبلون بدولة بالمعنى الحقيقي للدولة حتى لو كانت ظالمة، فما بالك عندما تكون عادلة، ويقبلون بدولة تنهبهم فما بالك بدولة تحمي حقوقهم .- وواضح أن بعض تلك المقولات تنطوي على معانى سلبية ، لكن ترد دلالاتها في سياق تفضيل وجود دولة تضبط وتنظم العلاقات بين الناس وتفرض القانون ولا تسمح بأي تعالٍ على القانون ولا ترضخ لإرادة أي فرد أو مجموعة خاطئة مهما كانت قوتها أو نفوذها ، دولة تحقق الإنصاف وتزيل المظالم وتغيث المظلوم وتضرب على يد الظالم.إن هذه المركبات الثقافية صدرت في الماضي عن ِأناس تواقين للدولة رغم أنهم كانوا حينها قبائل لهم أعراف وتقاليد تنظم علاقاتهم ومع ذلك كانوا يرون أن حاجتهم للدولة أمر ضروري ، وهذه المركبات الثقافية يجب أن تعززها الحكومة أو الدولة بمزيد من الإنصاف وفرض القانون وقمع المجرمين والمضرين بالسلم الأهلي، وعندما تقوم بذلك على الدوام سيكون الناس هم قوتها الحقيقية .- وبالمقابل هناك أفراد آخرون لا يرغبون في وجود دولة وأنتجوا مركبات ثقافية تسخر من الدولة والقانون وتشجع على الخروج عنه ، ويعيش بيننا كثير من أحفادهم وهم جزء من البلاء الذي يحدث هنا وهناك، وتخطئ الحكومة عندما تتساهل معهم وتخسر جزءاً من ثقة مواطنيها ، فالأوائل قالوا إن الدولة يفترض بها أن لا تعرف جحر مريض أي لا تعذر صاحب باطل حتى لو كان مريضاً، فما بالك عندما تتساهل مثلاً مع نافذ يسطو على أراضي الدولة ويفرض عليها « أمراً واقعاً» .. جزء كبير من تذمر الناس في بعض المناطق مرده إلى تهاون الحكومة مع ناهبي الأراضي ، فكيف تقبل أن يأتي أحدهم إلى منطقة ويسيطر على كيلو متر من الأرض بطريقة غير مشروعة بينما ابن المنطقة نفسها ليس لديه شبر أرض تحت سماء وطنه؟