إعداد/ زكي نعمان الذبحانيالأمومة المأمونة واقع يفترض أن تحياه كل الأمهات، وحق يلزم برعاية متكاملة صحياً ونفسياً وغذائياً واجتماعياً، لكنه مع الأسف كثيراً ما تتحطم على صخرة الواقع لدى معظم المجتمعات. إذ كثيراً ما تقضي المرأة نحبها أثناء حملها أو عند ولادتها أو بعد الولادة.ووفاة الأم كارثة مهولة تحل على الأسرة، لاسيما على أولادها الصغار الذين يفقدون حنان الأم ورعايتها في سن مبكرة وينشئون على الحرمان ويتعرضون للكثير من العوامل التي قد يكون لها أثر سلبي على صحتهم الجسدية والنفسية وواقعهم الاجتماعي.ووفاة الأم - أيضاً - كارثة تحل على المجتمع الذي يفقد امرأة في ريعان العمر وكان يُتوقع أن تستمر في العطاء ردحاً طويلاً من الزمن.[c1]أوضاع الأمومة[/c]الأمومة تعني الحياة والعطاء ولكن مع الأسف تنصل البعض عن الاعتراف بأحقية الأمهات في الرعاية والاحترام والحياة الكريمة.فلابد أن تُولى الرعاية الكاملة صحياً ونفسياً وغذائياً واجتماعياً للفتيات في مرحلة الطفولة، ثم في مرحلة المراهقة حتى مرحلة النضج لتتهيأ بعد ذلك للزواج والاندماج في الحياة وتكون قادرة على تحمل أعباء الحياة الزوجية والحمل والولادة والإنجاب ورعاية الأطفال.وقد استطاعت البلدان المتقدمة تحقيق تقدمٍ كبير في هذا الجانب، لتلقى الحوامل في هذه البلدان رعاية خاصة أثناء الحمل والولادة وبعد الولادة، وليس الحال كذلك في الكثير من البلدان النامية ففيها يمثل كل حمل رحلة إلى المجهول المحفوف بالمخاطر.وخفض وفيات الأمومة - في واقع الأمر - من أفضل الاستراتيجيات ذات الجدوى الاقتصادية في مجال الصحة العامة، من حيث توفير المعلومات والخدمات عن تنظيم الأسرة الذي يساعد على تقليل عدد الأحمال غير المخطط لها وتلافي ما يترتب على تعاقب الأحمال دون فواصل زمنية مناسبة من آثار سلبية.كذلك توفر الرعاية الصحية خاصة في المرحلة الحرجة عند الولادة بما يضمن الولادة حدثاً مبهجاً لا محزناً، باعتبار أن خفض وفيات الأمهات ليس مجرد عمل فعال في مجال الرعاية الصحية، وإنما عمل ضروري لتحقيق العدالة الاجتماعية كون الأخطار التي تواجهها الأمهات المهددة لحياتهن - في معظمها - مردها إلى ما يتعرضن له من ظلم إنساني وتجريدهن من أدنى حقوقهن المشروعة.[c1]حجم المشكلة[/c]يكتنف قضية الأمومة مشكلات جسام ليس في بلادنا وحسب، بل وفي البلدان النامية الفقيرة، فبحسب الإحصاءات تلقى قرابة (600ألف) امرأة في العالم كل عام حتفها أثناء الحمل أو الولادة، وبينما لا تتعدى هذه الوفيات في البلدان المتقدمة أكثر من (1 %)، تتركز (99 %) منها في الدول النامية،وفي مقابل كل وفاة من وفيات الأمهات نجد عشرات النساء يعانين أمراضاً خطيرة مفضية لدى الكثير منهن إلى حالات مرضية مزمنة وضعف جسدي دائم وبعض المتاعب والمضاعفات.ولأن النساء في الدول النامية يحملن مرات عديدة فإن الخطر الذي تتعرض له المرأة طوال حياتها المسبب للوفاة هو الأعلى في العالم.. يصل إلى أربعين ضعفاً تقريباً مما عليه الحال في الدول المتقدمة.وعلاوة على وفيات الأمهات فإن نصف مجموع الوفيات حوالي الولادة، كنزول الجنين ميتاً أو وفاة الجنين بعد أن يبلغ الحمل (28 أسبوعاً)، ووفاة الوليد في الأسبوع الأول بعد الولادة... ترجع بالدرجة الأولى إلى نقص خدمات رعاية الأمومة أثناء الحمل وعند الولادة، وتحدث كل عام (8 ملايين) وفاة بين الأطفال المولودين حديثاً أو الذين يولدون أمواتاً، والسبب في هذه الوفيات في المقام الأول عائد إلى نفس العوامل التي تسبب وفاة الأمهات أو عجزهن، وهن:- نقص الرعاية وقلة النظافة.- صحة الأمومة.- ضعف الرعاية المقدمة للطفل الوليد.- سوء تدبير الولادة.[c1]المشكلة محلياً[/c]لابد من عمل دراسة واستقصاء ومسح شامل لوفيات الأمهات والمواليد على المستوى المحلي، لأن معظم الولادات تتم في البيت. غير أن نتائج المسح الصحي للأسرة عام 2003م أماط اللثام عن تردي أوضاع الأمومة وأعطى مؤشراً بأن وفيات الأمهات والمواليد في اليمن الأعلى على مستوى المنطقة، حيث يصل معدل الوفيات فيها بين الأمهات إلى (366) وفاة لكل مائة ألف ولادة حية، ومعدل وفيات حديثي الولادة تقريباً (37 حالة) لكل ألف ولادة حية، بينما تصل نسبة التغطية للرعاية قبل الولادة إلى (45%)، والولادة المنزلية إلى (77.2%). كما أن (12.6%) فقط من الأمهات يحصلن على رعاية بعد الولادة.. وما يهم هنا العمل على تصحيح هذه الأوضاع لضمان سلامة المولود والحد من وفيات الأمهات التي مازالت في اليمن ذات نسبة عالية، فبحسب التقديرات فإنها تصل إلى (366) امرأة من كل (100ألف ولادة حية)، كما سبق وأن أشرت إلى ذلك.غير أن هذه النسبة العالية قد لا تكون دقيقة ولا أريد أن أتعارض معها، فنحن في الميدان نجد نسبة اللواتي يلدن في المستشفيات لا تتعدى (15 - 20%).ومن المؤسف حقاً أن بعض الإحصاءات التي تعتمد عليها بعض المنظمات المهتمة بهذا الجانب تقديرية، لكن هذا لا يعني إغفال الأمر، بل يجب أن يُولى الكثير من الاهتمام لصحة الأم والجنين من خلال الاهتمام بالصحة الإنجابية ككل وتركز الاهتمام بشكل أكبر على الحد من وفيات الأمهات والمواليد العالية عندنا في اليمن.والأهم في علاج هذه المشكلة، بحث أسباب وفيات الأمهات وعوامل الخطورة الشائعة المرافقة للحمل والولادة التي من شأنها أن تؤدي إلى مضاعفات، ثم الوفاة إذا لم يتم تدارك الحالة في الوقت المناسب على حد المستطاع.[c1]مسببات الوفاة[/c]ارتفاع حصيلة وفيات الأمهات تجتمع فيه أسباب وعوامل شتى طبياً وصحياً واجتماعياً، فعلى الصعيدين الطبي والصحي نجد أبرز مسببات الوفاة عند الأمهات:- ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل.- تعسر الولادة.- النزف.- الإجهاض المفتقر إلى الرعاية الطبية.- الأنتانات الجرثومية.ومن الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية تتمحور مجمل الأسباب والعوامل المؤدية إلى ارتفاع معدل وفيات الأمهات في:الزواج المبكر في أوائل سن المراهقة قبل أن يكتمل نضج الفتاة.- إهمال رعاية البنات في طفولتهن.- سوء التغذية مع العمل المرهق.- الفقر والأمية.- الإجحاف بحق المرأة وتدني وضعها الاجتماعي والاقتصادي.- بعض الممارسات الضارة التي تشجعها التقاليد الاجتماعية.- عدم توفير خدمات كافية للصحة الإنجابية أو تعذر استفادة المرأة من هذه الخدمات عند وجودها.- عدم مشاركتها في اتخاذ القرارات حتى فيما يختص بالإنجاب ووضعها الصحي.وعوامل مجتمعة كهذه يلزم للحد منها تأمين الرعاية للفتيات منذ الطفولة، وتواصلها مروراً بمرحلة المرهقة ليتهيأن فيما بعد ويصبحن في المستقبل أمهات مهيئات للحياة الزوجية والإنجاب.كذلك توفر الرعاية الصحية والاجتماعية للفتيات المراهقات إعداداً لهم لأداء دورهن في الحياة وقد قاربت بلوغ مرحلة النضج والزواج والحمل والولادة ورعاية الأطفال.وبعد ذلك العناية بالحامل طوال مدة الحمل، ثم عند ولادتها وبعد الولادة. إذ كيف يمكن للمرأة احتمال متاعب الحمل وهي لا تحصل على كفايتها من التغذية الضرورية وتجد نفسها مضطرة للعمل المرهق والعناية بأسرتها وأطفالها الصغار.إن أوضاعاَ مجتمعة كهذه تعمل على تدني صحة المرأة الحامل وجعلها عرضة لمضاعفات وأمراض قد تهدد حياتها، مرتبطة بالوضع الاجتماعي للمرأة.فالفقر في حد ذاته نجده هنا العامل الأول في تردي الأوضاع الصحية وفي زيادة وفيات الأمومة. وبالتالي محاربة الفقر جزء أساسي من العمل على تحسين صحة الأمومة، وما دام محالاً محو الفقر من أساسه- كما نتمنى- فلا أقل من تقديم إعانات خاصة للحوامل والأمهات تكفل لهن التغذية الجيدة المناسبة لتساعد في خفض الوفيات بينهن وتنشئة أطفالهن تنشئة صحية.[c1]تغيير الأوضاع[/c]لعل من أهم الإجراءات والتدابير الهادفة في مجملها إلى تحسين الوضع الصحي للأم والطفل الوليد:-تنظيم الأسرة من منظور صحي، لأن تكرار الأحمال والولادات والتقارب بينها يرهق المرأة جسدياً وصحياً ويزيد من خطر تعرضها للأمراض والمضاعفات المهددة لحياتها.المباعدة بين الولادات بحيث تكون المدة بين الولادة والأخرى سنتين أو ثلاث سنوات.ضرورة حصول الأم على التغذية الجيدة التي تكفل لها توفير ما يكفي لرضيعها من لبن من دون إرهاق جسمها أو استنفاد رصيدها الصحي.إرضاع الطفل رضاعة طبيعية مقتصرة على الثديين من دون أي إضافات طوال الستة الأشهر الأولى من عمره.[c1]الرعاية أثناء الحمل[/c]ملايين النساء في الدول النامية يفتقرن إلى الرعاية أثناء الحمل. فنسبة النساء اللاتي يستفدن من خدمات الرعاية أثناء الحمل لا تتعدى (65 %) في الدول النامية.أما في الدول المتقدمة فإن (97 %) من النساء الحوامل يتلقين الرعاية الطبية أثناء الحمل، وهذه الرعاية يمكن من خلالها اكتشاف وجود أمراض بما يساعد على تدبر أمر علاجها. كما أنها تكشف المضاعفات المختلفة في وقت مبكر وتعمل على علاجها وتوفر المعلومات والمشورة عن علامات وأعراض المشكلات المرضية المتوقعة وتوصى بالأماكن التي تؤمن المعالجة اللازمة إذا ما حدثت مضاعفات، وأيضاً تساعد هذه الرعاية وتهيئ النساء وعائلاتهن لرعاية المولود المرتقب. فالحمل حدث مميز ينبغي أن يكون محفوفاً بالأمان من خلال:-العناية بالنساء عموماً، وبالحامل والوالدة على وجه الخصوص.توفير التغذية الجيدة.الراحة من العمل المرهق.الرعاية الصحية المتواصلة.الحرص على أن تتم كل ولادة تحت إشراف قابلات مدربات أو أطباء متمرسين أو طبيبات متمرسات.العمل جميعاً أفراداً وسلطة صحية على رعاية بناتنا وأخواتنا والبر بأمهاتنا كي تزول عنهن أخطار الحمل والولادة.وما وفاة الأمهات الحوامل أثناء حملهن أو عند ولادتهن إلا دلالة على تقصير الأسرة والمجتمع بحقها في توفير الرعاية الصحية والاجتماعية التي تستحقها.[c1]الرعاية عند الوضع[/c]تحدث كل عام نحو (60مليون) ولادة لا تحظى المرأة فيها بأي رعاية سواء من أحد أفراد أسرتها أو من قابلة غير مدربة، أو لا تلقى- مطلقاً- أي رعاية من أي نوع.. هذا هو واقع الأمومة في البلدان النامية، حيث تنخفض فيها نسبة الولادات التي تتم بمساعدة شخص مدرب مثل القابلة الماهرة المدربة أو الطبيب المتمرس أو الطبيبة إلى (53 %) فقط من مجموع الولادات، ومع ذلك فإن وجود عاملة صحية ماهرة عند الولادة أمر ضروري لتحقيق الأمان في الأمومة. فالقابلة المدربة أو العاملة الصحية الماهرة تحرص على توفير النظافة أثناء المخاض والوضع وتوفير الرعاية المأمونة الخالية من الصعوبة والأخطاء. وكذلك تتبين المضاعفات وتتدبر أمر معالجتها معالجة فعالة- إن أمكن- وكذا تقرير متى يجب إحالتها إلى المرفق الصحي للحفاظ على حياة الأم وحياة مولودها. بالإضافة إلى أنها تحف الأم الوالدة بالمستوى الأعلى من الرعاية.[c1]الرعاية بعد الوضع[/c]نسبة ضئيلة جداً من النساء في المجتمعات النامية تقل عن (30 %) يحظين برعاية طبية بعد الوضع، ونسبة النساء اللاتي يتلقين هذه الرعاية في المناطق الفقيرة لا تزيد على (5%).أما في الدول المتقدمة فإن (90 %) من الأمهات الوالدات تتوافر لهن هذه الرعاية. وبالتالي تقل في هذه الدول وفيات الأمهات وتوفر الرعاية الجيدة للأم بعد الوضع التي تهيئ الفرصة اللازمة لبقاء الأم ووليدها في حالة جيدة، وتشجع الرضاعة الطبيعة للمواليد المقتصرة على الثدي. كما توفر للعاملات الصحيات الفرصة لاكتشاف أي مشكلة وتدبر أمرها في وقت مبكر.
|
الناس
الأمومة المأمونة.. ومتطلبات الرعاية الصحية للأمهات والمواليد
أخبار متعلقة