حظيت الموازنة السعودية الجديدة بتغطية إعلامية واسعة تتناسب مع حجمها، باعتبارها الأعلى في تاريخ البلاد، إذ بلغت 380 بليون ريال. وخصصت القنوات الفضائية والصحف ووكالات الإنباء مقالات وبرامج وتعليقات للحديث عن الموازنة الحدث. وانشغل الاقتصاديون ببنود الموازنة التي أعلنت بوضوح بدء الطفرة الاقتصادية الثانية في المملكة العربية السعودية. لكن هذه الموازنة الجبارة بكل المقاييس لا تعكس نجاحاً اقتصادياً وتنموياً فحسب، وإنما تعكس أيضا نجاحاً سياسياً وأمنياً لا يقل أهمية عن النجاح الاقتصادي او يفوقه.ولهذا، يجب أن تقرأ الموازنة الجديدة من زاوية سياسية. فالسعودية تعيش في ظروف أمنية خاصة وتواجه منذ خمس سنوات ظاهرة الإرهاب. وهي دفعت خلال هذه الحرب الكثير من الشهداء والخسائر المادية والمعنوية. لكن هذه المعركة، على خطورتها وتواصلها، لم تستطع خطف بوصلة الاهتمام السعودي. فاستمرت الرياض تتعامل مع الظاهرة، واستمرت عجلة الحياة في نمو مضطرد. ولو أن الرياض أعلنت حالة الطوارئ القصوى وجندت كل مواردها الاقتصادية بحجة محاربة الإرهاب، وجمدت كل مجالات الحياة الأخرى فلربما وجدت دعماً دولياً غير مسبوق، على اعتبار أن رفع شعار محاربة أصبح وسيلة لكسب رضا المجتمع الدولي. لكن هذا لم يحدث. صحيح ان السعودية لم تتجاهل الظاهرة، وحققت في مجال محاربتها نجاحات متميزة و متوالية، وهي تعتبر على رأس الدول التي تفوقت في إطفاء ظاهرة الإرهاب داخل حدودها. ورغم ذلك ظلت تتعامل مع قضية الارهاب على نحو لا يمنع عجلة التنمية من السير، فضلاً عن ان السعودية وجدت ان الحل الأمني على أهميته وتفوقها فيه غير كاف لمواجهة الظاهرة التي تشكلت عبر عوامل عديدة من بينها الفقر والبطالة، وتفشي الفكر المتخلف وضياع الأمل بعيش كريم. ولهذا وضعت قضية الإرهاب في رأس قائمة اكبر همومها، لكنه ليس كل الهم او الهم الوحيد. وهنا لا بد من التوقف عند دور الملك عبدالله بن عبدالعزيز في هذا التوجه. فهو تولى مقاليد الحكم وظاهرة الإرهاب في أعلى مراحل عنفها. وكان بإمكانه لتحسين صورة بلادة التي تأثرت بعد أحداث أيلول (سبتمبر) ان يرفع شعار" لا شيء يعلو فوق صوت المعركة". لكنه لم يفعل، فرفع شعارات أهم وأجدى. فانحاز الى التنمية وتحسين مستوى معيشة الفرد وانشاء وتطوير البنية الاساسية للبلد. والمتابع لاهتمامات المجتمع السعودي، ووسائل إعلامه يتأكد أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز نجح إلى حد كبير في كسب الرهان ضد الإرهاب، وان سياستة حققت هدفها. فاستطاع بهذا الانحياز الحكيم ان يقود المجتمع إلى المستقبل ويتجاوز به ومعه ظاهرة الإرهاب.ليس هذا فحسب، فظاهرة الإرهاب فرضت في غير دولة، حتى الدول المتقدمة منها، قوانين وإجراءات طاولت حقوق الإنسان وحرية التعبير وخصوصيات البشر. وفي السعودية جرى العكس تماماً، فترافقت الحرب على الإرهاب مع مناخ إعلامي منفتح. وارتفع سقف حرية الإعلام إلى حد بعيد، وأصبحت الصحافة السعودية تناقش أكثر القضايا حساسية. والموقف هنا ليس بمعزل عن الانحياز للتنمية وتحسين المستوى الاقتصادي. فسطوة الرأي الواحد، وإقصاء الآخر وقمع الرأي المخالف من الأسباب التي تزيد الاحتقان والتطرف وصولاً إلى الإرهاب. ولهذا كان قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز واضحاً من خلال تبني مبدأ الحوار الوطني الذي أصبح منهجا لوسائل الإعلام وداخل أروقة الشورى. وعوضاً عن تبني سياسة التشدد تحت ذريعة محاربة الإرهاب كانت سياسة الملك محاربة الإرهاب بالمزيد من حرية التعبير والحوار.إن لجم ظاهرة الإرهاب في السعودية ليس مجرد تفكير بالتمني، أو شعارا سياسيا للاستهلاك. فما تحقق في الموازنة الجديدة من نمو في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 4.2 في المائة، ومحافظة على مستويات منخفضة للتضخم على الرغم من زيادة الإنفاق الحكومي ونشاطات القطاع الخاص، وخفض الدين العام إلى مستوى قياسي، ودعم احتياط الأجيال المقبلة بمائة بليون ريال، اكبر دليل على أن السياسية التي تنتهجها الحكومة السعودية حققت أهدافها، وان كل ما يقال عن أحادية الحلول في مواجهة الظاهرة الخطيرة، واقتصار المعركة على الشق الأمني مجرد كلام تكذبه الأرقام التي لا تخطئ ولا تحتمل التأويل والأقاويل. والخلاصة من كل هذا ان السعودية نجحت في خلق وسيلة سلمية وراقية لمواجهة العنف. فهي استطاعت ان تهزم الإرهاب بالتنمية وخلق فرص العمل، ومنح الناس القدرة على التفكير بيوم غد. [c1]* نقلا عن جريدة "الحياة" اللندنية[/c]
محاربة الارهاب بالتنمية
أخبار متعلقة