بعد ما فعلاه أبو حمزة المصري، والمنقبة التي أطلقنا عليها اسم أم حمزة المصرية، من مشكلات في البلد الذي استضافهما، وهو بريطانيا بسبب غلوهما باسم الإسلام، فأساءا للإسلام والمسلمين، فإذا بوكالات الأنباء تنقل للعالم كله قصة الشيخ تاج الدين الهلالي، وقالت عنه أنه الإمام الأكبر للمسلمين في مدينة سيدني، أكبر مدن أستراليا. وفحوي القصة أن هذا الشيخ قد أفتي في أحد خطب يوم الجمعة خلال شهر رمضان بأن السفور ، أي عدم ارتداء الحجاب أو النقاب، هو مثل اللحم المكشوف الذي يجذب الذباب، ولا يمكن طبقاً للشيخ الهلالي، والأمر كذلك، لوم المغتصبين، إن هم تحرشوا، أو اعتدوا، أو اغتصبوا هذا اللحم المكشوف، كما لا يمكن لوم الذباب الذي يهاجم اللحم المكشوف!.وقد هاجت استراليا وماجت، حينما ترجمت خطبة هذا الشيخ من العربية إلي الإنجليزية. وكان في مقدمة الغاضبين كل من السيدة برو جوارد، مفوضة المناهضة ضد التمييز علي أساس النوع، والسيد جون هوارد، رئيس وزراء استراليا، وقد طالبا بعزل هذا الشيخ من منصبه كإمام لمسجد سيدني، حيث اعتبرا فتوي الشيخ بمثابة تشجيع علي الاغتصاب، ولوم ضحايا الاغتصاب علي ما يقع لهن أو عليهن من الرجال المغتصبين، وهو أمر غير مقبول في المجتمع الاسترالي، المتعدد الثقافات والأديان، لا للنساء المسلمات أو غير المسلمات، ما دمن مواطنات استراليات، لهن نفس حقوق الرجال، وعليهن نفس واجبات الرجال.ويبدو أن الجالية الإسلامية في استراليا شعرت بالحرج الشديد، بسبب ما قاله هذا الرجل المعمم ، والذي من الواضح أنه يعتقد أن عمامته تعطيه الحق في إصدار الفتاوي، أو أن اعتلاء المنبر، يعطيه حصانة مطلقة للتفوه بأي كلام، بصرف النظر عن المكان والزمان التي يصدر فيهما الفتاوي والكلام.وقد أوردت وكالات الأنباء التي نقلت حكاية الشيخ تاج الدين الهلالي، أنه من أصل مصري، ويعيش في استراليا منذ عدة سنوات، وقد تجنس بالجنسية الاسترالية منذ سنتين. ويبدو أنالرجل قد أدرك هول المصيبة التي جلبها للإسلام والمسلمين في استراليا، والتي جلبها علي نفسه أيضاً. فقد طالب كثير من الاستراليين بترحيل هذا الشيخ... ولما اتضح أنه الآن مواطن استرالي ، يمنع القانون الاسترالي ترحيله، طالب البعض بتعديل القانون، للتخلص ممن يبثون خطاب الكراهية والتفرقة علي أساس النوع أو الدين أو العرق... أو علي الأقل استحداث مواد في قانون العقوبات الاسترالي تعاقب من يمارس هذا النوع من الخطابات.ولإدراك الشيخ الهلالي لخطورة موقفه فإنه تراجع عما قاله واعتذر عنه، وبرر موقفه بأن كلامه قد تم تحريفه ، ولكن لان للرجل سوابق في هذا الصدد، فإن الرأي العام الاسترالي، وفي مقدمته رئيس الوزراء جون هوارد، اعتبر اعتذار الشيخ الهلالي غير كاف، وطالبوا بفصله من موقعه، إذا لم يبادر هو بتقديم استقالته. واغلب الظن أن الرجل الذي قيل أنه من أصل مصري، لن يستقيل ، فنادراً ما يستقيل المصريون من مواقعهم أو يتخلون عنها طواعية، حتي إذا ارتفعت الأصوات المطالبة بذلك، ولعل لنا في رؤسائنا ووزرائنا أصدق وأسوأ الأمثلة. بل ولا أستبعد أن يفضل الشيخ تاج الدين الهلالي السجن في استراليا عن العودة إلي مصر. وهذا هو ما حدث لبعض طالبي اللجوء والهجرة في بلد مشابه، وهو كندا . ففي الصيف الماضي اتهمت السلطات الكندية عدداً منهم بالتورط في مخطط إرهابي لنسف البرلمان الكندي، ومؤسسات كندية أخري. ويسمح القانون الكندي في مثل هذه الحالات إما بترحيل المتهمين إلي بلادهم الأصلية أو إلي بلدان أخري تقبلهم علي أرضها، أو محاكمتهم وسجنهم في حالة إدانتهم. وكان الغريب والمحزن أن المصريين المتهمين في ذلك المخطط، فضلوا هم وأسرهم، البقاء في كندا، حتي ولو في سجونها. وهو ما دفعني في حينه، وكنت في زيارة لكندا، أن اكتب مقالاً بعنوان لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون كندياً! . والعنوان هو تحريف لقول مأثور للزعيم الوطني مصطفي كامل، في أحد خطبه الحماسية منذ قرن، لو لم أكن مصرياً، لوددت أن أكون مصرياً .أما سوابق الشيخ الهلالي فتتضمن تصريحاً له في أعقاب إعصار تسونامي الذي راح ضحيته عشرات الآلاف من البشر معظمهم من الأطفال في إندونيسيا، وسيريلانكا، والهند، مسلمين وهندوك وبوذيين. إن الإعصار كان غضباً ومقتاً من الله عز وجل علي العاصين من خلقه. أما لماذا يغضب سبحانه من الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة، ولم يتعلموا بعد المعاصي ، فلم يكلف هذا الشيخ نفسه مشقة السؤال، وبالطبع لم يذكر الشيخ، وأغلب الظن أنه لا يعرف أن هناك ظواهر طبيعية، مثل الرياح والأعاصير، والزلازل والبراكين، تحدث دورياً في أمكنة وأزمنة، ولا علاقة لذلك ببشر معينين، سواء كانوا فاسدين أو صالحين، عُصاة أم تقاة. وكيف لشيخ مثل الهلالي، لم يدرس وربما لم يسمع عن علم اسمه الجيولوجيا! .ومن سوابق الهلالي أيضاً ما صرّح به في أعقاب تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك منذ خمس سنوات. وهي نفس الاسطوانة المشروخة عن غضب الله ومقته علي من لا يحبهم هذا الشيخ الذي لا يبدو أن المحن والآلام البشرية لا تحرك فيه أي مشاعر إنسانية بالمرة.أما مسألة لحم النساء والذباب، والتماس العذر لمن يهجم عليه وينهشه، فهي صورة مجازية متوحشة، مغرقة في تخلفها وبدائيتها، فضلاً عن انعدام أدني مستويات الذوق والحس السليم.ويذكرنا الشيخ تاج الدين الهلالي هذا، بشيخ آخر لا يقل عنه تخلفاً، وهو إمام مسجد مدريد، عاصمة أسبانيا، الذي صرّح منذ سنوات في إحدي خطب الجمعة أيضاً بجواز ضرب الزوجات الناشزات . وهو الأمر الذي أثار عليه وقتها عاصفة من الاحتجاج مثلما حدث في استراليا الأسبوع الماضي ( أكتوبر 2006). وربما يفهم أمثال هؤلاء فهماً حرفياً، دونما اعتبار لما يسميه الفقهاء بإدراك أسباب نزول النصوص أو الآيات القرآنية، ودونما اعتبار للسياقات المجتمعية المعاصرة. فكما أنه غير مقبول الآن ممارسة العبودية و الرق ، و ما ملكت أيمانكم ، فليس مقبولاً في معظم المجتمعات المتقدمة مثل أسبانيا واستراليا وبريطانيا معاملة النساء، كما لو كن ناقصات علم ودين ، أو كما لو كن مجرد لحم يغري بالاعتداء والانتهاك والاغتصاب. إن النسبية في فهم نصوص وأحكام الدين، هي التي أوحت بالقول النبوي المأثور إن أهل مكة أدري بشعابها . هذه النسبية نفسها هي التي جعلت الإمام الشافعي، يفتي في مصر بغير ما كان قد أفتي به في العراق، حول نفس الأمور.إن الفهم الوهابي المتزمت لنصوص القرآن والسنة النبوية، ربما كان مناسباً للبيئة الصحراوية التي ظهر فيها هذا المذهب. أما أن يأخذه أصحابه من ذلك السياق الصحراوي البدوي إلي سياقات أخري أكثر تحضراً وتعقيداً، ففيه إساءة بالغة لروح الدين الإسلامي الحنيف.وأن المرء ليعجب من هؤلاء المشايخ الذين يختزلون الإسلام وأحكامه في فرعيات وجزئيات خاصة بالمرأة، من حياضها ونفاسها، إلي نشوزها وضربها، إلي لحمها وانتهاكها. وبأن المرء ليعجب أكثر وأكثر كيف ينتهي الأمر بهؤلاء المشايخ، وهم الأكثر تخلفاً، إلي بلاد مثل كندا واستراليا، وهي الأكثر تقدماً. ربما يكون المسلمون في هذه البلدان أفضل حالاً لو دربوا هم أئمة وخطباء منهم أنفسهم مثل د. طارق رمضان في سويسرا، ود. نعيم الشربيني في واشنطن، ويتركون مشايخنا المتخلفين لنا هنا، عملاً بالحكمة الربانية إذا بليتم فاستتروا . والله أعلم. [c1]كاتب مصري [/c]
|
فكر
الشيخ الهلالي واللحم والذباب في بلاد الفرنجة
أخبار متعلقة