تدل القراءة الفاحصة لمخرجات خيار أحزاب ( اللقاء المشترك ) باللجوء الى اللعبة العمياء للحراك السياسي في الشوارع على أنّ ثمة لاعبين آخرين ( من الداخل والخارج ) وجدوا في هذا الخيار فرصة نادرة لإحياء مشاريع ميتة ، أوتمرير مشاريع صغيرة ومشبوهة تحت شعار (القضية الجنوبية ) الذي أصبح قاسما مشتركا بين قوى متناقضة الأهداف والمصالح والمرجعيات يجمعها هاجس تصفية حسابات تاريخية مع الوحدة اليمنية بما هي وليد شرعي للثورة اليمنية (26سبتمبر ــ 14 اكتوبر) . اللافت للنظر ان الحزب الاشتراكي اليمني حصر مهمته المحورية بعد خروجه إلى الشارع في تبني ما تسمى “ القضية الجنوبية” والدعوة إلى حوارٍ سياسي حول هذه القضية والاتفاق على آليات حلها استناداً إلى اتفاقية الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق وقراري مجلس الأمن الدولي أثناء الحرب والتزامات السلطة للأمم المتحدة في يوليو 1994م، وهو ما كان يطالب به تيار الأقلية بقيادة مسدوس وباعوم، فيما كان ما يسمى بتيار الأغلبية يرفضه بحزم قبل أن يجد نفسه أسيراً في فخ هذا الخطاب بعد أن ورطه حزب « التجمع اليمني للإصلاح” الذي كان له سبق المبادرة في التحريض على اللجوء الى الشارع والمتاجرة بآثار حرب 1994م بطريقة انتهازية وغير مبدئية، بهدف توظيفها ضمن أوراق سياسية أخرى لإضعاف الحزب الحاكم، وإرباك حكومته ومنعها عن تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية.وقد جاءت بيانات الدورات الأخيرة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، بما في ذلك رسالة أمينه العام السابق علي صالح عباد “مقبل” إلى رئيس الجمهوريـــــــة الذي نشرته صحيفـــــــة (الثـوري) في صفحتها الأولى في وقت سابق من عام 2007 ليقدما دليلاً ساطعاً على عمق المأزق الحاد الذي يعيشه الحزب حالياً بعد أن تمكن تيار الأقلية بقيادة مسدوس وباعوم من فرض أجندته على عمل ونشاط الحزب في الشارع ، وصياغة عمياء للمهام والمطالب، الأمر الذي يزيد من تعقيد الموقف المأزوم لما يسمى بتيار الأغلبية في اللجنة المركزية، والذي كان يرفض ويخاصم خطاب ومطالب ما يسمى تيار مسدوس - باعوم بحدةٍ وعنف.في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أنّ أحزاب ((اللقاء المشترك)) ليست وحدها التي تتاجر بما تسمى ((القضية الجنوبية)) منذ ان أصبحت تتبناها بشكل رسمي وعملي سواء من خلال بيانات الدورات الأخيرة للجنة المركزية أو بيانات أحزاب ((اللقاء المشترك))، وذلك في سياق التسابق المحموم مع ما تسمى قيادة ((الحراك الجنوبي)) على الفوز بالشارع ، بل أنّ ثمة أطرافاً يمنية في الخارج لم تخفِ صلاتها بهذه التحركات والمراهنات ، وهو ما نجد تفسيراً له في الدور الذي لعبته ولا تزال تلعبه ما تسمى حركة ((تاج)) التي تدعو إلى حق تقرير المصير للجنوب.بدأ دور حركة ( تاج ) في الداخل من خلال ما يسمى لقاء التصالح والتسامح الذي احتضنته جمعية أبناء ردفان الخيرية بعدن في اجازة عيد الاضحى مطلع عام 2006م ، وغيرها من اللقاءات التي تمت في ردفان والضـــالع وموديــــــــة ولودرخلال الأعـــوام 2006 ــ 2007م، وتحدث فيها عبر الهاتف المدعو أحمد عبدالله الحسني رئيس حركة ((تاج)).. ثمّ تطور هذا الدور بعد انطلاق حركة الاعتصامات والمظاهرات التي تقودها هيئات المتقاعدين العسكرية وصولاً إلى تشكيل قيادة ميدانية لما يسمى بالحراك الجنوبي الذي يدعو صراحةً إلى إعادة دولة الجنوب العربي، ودخول قادة سياسيين سابقين في الحزب الاشتراكي اليمني في الخارج، على خط هذه التحركات من خلال التصريحات والمقابلات الصحفية التي أدلى بها كل من علي ناصر محمد وحيدر أبوبكر العطاس ومحمد علي أحمد وغيرهم.وقد بدا واضحاً التوجه لتدويل ما تسمى القضية الجنوبية، سواء من خلال بيان احدى دورات اللجنة المركزية الذي أشار إلى قراري مجلس الأمن الدولي أثناء حرب صيف 1994م ، أو من خلال الشعارات التي رفعتها الفعاليات الانفصالية الجديدة باللغة الإنجليزية في ساحة االهاشمي في الشيخ عثمان بمحافظة عدن، وحرص قياداتها على اللقاء بسفراء الدول المانحة وفي مقدمتهم السفير الأمريكي والسفير البريطاني، بالاضافة الى التصريحات العلنية لقادة هذه الفعاليات الذين يهددون بتدويل مطالبهم الانفصالية، حيث تلتقي هذه التحركات مع مساعي أحزاب ((اللقاء المشترك)) لتدويل تداعيات حرب صعدة وما تسمى القضية الجنوبية، والمزاعم الخاصة بالوجود العلني المتزايد لتنظيم القاعدة في اليمن بهدف محاصرة النظام واضعاف المؤتمر الشعبي العام وحكومته!! تشير التحركات الأخيرة والمنسقة لفروع الحزب الاشتراكي اليمني وحلفائه في المحافظات الجنوبية الى ان أحزاب ( اللقاء المشترك ) تريد ايصال رسائل الى أكثر من جهة ، مفادها ان الشارع في المحافظات الجنوبية أصبح موحداً حول قضية وطنية واحدة تتبناها أحزاب (اللقاء المشترك ) بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح . لكن هذه الأحزاب لم تقدم حتى الآن أي توضيح مقنع لموقفها من تسلل دعاة المطالبة بإحياء مشروع الجنوب العربي الى (شارع المشترك ) ونجاحهم في جر تلك الأحزاب الى أحراش ما تسمى (القضية الجنوبية ) .لم يعد صعبا على أي مراقب للمشهد السياسي في المحافظات الجنوبية ملاحظة حالة التسابق بين الحزب الاشتراكي وحزب (الاصلاح ) على قيادة الفعاليات والاعتصامات التي تتم تحت شعارات ( القضية الجنوبية ) ،الى جانب السباق المحموم بين الأجنحة المتصارعة في قيادة الحزب الاشتراكي ، في محاولة يائسة للبحث عن طوق للنجاة يعيد الدور القيادي للحزب الاشتراكي ، حتى وإن كان ثمن ذلك هو السقوط في مستنقع المشاريع الانفصالية التي لا تنتمي بأي حالٍ من الأحوال إلى تاريخ الحزب الاشتراكي، ورصيد كفاحه الوطني المشرف ضد كافة المشاريع الاستعمارية الأنجلو سلاطينية ، التي ارتبطت بما كانت تسمى ( القضية الجنوبية )، منذ ظهور مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي في نهاية الخمسينات كرد فعل لشعارات الاستقلال والوحدة اليمنية التي ارتفعت بعد اندلاع إضرابات مارس العمالية الشهيرة عام 1956م، ودخول الطبقة العاملة اليمنية ميدان العمل الوطني كقوة سياسية منظمة في نقابات. ومن نافل القول إنّ مشروع اتحاد الجنوب العربي كان يستهدف نزع الهوية اليمنية عن الجنوب المحتل، وتلفيق هوية بديلة.. وقد بدأ هذا المشروع يلفظ أنفاسه الأخيرة بقيام ثورة 14 أكتوبر التي أنجزت الاستقلال الوطني للجنوب اليمني ، وأطلقت الرصاصة الأخيرة على مشروع “الجنوب العربي” بما هو نظام حكم أنجلو سلاطيني معادٍ للهوية الوطنية اليمنية، ثم أقامت على أنقاضه جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي أعادت الهوية اليمنية إلى جنوب الوطن بعد تحريره من الاستعمار في 30 نوفمبر 1967م، وصولاً إلى قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، التي أعادت للوطن اليمني المشطور وجهه الشرعي الواحد.ومامن شك في أن تكتيك « اللجوء إلى الشارع « هو المسؤول الأول عن التداعيات والتحديات الخطيرة التي أصبحت لا تهدد فقط السلم الأهلي والوحدة الوطنية، بل أنّها تمتد لتفتح الأبواب واسعة لدخول تيارات مختلفة من الداخل والخارج، وإحياء مشاريع ميتة دفنتها الحركة الوطنية اليمنية بنضالها وتضحياتها، وبالذات نضال وتضحيات أبناء الجنوب اليمني الذين تصدوا لمشروع « الجنوب العربي » عندما حاول الاستعمار البريطاني تمريره بهدف تطويق شعارات الاستقلال والوحدة اليمنية التي رفعتها الأحزاب والقوى السياسية الوطنية والنقابات العمالية ومنظمات الطلاب والشباب والنساء في منتصف الخمسينات، على إثر ظهور الطبقة العاملة اليمنية كقوة سياسية منظمة في نقابات، وانخراطها في العمل الوطني التحرري، حيث كان الهدف من هذا المشروع يتمحور حول سلب وطمس الهوية اليمنية للجنوب المحتل وتلفيق هوية بديلة ومزيفة بدلاً عنها.ومما له دلالة أنّ شعارات ( القضية الجنوبية ) لم تشتمل فقط على القضايا المتعلقة بمعالجة آثار حرب صيف 1994 وتصحيح الممارسات الخاطئة باسم الوحدة وهو ما أكد عليه أيضا فخامة رئيس الجمهورية في خطابه التاريخي بمناسبة العيد الأربعين للاستقلال الوطني في عدن ، لكنها امتدت لتنفتح على شعارات ومشاريع انفصالية ضيقة ، تهدد بتمزيق وحدة الوطن وتماسك نسيجه الاجتماعي، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بتفاعل بعض اللاعبين السياسيين في حركة الشارع من المحسوبين على الحزب الاشتراكي اليمني مع الشعارات الانفصالية التي تتحدث عن « الجنوب العربي » و« جنوبنا العربي » و« حضرموت التاريخية قبل الوحدة والشرعية» عبر بعض المسيرات والمقالات والمداخلات في بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية على طريق التعاطي مع ما تسمى بالقضية الجنوبية التي سيطرت على بيانات الدورات الأخيرة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ اصطلاح ( القضية الجنوبية ) كان عنواناً لثقافة سياسية استعمارية سلاطينية رجعية استهدفت طرح قضية الجنوب المحتل والتعامل معها من منظور جيوسياسي انعزالي يخرج مصير الجنوب اليمني وأهله من هويتهم الوطنية اليمنية، ويبعدهم عن مصيرهم المستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا ووحدة الأرض والإنسان والمصير.لا يختلف اثنان في أنّ فتنة 1994م والحرب التي رافقتها، ألحقت أضراراً بالحياة السياسية والوحدة الوطنية. لكن ذلك لا ينفي حقيقة أنْ المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح أدرك ضرورة إزالة آثار تلك الحرب وإغلاق ملفاتها بواسطة العديد من القرارات والإجراءات والمبادرات والتوجهات التي استهدفت إزالة معظم الآثار الناجمة عن تلك الحرب ومعالجة ما تبقى منها . .بيد إنّ ثمة أطرافاً في السلطة والمعارضة تحرص على أن يبقى ملف تلك الفتنة مفتوحا . ومن بينها تلك التي لعبت دوراً كبيراً في تأزيم الحياة السياسية خلال السنوات الأربع السابقة لتلك الحرب منذ قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، مروراً بالأزمة الناجمة عن نتائج 1993م، وانتهاء بحرب صيف 1994م، وإعلان مشروع الانفصال على نحو ما سبق عرضه عند الإشارة إلى مسؤولية الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح ـــ بوصفهما لاعبين أساسيين في « اللقاء المشترك » ـــ عن التداعيات التي نجمت عن شراكتهما في تأزيم الحياة السياسة قبل الحرب وبعدها وفي الوقت الحاضر. ناهيك عن مسؤولية السلطة في تجاهل ما تراكم من مشكلات بفعل سلوك بعض المتنفذين الذين تورطوا بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي والتصرف بعقارات الدولة والأوقاف لغرض المضاربة بها، والسكوت إزاء الإدارات الفاشلة التي تسببت في ركود و تعثر العديد من المؤسسات العامة، وعدم محاسبة الفاسدين الذين كشفت تقارير الجهاز المركزي للمراجعة والمحاسبة تورطهم في نهب المال العام، بالإضافة إلى عدم تصحيح السياسات المركزية المفرطة التي أحدثت شللاً تاماً في عمل ونشاط الموانئ والمطارات وبعض المرافق الحيوية في المحافظات الجنوبية ، على الرغم من الإنجازات التنموية غير المسبوقة في مجال تحديث بنيتها التحتية، ما أدى إلى إ هدار هذه الإنجازات بسبب عدم تشغيلها.بيد أنّ الاعتراف بخطورة التداعيات الناجمة عن الحرب وتهديدها للوحدة والديمقراطية والتأكيد على ضرورة إزالة آثارها السلبية، لا يبرران اللجوء إلى تزييف الوعي والهروب إلى الخلف تارة أو إلى الأمام أحياناً على نحوٍ ما يتم تسويقه عبر الخطاب السياسي والاعلامي لماكنة دعاية والتحريض التي تديرها أحزاب المعارضة المنضوية في ما يسمى ( اللقاء المشترك ) !![c1]* عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]
|
فكر
ويحدثونك عن ( القضية الجنوبية ) ( 2 ــ 2 )
أخبار متعلقة