انتهى العام الدراسي الحالي، وشرعت المدارس في إجراء الامتحانات العامة، لمرحلة التعليم الأساسي ومرحلة التعليم الثانوي بأقسامه المختلفة، ومثلها تفعل كليات الجامعات اليمنية المختلفة، وشرع الطلاب على اختلاف مراحلهم الدراسية في الاستعداد لمواجهة كابوس يسمى (الامتحان) وأعلنت في البيوت حالات الطوارئ وصار المجتمع في حالة استنفار كامل بسبب هذا القادم غير المرغوب فيه.فالطالب يسيطر عليه القلق والخوف والاضطراب النفسي، بالإضافة إلى الإرهاق العقلي الذي تسببه كثرة المطالعة والاستذكار، فهذا يشكو اضطراباً في أعصابه، وذلك مصاب بالأرق فلا يجد للنوم سبيلاً، وإن نام انتابته الأحلام المزعجة، وبات رهين الوساوس والأوهام.والمعلم أو الأستاذ يحرص على أن ينال طلابه أعلى الدرجات ليثبت بذلك كفاءته ومقدرته على التدريس، فحشا أدمغة التلاميذ بملخصات يحفظونها وما أكثر الملخصات التي أملاها على الطلاب، وكل ملخص أكثر جفافاً من الآخر، والطالب المسكين يحفظ هذا وذاك وهو في حالة من القلق يرثى لها.والمدرسة أو الكلية تريد أن تثبت وجودها بين المؤسسات التربوية، فهي لذلك تعمل على أن ينجح أكبر عدد من طلابها، فتجند كل من فيها من أجل الامتحان.والأسرة يسودها القلق أثناء الامتحانات على نجاح ابنها أو بنتها، وتخشى من الصدمة الاجتماعية التي تصاب بها حينما تجد ابنها غير موفق في الامتحان وهي في سبيل نجاحه تتخلى عن كثير من عاداتها ومألوفاتها من أجل أن توفر جواً ملائماً للدراسة.ولذلك يعد الامتحان مشكلة اجتماعية بل يعتبر من أصعب المشكلات الاجتماعية وأعقدها، وهي مشكلة ليست جديدة بل قديمة فقد شغلت المربين ورجالات التربية منذ القديم، وقد وضعوا أمامهم سؤالاً مفاده : إلى أي حد يعتبر الامتحان ضرورياً؟ وهل يمكن الاستغناء عنه؟.ولقد اتفق المربون أن الامتحان كابوس مخيف، يخشاه الطلاب والمدرسون والمدارس والمجتمع وهو عقبة تعترض سبيل أية فكرة جديدة في التربية، ومع ذلك يرى هؤلاء المربون أن الامتحان وسيلة لابد منها لمعرفة مستوى الطالب العقلي، وليس لمعرفة مواهبه الفطرية وميوله الطبيعية.إن الامتحان بشكله التقليدي الحالي، لا يعني إلا بما يحفظه الطالب وما رسخ في ذاكرته، فهو يقيس معلومات الطالب، ولا يقيس مقدرته، ومع ذلك فإن هذا القياس حتى للمعلومات غير دقيق، ولا يمكن الاعتماد عليه، لاختلاف مقدري الدرجات في أذواقهم وميولهم وأحوالهم النفسية.إنه مع اعتقادنا أن الامتحان بشكله التقليدي الحالي ليس مقياساً دقيقاً لمعرفة مقدرة الطالب العلمية والعقلية وكفاءته العملية إلا أننا نقرر أن (الامتحان شر لابد منه)، أو أنه كابوس مزعج لا خلاص منه.فهو شر لأنه عقبة في سبيل التربية، إلى جانب أنه مقياس غير عادل، ولا يمكن الاطمئنان إليه، إلى جانب أنه يؤثر في صحة الطلاب وأخلاقهم، فالطالب من أجل أن ينجح يحاول أن يغش، وفي الغش خطورة اجتماعية وإذا فشل الطالب تولد عنده إحباط نفسي قد يفقده الثقة بالنفس.أما أن الامتحان لابد منه فلأنه هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة مقدار ما حصله الطالب، ولحثه على العمل ولمعرفة أثر المدرس على طلابه، ولاختيار من يصلح للوظائف أو للكليات والمعاهد العليا أو لأي عمل من الأعمال.ولكن الامتحان بأسلوبه المتبع حالياً يعطي انطباعاً بأنه غاية في ذاته، وليس وسيلة، فقد أصبح الطالب لا يقرأ حباً في القراءة، ولا يبحث حباً في البحث، وإنما يقرأ للامتحان ويبحث من أجل أن ينجح في الامتحان، وهنا يكمن الخطر لأن الطلاب صاروا لا يعنون بالمواد التي يمتحنون فيها، ويهملون المواد التي لا يمتحنون فيها، ويفضلون المواد ذات الدرجات العالية، ويهملون المواد ذات الدرجات الصغيرة، فيقيسون المادة بمقدار الدرجات المخصصة لها، فلا غرابة أن نجد الطلاب يهملون الألعاب الرياضية والتربية الفنية لأن درجاتها ليست مرصودة في قائمة الدرجات، وربما لم تدخل في التقدير العام، فلا تؤثر في التقدير العام للطالب.[c1]خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]
أخبار متعلقة