بعد مباراة انتخابية ساخنة وغير مسبوقة فاز مرشح المؤتمر الشعبي العام الرئيس علي عبد الله صالح في الانتخابات الرئاسية بثقة ملايين الناخبين لدورة رئاسية جديدة ، كما فاز مرشحو المؤتمر الشعبي العام في انتخابات المجالس المحلية بأغلبية كاسحة فاقت توقعاته وتوقعاتهم ، إذ كان المؤتمر يتطلع إلى أغلبية نسبية في المجالس المحلية تمكنه من مواصلة تنفيذ برنامجه الانتخابية على صعيد الحكم المحلي، وتعظيم الانجازات التي حققتها حكوماته المتعاقبة خلال الفترة الممتدة بين 1997 - 2006م، حيث اتيحت للمؤتمر الشعبي العام خلال السنوات السابقة منذ عام 1997م امكانية التمتع بأغلبية مريحة حررته من قيود الائتلاف مع حزب آخر ذي برنامج سياسي مغاير.الثابت أنّ المشهد الانتخابي الأخير اجتذب أنظار العالم الخارجي بأسره، وأطلق مفاعيل المجتمع السياسي المدني على الصعيد الداخلي من خلال تحفيز التنافس الحاد والجدي بين المرشحين الذين تنافسوا للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية ، بالإضافة إلى التنافس الساخن على مستوى انتخابات المجالس المحلية.وبوسعنا القول إنّ المشاهد غير المسبوقة للدعاية الانتخابية والمهرجانات الجماهيرية الحاشدة للمرشحين الذين تنافسوا على منصب رئيس الجمهورية ، أضفت على العملية الانتخابية مزيداً من الحيوية لجهة الحرية الواسعة التي تمتع بها المرشحون المتنافسون الذين تباروا بدون قيود في عرض برامجهم الانتخابية بما تضمنتها من أفكار ورؤى ومشاريع سياسية أمام مئات الآلاف من الأنصار في حشود جماهيرية لم يسبق لها مثيل في التاريخ السياسي الحديث لليمن.اللافت للنظر في هذه الانتخابات قيام وسائل الإعلام الرسمي المرئية والمسموعة والمقروءة بعرض البرامج الانتخابية للمرشحين المتنافسين ، والتغطية الإخبارية لفعالياتهم الجماهيرية وتحركاتهم ودعاياتهم الانتخابية في عموم المحافظات ، وسط رقابة دولية ومحلية فاعلة أشادت بالمساحة الواسعة والمتكافئة التي منحها الاعلام الرسمي للمرشحين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية وفق ضوابط شفافة وضعتها اللجنة العليا للانتخابات التي شاركت فيها الاحزاب السياسية في البلاد وفي مقدمتها احزاب المعارضة المنضوية في اطار تكتل (( اللقاء المشترك )) ،ما يؤشر على رسوخ ونضوج العملية الديمقراطية الجارية في البلاد منذ ميلاد الجمهورية اليمنية الموحدة ذات النظام السياسي الديمقراطي التعددي في الثاني والعشرين من مايو 1990م العظيم ، وهو اليوم الذي شهد أكبر عملية إصلاح وطني صاغها وبادر الى تنفيذها اليمنيون بإرادتهم الحرة ، وبعيداً عن أية ضغوط أو إملاءات أو مطالب خارجية . مما له دلالة عميقة أنّ الخطاب السياسي لأحزاب المعارضة التي خاضت الانتخابات الرئاسية والمحلية في إطار تكتل ((اللقاء المشترك )) تميزمنذ الوهلة الأولى بالتعالي والعدوانية ، وبدا وكأنه صادر عن قوى تمتلك يقيناً راسخا بقدرتها المطلقة على الفوز بثقة غالبية الناخبين والوصول إلى سدة السلطة .ومن المفارقات المثيرة للدهشة أنّ هذه الأحزاب التي تمثل مشاريع وتيارات فكرية قديمة وبالية لا يجمعها أي جامع ، تصرفت في خلال العملية الانتخابية ، وكأنّها قد انتزعت السلطة فعلاً من خلال التلويح بعزمها على حل البرلمان ، واستغلال الزخم الجماهيري الذي ــ أوصلها الى السلطة بحسب أوهامها ــ لإحداث تعديلات دستورية واسعة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وعدم السماح للمؤتمر الشعبي العام الذي يشكل أغلبية برلمانية في الاستمرار بادارة الحكومة حتى نهاية الفترة الدستورية للانتخابة البرلمانية بعد ثلاثة أعوام تقريباً ، الأمر الذي أتاح لملايين الناخبين والناخبات فرصة التقويم الموضوعي لأبعاد ودلالات البرامج الانتخابية والمشاريع السياسية المعروضة عليهم ، ورصد تصرفات وممارسات الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة على حدٍ سواء.ولئن كانت الديمقراطية هي الفائز الأكبر في هذه المباراة الانتخابية فقد نجح الرئيس علي عبد الله صالح في أن يكون لاعباً جاذباً للاهتمام سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي بالاستناد إلى مهاراته التي اكتسبها من تاريخه السياسي الطويل ورصيده الوطني وخبراته العملية ومنهجه المتميز في قراءة العالم الواقعي ، ودوره الطليعي في صياغة المهام القابلة للتحقيق والاستمرار.صحيح ان الرئيس علي عبد الله صالح فاز في مباراة انتخابية حقيقية وغير مسبوقة على مستوى العالم العربي والإسلامي ، لكن من الصحيح ايضا انه واجه في هذه الانتخابات الرئاسية تحدياً حقيقياً غير مسبوق من قبل أحزاب المعارضة المنضوية في إطار " اللقاء المشترك " ، وقد انعكس هذا الفوز بصورةٍ لم تكن تتوقعها فروع المؤتمر الشعبي العام في المحافظات على مفاعيل الانتخابات المحلية في المحافظات والمديريات ، إذ حصل مرشحو المؤتمر على نتائج مذهلة وأغلبية كاسحة.وما من شك في ان هذه النتائج لم تؤثر سلباً على الخارطة السياسية للمجتمع المدني ، إذ تمكنت احزاب (( اللقاء المشترك )) والمستقلون من الفوز بنسب لا بأس بها من مقاعد المجالس المحلية على مستوى المحافظات والمديريات ، ناهيك عن المكسب الاستراتيجي الذي حققته الديمقراطية واحزاب المعارضة عموما ، حيث رسخت الانتخابات الرئاسية والمحلية الآخيرة ، ومن قبلها الانتخابات البرلمانية السابقة ، مبدأ حاكمية الشعب كمصدر ومالك للسلطة ، وحق المواطنين بدون أي تمييز في اختيار وعزل حكامهم عبر صناديق الاقتراع.ربما تبدو السطور السابقة مجرد تحصيل حاصل لقراءة عابرة لا تتجاوز سطح المشهد السياسي بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية ، بيد أنّ قراءة كهذه لا تصلح بالضرورة لفهم أو محاولة فهم أبعاد هذا المشهد واكتشاف بنيته المتحولة ، خصوصاً عندما تزعق أصوات أحزاب المعارضة باسطواناتها القديمة والمشروخة التي تشكك دائماً بنتائج الانتخابات.. كل الانتخابات، بمعنى محاولة تبرير هزيمتها وخيبتها بالهروب الى الخلف .. وعدم التعلم من دروس ومعاني خيباتها وهزائمها المتواصلة والأصيلة.ومن المهم ان تدرك أحزاب المعارضة جيداً أنّ الإصرار على تبرير الفشل في الانتخابات من خلال استعراض قدرتها على إطلاق التصريحات عبر الفضائيات و المؤتمرات الصحفية للتشكيك بنزاهة الانتخابات ، يندرج في سياق الإدمان على اعادة انتاج بضاعتها القديمة وترديد اسطوانتها المكرورة والمملة التي لم لاتجد من يتعاطى معها سوى ثوان معدودات في نشرات أخبار القنوات الفضائية وسطور قليلة في بعض الصحف المحلية والخارجية ثم تتبخر سريعاً في الهواء .والحق نقول ان احزاب ( اللقاء المشترك ) لجأت هذه المرة إلى طريقة جديدة وصفها الأخ محمد قحطان الناطق الرسمي باسم أحزاب " اللقاء المشترك" بأنّها ( مبتكرة ) ، وتتلخص في التهديد بالنزول إلى الشارع للاعتراض على نتائج الانتخابات وهو ما يمكن أن يفتح على هذه الأحزاب باباً واسعاً لن تستطيع إغلاقه ، لأنّ ملايين الناخبين الذين قالوا لا لأحزاب المعارضة سيغمرون الشوارع وسيقولون لها .. لا .. مرة أخرى.[c1]ما أشبه الليلة بالبارحة[/c]بوسعي القول إنّ حديث التزوير الذي أطلقته أحزاب المعارضة بعد هزيمتها النكراء في الانتخابات الرئاسية والمحلية خلال الايام القليلة الماضية لم يدهشني ولم يفاجئني ، لأنّه أصبح جزءاً من قوة العادة في سلوك وتفكير أحزاب " اللقاء المشترك " التي يقودها حزب التجمع اليمني للإصلاح.. لكن ما أدهشني حقاً هو تماسك أو تواصل هذا السلوك في مختلف الانتخابات التي يتفاوت فيها حصاد اللاعبين السياسيين من حيث حجم ونوع الفوز والخسارة ، فيما يرتفع حصاد الديمقراطية من المكاسب باعتبارها الملعب الذي يحتضن مختلف المباريات والعمليات الديمقراطية، والبيئة التي تساعد على تعظيم مهارات وقدرات وتجارب مختلف اللاعبين السياسيين في العملية الديمقراطية.. الأمر الذي يشير إلى أنّ الانفراد بالسلطة وليس المشاركة في العملية الديمقراطية هو الهدف الحقيقي للقوى التي تقود وتوجه " اللقاء المشترك " على نحوٍ ما يمكن الاستدلال عليه من الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت في أبريل 2003م، حيث لجأ المخيال السياسي لأحزاب المعارضة المنضوية في " اللقاء المشترك " إلى الاستعانة ــ آنذاك ــ بالتفسير التآمري لتبرير فشلها الذريع وعجزها عن تحقيق الأهداف التي كانت تسعى إلى تحقيقها عن طريق الانتخابات البرلمانية السابقة على نحوٍ ما فعلته صحيفة "الصحوة" قبل ثلاث سنوات عندما بررت هزيمة حزب التجمع اليمني للإصلاح وحلفائه في " اللقاء المشترك " من خلال الترويج لرواية ساذجة مفادها أنّ قيادة المؤتمر الشعبي العام عقدت اجتماعاً سرياً قبل أسبوعين من الانتخابات البرلمانية التي جرت في أبريل 2003م وضعت فيه مخططاً تآمرياً لتزوير نتائج تلك الانتخابات.ولم يكن من قبيل الصدفة أنّ الموقع الاليكتروني اليومي لصحيفة "الصحوة" الناطقة بلسان أكبر أحزاب " اللقاء المشترك" نشرعلى شبكة "الانتر نت" تلك الرواية البائسة صباح يوم الأربعاء 30/4/2003م ، قبل أن تعيد ( الصحوة ) نشرها مرة أخرى في عددها الأسبوعي الصادر يوم الخميس 1 مايو 2003م .. وقد تلقفت هذه الرواية مواقع إليكترونية مختلفة للحركات الإسلامية على شبكة "الانتر نت" كانت طوال أيام الانتخابات البرلمانية السابقة لعام 2003م ــ كما هو حالها في الانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م ــ تبشر أعضاءها في مختلف أنحاء العالم بأنّ نصراً قادماً سيحققه الإسلاميون في اليمن ، وأنّ هذا النصر سيشكل رداً قوياً على الضربات التي تعرض لها الإسلاميون منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، و سقوط إمارة "طالبان" وتصفية معسكرات القاعدة في أفغانستان ، وتراجع الصحوة الجديدة للاسلام السياسي في عديد من البلدان العربية و الاسلامية .[c1]* عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]
|
فكر
مشهد غير مسبوق
أخبار متعلقة