في الطريق إلى الانتخابات ( 2 ــ 2 )
تناولنا في نهاية مقالنا السابق ضرورة تحديد موقفٍ واضحٍ من قضية مكافحة ا لإرهاب في الطريق إلى الانتخابات، خصوصاً وأنّ مواقف أحزاب «اللقاء المشترك» تميَّزت بالالتباس وعدم الوضوح من هذا الخطر خلال السنوات الماضية والمباريات الانتخابية السابقة، مع الأخذ بعين الاعتبار تعثر الحوار الذي أداره المؤتمر الشعبي العام مع هذه الأحزاب في أواخر عام 2002م في ضوء مبادرة الأخ رئيس الجمهورية حينها بشأن دعوة كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية لتطبيق القانون على مرتكبي الجرائم الإرهابية،تجسيداً للمسؤولية الجماعية تجاه الوطن والمصالح الوطنية العليا للمجتمع، التي تتطلب عملاً مشتركاً بروح الفريق الواحد لتجنيب البلاد مخاطر الأعمال الإرهابية.الثابت أنّ أحزاب «اللقاء المشترك» كانت ـ وما زالت ـ تصدر بيانات غامضة وملتبسة وهزيلة في آنٍ واحدٍ تدين فيها الإرهاب، وتتباكى في الوقت نفسه على السيادة والاستقلال من خلال اتهام الحكومة والحزب الحاكم بالتواطؤ على قتل مواطنيها وانتهاك الدستور وحقوق الإنسان.وما زلنا نتذكر بياناً مضحكاً أصدرته أحزاب «اللقاء المشترك» قبل الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت عام 2003م، طالبت فيه حكومة المؤتمر الشعبي العام بتقديم تقارير ومعلومات تفصيلية حول خطط الأجهزة الأمنية السيادية ونشاطها العملي في مجال محاربة الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تفاصيل دقيقة وشاملة تتسمُ بالشفافية والعلنية عن التعاون الأمني والاستخباري بين اليمن والبلدان العربية والأجنبية في مجال مكافحة الإرهاب .ولعل أخطر ما جاء في ذلك البيان الذي نشرته آنذاك جميع صحف «اللقاء المشترك» ، تأكيد تلك الأحزاب على ضرورة « مراجعة سياسة الحكومة في هذا المجال»، حيث طالبت تلك الأحزاب لا بحماية الوطن من خطر الإرهاب والمشاركة الفاعلة في مكافحته وعدم تمكينه من الحصول على ملاذ آمن في مجتمعنا وعلى أراضينا، بل أنّها طالبت بما أسمته «الدفاع عن الدستور والقانون وحقوق الإنسان والحريات والسيادة الوطنية» وهو خطاب مموَّه اعتادت أحزاب «المشترك» من ورائه على إخفاء مواقفها الغامضة من الإرهاب واتخاذه ذريعة للهروب من إدانة الجماعات الإرهابية وعدم تحديد موقف صريح من جرائمها على نحو لا يقبل التماهي والالتباس.ومما له دلالة الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب «اللقاء المشترك» لا يكتفي ــ فقط ــ بالهروب من إدانة الإرهاب، بل أنه يصر على استخدام كلمة الإرهاب مسبوقة بعبارة «ما يسمى»، وكأنّ ما يقترفه الإرهابيون بحق بلادنا يُعد عملاً بطولياً يفتري عليه الخطاب السياسي والإعلامي للحكومة وحزبها الحاكم حين يصفه بالإرهاب !!من الصعب على أي عاقلٍ أنْ يثق بمصداقية ما تبديه أحزاب «اللقاء المشترك» من صراخٍ وتباكي على الدستور والقانون والحريات والهامش الديمقراطي وحقوق الإنسان، بينما تتهرَّب هذه الأحزاب وصحفها من إدانة الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى تقويض السيادة وتدمير الدستور والقانون ومصادرة الحريات وحقوق الإنسان واضطهاد المرأة والاستقالة عن الانتماء إلى العصر وحضارته الحديثة.في هذا السياق يمكنُ نقد الموقف السلبي لأحزاب «اللقاء المشترك» تجاه خطر الإرهاب من خلال إبراز خطر الإرهاب على الديمقراطية والحريات المدنية والخيار التعددي الذي يقوم عليه نظامنا السياسي. وهو ما يستدعي تحليل الأسس الفكرية لحركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» الذي تتسابق صحف أحزاب «اللقاء المشترك» وأخواتها على إجراء المقابلات مع قياداته في اليمن ونشر تصريحات مجانية حول خطط وتهديد هذا التنظيم.وبوسع كل من تابع سير الاعترافات التي أدلى بها الموقوفون من كوادر وناشطي خلايا تنظيم «القاعدة» في بعض البلدان العربية والأجنبية ونتائج التحقيقات حول الأعمال الإرهابية التي ارتكبت في بلادنا، أنْ يُلاحظ الطابع العالمي لتنظيم «القاعدة» الذي يضمُ إرهابيين من جنسيات متعددة يتولون تصدير مهام القيادة والتخطيط والتمويل للجرائم الارهابية المناشط المتطرفة إلى داخل مياهنا الإقليمية وفوق أراضينا الوطنية وانطلاقاً من بلدان أخرى، الأمر الذي يعد انتهاكاً ساخراً لسيادة بلادنا على مياهنا الإقليمية وأراضيها، وعدواناً آثماً على مصالحنا الوطنية في قطاعات الموانئ والملاحة والسياحة والنفط والاستثمارات، وهو ما يتغاضى عنه خطاب «اللقاء المشترك».وحين تتصدى الحكومة وأجهزتها الأمنية لهذه الأعمال الإرهابية التي يتمُ التخطيط لها وتمويلها من الخارج، فإنّها تدافع بامتياز عن سيادتنا ومصالحنا الوطنية، الأمر الذي يكشف تهافت وهشاشة الخطاب السياسي المعارض الذي يتباكى زوراً وبهتاناً على السيادة، ويتهرب من إدانة الذين ينتهكون هذه السيادة، ويوفرون الذرائع لتدخل الدول الأخرى التي يستهدفها الإرهاب خصوصا في الظروف الراهنة التي تشهدُ تداولاً مكثفاً لأسماء مواطنين يمنيين مشتبه بتورطهم في أعمال إرهابية سابقة أو التخطيط لأعمال جديدة في العديد من الدول الكبرى.لا يستقيم التهرب من إدانة الجرائم الإرهابية التي ترتكبها جماعات «القاعدة» وأخواتها ، بذريعة الحرص على الدستور والقانون والحريات وحقوق الإنسان.. لأنّ الخطر على الديمقراطية والدستور لا يأتي من السلطة التي تسمح لأحزاب المعارضة وصحفها بحرية الدفاع عن الإرهاب وجرائمه وإجراء المقابلات الصحفية مع رموزه بما في ذلك السماح بحرية التحريض ضد السلطة والإشادة بتحالف تنظيم «القاعدة» مع حركة «طالبان» التي وصفها الدكتور غالب القرشي احد كبار قادة حزب «الإصلاح» بأنّها حركة وطنية معادية للاستعمار ( !!! ؟؟ ) متجاهلاً أنّها صاحبة أسوأ رصيد إجرامي في مجال انتهاك حقوق الإنسان واضطهاد واحتقار المرأة وحرمانها من حقها في التعليم والعمل، ومعاداة الحضارة الحديثة وارتكاب جرائم القتل الجماعي وتشويه صورة الإسلام في العالم، والتحريض على كراهية الآخرين من أتباع المذاهب الإسلامية والأديان المختلفة.في عددها رقم (1185) الصادر في الثاني من نوفمبر 2002م نشرت مجلة «المجلة» التي تصدر باللغة العربية من لندن الوصية الأخيرة التي كتبها زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن بخط يده ومهرها بتوقيعه.. وفي هذه الوثيقة حث بن لادن مقاتليه ومناصريه المنتشرين في مختلف أنحاء العالم على (( مواصلة الجهاد وبذل النفس والنفيس والحرص على الموت من أجل تحقيق الحاكمية والولاء والبراء ومحاربة النظم الكافرة التي توالي أعداء الأمة، وتأخذ أفكار البشر الوضعية وانحرافات الأمم الجاهلية مثل المصارف الربوية والجمعيات النسائية والموسيقى والغناء وجميعها بدع مرفوضة بإجماع السلف والخلف )) حسب وصية بن لادن !!.أما أخطر ما جاء في هذه الوثيقة ـــ الوصية ، فهي خاتمتها التي حملت اسم وتوقيع أبو عبدالله أسامة بن محمد بن لادن في يوم الأربعاء 29 شعبان عام 1422هـ الموافق ليوم 14 نوفمبر 2001م حيث قال في خاتمة الوصية :« نصيحتي الأخيرة إلى المجاهدين كافة أينما كانوا استردوا أنفاسكم وانصرفوا إلى تطهير صفوفكم وصفوف هذه الأمة من العملاء والمتخاذلين وعلماء السوء المتقاعدين عن الجهاد » .هذا عيِّنة بسيطة من أفكار قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أما صنوه في الإرهاب أيمن الظواهري فهو غني عن التعريف ويكفي المرء أنْ يقرأ كتابه « فرسان تحت راية النبي» الذي يُعد بمثابة مانفيستو الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى ، وإنجيل تنظيم (القاعدة) ليدرك حقيقة أهداف هؤلاء الإرهابيين وخطورة مشروعهم السياسي والفكري..!!بحسب أفكار أسامة بن لادن وأيمن الظواهري تعتبر دار الكفر ساحة مفتوحة وبلا حدود للجهاد وبضمنها البلدان العربية والإسلامية التي تتبع أنظمة سياسية واقتصادية مخالفة لأفكار تنظيم القاعدة وتجيز هذه الأفكار محاربة الحكومات العربية والإسلامية القائمة باعتبارها طوائف ممتنعة عن تطبيق الشريعة ، وتحرض على « قتل المدنيين من المسلمين وغير المسلمين الذين يديرون الأجهزة الحكومية للنظم الكافرة ، وتحض على استخدام العنف لقتال اليهود والنصارى والطوائف الممتنعة عن الولاء والبراء ، وأهل الشرك من أجل إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة وتطبيق حكم الله على الأرض ».كما تدعو هذه الأفكار بوضوح وبدون أي لبسٍ إلى إلغاء الأحزاب والنقابات والجمعيات النسائية وإعادة المرأة إلى المنزل وحبسها فيه حبساً مطلقاً، لأنّها بحسب قول الإمام ابن تيمية مثل العبد، فكلاهما مملوك.. العبد لسيده والمرأة لبعلها أو مولاها!! ؟يورد الظواهري مثل هذه الأفكار في كتابه «الحصاد المُر» والبرامج التثقيفية لأتباعه في تنظيم القاعدة ويُهيب بهم لأنْ يسعوا بكل الوسائل إلى تحطيم البرلمانات وإيقاف الانتخابات لأنها ترمز إلى خضوع الأقلية لحكم الأغلبية وهو كفر مباح !! .والطامة الكبرى أنّ كتاب «الحصاد المُر» وكتاب ( فرسان تحت راية النبي ) يُعدّان أهم مادة تثقيفية مرجعية للإرهابيين في تنظيم «القاعدة» والمضللين من أتباعه ، ويدعوان إلى تدمير وإحراق كنائس النصارى واليهود ومعابد المشركين وأضرحة المبتدعين وعدم موالاة الأفكار العلمانية مثل حرية الصحافة وإنشاء الأحزاب وهو ما يعني إفساح المجال للمبتدعة المخالفين من أهل الفرق الضالة مثل الشيعة والمعتزلة والصوفية وأهل الرأي الذين خالفوا إجماع السلف.. فليس لهؤلاء عصمة في الدم والمال ولا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون، ولا يعطى لهم الحق في الرأي فالمجاهدون مأمورون بعداوة هؤلاء المبتدعين والتشريد بهم والتنكيل بمن أنحاز إلى جهتهم بالقتل فما دونه !!؟ ترى هل هناك أخطر على الديمقراطية وحقوق الإنسان والسيادة والدستور والقانون من هؤلاء الذين يجاهدون في سبيل تحقيق تلك الأهداف وإلى جانبهم أولئك الذين يتهربون من إدانة جرائمهم ويتغاضون عن فضح أهدافهم والتصدي لأفكارهم المتطرفة ويثيرون البلبلة والأراجيف من أجل صرف الأنظار عن مخططاتهم الرجعية ؟ وهل يجوز اتهام كل من يتصدى للإرهاب ويسعى إلى منعه من الحصول على ملاذ آمنٍ بانتهاك السيادة ومصادرة الحريات والحقوق المدنية ؟ وهل ثمة مصداقية لدى هذه الأحزاب التي أفرطت في المزايدة باسم السيادة والديمقراطية وحاولت تملق الجماعات الإرهابية من خلال إثارة مشاعر التعاطف الشعبي معها ، وصرف الأنظار عن الأهداف الحقيقية التي تحركها والتحريض ضد كل من يتصدى لجرائمها ويفضح أهدافها وأفكارها الخطيرة .يقينا ً إنّ الديمقراطية لا تتجزأ ، والمقدمات دائماً لا تنفصل عن النتائج بل تقود إليها وتتحكم بمفاعيلها. وإذا كانت أحزاب «اللقاء المشترك» جادةً وصادقة في الدفاع عن السيادة والديمقراطية ، فإنّ معركتها الحقيقية يجبُ أنْ تنتقل إلى ميدان الكفاح الديمقراطي ضد مخططات وأهداف الذين يوصون أتباعهم والمغرر بهم لمحاربة الأحزاب والنقابات والبرلمانات والجمعيات النسائية والانتخابات وحرية الصحافة بذريعة أنّها ( بدع كفرية مرفوضة بإجماع السلف)!!وإذا كانت أحزاب «اللقاء المشترك» جادة في نبذ العنف وثقافة التخوين والإلغاء والحرص على بناء ثقافة سياسية ديمقراطية تعترف بالآخر والتعدد والتنوع ، فإنّ معركتها الرئيسية يجب أنْ تكون في جبهة التصدي لأولئك الذين يوصون أتباعهم بتطهير صفوف الأمة من العملاء والمتخاذلين وعلماء السوء والمتقاعدين عن الجهاد ، ويحرضونهم على استخدام العنف والإرهاب «المحمود» كوسيلةٍ جهاديةٍ لتحقيق تلك السياسة الشرعية بحسب الخطاب السياسي والفكري لتنظيم ( القاعدة).تخطئ أحزاب «اللقاء المشترك» حين تتوهم بأنّ الجماعات الإرهابية التي تؤمن بتلك الأفكار الرجعية وبالعنف كوسيلةٍ لتحقيقها سوف تأخذ هذه الأحزاب على كفوف الراحة ، وستكون نصيراً للديمقراطية وحرية الصحافة وحقوق الإنسان بعد نجاحها في تقويض السلطة والوصول إلى الحكم. وتخطئ هذه الأحزاب أيضاً حين تعتقد بأنّ مصالحها المؤقتة وتحالفاتها الانتهازية وأهدافها الحزبية الضيقة ، تجيز لها الالتقاء الكيدي مع كل من يعارض السلطة والحزب الحاكم ، ويُعاديهما ويسعى إلى إضعافهما ويُقلل من فرص استمرارهما ونجاحهما في تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية والبرنامج السياسي للحزب الحاكم . ولسوف ترتكب هذه الأحزاب أكبر الخطايا إنْ هي استمرت في المراهنة على كسب أصوات المتعاطفين مع (القاعدة) في الانتخابات القادمة. ناهيك عن أنّ حصاد أحزاب «اللقاء المشترك» سيكون مراً وعلقماً في نهاية المطاف إنْ هي استمرأت موالاة الإرهاب وتقاعدت عن التصدي لأفكاره وأهدافه الخطيرة.في الطريق إلى الانتخابات تشهد الحياة السياسية هذه الأيام تجاذبات معقدة بين الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة بشأن تكوين اللجنة العليا للانتخابات ولجان القيد والتسجيل واللجان الانتخابية الفرعية، حيث لوحت أحزاب «اللقاء المشترك» بمقاطعة الانتخابات القادمة بعد أنْ سبق لها استخدام سلاح التلويح بالمقاطعة في مراحل سابقة بهدف ابتزاز الحزب الحاكم وانتزاع مكاسب سياسية وحزبية غير ديمقراطية وغير قانونية. ولئن أفرطت أحزاب «اللقاء المشترك» في إدمانها على ابتزاز الحزب الحاكم في مواسم الانتخابات، فإنّ الأخير أفرط أيضاً في التعاطي مع محاولات استدراجه إلى مثل هذا الفخ بهدف عزل العملية الديمقراطية عن المجال السياسي للمجتمع، وتحويل مركز ثقل رصيدها إلى المجال الوظيفي للسلطة السياسية التنفيذية.بوسعنا القول إنّ أحزاب «المشترك» اعتادت على تحقيق إنجازاتها من خلال مراهنتها المتواصلة على ابتزاز الحزب الحاكم . وحين تعتاد هذه الأحزاب على استثمار ذلك الابتزاز والخروج ببعض المكاسب التي يتداخل فيها الابتزاز بالخضوع والمساومات ، يتحول الابتزاز الى عادةٍ دوريةٍ مدمرة لقدرة أحزاب المعارضة على إنجاز مكاسب حقيقية بالاعتماد على مصادر القوة الكامنة في المجال السياسي للمجتمع المدني ، بما ينطوي عليه من مفاعيل فكرية وسياسية واقتصادية وثقافية لا يمكن بدونها تجذير وعي هذه الأحزاب للديمقراطية، وتطوير وتحديث ثقافتها السياسية وتعميق صلاتها بالناس.ما من شك في أنْ تلويح أحزاب المعارضة بمقاطعة الانتخابات سيلحقُ ضرراً قاتلاً بهذه الأحزاب سواء في حال نجاحها في ابتزاز السلطة والحزب الحاكم أو في حال أنْ تكون المقاطعة قراراً جدياً لا رجوع عنه . لكن هذه الأحزاب تتجاهل وجود مجال حقوقي مستقل للدولة عن السلطة والمعارضة يضطلع بوظائف ضبط آليات الديمقراطية وتفعيل أطرها، بما في ذلك تشغيل الميكانيزمات الدستورية والقانونية الخاصة بحماية الديمقراطية من خلال السلطة القضائية وهو بالضرورة مجال مشترك للسلطة والمعارضة، ويمكن أنْ تـُمارسَ المعارضة وجودها المستقبل واختياراتها الحرة من خلاله.من حقنا أنْ نتساءل عن السبب الذي يدفع المعارضة إلى تجاهل المجال الحقوقي للدولة، بما يوفره من فرص اللجوء إلى السلطة القضائية للطعن بشرعية اللجنة العليا للانتخابات ولجانها الفرعية و سجلات القيد خلال (90) يوماً بوسائل الدستور والقانون. فمن نافل القول إنّ أحزاب «اللقاء المشترك» لا تـُراهن على المجال السياسي للمجتمع المدني أو المجال الحقوقي للدولة بقدر مراهنتها على المجال الوظيفي للسلطة التنفيذية والحزب الحاكم من خلال الابتزاز والمساومات.والحال أنّ أخطر ما يُهددُ المستقبل السياسي للمعارضة لا يكمن في الخوف من عدم زيادة مقاعدها في البرلمان القادم بل في إصرارها على تجاهل مفاعيل المجال السياسي للمجتمع، الأمر الذي يدلُ على ضعف ميولها نحو التحرر من التبعية للمجال الوظيفي للسلطة التنفيذية ناهيك عن أنّ إصرارها أيضاً على تعطيل المفاعيل الدستورية والقانونية للمجال الحقوقي للدولة يُقدَّمُ دليلاً إضافياً على عجزها عن تحقيق حريتها واستقلالها.يبقى القول إنّ التطور اللاحق للديمقراطية الناشئة في بلادنا مرهونٌ بمعالجة تناقضاتها ومصاعبها من خلال المزيد من الديمقراطية ومراكمة المزيد من الخبرات الانتخابية وتعظيم رصيد المشاركة في الحياة السياسية، فيما يؤدي إدمان المعارضة على ابتزاز الحزب الحاكم إلى خضوعها لمفاعيل سلطته السياسية حتى وإنْ أنعم عليها ببعض التنازلات والمكاسب من الباب الخلفي.[c1]---------------------------* عن/ صحيفة (26 سبتمبر) [/c]