ودّع المسلمون في كل أرجاء المعمورة شهر رمضان المبارك، الشهر الكريم شهر القرآن، شهر الرحمة والغفران والمودة والتواصل والتراحم والعطف بين الناس، والفقراء في الوطن العربي كثر، بل زادت الفجوة بشكل غير مسبوق بين الفقراء والأغنياء في الوطن العربي الذي بلغ عدد سكانه 300 مليون نسمة وقد يلامس البليون نسمة بعد 30 عاما اذا كان متوسط نمو السكان سنويا بحدود 3 في المئة، وهذا يمثل مشكلة كبرى تواجه الأمة برمتها بخاصة اذا عرفنا ان عدد السكان عام 1980 لم يكن يتجاوز 140 مليون نسمة. واليوم ومع زيادة عدد السكان زاد عدد الفقراء وزادت نسبة الفقر في بعض الدول العربية عن 30 في المئة بل اننا نجد ان 76 في المئة من سكان فلسطين هم تحت خط الفقر، وان هذه النسب لسوء الحظ تزيد ولا تنخفض فالفقراء يزدادون عددا والأغنياء يزداد غناهم حتى ان الطبقة الوسطى تلاشت في معظم الدول العربية وأصبح هناك الطبقة الغنية في أعلى الهرم والطبقة الفقيرة والمعدمة في قاع السلم الهرمي.هؤلاء الفقراء الذين اتسعت الفجوة بينهم وبين الأغنياء أصبحوا مسحوقين معظمهم لا يجد المسكن والمأكل والماء النقي والتعليم والعناية الصحية التي تحفظ كرامتهم وآدميتهم وتبعدهم عن جحيم الفقر والفاقة والتي تؤدي في بعض الأحوال الى الانحرافات وركب صهوة الاستقطابات والاغراءات في اتجاهات كثيرة قد تضر بالفقير نفسه وبوطنه وأمته واستقرارها. آفة الفقر هذه أثقلت كاهل الفقراء في الدول العربية الذين يلامس عددهم 75 مليون شخص ويعيشون تحت خط الفقر، ينضم اليهم اكثر من 10 ملايين يعانون من سوء التغذية يصرخون ليل نهار يطلبون العون والاغاثة العاجلة لانتشالهم من ظلام الفقر وسوء التغذية وانعدام العناية الصحية وانتشار الأمية والبطالة فاجتمعت عليهم مصائب الزمن من كل حدب وصوب. حال الفقراء هذا يحتاج الى التفكير جديا اذ أن المجتمع العربي يعاني من مشكلة قد تخرج من رحمها كارثة اذا لم نجد الحل، والحل سهل وميسور اذا قررنا بإرادة قوية التصدي لمحنة الفقر ورعاية الفقراء بتخطيط سليم يؤمن لهؤلاء المواطنين الضعفاء المسحوقين حياة أفضل في كنف دولهم وأغنيائهم، وفي مقدم الحلول تطبيق قوانين الزكاة على الجميع من دون مواربة ولا محاباة، لا فرق بين شركة او مؤسسة او رجال أعمال او أفراد وتوجيه تلك الأموال - والتي ستكون من دون شك طائلة - الى مستحقيها من الفقراء ضمن نظام دقيق بعيد عن الفساد والرشوة والمحسوبية والمحاباة، فالزكاة حق للفقراء لا منحة. قال تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (البقرة - 43)، وقال تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها (التوبة - 103). فاذا وضعت خطة تستفيد من تجارب الماضي والحاضر لتؤطر لمستقبل أفضل يضع حلولا جذرية لمعالجة أحوال الفقراء والمعوزين وتحسين معيشتهم واعادة بناء حياتهم على أسس علمية مدروسة تضمن لهم حقهم في العيش الكريم في دول تملك ثروات طائلة من النفط والغاز والمعادن والمياه والزراعة وغيرها من الثروات التي وهبها الله اياها فهذا لا شك سيؤدي الى القضاء على الفقر ويشيع بين المجتمعات العربية التواصل الاجتماعي والأمان في العيش والسلام والطمأنينة ويحس من حرموا من لقمة العيش انهم في كنف مجتمعاتهم يشملهم الاستقرار النفسي والمعيشي وتظللهم الطمأنينة والسعادة ويحتفلون بنعمة الابتسامة ويصبحون بمنأى عن بعض الاختراقات والاغراءات التي تكون نتيجتها الحتمية ظواهر سلبية مذمومة.الدول الاسلامية أسست البنك الإسلامي للتنمية عام 1975 ومن أهدافه تمويل بعض المشاريع والتجارة وتقديم المساعدات للدول الاسلامية المحتاجة والبنك يسعى ضمن أهدافه الى مكافحة الفقر في الدول الاسلامية، لكن البنك الذي يبلغ رأسماله المصرح به أكثر من 22 مليار دولار ورأسماله المصدر يزيد قليلا عن 12 مليار دولار يعاني من مصاعب كثيرة منها عدم تمكنه من استعادة بعض قروضه لدى الدول الاسلامية الفقيرة الأمر الذي اثر على أنشطته الخيرية الأخرى ومنها مساعدة المعوزين. واذا كانت خطوة انشاء «البنك الاسلامي للتنمية» شبه الخيري تحسب للدول الاسلامية، وان كان يعوزها التطوير والدعم المتواصل لهذا البنك، فإن تأسيس بنوك للفقراء في الوطن العربي اصبح ضرورة وليس ترفا. وقد قلت في مقال نشر العام الماضي في هذه المساحة في آخر شهر رمضان المبارك وتحديدا بتاريخ 21 تشرين الأول (اكتوبر) 2006: لا شك ان تبني بنوك للفقراء مهم وهذه دعوة مخلصة في آخر ايام شهر رمضان المبارك شهر القرآن والبر والرحمة. لا شك ان تدشين هذه البنوك فيه تلبية لحاجات الفقراء وتنفيس لما يعانون منه وتفريج لكربهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. الحديث رواه مسلم والترمذي. واليوم والأمة تعيش أفراح عيد الفطر المبارك بعد الصيام والقيام المقبول ان شاء الله نتذكر صيحات الفقراء التي كانت تعلو في رمضان وقبله ولكنها زادت مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الدول العربية بمعدل زاد عن أربع مرات في المتوسط خلال شهر رمضان المبارك ومن المؤكد ان الأسعار ستستمر في الارتفاع، بل انه من سوء الطالع ان الدول كلما زادت رواتب موظفيها فإن النتيجة الحتمية التي يقابل بها معظم التجار تلك الزيادات هي زيادة أسعار السلع الاستهلاكية بل والأدوية أضعافا. وزاد الطين بلة التضخم الذي اجتاح اقتصادات الدول العربية من دون استثناء مصحوبا بتدهور سعر صرف الدولار المرتبطة به للأسف معظم عملات العرب وهنا ندرك الوجع الذي يتركه التضخم (كثير من المال لا يشتري الا القليل من السلع) على لقمة عيش الفقراء، فالتضخم يلقي بظلاله خصوصا على هؤلاء الفقراء الذين عليهم ان يجمعوا مالا كثيرا ليملأوا بطونهم، فكيف بأحدهم اذا كان دخله اليومي لا يزيد على الدولارين... وقيمة الدولارين مع تآكل قيمة العملة الاميركية امام العملات الأخرى أصبحت لا تكفي الفرد الواحد لوجبة طعام واحدة فكيف بقيمة وجبات ثلاث وسكن وعلاج وغيرها من الضرورات!ان الفقر بوجهه الكالح أصبح يتفاقم في المجتمع العربي يوما بعد آخر وعدد الفقراء يزداد ازدياد الجراد والأغنياء يزدادون غنى ويعيشون حياة البذخ والترف والمعوزون يكابدون قلة العيش ويعيشون حالة بؤس ويأس وشقاء والمرض ينخر في أجسامهم بعد ان غرس الجوع أنيابه في أحشائهم. لقد زادت المناداة بحقوق الانسان وهذا أمر محمود، فالاسلام أول من قرر هذه الحقوق وحفظ كرامة الجنس البشري على أسس متينة من الرحمة. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، رواه الترمذي، وهذه الرحمة تشمل الانسان والحيوان، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: دخلت امرأة النار بسبب قطة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، رواه الشيخان، وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بي فنزل البئر فملأ خفه، ثم امسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم أجراً؟ قال: نعم في كل ذات كبد رطبة أجرٌ. وفي رواية البخاري: فشكر الله له فغفر له، فأدخله الجنة. رواه مسلم والبخاري. هذا هو الاسلام الذي سبق أهل الغرب والشرق في قرون عديدة بالتأكيد على حقوق الانسان والرحمة به، وهذه الرحمة التي يعمل الاسلام على خلقها في نفوس وقلوب المسلمين تتسع لتشمل الحيوان، واذا كان الاسلام يحث الانسان على الرفق بالحيوان فالرحمة بأخيه الانسان من باب أولى. ان هناك جهوداً مبعثرة بذلت لمعالجة ظاهرة الفقر الذي تزداد شراسته لكنها لم تكن على مستوى المسؤولية للتصدي لآفة الفقر الفتاكة وأضحى اليوم من الأهمية بمكان الاستثمار في هؤلاء الفقراء الذين هم من لحمة المجتمع وإخراجهم من ظلمات الفقر والجوع والمرض والأمية والبطالة الى عالم الراحة والطمأنينة والسعادة، فالاستثمار بهم يجب ان يكون في مقدمة أهداف خطط التنمية. ان الفقراء في وطننا العربي أولى بالاهتمام والرعاية والجهود الخيرية وندعو الله ان تزيد هذه الجهود وان يضع الخيرون من القادة والمواطنين أيديهم بأيدي البعض لتطوير مسيرة دعم الفقراء والمساكين لتشمل جميع الفقراء في كل أرجاء الوطن العربي والاسلامي لنرى تأمين المعيشة والسكن والمدرسة والطبابة وجميع الاحتياجات لهؤلاء المحتاجين الذين يجب ان يكونوا في صلب خطط التنمية التي ترصد لها مبالغ طائلة في ميزانية الدول. ان تأسيس بنوك متخصصة للتصدي لآفة الفقر هو إحدى الوسائل المهمة لمحاربة هذا المرض الفتاك، ومثل هذه البنوك التي ستتلقى الهبات والزكوات والوقف ودعم الحكومات والهيئات والمنظمات وغيرها ستقدم القروض الميسرة وتدعم النشاط الاقتصادي لأصحاب المهن والحرف وصغار المزارعين... الخ. وستسد تلك البنوك ثغرة كبيرة لأنها ستعمل ضمن آليات وأساليب وأنظمة حديثة تتمكن من خلالها توجيه الأموال الى مستحقيها من الفقراء والمحتاجين بكفاءة أفضل من الجهود المبعثرة هنا وهناك، ويعود ذلك على الاقتصاد والمجتمع بفوائد عديدة، وتنشر في ربوع المجتمعات الاستقرار والطمأنينة والسكينة والرحمة والأمن والسلام والتراحم والمحبة والاخاء والوئام بين أفراد المجتمعات، مما يؤكد التكافل الاجتماعي وربط أفراد المجتمعات بعضهم ببعض وينشر العدل والمساواة ويحقق الركن الثالث من أركان الاسلام.[c1]* مفكر سعودي - رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية[/c]
|
فكر
حال الفقراء في الوطن العربي
أخبار متعلقة