أضواء
تزداد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التمهيدية إثارة بوجود شخصية زعامية شابة نصفه أسود وربعه مسلم واسمه الأول والأخير إفريقي وينافس شخصية نسائية من الوزن الثقيل هي هيلاري كلينتون عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، والسيدة الأمريكية الأولى سابقاً. إن فاز باراك حسين أوباما بترشيح الحزب الديمقراطي فسيكون هذا الفوز حدثاً سياسياً استثنائياً في التاريخ الانتخابي الأمريكي. لكن إن فازت هيلاري كلينتون فسيكون هذا الفوز حدثاً تاريخياً نادراً في عالم السياسة الذي ظل منذ زمن المدن الإغريقية قبل حوالي أربعة آلاف سنة حكراً على الرجال من دون النساء. مع فرصة دخول أول امراة إلى البيت الأبيض الأمريكي تصبح تبعاً لذلك الرئيس غير المنتخب وغير المتوج للعالم، أصبحت واردة في ضوء انتصار هيلاري كلينتون المقنع والمفاجئ في ثلاث ولايات أمريكية مهمة خلال الأسبوع الماضي. هذا الاختراق السياسي النسائي الأول من نوعه في تاريخ الانتخابات الأمريكية يعتبر مثيراً للغاية بالنسبة للبعض ومفرحاً جداً للبعض الآخر ومخيفاً ولا بد من منعه منعاً باتاً وبأي شكل من الأشكال بالنسبة للبعض الأخير. لكن مهما كانت المواقف من احتمال تولي امرأة رئاسة أمريكا وحكم العالم فإنه يستحق المتابعة عن كثب خصوصاً أن ما تقرره عاصمة العالم واشنطن يؤثر بشكل عميق في التوجهات السياسية والفكرية في المناطق الأخرى من العالم. البعد التاريخي المتمثل في إمكانية ان تتولى امرأة رئاسة الولايات المتحدة أكثر إثارة من فوز الرجل الشاب والوسيم ذي الأصل الإفريقي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فوز هيلاري كلينتون سيشكل انقطاعاً سياسياً ضخماً مع التراث السياسي العالمي الذي ظلم المرأة كثيراً وأبعدها عن القيادة وجعل ممارسة السلطة من اختصاص الرجال دون النساء على مر التاريخ. لقد احتل الرجل الزعامة ولا يود التخلي عنها، وأصدر التاريخ حكماً قاسياً أنه لا يجوز للمرأة أن تقترب من السياسة وهي امرأة. فالمرأة وفق هذا المنطق خلقت لأن تقاد لا أن تقود. تأتي هيلاري كلينتون المنبوذة من 78% من الرجال في الولايات المتحدة الأمريكية كي تتحدى هذه الهرطقات والقناعات الذكورية غير العادلة. لكن وصول أول أمرأة إلى الرئاسة الأمريكية لن يكون سهلاً كما تظهر تجربة هيلاري كلينتون التي تحمل راية التمرد النسائي. فرغم الشهرة والخبرة والجدارة، كما الكفاءة تجد زوجة الرئيس الأمريكي السابق، صعوبة بالغة في اختراق دنيا السياسة في أكثر دول العالم انفتاحاً وتحرراً وادعاء بتحقيق المساواة السياسية بين الرجل والمرأة. الطريق أمام هذه المرأة المعتقة والمحنكة سياسياً معبد ليس بالورود والزهور بل بالشكوك والأشواك السامة. فرحلة هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية التمهيدية فيها الكثير من لحظات الصعود والهبوط ولحظات اليأس والقنوط، ولحظة خاطفة من البكاء كآخر سلاح تستخدمه المرأة عادة لكسب القلوب القاسية والمتحجرة. لقد استطاعت المرأة أن تحقق اختراقات سياسية مهمة في العديد من الدول في السنوات الأخيرة. لكن حضورها في دنيا السياسة لا يزال متواضعاً كل التواضع ولا يناسب عدد النساء وتقدم البشرية ولا يلبي الدعوة الأزلية للمساواة بين الرجل والمرأة. فلا توجد سوى ملكة واحدة في العالم وهي من دون صلاحيات سياسية. ولا توجد سوى 6 نساء في العالم، أي بنسبة 3% فقط، في المناصب الرئاسية. كما تشير البيانات الى أن 17% من المناصب الوزارية و18% من المناصب البرلمانية المنتخبة فقط للنساء. أكثر من 50% من عدد سكان العالم نساء لكن حضور المرأة في المناصب السياسية لا يتجاوز 5%. جميع المعطيات تشير إلى أن هذا الظلم التاريخي سيستمر طويلاً حتى لو انتخبت هيلاري كلينتون رئيسة للولايات المتحدة وحكمت المرأة العالم. المثير في معركة هيلاري كلينتون الانتخابية ليس موقف الرجال المعادي بطبيعة الحال بل انقلاب المرأة ضد المرأة بين أكثر نساء العالم وعياً ودفاعاً عن تمكين المرأة في الحياة العامة. لقد اتضحت صحة مقولة “إن المرأة هي أكثر أعداء المرأة” في المعركة الانتخابية الأمريكية الراهنة. فبعد أن كانت هيلاري كلينتون متصدرة في كافة استطلاعات الرأي السابقة لبدء الانتخابات التمهيدية فجأة برز الشاب الوسيم والعذب اللسان باراك حسين أوباما الذي خطف سريعاً قلوب النساء الكبيرات منهن والصغيرات. فقدت المرأة الأمريكية الذاكرة ونسيت قضية العدالة والمساواة ووقعت في غرام الشاب الأملح باراك أوباما الذي يستقبل أينما حل ورحل وارتحل كنجم من نجوم الغناء والسينما. في لحظة اللحظة غاب وعي المرأة في أمريكا وحل محله غباء سياسي. لقد صوت الرجال ككتلة واحدة للرجال. كما صوت السود ككتلة واحدة للمرشح الأسود. لكن المرأة التي تشكل 57% من القوة التصويتية في الحزب الديمقراطي انقسمت إلى نصفين. وقف نصف النساء فقط مع هيلاري كلينتون وذهب النصف الآخر إلى باراك اوباما. صوت 38% من النساء البيض و78% من النساء السود لمصلحة أوباما بدلا من هيلاري كلينتون. الصوت النسائي مهم جداً لكنه منقسم ولا يحسن استغلال الفرصة التاريخية ولا يخدم القضية النسائية ولا يصوت لمصلحة المرشحة الوحيدة الأكثر جدارة وكفاءة من كافة الرجال في المعركة الرئاسية الراهنة. كانت أوبرا وينفري المذيعة التلفزيونية ذات الشعبية الكاسحة في الوسط النسائي أكثر من جسّد هذا الغباء السياسي عندما قررت الانحياز علناً لمصلحة الشاب باراك اوباما بدلا من الوقوف مع صديقة عمرها وممثلة جنسها هيلاري كلينتون. عندما أقحمت أوبرا نفسها في السياسة انحازت لسوادها أكثر من انحيازها لجنسها وأكدت أن الولاء الاثني يسبق الولاء للجنس. مهما كان الأمر فإن الدرس المستفاد من تجربة هيلاري كلينتون والحركة النسائية في الولايات المتحدة هو أن المرأة لا تفقه لعب السياسة وتقف ضد مبدأ تحقيق المساواة. إذا أرادت المرأة أن تقتحم السلطة وتدخل عالم الرجال فعليها أن تدرك الحقيقة التالية “لا تقربوا السياسة وأنتن غير متحدات”. لا يمكن للمرأة الوصول إلى السلطة وممارسة القيادة من دون توحد المرأة مع المرأة وتعاطف المرأة مع المرأة مهما كانت التحفظات ضخمة على المرأة. من دون الالتزام بشعار “يا نساء أمريكا اتحدن واتعظن”، من المستحيل لهيلاري كلينتون، مهما بكت ومهما ادعت “أنها صلبة كالرجال” أن تصل إلى رئاسة القوة العظمى الوحيدة وتتولى قيادة أكبر جيش في التاريخ وتدير أكبر اقتصاد على وجه الأرض وتحقق حلم أن تحكم المرأة العالم. لقد طال انتظار تحقيق هذا الحلم الذي لن يتحقق من دون أن تتوحد المرأة عندما تخوض المعركة السياسية محلياً وأمريكياً وعالمياً. * عن / صحيفة (الخليج) الإماراتية