نبض القلم
الإرادة الإلهية حين خلقت الإنسان، قدرت رزقه، ولكن الإنسان الطماع يريد أن يكسب رزقه بأساليب مختلفة من الخداع، والطالب الخامل يريد أن ينجح في الامتحان بطرائق متعددة من الغش، والموظف الكسول يريد أن يرتقي باتباع أنماط متنوعة من المكر، والتاجر الجشع يريد أن يزيد رأسماله بانتهاج مختلف أنواع الحيل.ربما يظن بعض الناس - خطأ - أن ما يرونه من نعيم زائف لدى بعض الشطار والعيارين، وما يرونه من مال لدى بعض الفاسدين والمحتالين أنه قد منحهم السعادة. والحقيقة أن السعادة لا تكون في الغنى المقترن بالغش، ولا في المال المكتسب عن طريق الخداع والحيلة. وإنما تكون في غنى النفس. إذ ليست السعادة في الكسب غير المشروع، ولا في النجاح الزائف الناجم عن الغش والخداع، لأنها ارتبطت بالكذب، والكذب كما يقولون: “إذا غداك لن يعشيك”. والغش والخداع لا يفيدان أحداً، وإذا انتفع بهما أحد فهو انتفاع مؤقت، وسرعان ما ينكشف أمر الإنسان الغشاش أو المخادع، وعندئذ لن يحصد إلا الخزي والعار والندامة.وليس بخاف أنه ما تقدم عامل خان في عمله، ولا أفلح صانع دلس في صناعته، ولا وفق طالب غش في امتحانه، ولا نجح تاجر احتال على زبونه، ولا ارتقى موظف غدر بزملائه، إذ ما هي إلا أيام معدودات ثم تنكشف أحوالهم، وتنفضح أمورهم، وسرعان ما ينصرف الناس عنهم، بعد أن تدور عليهم الدوائر، وكم رأينا في حياتنا من أشخاص احترفوا الغش والخداع، ذهبت عنهم البركة، وحرموا السعادة، وحل بهم الشقاء، رغم ما قد يبدو للآخرين أنهم خلاف ذلك.ولست بحاجة للقول إن الغش لذنب عظيم ولا يكون إلا من نفوس خبيثة طاغية، ولا يصدر إلا عن قلوب قاسية، وفي ذلك تغرير بالناس، وتلاعب بالدين، ومخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من غشنا ليس منا”.ومما يؤسف له أن الغش أصبح سلوكاً شائعاً في حياتنا، يمارسه الصغار والكبار، مدعوماً بالكذب، ومعززاً بالأيمان المغلظة وهناك جملة من الأمثلة المستمدة من واقع حياتنا، والدالة على أن هناك خللاً في السلوك الاجتماعي ينبغي تصحيحه.ولست بحاجة للإتيان بأمثلة للغش في حياتنا فظواهر الغش كثيرة، ولكن يكفي أن نعرف أن الغش أصبح ظاهرة في مجتمعنا، وصار سلوكاً شائعاً في حياتنا، ولم يعد التعاطي معه أو ممارسته عيباً اجتماعياً - كما كان سابقاً - بل أصبح الناس ينظرون إليه نظرة تقدير، ويعتبرون التعاطي معه نوعاً من الشطارة والذكاء، خاصة في غياب القدوة الحسنة وانعدام المحاسبة، وضعف الوازع الديني، وموت الضمير.ولما كان مجتمعنا قد تهاون مع الغش والغشاشين، فقد أصبح الغش سلوكاً مألوفاً في مختلف جوانب الحياة، وصار الغشاشون يحتلون مواقع رفيعة في المجتمع. ومما يؤسف له أن هذا السلوك المرضي الخطير قد انتقل إلى أبنائنا تلاميذ المدارس حيث أصبح التلميذ يتبع أساليب مختلفة للغش في الامتحان، ولا يرى في ذلك أي عيب، لأنه يرى كل يوم أمامه أنماطاً متعددة من الغش، يمارسها عليه القوم وكبارهم، ويلاحظ أيضاً أشخاصاً كثيرين يكافؤون لا لشيء إلا لأنهم غشاشون، وفي الوقت نفسه يرى أشخاصاً آخرين نزيهين وأمناء ولكنهم محتقرون.ولست مبالغاً إن قلت إن الطالب حين يغش في الامتحان ويبذل ما في وسعه للقيام بعملية الغش فإن لسان حاله يقول: قل للرقيب وللمراقب ماذا دهاك أخا المتاعبأتعبت نفسك في الذها ب وفي المجيء كما المحاربوالغش يضرب أطنباً في كل ناحية وجانبأفما رأيت كبارنا بلغوا به أعلى المراتب؟بالغش وحده نرتقي لا بالأمانة يا مراقبسنغش رغم أنوفنا وأنوفكم فالغش واجب [c1]خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان