د. زينب حزام لقد أصبحت آلة العود اليمنية (القنبوس أو الطربي) مهددة بالانقراض والضياع، فقد هجرها المطربون اليمنيون واستبدلوها بالعود العربي، ولم نعد نراها إلا في المتحف الوطني، أو عند بعض المطربين والمهتمين بالتراث الموسيقي اليمني.تم العثور مؤخراً على عود من المخطوطات الموسيقية، التي تعد من التراث الموسيقي اليمني، التي تتعرض للإهمال الشديد من قبل الجهات المعنية بالأمر، وتم الحفاظ على هذا الكنز الموسيقي عند بعض المهتمين بالموسيقى اليمنية، ومازالت الجهود متواصلة للبحث عن تلك المخطوطات الموسيقية، التي تضم العديد من المقطوعات الموسيقية التراثية والتي قام الباحثون اليمنيون بتدوينها حتى لا تتعرض للتلف أو الضياع.أعد الباحث اليمني عامر عثمان مسؤول متحف الآلات الموسيقية اليمنية بالمركز الثقافي الصحي الذي يرأسه الدكتور نزار غانم بحثاً عن العود اليمني (القنبوس)، تحدث فيه عن تاريخ هذه الآلة في نماذج مختلفة مع تحديد زمن صناعتها والمواد المستخدمة في ذلك، بعد أن شاهدنا عملية فصلها إلى جزءين فبدت لنا مقطعة الأوصال يسهل حملها وإخفاؤها عن الناظرين حينما كان المطرب ملاحقاً بحجة تحريم الموسيقى والغناء.وفي عام 1992م نشرت صحيفة الرأي في صفحة نافذة الثقافة مقالاً في حلقات للدكتور نزار غانم بعنوان القنبوس (الطربي) يقول فيها: (ليس غريباً أن تحتفظ اليمن حتى العقود الأولى من قرننا العشرين الميلادي بعود رباعي الأوتار ليذكرنا بالمزهر .. وذلك العود الرباعي الأوتار الذي أدخل عليه أبو الحسن علي بن نافع الشهير بزرياب (توفي في 852م). الوتر الحاد إلى جانب الأوتار الأخرى للمزهر: الزير، المثنى، المثلث، البم.هذه المخطوطات الموسيقية، إذا أخذنا النظرة إليها مرة أخرى، فسوف نعيد النظر في الكثير من المعلومات المتوفرة عن المخطوطات الأصلية المتعلقة بالتراث الموسيقي اليمني، إنها مسألة مثيرة حقاً... والأمر لا يعني، ببساطة التأكد من أن النسخ المنشورة تتوفر فيها قراءات صحيحة للنغمات والعلامات الموسيقية هذا الأمر مهم بالطبع، غير أنه جزء من المسألة. والمسألة هي الذي تستطيع الأساليب الحديثة أن تلقيه على فهم العملية الأخلاقية، وتستطيع أن تدرك شيئاً من هذا عن طريق الحصول على صور طبق الأصل حيث وجدت، وهي غالباً لا توجد، غير أنه لأغراض معينة ينبغي على المرء الرجوع إلى الأصل.وعلى سبيل المثال عند فحص الأوراق، أو العلامات المائية، الحبر والريشة عن طريق استخدام الأشعة ما فوق البنفسجية وغيرها من الأساليب الخاصة بتحليل ما هو محذوف وغيره، غالباً ما يستطيع المختص بدراسة الموسيقى أن يحل (مشكلة التتابع الذي يجري ضمنه العمل المؤلف، وعلاقته بالأعمال الأخرى وكيف تتطور الفكرة الموسيقية، وما هو الشيء، الذي يهدف إليه المؤلف في حالة نشوء خلاف حول القراءة.وما يذكرنا أن علماً فرعياً يختص بدراسة كيفية رسم السلم الموسيقى قد نشأ هو أن الوصول إلى مقاييس دقيقة للسلالم الموسيقية يقدم دليلاً قوياً على تاريخ وضع المؤلف الموسيقي. غير أن من غير الممكن بلوغ ذلك الا عن طريق المخطوطات الأصلية إذ أن النسخ التي هي طبق الأصل يمكن أن يشوبها بعض التشويه.لذا نجد أن معظم المهتمين بالتراث الموسيقي والمخطوطات يهتمون بنشر بعض المؤلفات الموسيقية التي تم العثور على مخطوطاتها الأصلية في كنز التراث اليمني وتدويلها وتعريف المختصين في هذا المجال على كل جديد وقديم يستفاد منه وتطويره ورفع الذوق الموسيقي لدى المستمع اليمني.ويقول الأستاذ/ إبراهيم راسم عن الأغاني اللحجية: (إنها عبارة عن (خانة) لا تتعدى بعضها عشر عقد، ويقصد بذلك أنها عبارة عن جملة لحنية مجموع عدد المازورات المكونة لها لا تتجاوز العشر، اعتمدت على أسلوب التكرار، ويضيف قائلاً: الا أن سامعها لا يمل سماعها وهي تردد عشرات وعشرات المرات في مجلس واحد، حتى أصبحت مسامعي لا تسمع سوى أغاني القمندان المرحة الشجية وأشعاره الرقيقة، وقد ساعدني حظي العاثر أيام وجودي في لحج معلماً لموسيقاها أن ألازم الأمير حفظه الله وأمتع نفسي بمنتجات تلك الروح الساحرة.ويقول الباحث اليمني والموسيقار عبدالقادر قائد الذي قام بإعداد كتاب من الغناء اليمني (قراءة موسيقية): (كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أهمية البحث عن تراثنا الفني نغماً وإيقاعاً بألوانه المختلفة وجمعه وتحليله والعمل على توثيقه بالنوتة الموسيقية، ولأنني واحد من الذين نالوا قدراً من التعليم الموسيقي المبني على أسس علمية فقد وجب علي العمل في هذا المجال، والبدء بجمع الكثير من أغانينا اليمنية بأصوات كثير من أساطين الطرب في بلادنا والاعتماد على الأصالة في تنفيذ هذه المهمة وهي مسؤولية كبيرة تقضي بتوخي الحرص والدقة في ترجمة الألحان الغنائية بإيقاعاتها المختلفة بالنوتة الموسيقية وتوصيلها إلى يد القارئ بكل أمانة.ويقول الشاعر اليمني صالح علي الحامد في أغنيته المشهورة (زهرة الحسن) من لحن شيخ البار الدوعني:قف معي نشهد جمالاًيملأ القلب إزدهاءأي زهر أي نبتأنبت الروض المريععجباً في الزهر ألوانكما الفنان شاءظهرت شتى وهذيزهرة فيها الجميعغادة كالبدر حسناًوأكتمالا وسناءزهرة للحسن رفتبين أزهار الربيع رفعت ذبلاً وهمتتختفي عنا حياءعلق الغصن بها لاتستوي الحسن البديعواتركي الشاعر يسديكغناء .. وثناءذمة للحسن عند الشعرحاشى أن تضيعوفي هذه الأغنية الحضرمية (زهرة الحسن) يجد المستمع لها الإيقاع الشائع في محافظة حضرموت بالعوادي (فلاتي) وكلمة فلاتي تعني التأني والثقل ولا تزيد سرعته الأصلية بقياس جهاز المتروثوم عن 92 ضربة في الدقيقة أي 92نوراً منقوطاً في الدقيقة، أما إذا زادت هذه السرعة عن هذا القياس فإنه يسمى بإيقاع العوادي الخيالي وكلمة خيالي تعني النشاط والحركة والسرعة في الأداء ـ الساحلي الشحري: هذا الإيقاع لا يختلف كثيراً في تركيب ميزانه وحركاته الداخلية عن الإيقاع المعروف في لحج بالشرح اللحجي الثقيل (سلطاني).إن مسألة التراث الموسيقي اليمني، كما يبدو مسألة محيرة تحتاج إلى المزيد من الجهود في البحث، خاصة وأننا قد عدنا من جديد إلى عهد تحريم الموسيقى والغناء، كما كان سائداً في عهد الإمامة في شمال الوطن، وكان الانفتاح الموسيقي في عدن في تلك الفترة من الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وأصبحت مسألة التراث الموسيقي معقدة عند البعض .. قسم تصور أننا سننقل التراث نقلاً آلياً .. وآخر تنكر .وأنا أقول إن التراث يحتاج إلى فهم .. ورؤية ناضجة .. والتراث عندي كمستمعة ومتذوقة للموسيقى روح تغذي العمل المحاصر وتمده بكل أسباب القوة والديمومة.وإنني هنا أنادي بإبراز المعاهد الموسيقية اليمنية ودعمها، والعودة الجادة إلى توثيق التراث الموسيقي والغنائي ودعم الباحثين في هذا المجال حتى نتمكن من الحفاظ على التراث الفني بالإضافة الفنية التي هي روح الفنان المبدع.