أضواء
«خبز خبزتيه يا الرفله إكليه». ولمن يجهل المثل الشعبي الخليجي، فمقصده ذلك الذي يصنع شيئاً فيفشل في تنفيذه، والقصد هنا، فعل الرجل الذي يعود عليه بالوبال. وشيخنا هنا ليس سعودياً، وليس من الأسر الحاكمة في بقية دول الخليج. هو شيخ دين، رجل دين. ولا حاجة إلى تحديد جنسيته. لكنه ينتمي إلى دولة يعتبر انتشار التطرف الديني فيها محدوداً. فلم تنتج مشايخ متطرفين، ينتجون بدورهم مراهقين «قاعديين».والشيخ الخليجي يعتبر رمزاً تقليدياً بامتياز، يقود مع مجموعة أخرى من المشايخ تياراً «سرورياً» في بلاده، يمثل الواجهة الحركية المتطرفة في الكيان التقليدي عامة، والدرجة قبل الأخيرة، التي لا تعقبها إلا أحضان «القاعدة». وفي خطابه العام والمعلن لا يلحظ المتابع أية لمسات حماسية، أو «قاعدية»، أو تلك الدافعة بطريقة غير مباشرة إلى «بؤر التوتر»، وفق التسمية السعودية الرسمية، والمعنى بها دولتي العراق وأفغانستان، حتى الآن. فهو أذكى من توريط شخصه في معركة خاسرة مع الجهاز الأمني في بلاده، والتي تقف بحزم أمام أي خطيب محرض أو منشغل بخصوصيات دول أخرى «شقيقة». لكن ما هو ثابت في السجل الخفي لإمام الجامع وللخطيب، أن فكره وخطابه دفعا بعدد من أبناء حيه ومدينته إلى العراق على مدى السنوات الأخيرة، حتى جنى فعل يديه، بأن اختفى أحد أولاده، ذي العشرين ربيعاً، وقاده البحث عنه إلى العراق، منظماً إلى تنظيم «القاعدة». فالابن العشريني، الذي يتعلم في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، انقطع اتصاله بأسرته فجأة، فبذل الأب الخطيب الجهود الحثيثة مع الجهاز الأمني في بلاده للبحث عن الابن. وكان يرجوهم بذل قصارى الجهد، لتوفير سبيل عودته إلى البلاد، والنتيجة حتى الآن، أن لا سبيل إلى تحقيق ذلك الطلب. ولا أعلم كيف كان منظر الرجل المكلوم أمام المسؤولين الأمنيين وهو يناشدهم، كما لا أعلم ما هي مشاعر الأب المكلوم بفقدان ابنه داخل العراق، خاصة أنه يؤمن بالنتيجة النهائية لمعظم الحالات العربية المنخرطة في العمل المسلح في العراق أو أفغانستان. لكن الأقرب أنه بدأ يشعر بما شعر به الكثير من أولياء أمور الشبان، الذين سبقوا ابنه، خاصة آباء شبان بلاده، المكلومين منهم بمن فقدوا نتيجة أفكار هذا الشيخ، أو مشايخ آخرين تجمعهم به الأفكار السيئة، الخفي منها والمعلن. وحالة الشيخ الخليجي ليست غريبة على حالات محلية عاشتها السعودية. رجال دين حرضوا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ليفقدوا أولادهم بعد فترة، إما في أفغانستان أو العراق، فمنهم من تاب عن التحريض، ومنهم من زال في غيه يعمه. والطبيعي لدى العامة أن الشامتين بالأب الخطيب، يرددون المثل الشعبي حين يتذكرون أفعاله ونتائجها على بيته: «خبز خبزتيه يا الرفله إكليه». واللهم إني صائم.[c1]*عن/ صحيفة «الرياض» السعودية[/c]