[c1]نهرو طنطاوي *[email protected][/c]ثانيا: المرحلة المدنية:تم إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم كرها من وطنه وداره، وهاجر من مكة موطنه إلى المدينة، وأخذ يؤسس دولة جديدة وأسس لها جيشاً، وهنا لنا وقفة قبل أن نسترسل في الحديث عن المرحلة الثانية، قد رأينا فيما سبق كذب وافتراءات بعض الكتاب الذين كتبوا عن القتال والجهاد والمعارك التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقولون، إن الجهاد شرع في الإسلام لقتال غير المسلمين لعدم اعتناقهم للإسلام، أو بسبب تكذيبهم له، أو بسبب انحرافهم عن مبادئ وتعاليم الإسلام، وكثير من الكتاب المسلمين وغير المسلمين يؤكدون على هذه الفكرة عند حديثهم عن مشروعية الجهاد والقتال في الإسلام، سواء عن قصد منهم أو عن غير قصد، وهذا خطأ كبير وفاحش في حق الإسلام والقرآن، بل إن من يكتبون عن الإسلام وعن الجهاد خاصة، يعتقدون أن الرسول جهز جيشه لقتال أهل مكة من أجل أنهم كذبوه ولم يؤمنوا به وبرسالته وهذا كذب على الله وعلى رسوله وعلى القرآن، فلم يكن إطلاقا كفر أهل مكة وتكذيبهم للرسول وعدم إيمانهم برسالته هو الباعث على القتال والجهاد، كما يعتقد البعض خطأ أو عمدا، بل كان الباعث الحقيقي للحرب والقتال والغزو هو رد الحق لأهله ودفع الظلم ونشر الحرية الدينية، وكل نصوص القرآن تثبت ذلك. قال تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ) 191 - البقرةوقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) 217 - البقرةوقال تعالى: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) 13 - التوبة بل إن الله ذكر في القرآن عن بني إسرائيل أنه أمرهم حينما طردوا من ديارهم وأوطانهم وأبنائهم وأموالهم أمرهم بالقتال لاسترداد حقوقهم المغتصبة.قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) 246 - البقرة.أما الذين يقولون إن القرآن المدني يحرض على قتال غير المسلمين ليعتنقوا الإسلام سأذكر لهم آيتين من الآيات المدنية التي تدعو إلى حرية العقيدة:قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)256- البقرة سورة مدنية.ورغم أن البعض من أهل الكتاب في العهد المدني اتخذوا الدين الإسلامي هزوا ولعبا وسخروا من الصلاة، رغم كل هذا لم يأمر الله بقتالهم من أجل ذلك.قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ) 57 - 58 - 59 المائدة سورة مدنية.أما عن آية قتال أهل الكتاب وأخذ الجزية منهم فسوف نتحدث عنها في مقال لاحق.وأتحدى أن يأت أي شخص بنص واحد من القرآن يشير إلى قتال غير المسلمين لعدم اعتناقهم الإسلام أو لإجبارهم على اعتناق الإسلام، ومن يأت بنص يأت به كاملا ولا يقتطع جزءاً من النص كما يفعل البعض، ولا يأت بنص يفهمه بعيدا عن سياقه وبعيدا عن بقية النصوص.إن ما يصنعه مقطعو النصوص يقومون باقتطاع جزء من النص ويتركون السياق الكامل الذي ورد فيه النص، ونضرب مثالا على ذلك:قام أحد الكتاب الأقباط بانتقاء واقتطاع بعض الكلمات وبعض الجمل من القرآن ليدلل على أن القرآن كتاب يحرض على قتل وإرهاب غير المسلمين فانظروا ماذا فعل بنصوص القرآن اقرءوا:( كتب عليكم القتال ) سورة البقرة 216:3 )(يا ايها النبى حرض المؤمنين على القتال ) ( سورة الانفال 65:8 ) (فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) ( سورة محمد 4:74 )( واقتلوهم حيث وجدتموهم ) ( سورة النساء 89:4 )( وقاتلوا المشركين كافه ) ( سورة التوبه 36:9 )(فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ) ( سورة التوبه 12:9 )(اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ( سورة التوبه 5:9 )(قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزيهم) ( سورة التوبه 13: 9 )http://www.rezgar.com/debat/show.art.aspaid=63184أجيبوني أيها العقلاء بالله عليكم أجيبوني أهكذا تكون الثقافة؟ أهكذا يكون الفكر؟ أهكذا تكون الكتابة؟ أهكذا تكون الموضوعية والحيادية والعدالة وأصول البحث العلمي؟؟؟؟؟.بالله عليكم مثقف كهذا ماذا يصنع لو تولى منصب وزاري أو حكومي في دولة ما، ماذا ننتظر منه؟؟؟.إن من يقرأ آيات القتال والجهاد في القرآن في ضوء السياق الكامل وفي ضوء اللسان العربي الذي نزل به القرآن الكريم، ودون تقطيع للنصوص وفي ضوء الجمع بين النصوص، يعلم علم اليقين أن قتال الرسول وحروبه وغزواته وجهاده لم تكن قط حروباً دينية، ولم تكن من أجل نشر الدين، بل كانت لرد الحقوق المغتصبة إلى أهلها ودفع الفتنة والتعذيب الذي كان يمارس على المستضعفين لردهم عن الإسلام، هذه كانت مهمة المرحلة الثانية مرحلة المدينة. ويمكن تلخيص الأهداف القتالية التي تميزت بها المرحلة المدنية في التالي: > استرداد الحقوق المغتصبة للرسول وأتباعه من أهل مكة . > رفع الظلم والفتنة عن المستضعفين من الذين آمنوا بالإسلام ولم يقدروا على الهجرة . > إفساح المجال أمام الحريات الدينية والإسلام ليختار الناس ما شاءوا من دين دون إجبار أو إكراه . > قتال بعض القبائل وبعض أهل الكتاب الذين ساندوا أهل مكة في ظلمهم واغتصابهم لحقوق المسلمين أو ما سماه القرآن [مظاهرة المشركين وموالاتهم ونصرتهم ضد المسلمين]. > كان قتال الرسول لأهل مكة ومن ناصرهم لاسترداد الحقوق ورفع الظلم والسماح بالحرية الدينية لكل الناس ولم تكن حرباً دينية مطلقا. > كانت حروب أهل مكة وغيرهم من الأحزاب وأهل الكتاب للرسول والمسلمين حروباً دينية لمنع نشر الإسلام والقضاء عليه. هل الإسلام المدني نسخ الإسلام المكي؟ بمعنى هل آيات الأمر بالقتال والجهاد أو ما يسمى (آيات السيف) التي نزلت في السور المدنية نسخت آيات الصفح والعفو والصبر التي جاءت في السور المكية ؟ وقد أجبنا على هذا في مقالين سابقين عن الناسخ والمنسوخ في هذين الموقعين لمن أراد أن يراجعهما:http://www.metransparent.com/texts/nehru_tantawi_bin_baz_and_zakaria_boutros_1.htmhttp://www.metransparent.com/texts/nehru_tantawi_bin_baz_and_zakaria_boutros_2.htm( ستنشر صحيفة " 14 اكتوبر " نص هذين المقالين في عدد لاحق )وقد أثبتنا فيهما أن القرآن الكريم ليس فيه حرف واحد ولا كلمة ولا آية منسوخة، وسوف نعيد ذكر جزء منهما يتعلق بموضوع الجهاد على النحو التالي: ما يسمى بآيات السيف:ادعى بعض الفقهاء وبعض الكتاب أن الآية رقم (5) من سورة التوبة هي آية السيف وهي قوله تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم).أما عن تسمية هذه الآية بهذا المسمى الفظ المشمئز (آية السيف) لهو من اختراع الفقهاء والمفسرين، وكيف جرؤ الفقهاء على الرسالة الخاتمة التي هي رحمة للعالمين، ويسمونها بالسيف؟؟ إني أتحدى أن يأتي شخص بأي نص من الأحاديث، أو أي أثر ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هو الذي أطلق هذه التسمية المشينة على هذه الآية الكريمة. إن هذه الآية لم ترد في سورة بمفردها وإنما وردت في سورة عدد آياتها (129) آية. فالآية وردت في سياق من الآيات في أول سورة التوبة مكون من 15 آية، فقبلها أربع آيات وبعدها عشر آيات، الفقهاء حاسبهم الله اقتطعوا هذه الآية من سياقها الكامل. إن ما فعله الفقهاء بهذه الآية هو عين اقتطاع النصوص من سياقها وتجزئتها وفهم بعضها بعيدا عن بعضها الآخر، وضرب للنصوص بعضها ببعض، واتبعهم البعض من الكتاب على هذا لحاجة في نفس يعقوب، وآية السيف هذه كما يسميها بعض الفقهاء والذين أعتقد أنهم لا يفقهون كلام الله على الوجه الصحيح، قد اقتطعوها من سياقها اقتطاعا وقالوا أنها تطال جميع أهل الأرض من غير المسلمين، فلما رد عليهم البعض بأن هناك آيات أخرى تدعو إلى العفو والصفح، رأوا في قرارة أنفسهم أن النصوص قد تضاربت وتناقضت أمامهم، فماذا هم فاعلون؟، رأيناهم كما سبق وذكرنا فتوى بن باز قد سارعوا بالقول بأنها ناسخة لآيات الجهاد التي وردت في الدفاع أو ما يسمي بجهاد الدفع، ونسخت آيات العفو والصفح والصبر، ونسخت آيات عدم الإكراه في الدين ، وهكذا يفعل المتلاعبون بكتاب الله دائما عندما يقتطعون آيات القرآن ويخرجونها من سياقها، إنهم جعلوا من النسخ مخرجا لهم ومهربا كلما تناقضت أمامهم النصوص بسبب اقتطاعهم لها من سياقها ، فما الحقيقة إذن وما هو السياق الكامل الذي وردت فيه هذه الآية أو ما يسميه الفقهاء بآية السيف؟ كما سبق وأن ذكرنا إن هذه الآية هي رقم " 5 " من سورة التوبة ، فتعالوا نلقي نظرة على سياق بداية سورة التوبة إلى الآية رقم (15) ونرى هل هذه الآية يفهم من سياقها أنها نزلت لقتال أهل الأرض جميعا كي يعتنقوا الإسلام، أم ماذا؟؟.لقد افتتحت سورة التوبة ببراءة الله والرسول من المشركين، وليس كل المشركين، بل هم الذين اضطهدوا الرسول في مكة، وتآمروا على قتله، وأخرجوه من وطنه هو واتباعه، واستولوا على ديارهم وأموالهم وأبنائهم واغتصبوا حقوقهم، لا لذنب سوى أنهم آمنوا بالدين الجديد، واتبعوه دون أي اعتداء من الرسول والذين معه على أحد من مشركي مكة، ودون إكراه لأحد أو إجبار ، وقد هادنهم الرسول وعاهدهم ووقع معهم معاهدة صلح من باب المناورة والمصلحة العامة وكسب الوقت ، وعندما اشتد ساعد المسلمين وقويت شوكتهم أمر الله سبحانه الرسول والمسلمين أن يتبرؤا من هذه المعاهدة التي عقدت مع المغتصبين والمستبدين من أهل مكة، وأمهلهم الله أربعة أشهر وهي الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال ، ثم كرر الله البراءة من المشركين مرة أخري يوم الحج الأكبر ، وكما قلنا ليس كل المشركين، وإنما المغتصبون فقط لحقوق المسلمين، بدليل أن البراءة الثانية التي تضمنت استثناء بعض المشركين الذين لم يغتصبوا حقوق المسلمين ولم يظاهروا " أي يناصروا " أعداء الرسول عليه ، فهؤلاء أمر الله بالوفاء لهم بالعهد وعدم نقضه ، وذلك لأنهم لم يغتصبوا حقوق المسلمين ولم يضطهدوا أحدا منهم ، وبالتالي من غير المنطقي قتالهم أو نقض عهودهم ، وبعد هذا التوضيح من الله بشأن المشركين المغتصبون لحقوق المسلمين ، والمشركين الغير مغتصبون لحقوق المسلمين ، عاد النص ليذكر المسلمين بالمهلة التي أعطاها الله للمشركين حين قال تعالى: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) فكان تذكير الله للمسلمين كالتالي قال تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) هذا هو وضع النص في مكانه الطبيعي ، ولو قرأنا بقية السياق لوجدنا أن المقصودين من السياق بالقتال هم المشركون الذين أخرجوا الرسول وأتباعه من وطنهم مكة، واستولوا على ديارهم وأموالهم وأبنائهم ، والذين إن تمكنوا من المسلمين لا يرقبوا فيهم عهدا ولا ذمة، لأنهم صدوا عن سبيل الله وأنهم هم المعتدون، وأنهم هم البادئون بالعدوان وإخراج الرسول وأتباعه من وطنهم بالقوة والقهر والتآمر عليه صلى الله عليه وسلم بالقتل. وهذا هو السياق بالكامل من أول سورة التوبة إلى الآية " 15 " حتى يعلم القارئ ما هو السياق الحقيقي التي وردت فيه ما يسميها الفقهاء الأجلاء بآية السيف . قال تعالى: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن أحدا من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبي قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم).هذا هو السياق كما أنزله الله في كتابه، وأنا أدعو كل من له عقل وقلب وضمير أن يقرأ سياق هذه الآيات ويخبرنا ماذا فهم منها غير ما ذكرنا، والغريب أن الآيات مليئة بالاستثناءات لبعض المشركين، وهذه الاستثناءات وردت في الآيات الواردة قبل ما يسمى بآية السيف والآيات الواردة بعدها وهذه الاستثناءات كالتالي:(إلا الذين عاهدتهم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) الآية - 4 .(وإن أحدا من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) الآية - 6.(إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ) الآية - 7 .(لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون) الآية - 10.(وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) الآية - 12.(ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة) الآية - 13.وأنا أضع مائة خط تحت قوله تعالى: (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة). إن المشركين هم من نكث العهد، وهم من أخرج الرسول من وطنه، وهم من بدأ بالعدوان أول مرة، وليس الرسول والمسلمون.فليس لدي ما أقوله للفقهاء الذين شوهوا ديننا العظيم وقرآننا الكريم، غير حسبنا الله ونعم الوكيل، فقد أساء الفقهاء إلى القرآن وأساءوا إلى الله وأساءوا إلى الإسلام إساءة ما أساءها أبو جهل، ولا أبو لهب، ولا حتى عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين.أما الآية الثانية التي أطلق عليها الفقهاء أيضا آية السيف هي قول الله تعالى في سورة الأنفال: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)لقد وردت هذه الآية مرتين في القرآن مرة في سورة البقرة، ومرة في سورة الأنفال، وهذه الآية لم ترد أصلا في قتال الكفار أو غير المسلمين لأجل اعتناق الإسلام، ولم يقصد منها أصلا جبر الناس على اعتناق الإسلام، ومن يقرأ سياق الآيات التي وردت فيه، ومن يمعن النظر في جملة (حتى لا تكون فتنة) ويبحث عن المعنى اللغوي لكلمة فتنة يرى أن الفتنة ليست هي الكفر أو الشرك كما زعم (بن باز وبن تيميه) إنما الفتنة معناها في اللسان العربي كالتالي: هي التعذيب الشديد لإخراج الإنسان عن دينه أو فكره أو معتقده، جاء في مادة فتن: فتن الناس فتنا وفتونا عذبه ليحوله عن رأيه أو دينه. وقد ذكر الله هذه الفتنة بمعنى قهر الناس لإخراجهم من دينهم بالتعذيب والطغيان والطرد من أوطانهم، قال تعالى:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ) البقرة - 217إذن جعل الله إخراج أهل المسجد الحرام أي أهل مكة من المسلمين ونفيهم أكبر عند الله من القتال في المسجد الحرام .وهذا هو السياق الكامل لآية الأمر بالقتال لمنع الفتنة قال تعالى:(وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة: 190: 193.إذن المشركون أخرجوا المسلمين من ديارهم لأجل اعتناقهم الإسلام، وبالتالي أمر الله بقتالهم، لأن الفتنة والاضطهاد والطرد وسلب الدور والأموال وهتك الأعراض، أكبر من القتل.أما عن آية الأنفال فسياقها كالتالي:( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الأنفال 38 - 39.الآية الأولى تدعو الذين كفروا إلى إنهاء اضطهاد المسلمين، فإن انتهوا فسوف يغفر لهم ما قد سلف، أما الآية الثانية فإن لم ينتهوا وجب قتالهم حتى يقضى على فتنتهم للمسلمين، ويكون الدين لله بمعنى يدين الناس لله بالدين الذي يرونه مناسبا لهم، بعد أن يتم القضاء على الطغاة الذين يقفون في وجه أن يكون الدين لله.إذن فآية البقرة وآية الأنفال تأمران بقتال الذين يمنعون حرية التدين وحرية الاعتقاد، وأما الذين فرض القرآن قتالهم هم الذين يمنعون الناس من تغيير دينهم، أو أجبروا الناس على اعتقاد دين بعينه ، والمشركون في مكة هم من مارس هذا السلوك الإجرامي مع من آمن بالإسلام ، وأجبروا من أسلم على ترك الإسلام والرجوع إلى دينه السابق، وقد استخدموا في سبيل ذلك عدة أساليب منها إنفاق المال للصد عن اعتناق الإسلام، وإخراجهم من ديارهم وأبنائهم، وتعذيبهم عذابا شديدا لفتنتهم عن الإسلام وهي الفتنة التي ذكرها الله في آيات القتال.وبعد أن يتم القضاء على هؤلاء الطغاة الذين يجبرون الناس على ترك عقيدتهم التي اختاروها بمحض إرادتهم ، يكون هناك حرية لجميع الناس أن يدينوا لله بالدين الذي رأوا فيه أنه الحق من ربهم ، وعندها يكون الدين كله لله، فأين الناسخ والمنسوخ في هذه الآيات؟؟؟؟؟[c1]* داعية اسلامي مصري ومدرس في الازهر[/c]
|
دراسات
الإسلام المكي والإسلام المدني.. وهل نسخ المدني المكي؟ (2-2)
أخبار متعلقة