سعيد صالح بامكريد :نعم في الليلة الظلماء يفتقد البدر.. كلما اشتدت على أمتنا المحن والماسي هرعت لتتذكر قائداً عظيماً كثيراً ماتأسفنا لرحيله .. ومازلنا نفعل ذلك خصوصاً هذه الأيام في ظل العربدة الامريكية والغطرسة الصهيونية وتراجع المد القومي العربي .. واستباحة الأرض العربية .. ونهب ثروات شعوبها وما يجري في بلاد الرافدين أوضح مثال!يصادف السادس عشر من يناير الجاري ذكرى ميلاد الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر قائد ثورة يوليو المصرية العربية عام 1952 التي جعلت من مصر وطناً لكل الثوار العرب ومنارة يشار إليها بالبنان من جميع أبناء آسيا وأفريقيا ، بل وأمريكا اللاتينية .الحديث عن عبد الناصر ومناقبه وإنجازاته ونجاحاته يقودنا بالضرورة للحديث عن عصر كامل وربما نقول قرن بأكلمه.. وعندما نقول ذلك لا يعني أن كل شيء كان على ما يرام في عهد عبد الناصر ، أو أن الرجل كان فوق الأخطاء .. لكن السؤال هو لماذا يخرج الإخوان المسلمون من السجون ليقاتلوا في صفوف عبد الناصر ، ليناضلوا إلى جانب عبد الناصر .. لماذا ؟!لأنهم يعملون يقيناُ أن عبد الناصر اختلف معهم أو مع غيرهم من اجل قضايا كبرى .. من اجل الأمة ، حاضرها ومستقبلها .. من أجل كرامة الإنسان العربي في كل مكان.. ألم يقل قولته الشهيرة (( إرفع رأسك يا أخي فقد انتهى عهد الاستعمار ، ارفع راسك يا أخي فقد انتهى عهد الاستبداد)) أجل ورفعناها عالياً في طول وعرض بلادنا العربية في الجزائر واليمن .. في ليبيا والسودان ، في كثير من بلادنا العربية ورفعناها طوال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين .. لقد تم أختياره من قبل الصحافة العالمية آنذاك ضمن اهم عشرة أشخاص في القرن العشرين قاوموا الاستعمار، وهذا ما أكده احد أبرز المختلفين مع عبد الناصر وهو المفكر الماركسي المعروف محمود أمين العالم الذي قال عن عبد الناصر :((الحقيقة البسيطة التي لا تنكر لثورة عبد الناصر منذ بدايتها عام 1952 حتى وفاته عام 1970 أنها كانت ثورة من اجل الاستقلال الوطني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية .. كانت ثورة استقلال وتحديث ، كانت ثورة وطنية معادية للاستعمار والامبريالية ، معادية للتخلف الإقطاعي والاحتكار الرأسمالي )) بمعنى آخر أن الملايين التي التفت حول عبد الناصر من عمال وفلاحين ومثقفين وجدوا فيه أملاً لتجاوز التخلف والانتصار على العد والمتربعى بأمتنا وتاريخها وثروات لشعوبها.ثقة الجماهير بعبد الناصر انطلقت مما وجدته فيه من صفات وسمات وخصائص .. وجدت فيه شخصية سياسية رصيفة في سياقها التاريخي والحضاري الذي يتحرك فيه .. لقد كان عبد الناصر مصرياً عربياً مسلماً ، ولكنه كان أيضاً ثائراً من ثوار العالم الثالث المعادين للاستعمار والامبريالية مثل نهر وسوكارنو وهو شي منه وتكروماو... وقد اختارته الإذاعة الفرنسية من بين أهم مائتي شخصية صنعت القرن العشرين والى جانبه من العرب عميد الأدب العربي طه حسين ، والملك فيصل بن عبد العزيز وكوكب الشرق أم كلثوم، وذلك تقديراً لمكانته الكبيرة حينها.لقد كان عبد الناصر امتداداً طبيعياً لمن سبقوه من زعماء مصر وقادتها وزاد عليهم حسه العربي العميق وإحساسه القومي الأعمق ،ولهذا السبب كان خطابه يتلقفه ملايين العرب من المحيط إلى الخليج ، وكان بحق موجهاً إليهم جميعاً ، فهو يردد دائماً يا أبناء مصر .. يا أبناء الأمة العربية جمعاء ، أو نجده مباشرة أيها العرب، حتى في ظل هزيمة الخامس من حزيران عام 67م ، ظل يتحدث إلى العرب جميعاً ، لم تهتز ثقته بأمته، ولم تهتز ثقة الأمة فيه ، بل بقي كما كان قبل الهزيمة الزعيم الساكن في القلوب الذي يحرك الملايين في العواصم العربية ، وظلت شخصيته ماثلة في العقول والأذهان دون أي تشوش ، بل شديدة الوضوح والى اليوم.. هذا ما دفع احد الصحفيين الامريكيين وهو ((وولترلاكير)) ليكتب عن عبد الناصر قائلاً:(( أن عبد الناصر هو الزعيم الكاريزمي (( الساحر والمحبوب)) الذي لم تزعزع مكانته الهزيمة))..في ذروة الهزيمة خرجت الجماهير العربية في القرى والبوادي والمدن رافضة استقالته وتطالبه بالاستمرار والاستعداد للمعركة القادمة مع العدو..في مذكرات اندريه جروميكو – ويزير خارجية السوفيتي – عن زعماء العالم وجدنا حيزاً كبيراً عن عبد الناصر ، فماذا قال عنه :(( إنني لا أميل إلى المبالغة في دور الفرد في التاريخ ، ولكن يمكنني القول وبكل تأكيد أنه لو عاش عبد الناصر لعدة سنين أخرى لكان الوضع في المنطقة مغايراً لما عليه اليوم))ويضيف جروميكو في مذكراته، في الجزء الخاص بعبد الناصر قائلاً؟(( استطاع عبد الناصر حتى وفاته أن يقوم بدور القوة الجامعة ، والمحصلة للوعي العربي ، وإيمان العرب بحقوقهم المشروعة ، وهذا في حد ذاته كان ذا أهمية تاريخية بالغة))في عهد عبد الناصر وبدعم وتأييد كاملين منه تحققت الثورات العربية في أغلب البلاد العربية ، وطردت من بلادنا قوات المستعمر وجنوده وعادت أدراجها من حيث أتت تحمل الخزي والعار .. إذن ما الذي أعاد المستعمر اليوم إلى أرضنا يحمل إلى جانب أطماعه وجشعه وقاحته وغطرسته وميله الشديد إلى البطش والقتل والتنكيل ؟!لن أجيب على السؤال.رحيل عبد الناصر المفاجئ أثار صدمة كبيرة لدى العرب في كل مكان، جعل الحزن يسكن ، ودفع الملايين إلى شوارع المدن والعواصم العربية للخروج والتظاهر في حالة من عدم التصديق .. وكان توديع جثمانه شهادة وفاء له وتقديراً عظيماً لمكانته.. تلك الملايين من الناس التي خرجت في وداعه حزينة ، صاخبة، رافضة الاستسلام خائفة على ما تحقق من إنجازات .. رأى هذا المشهد كاتب فرنسي هوجانٍ لاكوتور (( فكتب قائلاً:(( إن هذه الجموع الغفيرة في تدافعها الهائل نحو جثمان عبد الناصر ، لم تكن تشارك في تشييع الراحل إلى مثواه الأخير وحسب ، لكنها في الحقيقة كانت تسعى إلى الاندماج بجمال عبد الناصر الذي كانت صورته هي التجسيد المطلق لكينونتها وذاتها))
|
مقالات
الذكرى التسعون لميلاد الزعيم العربي جمال عبدالناصر
أخبار متعلقة