أبوح لكم
عبد القادر خضركانت ظلال المساء تسقط على الأشجار، ونسمات خريفية باردة تهب برفق لتداعب وجهيهما، عندما قالت له وقد عادت عصفورة من نزهتها لتلتصق بعصفورها وتعانقه بحب :أنظر .. أنّهما يتعانقان!!ثم عادت تقول وآهة حائرة تنطلق من بين شفتيها :كم أحلم بعش صغير نبنيه بأيدينا.. ونعيش داخله، كما يعيش هذان العصفورين الصغيرين اللذين يغرقان بالسعادة!!قال بفتورٍ وهو يركز عينيه على العصفورين اللذين غرقا في نشوة العناق حتى نسيا وجودهما وهما فوق أعلى الشجرة في الحديقة :ربما سيزحف الملل يوماً ليغطي عَلاقتهما، ويباعد بينهما.. ويجعل استمرار حبهما مستحيلاً.. الحب ليس دائماً هو هذه القيود التي نقيدها بأنفسنا، لنتوهم أننا سعداء.. الحب قد يتوقد عندما يتخلص من القيود.. وقد يكون أكبر عندما يمتلك كل من الرجل والمرأة حريته.. ويختار بنفسه موقفه!!لم تفهم كلماته.. لقد كانت تحلم، وكانت تعيش على جناح حلم رف عليها بوداعة.. ردت عليه وفي عينيها بريق خاطف :الذين يختارون الأغصان العالية، ويحلقون فوق الأشجار المرتفعة.. والذين تطير بهم أحلامهم إلى بعيد، قد لا يشعرون إلا بقيود السعادة عندما تلتف حول الأعناق!!زفر آهة بضيق .. ورد عليها :يا صغيرتي .. أنت لا تفكرين أبعد من القفص والعش.. ولا يدور في أحلامك سوى عصفورة تمتلك عصفوراً أو تستحوذ عليه!!ثمّ قام ليخرج من الحديقة، وتبعته هي منكسة الرأس .. وتباعدت خطواتهما .. ثم ابتلعهما الظلام.كان حوارهما يحفر في رأسي أنهاراً كثيرة.. ويثير في ذهني موجة من التفكير الذي لا أقوى على الفكاك منه.. ومجموعة من الأسئلة تنهال عليّ وأنا في جلستي يغرقني الظلام الذي بدأ يسقط على الأرض من فوق الأشجار :هل أنّ الحب هو مسئولية والتزام.. أم أنّه حرية مطلقة يختار خلالها كل من الرجل والمرأة موقفه؟!.. ثمّ هل أنّ البحث عن ديمومة الحب واستمراره وبقائه وبناء القاعدة التي يستند عليها يعتبر محاولة للامتلاك ؟!في يقيني .. أنّ الذين لا يفكرون في الالتزام بأية مسئولية اجتماعية أو نفسية.. ربما ينظرون للحب من زاوية شاعرية بحتة.. وربما تستهويهم هذه النظرة لتبعدهم عن البحث وراء المنابع التي تسقي الحب، وتديمه.. وتجعله أكثر توقداً!!فالسعادة الحقيقية في الحب أن يستند إلى قاعدة قوية من التفاهم والتكافؤ من أجل بناء العش الحالم الذي ترف عليه السعادة الدائمة!!