أدعي أنني كنت من أوائل الداعيين لإدماج الإسلاميين في المجرى الرئيسي للحياة السياسية والعربية. بل وكانت دعوتي بحزب سياسي للإخوان المسلمين في مقال بمجلة “المجلة” عام 1987، هو بداية تدهور العلاقة، التي كانت طيبة، بالرئيس المصري حسني مبارك، قبل عشرين عاماً. كما أنني دعوت إلى ذلك على صفحات كبريات الصحف العالمية، مثل “النيويورك تايمز” و”الواشنطون بوست” (2004 و 2005). وكنت أول من دعى في الصحافة العربية والعالمية للتعامل مع “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، عقب انتخابها في يناير 2006، في انتخابات ديمقراطية حرة، ساهم مركز ابن خلدون ومركز جيمي كارتر في مراقبتها. بل أكثر من ذلك رافقت أربعين من طلابي في الجامعة الأمريكية وباحثي ابن خلدون إلى فلسطين ثلاثة مرات (أبريل 2006، ويناير 2007، وأبريل 2007) حيث تحاورنا مع قيادات حماس، حواراً مكثفاً على امتداد أسبوع في كل المرات الثلاث. وقد كتبت عن ذلك تفصيلاً في “المصري اليوم” في حينه.لم تكن هذه الدعوة التي امتدت أكثر من عشرين عاماً، “غزلاً” مع الإخوان المسلمين أو غيرهم من الإسلاميين، كما ذهبت السلطة وعملاؤها، أو الزملاء العلمانيين، ولكن دعوتي كانت وما زالت تنبع من التزامي العميق بحقوق الإنسان، وإيماني بالديمقراطية والحرية للجميع، سواء كانوا إسلاميون أو ماركسيون أو مُلحدون. ومن نفس هذا المنطلق دافعت، وما زلت أدافع، عن حقوق الأقباط، والشيعة، والقرآنيين، والبهائيون، في حرية العقيدة وممارسة عباداتهم، أسوة بغيرهم من المواطنين المسلمين السُنة. فحقوق المواطنة لا تتجزأ.وكان ضمن من دافعنا عنهم المسلمين الشيعة في الخليج ولبنان ومصر. وأيضاً فعلنا ذلك على صفحات هذه الجريدة، أشدنا بالمقاومة الباسلة “لحزب الله” اللبناني للعداون الإسرائيلي فيما سُمي “بحرب الصيف”، العام الماضي (2006). ولكن حينما انحرف حزب الله، عن مقاومة العدو الخارجي، إلى محاولة إسقاط حكومة لبنانية شرعية، منتخبة ديمقراطياً، فإننا لم نتردد عن نقد حزب الله علناً وعلى صفحات الجرائد اللبنانية بعنوان “بين حسن نصر الله وعبد الناصر: هل يعيد التاريخ نفسه؟” (الحياة 2006/12/14م) .إن هذه المقدمة الطويلة، هي استعداداً لنقد سلوك الإسلاميين حينما وصلوا إلى السلطة أو شاركوا فيها مؤخراً. فإلى أجل قريب كان الإسلاميون عموماً، والإخوان خصوصاً، يرددون شعارهم المحبب “الإسلام هو الحل”. كذلك كانوا يقولون أن القوميين، واليساريون، والناصريون، والملكيون، والجمهوريون، قد تداولوا السلطة تباعاً خلال القرنين الأخيرين. وقد تعثر هؤلاء جميعاً، أو فشلوا فشلاً ذريعاً. الإسلام والإسلاميون فقط، هم الذين لم يحكموا في العصر الحديث، فلماذا لا يأخذون فرصتهم، لكي يثبتون لشعوبهم وللعالم عظمة الإسلام، وعدالة الشريعة، وقوة الإيمان؟ وكان هذا التساؤل وجيهاً ومنصفاً. نعم، لماذا لا يأخذ الإسلاميون فرصتهم في اعتلاء مواقع السلطة، كما فعل غيرهم من مختلف ألوان الطيف السياسي والأيديولوجي؟ وضاعف من إلحاح التساؤل وما ينطوي عليه من تداعيات، نجاح الإسلاميون في تقديم خدمات اجتماعية واسعة للمحرومين والمحتاجين في مصر، وفلسطين، والأردن، ولبنان، والجزائر، والمغرب. ورد المحرمون على هذا الجميل، بتأييد الإسلاميين حينما وحيثما سُمح لهم بالتصويت في عدد من البلدان مثل تركيا والمغرب وفلسطين والأردن ومصر ولبنان. وفي اثنين منها، فاز الإسلاميون بأكثرية مكنتهم من تشكيل الحكومة، وهي تركيا (2002) وفلسطين (2006) وبينما مضت التجربة التركية بنجاح، فإن التجربة الفلسطينية اصطدمت بعقبات موضوعية عديدة. من ذلك أن فلسطين ما تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي. ومنها أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، اشترطتا لاستمرار مساعدة فلسطين، أن تعترف حكومتها، أي حماس، بإسرائيل وأن تكف عن المقاومة المسلحة، وأن تحترم الاتفاقيات التي سبق للسلطة الفلسطينية، في ظل حكومة فتح، توقيعها. وحين رفضت حكومة حماس الموافقة على هذه الشروط، جفت معظم المساعدات المباشرة، وإن استمر جزءاً منها يقدم للشعب الفلسطيني مباشرة، أو من خلال هيئات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية.ولكن مشكلات حكومة حماس لم تكن مالية فقط، ولكنها كانت أيضاً سياسية واجتماعية وثقافية. فقد استمر أو تفاقم صراعها مع منافستها الفلسطينية، فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد وصل هذا التدهور لدرجة الاشتباك المسلح، رغم سابق إعلان كافة الأطراف، أن “الدماء الفلسطينية” أي الاقتتال الفلسطيني ـ الفلسطيني، هو خط أحمر لن يتعداه أو يتجاوزه أي منهم. ولكنهم جميعاً تجاوزوه. وأدت الاشتباكات المسلحة بين مقاتلي حماس (كتائب عز الدين القسّام) ومقاتلي فتح (كتائب شهداء الأقصى) إلى حوالي أربعمائة قتيل وجريح خلال شهر يونيه وحده. وكانت قمة هذا الاقتتال يومي 14و15 يونيه. وشهد العرب والعالم على شاشات التليفزيون مناظر القتل والتدمير الواسع النطاق في قطاع غزة، وحيث كانت كفة حماس هي الأرجح. فقد أعلنت انتصارها، وحررت قطاع غزة من أعدائها الكفرة “الفتحاويين” (نسبة إلى فتح)، وساق المنتصرون الفلسطينيون “المؤمنون” أسراهم الفلسطينيين “الكافرين”، شبه عرايا، وهم موصدون بالأغلال في شوارع غزة. كما أعدم المنتصرون عدداً من قيادات ومقاتلي فتح رمياً بالرصاص أو بإلقائهم من أسطح المباني، دون محاكمات، ولو صورية.لقد تصرف مقاتلو حماس بشكل همجي دموي، وهم يرددون تكبيرات وابتهالات دينية، أو افترشوا ساحات المؤسسات التي “حرروها” من “الفتحاويين” لتأدية صلوات الشكر على هذا النصر المبين. وقد تزامن هذا المشهد الانتقامي الدموي في غزة الفلسطينية، بمشهد لا يقل دموية وغدراً في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة طرابلس في شمال لبنان، حيث قام مسلحون من تنظيم يسمي نفسه “فتح الإسلام”، بإطلاق النار على جنود كتيبة من الجيش اللبناني، أثناء مرورها الروتيني قرب المخيم، فأردوا حوالي عشرين منهم قتلى. وقد أدى ذلك إلى رد فعل غاضب من الجيش وكل الأحزاب والمنظمات المدنية اللبنانية. ورغم انه لا توجد علاقة معلومة بين ما حدث في غزة وطرابلس، إلا أن كثرة استخدام تسميات إسلامية (حركة المقاومة الإسلامية، فتح الإسلام، حزب الله، جند الشام، الجهاد الإسلامي) قد جعل الرأي العام العربي والإسلامي يتساءل عما إذا كان شيء في الإسلام، كعقيدة، أو كممارسة، يؤدي إلى كل هذا العنف والعدوانية. والناس في ذلك معذورين. فما زالت ذكرى ما حدث في تفجير برجي مركز التجارة العالمي، سبتمبر 2001، والذي راح ضحيته 3000 إنسان، من جنسيات عديدة، حية في عقول الكثيرين. فإذا أضفنا صور التفجيرات اليومية في العراق، والتي تتم أيضاً تحت أسماء إسلامية، أو قبلها العمليات الانتحارية في بلاد إسلامية وغير إسلامية ، لكان لنا أن نلتمس العذر لمن يطرحون الأسئلة عن علاقة الإسلام بالعنف والإرهاب.صحيح أن التعميم في الإجابة على هذه الأسئلة محفوف بالأشواك المنهجية والموضوعية. وصحيح أن هناك إسلاميون أسوياء يحكمون في تركيا أو يشاركون في السلطة في المغرب والكويت والأردن. ولكن صوت هؤلاء الأسوياء يضيع في ضوضاء وصخب الانفجارات التي يحدثها فرقاء آخرون باسم الإسلام، ثم يتردد الأسوياء في إدانتها علناً، أو يحاولون تبريرها والاعتذار عنها. فيا ليت العقلاء من الإسلاميين يهبّون للدفاع عن أنفسهم وعن دينهم في وجه السفهاء من الإسلاميين.اللهم بلغنا، اللهم فاشهد.[c1]* كاتب مصري[/c]
|
فكر
هل فشل الإسلاميون في السلطة؟
أخبار متعلقة