مفكرة سكانية
كتب/أمين عبد الله إبراهيم يؤثر التحول الديموغرافي على النمو الاقتصادي وعلى تشغيل القوى العاملة من خلال ثلاث قنوات الأولى سوق العمل . ويحدد أثرها من خلال نسبة السكان في سن العمل، ومعدل الإسهام في القوى العاملة، وعدد ساعات العمل لكل عامل. ويتوقف الأثر الايجابي للتحول الديموغرافي في التشغيل على طبيعة سوق العمل وهيكل الإنتاج . أما القناة الثانية فتمثل في الادخار والاستثمار والتشغيل ، وهنا يحدد الادخار وفقاً للمرحلة العمرية ، حيث يرتفع في سن 45 سنه في حين ينخفض بين الأفراد في سن الثلاثين . ويسهم تزايد المدخرات في دعم الاستثمار المحلي ومن ثم النمو والتشغيل ،ويتطلب هذا توفير وتوجيهات نحو مدخرات موجهة نحو الداخل ،و في هذه الحالة يمكن أن يكون لتحويلات المهاجرين أثر أكبر . وتمثل القناة الثالثة في التعليم ورأس المال البشري ، حيث يقلل ارتفاع معدل الإعالة من قدرة الأسر على الاستثمار في تعليم أبنائهم ، كما إن ازدياد العمر المتوقع عند الولادة يدعم ارتفاع معدلات التعليم ، حيث يؤدي ذلك إلى تزايد العوائد من التعليم مدى العمر. تطرح النافذة الديموغرافية عده قضايا أهمها: أيجاد فرص كافية تسمح بتخفيض معدلات البطالة ومن ثم التوظيف الأكثر فعالية لطاقات الشباب ، ومكافحة الفقر ، وتحسين إنتاجية العمل بهدف زيادة القدرة التنافسية للاقتصاديات العربية ، فضلاً عن تحسين برامج التأمينات الاجتماعية والصحية ، وبرامج رعاية الفئات الخاصة والمسنين مع ترسيخ مبدأ التضامن بين الفئات الاجتماعية والأجيال المختلفة ، والاستفادة من الهجرة الدولية في تنمية الاقتصاد الوطني .وتختصر ملامح العلاقة بين التحول الديموغرافي والهجرة الدولية في سيناريوهين اثنين.. الأول الاستفادة من النافذة الديموغرافية في زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحسين الخدمات والارتقاء بنوعية حياة المواطنين ومهاراتهم وخصائصهم التعليمية ،وفي هذه الحالة تكون تحويلات المهاجرين واضحة التأثير في زيادة روافد التنمية وتقليل معدلات البطالة، أما السيناريو الثاني فيتمثل في تفويت الفرصة الديموغرافية ،وعندئذ تزداد ضغوط الهجرة الدولية ، حيث تتزايد معدلات البطالة نتيجة لتزايد أعداد السكان في سن العمل ، وعدم التمكن من خلق فرص العمل الكافية لهم .ولعل في اتجاه معدلات البطالة إلى الارتفاع في غالبية البلدان العربية وخاصة بين الشباب، مؤشرات كافية للدلالة على هذه الحالة.واستنادا إلى ما تقدم ، يطرح التساؤل حول مستقبل الهجرة العربية في ضوء تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الجديدة والإقليمية والدولية ، والتي تتزامن مع تحولات ديموغرافية حجم الادخار والاستثمارات نتيجة ارتفاع معدلات الإعالة ، وذلك في المراحل الأولى من التحول الديموغرافي . وقد بلغ هذا المعدل 72 لكل 100 شخص في عام 2000م. إلا أن الاتجاهات الديموغرافية في المنطقة العربية شرعت بالتحول التدريجي نحو مراحل أكثر تقدماً خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي ، مممهدة الطريق لتغيير بينوني في الهيكل العمري للسكان في المنطقة . فمع الانخفاض التدريجي لمعدلات الخصوبة ، ستتغير التركيبة العمرية للسكان ، حيث ترتفع أعداد السكان في سن العمل (15 -65 سنة ) من 70 مليوناً في عام 1990م إلى حوالي 130 مليون عام 2010م ، أي بزيادة صافية قدرها 33 مليون ، بينما ستحافظ الفئة العمرية (65 وأكثر) على معدل منخفض في مجموع السكان .أما صافي الزيادة للفئة العمرية 24-15 سنة فستصل إلى 17 مليون بين عامي 2000م و 2010م ، ويرى معظم خبراء الاقتصاد أن الاتجاهات الهيكلية للسكان في المنطقة قد تكون فرصة سانحة لزيادة الادخار والاستثمارات ،وذلك نتيجة لتراجع معدلات الإعالة بالتزامن مع انخفاض معدلات الخصوبة وقد لا تسمح هذه الفرصة إذا لم يستغل هذا الادخار والاستثمارات في استقبال الاعداد المتزايدة للسكان في سن العمل ، فما يؤدي إلى زيادة الطلب على الهجرة الدولية ،والاتجاهات الديموغرافية الحالية في بعض البلدان قد تكون ايجابية أذا رافقتها سياسات اقتصادية واجتماعية مناسبة ، موجهة إلى الفئات العمرية الشابة ، وقد تكون سلبية على التنمية أن لم يستطيع متخذو القرار إدخالها في حساباتهم في مرحلة مبكرة واغتنام الفرصة في خلق الظروف المواتية والبيئة السياسية الملائمة ،وقد تأتي غير مرضية أن لم تراع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الاحتياجات الضرورية للفئات العمرية الشابة (15 - 25 سنة ) وخاصة الحاجة إلى خلق فرص عمل منتجة ذات اجر لائق ، والحاجة إلى توفير برامج متكاملة للصحة الانجابية والى تمكين المرأة والى ضمان المشاركة لجميع السكان .يستخلص مما سبق أن تحديد السياسات اللازمة للاستفادة من الفرصة الديموغرافية وتهيئة القوى العاملة لاحتياجات السوق المحلية يرتبط بالتنبؤات والاتجاهات الديموغرافية من جهة ، وبالتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من جهة أخرى . ويتطلب تحليلاَ لعدد من المتغيرات المرتبطة التي تشكل سلسلة من التحديات . وان لم تؤخذ هذه التحديات في الحسبان فقد تتحول إلى عوامل تؤدي إلى إهدار الموارد البشرية والأيادي العاملة ، وذلك نتيجة لسياسات وتشريعات قد تكون غير مواتية ، وتساهم في مفاقمة الخلل في أسواق العمل . ومن النتائج المتوقعة التي تلوح في الأفق والتي على الحكومات مواجهتها تزايد الطلب على الهجرة والضغط الاجتماعي والسياسي الذي قد ينتح من صعوبة تلبيته ، بسبب السياسات والتشريعات التي تنتهجها بلدان الاستقبال والتي تسعى غالبيتها منذ الآن إلى سد أبواب الهجرة وتضييق منافذها / من جهة ، تبقى فرص تقليص الهجرة والبطالة مرتبطة بمدى تكيف الاقتصاد الوطني مع واقع الاندماج في الاقتصاد العالمي ومن جهة أخرى تتيح التحولات الديموغرافية فرصة لن تتكرر في القرن الحالي لبناء اقتصاد منتج يخلق فرص عمل جديدة وبالتالي يقلص الهجرة ويجعل خيار بقاء الإنسان في بلده متاحاً للجميع .