لا تزال تداعيات وضعية شركة «بلاك ووتر» الأمريكية والمخصصة لشؤون الأمن والحراسة بالعراق، تأخذ الحيز الكبير في التغطية الإعلامية في صحافة العالم وإعلامه، حيث أن هذه الشركة (بالإضافة لشركة هاليبورتن) تعتبران المثال الأشهر للتعاقدات من الخارج، أو كما يعرف بالـOutsourcing في الحرب الأمريكية على العراق. فلم يحدث في التاريخ العسكري حجم التعاقدات من الباطن لإنجاز مهام مشروعة وغير مشروعة، مثل الذي يحصل الآن بالعراق من قبل جهات حكومية (وغير حكومية).فالقصص التي سمح بنشرها (وهناك قصص مرعبة رفضت نشرها صحف رصينة مثل «النيويورك تايمز» ومجلة «النيويوركر» وغيرها)، تبرز حجم التجاوزات والمخالفات المذهل التي ارتكبت في العراق. ولا تقتصر المسألة على مخالفات في «شروط» العقود والاتفاقيات ولكن تصل للسرقة والاختلاس (المبالغ المفقودة بالعراق «بعد» وصول سلطة الاحتلال تقدر بمئات الملايين من الدولارات)، مع عدم إغفال جرائم التهديد والقتل التي سجلت باسم «نيران صديقه» تارة أو أخطاء بشرية يعتذر عنها تارة أخرى. وإذا كان الرقم البشري الذي يكثر الحديث عنه بصورة دائمة هو عدد أفراد القوات العسكرية الأمريكية بالعراق، والبالغ عدده 130 ألف عسكري، إلا أن الرقم الأهم والأخطر هو عدد «الأفراد» المتعاقد معهم Contracted، وهناك إحصائيتان معلنتان؛ واحدة صدرت عن طريق صحيفة «لوس أنجليس تايمز» المعروفة التي وضحت أن العدد قد يصل إلى 65 ألفا، وهناك صحيفة «الاندبندت» البريطانية التي وضحت أن الرقم قد يصل إلى 110 آلاف، وفي الحالتين فإن الرقمين مدعاة للفزع والقلق الهائل. والغريب أن هناك أطرافا عديدة أخرى تسعى للاستفادة من هذا الوضع باستمرار تأجيج الحال الأمني المضطرب، نظرا للاستفادة الهائلة التي تحصدها الشركات المتعاقد معها والمبالغ والرسوم الكبيرة التي تطالب بها.المطالبات المستمرة بانسحاب القوات الأمريكية، لا تطال الشركات الموجودة هناك، وهي لا تقل خطورة أبدا عن المحتل وسياسته الحمقاء. هناك العديد من الرجال الشرفاء في الولايات المتحدة الأمريكية الذين يقومون بحملات غير مسبوقة للكشف عن التجاوزات الكبرى الحاصلة في النطاق التعاقدي بالعراق، وانعكاس ذلك على الميزانية الأمريكية ودافعي الضرائب، ولقد تكشفت لهم العديد من الصدمات والمفاجآت المفزعة التي تصب جميعها في اتجاه مجموعة المحافظين الجدد، والزلزال وتوابعه الذي لا تزال تعاني منه السياسة الخارجية الأمريكية منذ دخولهم فيها بقوة.المشهد العراقي بائس وحزين، ولكن ما يدور خلف كواليس هذا المشهد، لا يقل خطورة أبدا، ويبقى المطلوب التعامل معه بنفس الجدية والأهمية.[c1]نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية[/c]
خلف الكواليس
أخبار متعلقة