في عددها الصادر يوم الخميس الموافق 20 سبتمبر 2007م، برقم (1977) نشرت صحيفة “الثوري” الناطقة بلسان الحزب الاشتراكي اليمني رسالةً وجهها “الرفيق” علي صالح عباد (مقبل) الأمين العام السابق للحزب إلى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، عرض في الجزء الأكبر منها قراءة ملتبسة للأوضاع في المحافظات الجنوبية واختتمها بعشرة مطالب سياسية، ثمانية منها ذات طبيعة جهوية تتعلق بالمحافظات الجنوبية التي كان يحكمها الحزب الاشتراكي اليمني قبل الوحدة لمدة 23 عاماً، وظلت تحت سيطرته ونفوذه السياسي والعسكري خلال السنوات 1990 - 1994م بعد الوحدة.كما تطرق الرفيق علي صالح عباد (مقبل) في جزءٍ بسيطٍ وهامشي من تلك الرسالة للأوضاع السياسية والعامة على مستوى الوطن اليمني، مضيفاً إلى المطالب الجهوية الثمان، مطلبين آخرين دعا فيها إلى حوار وطني بين القوى السياسية لوضع مشروع كامل للإصلاح السياسي، والشروع في اتخاذ خطوات عملية لتحقيق ما أسماها ( المصالحة الوطنية).بوسع كل من يقرأ هذه الرسالة بعقل نقدي أن يلاحظ العديد من التناقضات التي تؤشر على محاولة توفيقية بائسة للخلط بين مواقف واتجاهات متناقضة، ومتصارعة برزت داخل الحزب الاشتراكي اليمني بعد قيام الوحدة، ثمّ تفاقمت بعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية الأولى في أبريل 1993م، ودخوله - بعد ذلك - مرحلة عاصفة بالأزمات الحادة والمواقف الرمادية منذ حرب صيف 1994م وحتى الآن.ولئن كنت أعذر الرفيق (مقبل) على ما شاب تلك الرسالة المنسوبة إليه من مواقف ومطالب ملتبسة بسبب هجمة الأمراض التي لم ترحم صحته، إلى جانب معاناة الفترة الصعبة التي قاد خلالها الحزب الاشتراكي اليمني بعد الحرب والانفصال وخروجه من السلطة إلى المعارضة، فإنّ ذلك لا يمنع أحداً من مناقشة ونقد مضامين هذه الرسالة بصرف النظر عن نوع الأصابع التي تركت بصماتها واضحة على سطورها، حيث اختارت تلك الأصابع شخص “الرفيق” علي صالح عباد كوسيلة سهلة لتمرير مواقف رمادية لا تحظى بإجماع داخل قيادة الحزب التي تعاني من انقسامات وخلافات وأزمات مستمرة، أسهمت في إفقاد الحزب هويته, وإسقاطه في مأزق حاد سبق لكاتب هذه السطور أن حاول مقاربة الأسباب والظروف التي قادت هذا الحزب ذا التاريخ الكفاحي الوطني العريق إلى هذا المأزق، في تسع مقالات نشرتها مؤخراً صحيفة “26 سبتمبر” الأسبوعية على امتداد شهرين ونيف بعنوان “طبول المجابهة بين المواقف الرمادية والزوايا الحادة”.وبقدر ما نالت تلك المقالات استحسان وتأييد وتفهم العديد من القيادات التاريخية والبارزة للحزب الاشتراكي في الداخل والخارج من خلال رسائلهم الإليكترونية واتصالاتهم الهاتفية معي، بقدر ما أثارت غضب وحنق بعض القيادات الطارئة والمأزومة على نحوٍ ما عبّر عنه الرفيق علي محمد عبده “الصراري” في مقال إنشائي مثقل بالسباب والشتائم نشره في العدد رقم (11) من صحيفة “الأهالي” الصادر في صنعاء يوم 18 / 9 / 2007م، وعجز فيه عن مناقشة ما جاء في تلك المقالات من حقائق ووقائع وأحداث موثقة بالتواريخ والمصادر. وقد اكتفى “الصراري” - كعادته دائماً - بوصف ما جاء في تلك المقالات بما أسماها “الدسائس في روايات الحبيشي للتاريخ”، مشيراً إلى أنّ الهدف منها هو الدس بين “الاشتراكي” و”الإصلاح” لإنهاء تحالفهما المشترك ضد السلطة، ولم يقل “التزوير” لأنّه لو قال ذك سيجد نفسه مرغماً على تفنيده وتكذيبه، وسيدخل يديه في عش الدبابير، متوهماً أنّ الاكتفاء بإطلاق صفة “الدسائس” على ما جاء في تلك المقالات كافٍ للخروج من مأزقه!!بيد أنّ “الصراري” خرج عن آداب الحوار والنقاش بطريقة تستدعي الرد عليها - طالما وأنّ رسالة “مقبل” التي سأناقشها في هذا المقال لا تخلو من أصابع التيار الذي يعد الصراري من أبرز رموزه - حيث أشار إلى إنني تحدثت عن ( الزعيم الوطني العظيم علي سالم البيض بحيادية واحترام.. وهو موقف يحسب لانتهازي مدمن على تلطيخ كل ما هو مشرف ) بحسب ما جاء في مقاله المنشور بجريدة “الأهالي”.وبهذا الصدد أود التأكيد على إنني امتلك من الشجاعة والحرية - أكثر من الصراري وأضرابه - للدفاع عن علي سالم البيض الأمين العام الأسبق للحزب، على النقيض من الانتهازيين الذين يتاجرون اليوم باسمه في شوارع عدن والمكلا والضالع ومجالس “ القات” في صنعاء وصحف ( اللقاء المشترك ) .* إنّ الانتهازيين الذين أدمنوا على تدنيس كل ما هو مشرف، وأساؤوا إلى التاريخ المشرف للمناضل علي سالم البيض هم أولئك الذين حاصروا شراكته الوطنية الوحدوية مع أخيه الرئيس المناضل علي عبدالله صالح بالألغام والممانعات والأزمات خلال المرحلة الانتقالية بعد قيام الجمهورية اليمنية .. وهم الذين أدخلوه - بدون إرادته - في مناطق رمادية وزايا حادة، وهم الذين أقنعوه بأنّ الجنوب والجنوبيين عبارة عن “كم نسبي” أسمته رسالة مقبل “كماً مهملاً” لا يشكل سوى 20 % من دوائر مجلس النواب.. وهم الذين أوهموه بأنّ الحزب الاشتراكي يسيطر من خلال جناحه الشمالي ( حوشي سابقاً) على الثمانين في المائة الباقية من الوطن اليمني كله، وقادر على اكتساح غالبية مجلس النواب بدون الحاجة إلى شراكة مع الرئيس علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام.* إنّ الانتهازيين الذين أدمنوا على تدنيس كل ما هو مشرف ، هم الذين دفعوا المناضل علي سالم البيض إلى الخروج غاضباً وكئيباً من قاعة اللجنة المركزية بصنعاء يوم 21 يونيو 1993 م ، ودفعوه للاعتكاف في منزله لمدة اربعة أيام قطع خلالها اتصالاته الهاتفية حتى إعلان مغادرته إلى واشنطن يوم 25 يونيو 1993م للعلاج بعد أربعة أيام من رفض اللجنة المركزية اتفاقية التنسيق التحالفي على طريق التوحد مع المؤتمر الشعبي العام التي أقرها الاجتماع الموسع للمكتب السياسي واللجنة العامة بتاريخ 11 مايو 1993م، ثمّ أقرتها اللجنة الدائمة في دورتها المنعقدة خلال الفترة 8 - 10 يونيو 1993م، ليعود بعدها إلى عدن.. ثم نظموا له حفلة زار وقرعوا طبول المواجهة، وأحرقوا المباخر حتى وقعت الفاجعة.* إنّ الانتهازيين الذين أدمنوا على تدنيس كل ما هو مشرف، هم الذين لم يكتفوا بتدنيس الرصيد الوطني الوحدوي للمناضل علي سالم البيض بعد أن دخل التاريخ مناضلاً وحدوياً، وأخرجوه منه انفصالياً، بل أنشبوا فوق جسده المثخن بالجراح أظافرهم ومخالبهم وأنيابهم في أول اجتماع اللجنة المركزية عقدته بالعاصمة السورية دمشق بعد الحرب، ثمّ جاؤوا إلى القاهرة لإقناع النازحين بتقديمه كبش فداء قرباناً للحوار والمصالحة مع الرئيس علي عبدالله صالح والعودة إلى صنعاء. وهم الذين عادوا إلى صنعاء بعد ذلك محنطين في توابيتهم التي خرجوا وأخرجوا بها علي سالم البيض.. ثمّ اتجهوا بانتهازية سياسية للحوار والمصالحة والتحالف العبثي مع خصومهم ، والصلاة خلف جلاديهم الذين أفتوا بتكفيرهم وبجواز إبادة المسلمين المدنيين من الرجال والنساء والأطفال المتترس بهم من قبل الكفار الاشتراكيين، ولم يترددوا في التحريض والكذب على الناس من على منابر الجمعة حين اتهموا الحزب الاشتراكي بأنّه ( كان يخطط لغزو الكعبة وتحويلها إلى مرقص ) !! وقد كانت هذه الكذبة - التي لا يمكن أن تصدر إلا عن شخص لا يخاف الله - موضوع نقاش مع صديقي الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني - والذي تربطني به صداقة قديمة منذ اشتراكنا في تاسيس الاتحاد الوطني العام لطلبة اليمن أواخر الستينات - أثناء قيامه مع المهندس عبدالرحمن شكري بزيارة شخصبة ودية لمكتبي بمدينة عدن قبل 3 شهور ما أثار دهشته وإنزعاجه . وقد ارسلت في اليوم التالي الى منزله بحي خورمكسر في عدن نسخة من شريط صوتي يحتوي على هذه الفرية وغيرها من الأكاذيب والاتهامات الخطيرة وأحاديث الإفك الباطلة التي كان يستخدمها ( الإخوان المسلمون ) في نشاطهم السياسي والدعائي والتحريضي بصوت كبيرهم الذي علمهم السحر!!* إنّ الانتهازيين الذين أدمنوا على تدنيس كل ما هو مشرف ، هم الذين أغلقوا أمام علي سالم البيض كل الطرق المؤدية إلى المزيد من فضاءات الوطن والتاريخ.. ولم يتركوا أمامه سوى طريقين ضيقين فقط.. حيث خرج في الطريق الأول كئيباً وحزيناً من صنعاء إلى عدن عبر واشنطن بعد أن رفضت اللجنة المركزية اتفاقية التنسيق التحالفي على طريق التوحد بين الحزب والمؤتمر.. أما الطريق الثاني فقد أخرجه من الوطن والتاريخ عبر الحدود الشرقية إلى خارجهما منكسراً ومهزوماً بعد أن دنس الانتهازيون تاريخه الوطني الوحدوي المشرف بقرار الانفصال الذي أقره المكتب السياسي للحزب في عدن أثناء الحرب، ثمّ أرسله إليه مع رسالة تكليف بقراءته وإعلانه بصوته من مقر إقامته في المكلا.* إنّ الانتهازيين الذين أدمنوا على تلطيخ كل ما هو مشرِّف هم الذين اكتشف البيض عندما كان في عدن خداعهم ومكرهم يوم تساءل عن جحافلهم التي ستكتسح صنعاء وبيارقهم التي سترتفع فوق مبانيها.. وهم الذين غمزهم عبر قناة mbc في اللحظات الأخيرة قبل انسحابه إلى عُمان بقوله مستنكراً : “حتى ما عشـّروا”. وهم الذين سبق له أن تساءل عن مصير مئات الملايين من الريالات التي صرفت لهم (يوم كان الدولار بثلاثين ريالاً)، أثناء انتخابات 1993م، مقابل الهزيمة المروعة والفاجعة في الدوائر الانتخابية بالمحافظات الشمالية، بعد أن كانوا يغترفون وينهبون من خزانة الشطر الجنوبي قبل ذلك - ولسنوات طويلة - عشرة ملايين دينار سنوياً ، بحسب وثائق الموازنات السنوية للحزب في الشطر الجنوبي خلال الفترة 1982 - 1986م، (يوم كان الدينار يساوي 3 دولارات) بزعم تغطية تكاليف النشاط الحزبي لثلاثمائة وخمسين ألف عضو في المحافظات الشمالية، بينما كان أعضاء الحزب في الجنوب لا يزيد عددهم عن ثلاثين ألفاً فقط !! فلا جحافلهم زحفت صوب قصر الرئاسة.. ولا بيارقهم ارتفعت فوق مباني الإذاعة والتلفزيون والمطاروالبنك المركزي ومداخل العاصمة صنعاء مثلما كانوا في بدايات الثمانينات يتوهمون.. ولا مواكب محازيبهم وأنصارهم غمرت شوارع صنعاء وتعز والحديدة وذمار وإب حاملة رايات الحزب المنتصرة، وصور البيض الباسمة، بعد فوز موعود في انتخابات 1993م، مثلما كانوا في بدايات التسعينات يزعمون.[c1]نفاق مكشوف[/c]تدل القراءة الفاحصة للجزء الأكبر من رسالة الرفيق “مقبل” ومطالبها العشرة على أنّ ثمة محاولة يبذلها ما يوصف بتيار “الأغلبية” في قيادة الحزب الاشتراكي لممارسة نوع مكشوف من النفاق الانتهازي مع ما يوصف بتيار الأقلية في اللجنة المركزية بقيادة مسدوس وباعوم تحت تأثير الإفرازات المشوَّهة لتكتيك اللجوء إلى الشارع الذي تستخدمه أحزاب “اللقاء المشترك” منذ فشلها في الانتخابات الرئاسية والمحلية، بهدف استغلال معاناة الناس من الارتفاع العالمي للأسعار، وتوظيف الاختلالات وما تبقى من الآثار السلبية لفتنة 1994م باتجاه تعكير السلم الأهلي وإرباك السلطة وإلهاء الحكومة عن تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، وصولاً إلى تحقيق هدفها الحقيقي وهو الانقلاب على الديمقراطية والاستيلاء على السلطة بعيداً عن صندوق الاقتراع.ولما كان تكتيك اللجوء إلى الشارع مفتوحاً على لعبة عمياء تفتح الباب لمرور وتسلل مشاريع ورياح وأتربة غير محسوبة، ودخول زوايا حادة يصعب الخروج منها، فقد انقلب السحر على الساحر، حيث أصبح واضحاً أنّ الذين استسهلوا التعاطي مع تكتيك “اللجوء إلى الشارع” من قيادات وأوليغارشيات “اللقاء المشترك” وجدوا أنفسهم في مأزق حادٍ وسط الشارع الذي نزلوا إليه.. ومن أبرز ملامح هذا المأزق نجاح ما يسمى بتيار الأقلية في اللجنة المركزية بقيادة مسدوس وباعوم في استثمار تهافت تيار الأغلبية نحو مخرجات الشارع، وتلبيسه بخطابٍ ذي نزعات جهوية ونعرات مناطقية مدمرة.لقد أصبحت المهمة المحورية للحزب بعد خروجه إلى الشارع هي تبني ما تسمى “ القضية الجنوبية” والدعوة إلى حوارٍ سياسي حول هذه القضية والاتفاق على آليات حلها استناداً إلى اتفاقية الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق وقراري مجلس الأمن الدولي أثناء الحرب والتزامات السلطة للأمم المتحدة في يوليو 1994م، وهو ما كان – ولا يزال – يطالب به تيار الأقلية بقيادة مسدوس وباعوم، فيما كان ما يسمى بتيار الأغلبية يرفضه بحزم قبل أن يجد نفسه أسيراً في فخ هذا الخطاب بعد أن ورطه حزب “التجمع اليمني للإصلاح” الذي كان له سبق المبادرة إلى المتاجرة بآثار حرب 1994م بطريقة انتهازية وغير مبدئية، بهدف توظيفها ضمن أوراق سياسية أخرى لإضعاف الحزب الحاكم، وإرباك حكومته ومنعها عن تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية.وقد جاء بيان الدورة الأخيرة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، ومن بعده رسالة “مقبل” إلى رئيس الجمهورية ليقدما دليلاً ساطعاً على عمق المأزق الحاد الذي يعيشه الحزب حالياً بعد أن تمكن تيار الأقلية بقيادة مسدوس وباعوم من فرض أجندته على نحوٍ ما جاء في بيان اللجنة المركزية ورسالة أمينها العام السابق من قراءة رمادية للأوضاع وصياغة عمياء للمهام والمطالب، الأمر الذي يزيد من تعقيد الموقف المأزوم لما يسمى بتيار الأغلبية في اللجنة المركزية، والذي كان يرفض ويخاصم خطاب ومطالب ما يسمى تيار مسدوس - باعوم بحدةٍ وعنف.يقيناً أنّ كتبة رسالة “مقبل” استهدفوا إيهام قرائها بأنّ المساحة بين ما يسمى تيار الصراري وتيار مسدوس - باعوم، قد تمّ ردمها.. وأنّ الحزب أصبح موحداً حول قضية وطنية واحدة يتبناها “اللقاء المشترك” بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح، على نحوٍ ما جاء في المطلبين (التاسع والعاشر) في خاتمة رسالة “مقبل” التي اختزلت عملياً قضايا الحزب المحورية في “المسألة الجنوبية”، استجابة لمطالب تيار مسدوس – باعوم، ثمّ حاولت الرسالة في خاتمتها بلورة آلية لتنفيذها من خلال حوار وطني ( المطلب التاسع) يقود إلى مصالحة وطنية وإصلاح سياسي وطني (المطلب العاشر)، وهو مؤشر جديد يدل على أنّ أزمة الحزب الاشتراكي أوصلت قيادته المأزومة إلى زاوية حادة يبدو فيها تيار الأغلبية بقيادة الصراري أسيراً ومختطفاً وسط شارع تيار “ الأقلية” بقيادة مسدوس وباعوم، فيما يقوم “الرفيق” مقبل بدور الوسيط للتوفيق بين الخاطفين والمخطوفين، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الدكتور محمد حيدرة مسدوس بما هو المسؤول عن مصير المخطوفين من تيار الصراري لم يكن يخفي أطروحات وآراء التيار الذي يقوده داخل الحزب والمعروفة بقوله : “إنّ القضية المحورية لقيادات الحزب من المعارضين السابقين، لنظام الحكم في الشطر الشمالي قبل الوحدة، كانت ولا زالت تتلخص في مواصلة حرفتهم الوحيدة وهي معارضة سلطة الرئيس علي عبدالله صالح، وبقية القائمين عليها بعد الوحدة”!![c1]أحراش المسألة الجنوبية[/c]تأسيساً على ذلك يمكن القول إنّ الأصابع التي تركت بصماتها على سطور رسالة ومطالب الرفيق علي صالح عباد “مقبل”، حاولت – بشكل لا يخلوا من النفاق الانتهازي الساذج - البحث عن طوق للنجاة يعيد الدور القيادي لما يُسمى تيار الأغلبية من خلال التظاهر بتبني أجندة تيار الأقلية، وتقديم البرهان على أنّ الحزب الاشتراكي لا يزال موحداً، حتى وإن كان ثمن ذلك هو السقوط في أوهام وأحراش “المسألة الجنوبية” التي لا تنتمي بأي حالٍ من الأحوال إلى تاريخ الحزب الاشتراكي، ورصيد كفاحه الوطني المشرف ضد كافة المشاريع الاستعمارية السلاطينية التي ارتبطت بما كانت تسمى “القضية الجنوبية”، منذ ظهور مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي في نهاية الخمسينات كرد فعل لشعارات الاستقلال والوحدة اليمنية التي ارتفعت بعد اندلاع إضرابات مارس العمالية الشهيرة عام 1956م، ودخول الطبقة العاملة اليمنية ميدان العمل الوطني كقوة سياسية منظمة في نقابات.ومن نافل القول إنّ مشروع اتحاد الجنوب العربي كان يستهدف نزع الهوية اليمنية عن الجنوب المحتل، وتلفيق هوية بديلة.. وقد بدأ هذا المشروع يلفظ أنفاسه الأخيرة بقيام ثورة 14 أكتوبر التي أنجزت الاستقلال الوطني للجنوب، وأطلقت الرصاصة الأخيرة على مشروع “الجنوب العربي” بما هو نظام حكم أنجلو سلاطيني معادٍ للهوية الوطنية اليمنية، وأقامت على أنقاضه جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي أعادت الهوية اليمنية إلى جنوب الوطن بعد تحريره من الاستعمار في 30 نوفمبر 1967م، وصولاً إلى قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، التي أعادت للوطن اليمني المشطور وجهه الشرعي الواحد.قبل أن نناقش المطلبين التاسع والعاشر في رسالة الرفيق علي صالح عباد (مقبل) حيث دعا المطلب رقم (9) إلى حوارٍ وطني بين القوى السياسية في السلطة والمعارضة فيما دعا المطلب (10) إلى تحقيق المصالحة الوطنية، يتوجب التوقف أمام المطالب الثمانية الباقية والمقدمة السياسية التي هيأت لها، وما انطوت عليه من تناول لما أسمته الرسالة “حركة الاعتصامات والاحتجاجات في المحافظات الجنوبية”، حيث حرص الرفيق ( مقبل) على تقديم قراءة أحادية الجانب لهذه الاعتصامات والاحتجاجات” بوصفها نتاجاً موضوعياً لتراكم الآثار السلبية التي نجمت عن حرب صيف 1994م، بحسب رؤية كاتب الرسالة التي اتهمت السلطة بما أسماه “إذلال الجنوبيين الذين ضحوا بدولتهم ودمجوها بدولة الوحدة، وتهميشهم والسعي لطمس ذاكرتهم السياسية ومحاولة إقناعهم بأنّهم يمثلون كماً مهملاً ملقياً على قارعة الطريق”.اللافت للنظر أنّ الرسالة تجاهلت المسؤولية التي يتحملها تكتيك “اللجوء إلى الشارع” عن التداعيات الخطيرة التي نجمت عن هذا التكتيك، وما ترتب عليه من مخاطر لا تهدد فقط السلم الأهلي والوحدة الوطنية، بل أنّها تمتد لتفتح الأبواب واسعة لدخول تيارات مختلفة من الداخل والخارج، وإحياء مشاريع ميتة دفنتها الحركة الوطنية اليمنية بنضالها وتضحياتها، وبالذات نضال وتضحيات أبناء الجنوب اليمني الذين تصدوا لمشروع “الجنوب العربي” عندما حاول الاستعمار البريطاني تمريره بهدف تطويق شعارات الاستقلال والوحدة اليمنية التي رفعتها الأحزاب والقوى السياسية الوطنية والنقابات العمالية ومنظمات الطلاب والشباب والنساء في منتصف الخمسينات، على إثر ظهور الطبقة العاملة اليمنية كقوة سياسية منظمة في نقابات، وانخراطها في العمل الوطني التحرري، حيث كان الهدف من هذا المشروع يتمحور حول سلب وطمس الهوية اليمنية للجنوب المحتل وتلفيق هوية بديلة ومزيفة بدلاً عنها.ومما له دلالة أنّ الذين كتبوا الرسالة المذيلة باسم الرفيق “مقبل” لم ينكروا مخاطر انفتاح تكتيك اللجوء إلى الشارع على كل الاحتمالات والكوارث التي تهدد بتمزيق وحدة الوطن وتماسك نسيجه الاجتماعي، وبضمنها مشروع “الجنوب العربي”.. ومشروع “حضرموت التاريخية “، التي حرص الاستعمار على أن يحتفظ لها بكيان مستقل عن اتحاد الجنوبي العربي. لكن الرسالة تناولت هذه المخاطر بحياء شديد وبهروب إلى الخلف - وليس إلى الأمام - حيث اكتفى بالتحذير مما أسماه “الانهيار وتسليم مستقبل اليمن للمجهول” في إشارة تبريرية لتفاعل بعض اللاعبين السياسيين في حركة الشارع من المحسوبين على الحزب الاشتراكي اليمني مع الخطاب المشبوه والشعارات الانفصالية التي تتحدث عن “الجنوب العربي” و”جنوبنا العربي” و” حضرموت التاريخية قبل الوحدة والشرعية” عبر بعض المسيرات والمقالات والمداخلات في بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية على طريق التعاطي مع ما تسمى بالقضية الجنوبية التي سيطرت على بيان الدورة الأخيرة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ورسالة أمينه العام السابق المنشورة عبر صحيفة “الثوري” وصحف ومواقع إليكترونية أخرى إلى رئيس الجمهورية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ اصطلاح “القضية الجنوبية” كان عنواناً لثقافة سياسية استعمارية سلاطينية رجعية استهدفت طرح قضية الجنوب المحتل والتعامل معها من منظور جيوسياسي انعزالي يخرج مصير الجنوب اليمني وأهله من هويتهم الوطنية اليمنية، ويبعدهم عن مصيرهم المستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا ووحدة الأرض والإنسان والمصير.كان الحزب الاشتراكي اليمني الذي وُلد وتطوَّر على خلفية التاريخ الكفاحي الوطني التحرري للقوى الوطنية التي ناضلت ضد الاستبداد والاستعمار، يتعامل مع قضية تحرير الجنوب اليمني المحتل من الاستعمار ومع قضية الوحدة اليمنية بعد الاستقلال باعتبارها قضية وطنية تندرج ضمن أهداف ومبادئ ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر كامتداد متطور لنضالات وتضحيات شعبنا اليمني من أجل الحرية والاستقلال والديمقراطية والوحدة والتقدم الاجتماعي.ولما كانت الوحدة التي تحققت في الثاني والعشرين من مايو 1990م قد اقترنت بالديمقراطية كشرطٍ لحمايتها وترسيخها وتعميق مضمونها الوطني، فمن الطبيعي أن تتعرض الوحدة للخطر عند الخروج عن مبادئ وقواعد الممارسة الديمقراطية وعدم الاعتراف بنتائجها والسعي للانقلاب عليها عبر التهديد باللجوء إلى الشارع على نحو ما أعلنته أحزاب “اللقاء المشترك” فور إعلان فشلها في الانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م، وما فعلته بعد أقل من مرور عام على تلك الانتخابات من خلال تحريض الشارع ضد نتائج تلك الانتخابات التي شهد العالم بشفافيتها وتعدديتها وأبدى إعجابه بالروح التنافسية غير المسبوقة التي تميزت بها.صحيح أنّ الرسالة حذرت من مستقبل مجهول يهدد الوطن بسبب تداعيات ما أسمته “ حركة الاعتصامات والاحتجاجات في المناطق الجنوبية”، لكن الرسالة تحمل السلطة وحدها المسؤولية عن هذه التداعيات وتتجاهل مسؤولية أحزاب “اللقاء المشترك”، عن ما يترتب عليها من مخاطر، بلجوئها إلى الشارع بهدف الانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية والمحلية، وبالتالي الانقلاب على الديمقراطية التي تـُعد الضامن الرئيس والوحيد لحماية وترسيخ وحدة الوطن والمجتمع.. حيث يخطئ من يتوهم أنّ بإمكانه الحفاظ على الوحدة الوطنية من خلال الانقلاب على الديمقراطية وعدم الاعتراف بنتائجها ورفض التعايش معها.لا يختلف اثنان في أنّ فتنة 1994م والحرب التي رافقتها، ألحقت أضراراً بالحياة السياسية والوحدة الوطنية. لكن ذلك لا ينفي حقيقة أنْ المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح أدرك ضرورة إزالة آثار تلك الحرب وإغلاق ملفاتها بواسطة العديد من القرارات والإجراءات والمبادرات والتوجهات التي استهدفت إزالة معظم الآثار الناجمة عن تلك الحرب ومعالجة ما تبقى منها.وبالمقابل فإني امتلك الشجاعة والحرية في القول إنّ ثمة أطرافاً في السلطة والمعارضة تحرص على أن يبدأ تاريخها السياسي الحقيقي من النقطة التي انتهت إليها تلك الحرب، ومن بينها تلك التي لعبت دوراً كبيراً في تأزيم الحياة السياسية خلال السنوات الأربع السابقة لتلك الحرب منذ قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، مروراً بالأزمة الناجمة عن نتائج 1993م، وانتهاء بحرب صيف 1994م، وإعلان مشروع الانفصال على نحو ما سبق لي عرضه في تسع مقالات نشرتها صحيفة 26 سبتمبر خلال الأسابيع الماضية، والتي أشرت فيها إلى مسؤولية الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح - بوصفهما لاعبين أساسيين في “اللقاء المشترك” - عن التداعيات التي نجمت عن شراكتهما في تأزيم الحياة السياسة قبل الحرب وبعدها وفي الوقت الحاضر. ناهيك عن مسؤولية السلطة في تجاهل ما تراكم من مشكلات بفعل سلوك بعض المتنفذين الذين تورطوا بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي والتصرف بعقارات الدولة والأوقاف لغرض المضاربة بها، والسكوت إزاء الإدارات الفاشلة التي تسببت في ركود و تعثر العديد من المؤسسات العامة، وعدم محاسبة الفاسدين الذين كشفت تقارير الجهاز المركزي للمراجعة والمحاسبة تورطهم في نهب المال العام، بالإضافة إلى عدم تصحيح السياسات المركزية المفرطة التي أحدثت شللاً تاماً في عمل ونشاط الموانئ والمطارات وبعض المرافق الحيوية في المحافظات الجنوبية ، على الرغم من الإنجازات التنموية غير المسبوقة في مجال تحديث بنيتها التحتية، ما أدى إلى إ هدار هذه الإنجازات بسبب عدم تشغيلها.ان الاعتراف بخطورة التداعيات الناجمة عن الحرب وتهديدها للوحدة والديمقراطية ، والتأكيد على ضرورة إزالة آثارها السلبية، لا يبرران اللجوء إلى تزييف الوعي والهروب إلى الخلف تارة أو إلى الأمام أحياناً على نحوٍ ما فعله بيان الدورة الأخيرة للجنة المركزية ورسالة أمينه العام السابق إلى رئيس الجمهورية من خلال استبدال القضية الوطنية للحزب الاشتراكي بما تسمى “القضية الجنوبية” والظهور في صورة من يلطم الخدود ويصرخ بالبكاء والعويل على “الجنوبيين” الذين أصبحوا “كماً مهملاً بعد أن تخلوا عن دولتهم ودمجوها بدولة الوحدة طوعاً » بحسب رسالة الرفيق العزيز«مقبل».الثابت أنّ هذا الاستخلاص الوارد في الرسالة والذي ينطوي على تزييف للوعي، لم يأتِ من فراغ، بل أنّ الذين كتبوا الرسالة بنوا ما جاء فيها على رؤية اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في البيان الصادر عن دورتها الأخيرة لما تسمى “القضية الجنوبية” ومطالبتها بالعودة إلى دستور دولة الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق وقرارات مجلس الأمن الدولي أثناء حرب 1994م، بمعنى إحياء الشراكة بين الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام في إعادة بناء دولة الوحدة استناداً إلى اتفاقيات الوحدة المبرمة بين الشطرين قبل الوحدة؟؟!الغريب في الأمر أنّ اللجنة المركزية تباكت على دستور دولة الوحدة، وطالبت بإلغاء التعديلات الدستورية التي جرت للدستور بعد الحرب، وهو ما يطرحه أيضاً حزب التجمع اليمني للإصلاح في العديد من التناولات التي ظهرت في صحافته وعلى لسان قادته وكتابه ومثقفيه الذين يتناسون مسؤولية حزبهم عن أبشع وأقبح التعديلات التي انتهكت مبادئ المواطنة المتساوية ومهدت لتعديلات قانونية إمتهنت حقوق المرأة وكرست التمييز ضدها تحت ضغط مشاركة حزب ( الاصلاح ) في الحكومة الائتلافية التي تشكلت على إثر خروج الحزب الاشتراكي من السلطة بعد حرب صيف 1994 وفشل مشروع الانفصال . مع الأخذ بعين الاعتبار ان النصوص الدستورية التي تؤكد على مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقانون كانت في مقدمة أسباب مقاطعة الاخوان المسلمين إجتماع مجلس الشورى في صنعاء صباح يوم 22 مايو المكرس لإقرار مشروع دستور دولة الوحدة قبل ساعات من رفع علم الجمهورية اليمنية الموحدة في عدن، كما كانت أيضا سببا رئيسا لمقاطعة حزب ( الاصلاح ) الاستفتاء على الدستور بعد قيام الوحدة . علما بأنّ الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني وأنصارها من المستقلين الذين رشحهم الحزب في انتخابات 1993م، ساندت التعديلات الدستورية التي أجراها مجلس النواب بناء على قرار اتخذه تيار الأغلبية الذي هيمن على اللجنة المركزية بعد الحرب، قضى بتصويت كتلة الحزب البرلمانية وأنصارها لصالح تلك التعديلات. وقد صدر ذلك القرار في أول دورة للجنة المركزية بعد الحرب خلال الفترة 1 - 6 سبتمبر 1994م بالموافقة على تلك التعديلات من خلال كتلة الحزب البرلمانية كمساهمة من الحزب في تطبيع الحياة السياسية بعد الحرب!![c1]الفائز الأوفر حظا ً[/c]لم يعد سرا ً ان تيار الأقلية الذي يمثله “مسدوس وباعوم” كان الفائز الأوفر حظاً بنتائج تكتيك الانقلاب على الديمقراطية عبر اللجوء إلى الشارع، وهو تكتيك تنتهجه أحزاب “اللقاء المشترك” وفي مقدمتها حزب “الإصلاح” والحزب الاشتراكي اليمني الذي تسيطر عليه أغلبية قيادية طالما وصفها تيار مسدوس – باعوم بأنّها أغلبية ( تمثل معارضي سلطة الرئيس علي عبدالله صالح قبل الوحدة الذين انفردوا بقيادة الحزب بعد هزيمة “القيادات الجنوبية” في حرب صيف 1994م، ثم عملوا على توظيف الحزب لصالح حرفتهم القديمة التي أدمنوا عليها، وهي المعارضة الدائمة والمطلقة للرئيس وسلطته ) بحسب ما جاء في العديد من مقالات وتصريحات مسدوس.من نافل القول أنّ مسدوس كثيراً ما تحدث عن حالة “الكم المهمل” التي يعيشها “ الجنوبيون” بعد أن دمجوا دولتهم في دولة الوحدة، وهو ما تكرر تلميحاً بشكل غير مباشر في بيان اللجنة المركزية الأخير، وتصريحاً بشكل مباشر في رسالة مقبل، وهي حالة تنطوي على نوعٍ من تزييف للوعي تدحضه حقائق التحولات السياسية والإنجازات الاقتصادية التي غيّرت وجه محافظات ومدن الجنوب ، بعد أن كانت تعيش في عهد التشطير ركوداً شاملاً بفعل السياسات التي كبحت ومنعت المبادرات الحرة والاستثمارات الخاصة، وحالت دون مشاركة المجتمع في التنمية الاقتصادية والعمرانية، فيما لعبت كل السياسات الخاطئة دوراً سلبياً في حرمان الشطر الجنوبي من مساعدات الدول الشقيقة والمجاورة والمجتمع الدولي، نتيجة حصر العَلاقات الاقتصادية والتجارية الخارجية على منظومة صغيرة ومحدودة القدرات لتسع دول اشتراكية فقط في العالم.تنطوي مقولة “ الكم المهمل للجنوبيين في دولة الوحدة بعد أن دمجوا دولتهم بها “ على مشروع سياسي سبق لمسدوس أن طالب الحزب الاشتراكي بضرورة تبنيه بزعم “ أنّ الحزب مسؤول تاريخياً عن مصالح الناس في الشطر الذي كان يحكمه “ بحسب ما جاء في مقال نشره في صحيفة “الثوري” بتاريخ 23 / 5 / 2002م، أشار فيه إلـى “ مسؤولية الحزب التاريخية عن الأخطاء التي ارتكبها بسبب إدمان قياداته المتعاقبة على سياسة إحراق المراحل التي شكلت على الدوام أهم مصدر للمعاناة والكوارث ».في عديد من المقالاات والتناولات تحدث تيار مسدوس – باعوم بكل فخر عن سبق الحزب في طرح خيار الوحدة الاندماجية مقابل خيار الفيدرالية أو الكونفدرالية التي تقدم بها الرئيس علي عبدالله صالح لدى مبادرته في طرح مشروع الوحدة على الحزب الاشتراكي أثناء زيارته لعدن أواخر نوفمبر 1989م، ثم يعود هذا التيار بكل خفة ليقول - أيضا ً - إنّهم اتخذوا قرار الوحدة الاندماجية بعاطفة متسرعة، وينسون دائماً حقيقة أنّ السياسة التي تصاغ بالعواطف بدلاً من العقل، لا تؤهل صناعها للاستمرار فيها، كما لا تؤهلهم أيضاً للمطالبة بإصلاحها، بل للمحاسبة والعزل أو الاستقالة.المثير للدهشة أنّ كتبة رسالة الرفيق “مقبل” اتهموا السلطة بمعاملة “الجنوب والجنوبيين” من منظور ما أسموه “الكم المهمل” متجاهلين أنّ قيادة الحزب الاشتراكي وفي مقدمتها علي سالم البيض اكتشفت بعد فاجعة النتائج التي حققها الحزب في انتخابات 1993م، أنّ الحزب فاز فوزاً كاسحاً في جميع دوائر المحافظات الجنوبية والشرقية فقط، وبما لا يتجاوز 19 % تقريباً من مقاعد مجلس النواب التي يمنحها دستور دولة الوحدة لهذه المحافظات بحسب التعداد السكاني.، مقابل هزيمة مروعة في المحافظات الشمالية والوسطى .في الطريق إلى الوحدة لم يكن الحزب الاشتراكي اليمني يتعامل مع مصير سكان المحافظات التي يحكمها كممثل لهم من واجبه أن يتحمل المسؤولية التاريخية عنهم بحسب ما يطرحه تيار مسدوس - باعوم، وما تضمنه بوضوح بيان اللجنة المركزية ورسالة “مقبل” أمينها العام السابق .. بل أنّه كان يبالغ في تقديم نفسه كممثل لكل اليمن ووريث تاريخي لنضال الشعب اليمني بأسره وفق ما كانت تقول به وثائقه وأدبياته حتى قيام الوحدة، تحت وهم أنّ فرعه الشمالي (حزب الوحدة الشعبية) منتشر كالهواء في كل المدن والقرى والجبال والسهول والبوادي على امتداد المحافظات الشمالية التي كانت تحكمها سلطة الرئيس علي عبدالله صالح، وأنّ مجرد قبول الرئيس علي عبدالله صالح وسلطته بالاحتكام إلى صندوق الاقتراع بعد قيام الوحدة كافٍ لوصول الحزب إلى السلطة وقيادة اليمن الموحد بعد ذلك.ولهذا فإنّ القول بأنّ «الجنوبيين» وجدوا أنفسهم » كماً مهملاً » بعد أن دمجوا دولتهم بدولة الوحدة مردود على اللجنة المركزية للحزب، وعلى الذين كتبوا رسالتهم إلى رئيس الجمهورية باسم الأمين العام السابق للحزب، بعد أن أصبحوا رهائن في شارع تيار مسدوس - باعوم، وبعد أن انقلب سحرهم عليهم بفعل استخدام تكتيك “ اللجوء إلى الشارع “ بهدف الانقلاب على الديمقراطية، والاضطرار للتأقلم والتكيف مع الغبار والرياح والأتربة والعواصف غير المحسوبة التي ينفتح عليها كل شارع. لم يعد خافياً على أحدٍ أنّ الحزب الاشتراكي اليمني أُصيب بحالة انعدام الوزن بعد أن فقد دور الشريك المتساوي في السلطة، وحصوله على موقع حزب أقلية بنسبة 19 % من مقاعد البرلمان هي أصوات المحافظات الجنوبية التي كان يحكمها، مقابل هزيمة مروِّعة وفاجعة في المحافظات الشمالية التي كان يراهن عليها، الأمر الذي دفع الحزب إلى المطالبة بأساليب مموَّهة أو صريحة بالتراجع عن الصيغة الاندماجية خلال الأزمة السياسية التي نجمت عن صدمة الحزب بنتائج انتخابات 1993م، إلى جانب إعادة طرح الصيغة الفيدرالية التي كان الرئيس علي عبدالله صالح سبَّاقاً في طرحها أثناء زيارته لمدينة عدن أواخر نوفمبر 1989م، وقوبلت برفض شديد من قيادة الحزب الاشتراكي، التي أصرت على إنزال مشروع دستور دولة الوحدة في صيغتها الاندماجية للاستفتاء، علماً بأنّ الصيغة الفيدرالية التي اقترحها الرئيس علي عبدالله صالح للوحدة بين الشطرين ورفضها الحزب الاشتراكي آنداك، كانت تنطوي على إمكانية إعادة صياغة مشروع دستور دولة الوحدة لاستيعاب أسس الدولة الفيدرالية التي اقترحها الرئيس علي عبدالله صالح أثناء زيارته التاريخية لعدن أواخر نوفمبر 1989 ، والتي كانت تضمن للشطر الجنوبي وضعاً متساوياً في دولة الوحدة لا يستند إلى الكم السكاني الذي يراه الحزب حالياً - بحسب بيان اللجنة المركزية ورسالة أمينها العام السابق - أنه أصبح “ كماً مهملاً بعد أن دمج الجنوبيون دولتهم في دولة الوحدة “ !!؟؟يصعب فهم الوضع الحالي الذي آل إليه الحزب الاشتراكي بدون منهج تحليلي نقدي، خصوصاً بعد أن نجح تيار مسدوس ـ باعوم في فرض أجندته السياسية على ما يسمى تيار الأغلبية في اللجنة المركزية الذي وجد نفسه مخطوفاً على أيدي أنصار تيار مسدوس - باعوم في الشارع الذي راهنوا عليه، حيث يتم اختزال قضية إزالة آثار حرب صيف 1994م - وهي قضية وطنية بامتياز - في صيغة “قضية جنوبية “ ، تتماهى مع مشاريع بالية وميتة، تسللت عظامها الرميمة إلى لا وعي الذين تدثروا بأتربة ورياح الشوارع التي أوهمتهم بحسب ما جاء في بيان اللجنة المركزية ورسالة أمينها العام السابق بأنّ التاريخ سيعود إلى الوراء يوماً لإحياء ثنائية الجنوب والشمال.. بمعنى أنّ تياري الأغلبية والأقلية اللذين التقيا على حين غرّة في الشارع المنقلب على الديمقراطية ونتائج صناديق الاقتراع، لا يتحدثان - بطبيعة الحال - عن المصالح الحقيقية للناس في الجنوب، بل عن مصالح فوقية وامتيازات نخبوية لحفنة من السياسيين المدمنين على الفشل وصناعة الأزمات والحروب الداخلية والكوارث. ولو كان هذان التياران يدافعان حقاً عن مصالح أهلنا في الجنوب، فثمة طرق وأبواب ووسائل متاحة وفاعلة يمكن استخدامها.. إذ لا يوجد وجه واحد فقط للحقيقة.. ولا توجد وسيلة واحدة فقط لخدمة مصالح الناس.[c1]الحوار الداخلي والمصالحة مع الذات[/c]من المفارقات المدهشة أن يلتقي تيار الأغلبية وتيار الأقلية في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني وسط الشارع، بينما كانا قبل ذلك خصمين لدودين.ومما له دلالة أن يكون الحوار بين الطرفين داخل هيئات الحزب المنتخبة مدعاة للخصومة والانقسام، بينما يكون هتاف الغوغاء وغبار الأتربة في الشارع حافزاً للوحدة بينهما، بعد أن تخلى الحزب عن قضيته الوطنية ليستبدلها بما تسمى “ القضية الجنوبية “. لكن الذين يتحدثون اليوم عن الجنوب بعد سبعة عشر عاماً ونيف منذ قيام الوحدة، وبعد ثلاثة عشر عاماً من حرب صيف 1994م المشؤومة يتجاهلون حقيقة أنّ هزيمة الحزب الاشتراكي في تلك الحرب وخروجه من السلطة بعد إعلان وفشل مشروع الانفصال، ما كانا ليحدثا لو أنّ الحزب استوعب المتغيرات الداخلية و الخارجية التي حصلت خلال السنوات الأربع بعد قيام الوحدة، حيث لم يتمكن الحزب - بسبب عدم استيعاب تلك المتغيرات - من إعادة إنتاج شروط وضعه السابق قبل الوحدة في بيئة سياسية مختلفة وعالم متغير.أما وقد أنهزم الحزب في تلك الحرب، ومرَّت بعد هزيمته ثلاثة عشر عاماً أحدثت هي الأخرى متغيرات وتحولات وحقائق جديدة سواء داخل المجتمع أو النظام السياسي أو الحزب نفسه، بالإضافة إلى متغيرات عاصفة وجوهرية على الصعيد العالمي أفرزت تحديات ضاغطة باتجاه إعادة تعريف حقائق وثوابت تاريخية مثل الدولة والهوية والسيادة والعولمة، وإعادة صياغة معايير ومفاهيم الحرية والحق والعدالة والأمن والإرهاب والشرعية الدولية، فمن العبث أن يصر الذين يتحدثون عن ما تسمى بالقضية الجنوبية على تجاهل ضغوط وتحديات هذه المتغيرات الداخلية والخارجية، وإنكار انعكاساتها على الوعي والفكر والسياسة والممارسة، خصوصاً وأنّ ما تسمى بالقضية الجنوبية مفتوحة على مشاريع بالية وميتة تجاوزها ليس التاريخ الوطني الحديث لكفاح شعبنا فحسب، بل وتاريخ هذه الحقبة من عصرنا الراهن . إذ يصعب على العقل الحي صياغة برنامج سياسي يستهدف إعادة إنتاج أوضاع قديمة وأدوات بالية ومشاريع ميتة، وما يترتب على ذلك من إهدار لضرورة التجاوز والاستشراف، وتكريس شكل آخر للطوباوية السلفية التي تهدر البُعد التاريخي للزمن، بإصرارها على الإقامة الدائمة في الماضي، والاعتقاد بأوهام القدرة على إعادة تعريف الزمان والمكان من خلال إعادتهما إلى نقطة سابقة في تاريخ ماضوي وجغرافيا قديمة.[c1]ألغام وماد ناسفة[/c]والآن لنأتي إلى خاتمة رسالة “مقبل” الأمين العام السابق للحزب والتي تضمنت المطلبين (التاسع والعاشر) بشأن الحوار الوطني والمصالحة الوطنية.. وهنا أود التأكيد على أنّ كل ما جاء قبل هذين المطلبين، يشكل ألغاماً ومواد ناسفة وكافية لتفجير أي مشروع للحوار أو المصالحة، حيث يمكن وصف مقدمة الرسالة والمطالب الثمان السابقة للمطلبين الأخيرين بأنّها شروط انفجارية تعكس نمطاً من التفكير التآمري والمواقف الملتبسة والرؤية العمياء إزاء الواقع والعالم الواقعي على حدٍ سواء، بل أنّها ترتد إلى صدور الذين كتبوا تلك الرسالة وهم - بلا شك - خصوم تيار الدكتور مسدوس الذين هربوا إلى ذات المربع المقيم فيه خارج الزمان والمكان منذ أن وضعت حرب صيف 1994م أوزارها.لقد أدهشني كثيراً ما جاء في رسالة الأمين العام السابق للحزب من مغالطات حول المبادرات التي زعمت الرسالة أنّ الحزب تقدم بها في العديد من الدورات السابقة للجنة المركزية بشأن الحوار الوطني والمصالحة الوطنية، وزادت دهشتي عندما قالت الرسالة أنّ الصد كان الرد الوحيد من السلطة على كل المبادرات.وبصرف النظر عن أنّ رسالة “مقبل” تضمنت شروطاً ناسفة وملغومة تكفي لنسف أي حوار أو مصالحة، ناهيك عن أنّها تجاهلت أشكالاً مختلفة من الحوارات والمصالحات تمّت فعلاً بين السلطة والحزب على مستوى قياداته وكوادره في الداخل والخارج طوال السنوات اللاحقة للحرب، حيث أسفرت تلك الحوارات والمصالحات عن عودة المئات من القيادات والكوادر إلى الوطن، والانخراط في الحياة السياسية والعامة، بصرف النظر عن كل ذلك فإنّ الذين كتبوا الرسالة تجاهلوا حقيقة أنّ الحزب نفسه، لم يكن مؤهلاً للتعاطي مع مبادراته التي تحدثت عنها الرسالة بسبب الصراعات الداخلية والحادة التي تعصف به منذ أزمة 1993م، وحرب صيف 1994م، وما بعدهما، حيث كان الحزب ينسف كل مبادرة يطرحها للحوار والمصالحة قبل أن يجف حبرها، وقبل أن تلقى الصد من السلطة وحزبها الحاكم، بحسب زعم الرسالة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الدعوة للحوار والمصالحة لم تأتِ هذه المرة من داخل الحزب وهيئاته بل بواسطة رسالة غير رسمية باسم أمينه العام السابق، الأمر الذي يدل على أنّ الحزب لم يتأهل بعد - حتى الآن - للتوافق على مشروع للحوار والمصالحة مع الآخرين بمعنى أنّ الرسالة ليست موجهة إلى رئيس الجمهورية بل إلى عنوان آخر. وأنّ الأمين العام السابق ليس هو من كتب الرسالة، ووجهها إلى عنوان الرئاسة، بل هو عبارة عن ساعي بريد أراد كـُتـّاب تلك الرسالة استخدامه كغطاءٍ لحوار وتصالح مع تيار مسدوس وباعوم الذي يتهم ما يسمى تيارالأغلبية داخل اللجنة المركزية بالإدمان على معارضة الرئيس علي عبدالله صالح وسلطته على حساب “الجنوب والجنوبيين” منذ أن كان فرع الحزب في الشمال يقاتل من أجل إسقاط الرئيس علي عبدالله صالح بواسطة العنف المسلح كوسيلة وحيدة لتحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب!!؟ما من شك في أنّ اختزال الحوار والمصالحة بين الحزب والسلطة في شروط ومطالب تتعلق بما تسمى “القضية الجنوبية” لا يجعل هذه المطالب ممكنة التحقيق في داخل الحزب نفسه، بل ويجعلها غير مؤهلة للحصول على إجماع “اللقاء المشترك” منذ أن أصبح الحزب الاشتراكي مجرد لوبي صغير في ماكنة هذا التكتل الذي يقوده حزب “ التجمع اليمني للإصلاح”، علماً بأنّ حزب “الإصلاح” درج على استخدام “القضية الجنوبية” بعد فشله في الانتخابات الرئاسية والمحلية كورقة سياسة ضمن أوراق أخرى في تكتيك اللجوء إلى الشارع بهدف إرباك السلطة وإضعافها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بما يكفل منع تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية والحزب الحاكم، تمهيداً للوصول إلى السلطة وتنفيذ برنامجه الخاص، والملتبس بالمشروع التاريخي لحركات الإسلام السياسي الذي ينطلق من فكرة بناء الدولة الإسلامية الإمبراطورية وإعادة نظام الخلافة. وهي فكرة لم يبلور حزب “الإصلاح” حتى الآن قطيعة سياسية وأيديولوجية معها، ولم يحدد حتى الآن موقفاً نقدياً واضحاً وشجاعاً من تناقضها الصريح والسافر مع الدستور والنظام الجمهوري والديمقراطية التعددية وميثاق الأمم المتحدة وميثاق الجامعة العربية، وهي ثوابت وطنية ودولية يجري الالتفاف عليها من خلال خطاب سياسي وإعلامي تكتيكي أضطر الأخوان المسلمون الذين يقودون حزب “الإصلاح” إلى تبنيه بعد قيام الوحدة والتحول نحو الديمقراطية التعددية. كما تعزز هذا الاتجاه لدى الأخوان المسلمين في حزب “الإصلاح” بعد انتخابات 1997م وخروجهم من المشاركة في السلطة إلى المعارضة، وتحالفهم مع الحزب الاشتراكي اليمني في إطار “اللقاء المشترك”، وصولاً إلى انخراطهم العلني والسافر في برامج نشر الديمقراطية التي تمولها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بهدف الاستفادة من مفاعيلها الدولية وتوظيفها لدعم وصول “الإسلام السياسي” إلى السلطة في اليمن عبر الديمقراطية، وهو موضوع سيكون لنا معه وقفة تحليلية في وقتٍ لاحق بإذن الله.لعل رفض “اللقاء المشترك” دعوة رئيس الجمهورية الأخيرة للحوار حول مشروع التعديلات السياسية التي طالت شكل النظام السياسي والسلطتين التنفيذية و التشريعية مع تحديد الفترات الدستورية للرئاسة والسلطة التشريعية، باتجاه إقامة حكم رئاسي كامل يستند إلى حكم محلي منتخب و واسع الصلاحيات والموارد ، يقدم دليلاً إضافياً على أنّ أحزاب “اللقاء المشترك” غير مؤهلة هي الأخرى لمعالجة القضايا الجوهرية التي تتعلق بمصائر البلاد عن طريق الحوار السياسي ، بما هو أحد آليات العملية الديمقراطية التي تشارك فيها. وأرجوا أن أكون مخطئاً في التقدير حين أرى أجندة أحزاب “اللقاء المشترك “ بقيادة حزب التجمع للإصلاح وهي تتجه بوضوح منذ فشلها في الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م إلى الانقلاب على الديمقراطية بواسطة “انتفاضة ثورية شعبية” تقوم بها هذه الأحزاب من خلال ناخبي الأقلية في الشارع، بعد أن فقدت ثقة غالبية الناخبين عبر صناديق الاقتراع . بمعنى أنّ طبول المجابهة في الشوارع صارت هي صاحبة الصوت الأعلى مقابل صوت الحوار السياسي في الأطر الديمقراطية للمجتمع المدني والمؤسسات الدستورية للنظام السياسي .[c1]توكل كرمان تنفخ في البورزان[/c]أعترف بأن شعورا ً بالرعب إستبد بي أثناء قراءة مقال نشرته الزميلة العزيزة توكل كرمان العضو البارز في حزب ( الاصلاح ) ورئيسة « منظمة صحافيات بلا قيود » في العدد رقم 1978 من صحيفة ( الثوري ) الصادرة يوم الخميس 27 سبتمبر 2007م أكدت فيه على أهمية ما جاء في رسالة “مقبل” إلى رئيس الجمهورية، لكنها شددت في الوقت نفسه على ضرورة رفض أي حوار مع “ جلسات باجمال وغيره”، ثمّ دعت بدون أي لبس أو تورية أو تمويه إلى “انتفاضة ثورية سلمية كاملة لإسقاط نظام الحكم بقيادة “اللقاء المشترك” من صعدة إلى سقطرى ، والاستعداد لاستقبال أسماء شهداء (الانتفاضة الثورية القادمة ) التي رشحت لقيادتها خمسة من قيادات حزب “ الإصلاح” والحزب لاشتراكي !!استندت الزميلة توكل كرمان في عنوان مقالها إلى مخيال من الشعر ينفخ في بورزان الحرب ، و يحرض على المواجهة الحاسمة لإسقاط نظام الحكم عبر ثورة سلمية في الشوارع من صعدة إلى سقطرى بقيادة أحزاب “اللقاء المشترك”، مع أنّها كانت تتكلم في السياسة حيث ينبغي للسياسيين أن يصوغوا رؤاهم ومواقفهم ومهامهم وخططهم بما يجنب الناس كوارث شطحات ومخيلات الشعراء الذين ينفخون في البورزان أثناء التحضير للحروب .قبل أنّ أناقش الزميلة توكل أود التأكيد على أنّه من حقي أن اختلف معها، ومن حقها أن تختلف معي أيضاً . لكن الخلاف في الرأي بيننا يجب ألا يفسد للود قضية . خصوصاً وأنني من أشد المعجبين بقلمها الرشيق، وبفكرها المتحرر، وروحها المتمردة، وقدراتها القيادية، وأخلاقها الفاضلة ، وسبقها الريادي على الكثير من أبناء جيلها من رجال وشباب ونساء حزب “الإصلاح” في ميدان العمل السياسي المدني.. بل إنني لا أبالغ إذا قلت إنّ توكل كرمان أصدقهم وأشجعهم وأجملهم وأودعهم جميعاً، رغم بيان إعلان الحرب الذي تضمنه مقالها الأخير. فهي - وأنا مقتنع بما أقول - تستحق مني ومن كل صاحب فكر ورأي أسمى مشاعر الود والاحترام والتقدير، بوصفها امرأة رائعة ومحاصرة بين مدن الملح التي أحرقتها ( الشمس) بعد ان حاصرتها رمال صحراوية حالت دون إتصالها بما وراء البحار ، بحسب رواية للأديب السعودي العالمي عبدالرحمن منيف ، وبين جزيرة مسحورة لطيور البنجوين تعرضت للسحر على يد كاهن من أكليروس روما الحديثة.أراد مصادرة حريتها، وحاول أن ينزع عنها إعجاز الصفات الفريدة التي تؤهلها لعبور القارات والمحيطات والبحار بلا قيود ، بعد أن أدعى القدرة الإعجازية على الخلط بين الدين و السياسة والشعوذة وشفاء القلوب الجريحة ومعالجة الأمراض المستعصية . لكن طيور البنجوين التي تعرضت لسحر ذلك الكاهن انقلبت بسحره عليه، ونزعت عنه نقاب الكهانة الذي كان يخفى وراءه المكر والدجل والزيف وإدعاء الحكمة والفضيلة بحسب رواية للأديب الفرنسي العالمي بلزاك !!في مقالها المنشور على صفحات “الثوري” رفعت توكل كرمان رايات الحرب والانقلاب والثورة على نظام الحكم تحت شعار “الإصلاح أو الموت”. وكانت الزميلة توكل واضحة عندما أهدت مقالها إلى خمسة أشخاص تصوّرت أنّهم سيقودون الانتفاضة الثورية القادمة ، على رأسهم اثنان من فرسان الميدان في حزب “الإصلاح” يتقدمان ثلاثة رؤساء “جنوبيين” سابقين يعيشون خارج الميدان بل وخارج الوطن. حيث ظهر الرؤساء الثلاثة وهم علي سالم البيض وعلي ناصر محمد وحيدر العطاس في هيئة “كومبارس” بعد الفارسين ( الاصلاحيين ) اللذين يتوليان قيادة الانتفاضة الانقلابية في الميدان !!لا أشك إطلاقا ً في أن توكل كرمان تثق جيداً بأنّ أحداً من أولئك الرؤساء السابقين - الذين تولوا سدة الحكم في الشطر الجنوبي قبل والوحدة وبعدها - لا يفكر بالعودة إلى موقع ( ولي الأمر ) الذي يتطلع إليه القائدان الميدانيان فضيلة العلامة أمير المؤمنين (الشيخ ياسين عبدالعزيز) وصاحب السمو أمير الجند والبصّاصين (العقيد محمد اليدومي)، وهما الفارسان اللذان وضعهما مخيال الزميلة توكل كرمان في مقدمة قادة “ الانتفاضة الثورية القادمة” التي ستتولى تنفيذ خطة أحزاب ( اللقاء المشترك ) لإسقاط نظام الحكم المنتخب من صعدة حتى سقطرى بحسب النفير الذي إنطلق من بورزان الزميلة توكل كرمان عبر صحيفة ( الثوري ).يقينا ً أن الزميلة توكل كرمان أجادت عندما رفعت شعار (الإصلاح أو الموت)، استخدام فنون “التورية” بين الإصلاح كمصفوفة لإعادة البناء، وبين “الإصلاح” كحزبٍ لم يقتنع حتى الآن بإصلاح خطيئته الكبرى في الإصرار على مصادرة الحق الوطني والإنساني المشروع للناشطة توكل كرمان وغيرها من النساء الرائدات اللائي يطالبن قيادة حزبهن باحترام وضمان حقوقهن الدستورية والمدنية والانسانية في المواطنة المتساوية ، وتمكين المرأة من حقها في تولي وظائف الولاية العامة والترشح إلى السلطة التشريعية أسوةً بإخوانها “المسلمين” في حزب ( الإصلاح )!!!لا يمنعني إعجابي بذكاء وتميز الزميلة توكل كرمان من القول إنّها لم تكن موفقة عندما قدمت لنا الموت كخيار آخر مقابل خيار “الإصلاح” - كحزب أو كمصفوفة لأعادة البناء - بدون أن تقدم لنا ضمانات كافية بعدم إراقة قطرة دم أو صرخة ألم في لحظة النزع الأخير لكل ضحية يولد من بطن هذا الشعار. خصوصاً وأنّها دعت - أيضاً - في مقالها إلى الاستعداد لاستقبال أسماء شهداء الانتفاضة “السلمية” التي ستتولى مهمة إسقاط نظام الحكم بحسب ما جاء في مقالها المنشور بصحيفة ( الثوري )!!صحيح أنّ توكل كرمان أبدت حرصاً على الوحدة في صحيفة “الحزب الاشتراكي”. وكانت رائعة عندما أعربت عن مخاوفها من انفصال الجنوب عن الشـمال . فهي صادقة ولا شك في ذلك. لأنّ حزب “الإصلاح” وإن لم يكن له رصيد تاريخي في النضال الوطني من أجل الوحدة، إلا أنّ له رصيداً لا ينكره أحد في تكوين الثروات والنفوذ من غنائم “الفتوحات” التي تهافتت عليها قيادات وأوليغارشيات حزب “ الإصلاح” بعد “فتح” المحافظات الجنوبية في حرب صيف 1994م، على حساب أراضي وعقارات ومزارع الدولة والأوقاف والمواطنين .. وعلى حساب مدخرات المودعين التي نهبتها الطغم المالية لشركات توظيف الأموال الإسلاميـة بعـــد « فتوحات» تلك الحرب السوداء.لكنه من الصحيح أيضاً أنّ الذين يخفون أو يؤجلون مشاريعهم وأجنداتهم الرامية إلى فصل جنوب الوطن عن شماله، لن يخفوا سعادتهم وتأييدهم ومباركتهم لكل من يطالب بإسقاط نظام حكم منتخب جاء عبر صناديق الاقتراع، حتى وإن نزعنا عن مقال توكل كرمان عناصر التورية الملتبسة بين “الإصلاح” الحزب وبين “الإصلاح” بمعنى إعادة البناء. لأنّ مجرد وصول حزب “الإصلاح” إلى الحكم تحت مظلة الثورة الشعبية القادمة التي ستتولى مهمة إسقاط نظام الحكم المنتخب بقيادة ملالي ( اللقاء المشترك ) وعلى رأسهم الشيخ ياسين عبدالعزيز - بحسب ما قرأناه في ( الثوري ) - سيكون كافياً وضامناً لحرث وتهيئة التربة ليس فقط لفصل جنوب الوطن عن شماله ، بل وتحويل الوطن بأسره إلى كانتونات ودويلات طائفية ومذهبية وقبلية من صعدة إلى سقطرى، بعد أن يتقدم صفوف “الانتفاضة الثورية الانقلابية “ شيوخ ومجاهدو حزب « الإصلاح» وهم ينفرون خـِـفافـاً ، رافعين في الأيدي اليمنى رماحا ً نواهلَ صوب الفرق غير الناجية من النار ، وسيوفا ً بيضا ً تقطر من دماء الروافض والمرتدين والمخالفين . فيجد فيها المجاهدون حافزا ً لسفك المزيد من الدماء بعد إن تلمع في حد النصال الدامية بروق خدود وثغور بلون زهر الأرجوان ، طالما أضناهم الشوق ( الحلال ) الى لثمها وتقبيلها بإجازة شرعية من جمهور ( الفقهاء ) . خصوصا ً وإن هؤلاء المجاهدين سيرفعون في اياديهم اليسرى رايات الفتاوى الدموية التي تجيز إبادة وقتل كافة المسلمين المدنيين من الرجال والنساء والأطفال “المتترس” بهم من قبل كفار الفرق الضالة والممتنعة ، على نحو ما طالبت به فتاواهم السوداء أثناء حرب صيف 1994م المشؤومة.[c1]مغالطات بين مبادرتين[/c]إنني لا أفتري على الحزب الاشتراكي اليمني عندما أقول إنّه معني أولاً بإجراء حوار وطني في داخله والتصالح مع نفسه وتاريخه ، والاعتذار عن الأضرار التي لحقت به وبمناضليه وبالناس جميعاً، منذ أن أصبح حزباً برأسين وبرنامجين “ أحدهما في السلطة والأخر في المعارضة بعد الوحدة “.. ومنذ أن وجد نفسه حزباً ببرنامجين في المعارضة بعد الحرب وخروجه من السلطة إلى المعارضة على نحو ما دلت عليه وقائع الصراع بين تياري الأغلبية والأقلية.وللتدليل على ذلك فإنّ الفارق الزمني بين الدعوة للحوار والمصالحة التي جاءت بها رسالة “مقبل” بما هو الأمين العام السابق للحزب، وبين آخر مبادرة أطلقتها اللجنة المركزية للحزب عندما كان “مقبل” أميناً عاماً شرعياً للجنة المركزية هو خمس سنوات، حيث سبق للجنة المركزية للحزب أن أقرت وثيقة بعنوان “مبادرة للحوار الوطني” في دورتها التي انعقدت أواخر شهر مايو 2002م، ونشرتها صحيفة “ الثوري” في عددها رقم (1721) الصادر يوم الخميس 13 يونيو 2002م، وحددت فيها عناوين القضايا التي تمحورت حول التحضير للانتخابات البرلمانية لعام 2003م، وإصلاح مسار الوحدة وإزالة آثار حرب 1994م، وتحقيق المصالحة الوطنية.. وهي ذات القضايا الواردة في رسالة “مقبل” الأخيرة بعد تضمينها كافة مطالب تيار مسدوس - باعوم التي تدعو إلى ربط هذه المطالب بالعودة إلى دستور دولة الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق وقرارات مجلس الأمن الدولي أثناء حرب صيف 1994م، على نحوٍ ما جاء في الرسالة، وهو ما كان يرفضه بحزم ما يسمى بتيار الأغلبية في اللجنة المركزية.في ضوء ما تقدم من حقنا أن نتساءل عن الجهة التي نسفت مبادرة الحزب الداعية إلى الحوار والمصالحة الوطنية عام 2002م ومن الذي واجه تلك المبادرة بالصد؟ومن حقنا أن نتهم الحزب الاشتراكي ليس بصد مبادرته بنفسه بل وبتفجيرها وإطلاق نيران كثيفة عليها فور صدورها ونشرها في صحيفة “الثوري” آنذاك.وقد سبق لكاتب هذه السطور حينها تسليط الضوء على هذه الحقيقة في مقالٍ نشرته صحيفة “26 سبتمبر” الأسبوعية على صفحتين كاملتين بعد شهر واحد منذ أن أطلق الحزب نيراناً كثيفة وقاتلة على دعوته للحوار والمصالحة عام 2002م، حيث جاءت تلك النيران من داخله وليس من السلطة التي يتهمها “مقبل” اليوم بأنّها كانت دائماً تواجه مبادرات الحزب للدعوة والمصالحة بالصد والتجاهل!!!ولأنّ الذكرى تنفع المؤمنين، فلابد من التذكير بأنني أوضحت في تلك المقالة التي أعلنت فيها انسحابي من الحزب الاشتراكي اليمني كيف أطلق الحزب رصاصات قاتلة على تلك المبادرة. فقد نشرت “الثوري” وثيقة الحوار الوطني التي أقرتها اللجنة المركزية للحزب إلى جوار وجهة نظر الدكتور محمد حيدرة مسدوس عضو المكتب السياسي وهو أبرز رموز ما يسمى بتيار إصلاح مسار الوحدة داخل الحزب، حيث وصفها بأنّها لا تختلف عن وجهة نظر قدمها الشهيد جار الله عمر الأمين العام المساعد سابقاً عام 1999م، وقد كان من أبرز رموز تيار الأغلبية الذي يُعارض مطالب وأطروحات تيار مسدوس، قبل أن يسقط ورثة قضية جار الله عمر في داخل مربع هذا التيار على نحوٍ ما تدل عليه الأطروحات الجديدة التي تضمنها بيان الدورة الأخيرة للجنة المركزية ورسالة أمينها العام السابق.لقد انتقد مسدوس تلك المبادرة بأسلوب قاسٍ للغاية، وهدد علناً بنسفها وتعطيل شرعية الأغلبية في قيادة الحزب، ووصف تيار الأغلبية بأنّه يمثل معارضي الرئيس علي عبدالله صالح وسلطته قبل الوحدة . كما هدّد بمنعهم من توظيف هيمنتهم على قيادة الحزب لصالح حرفتهم الوحيدة التي أجادوها وأدمنوا عليها، وهي المعارضة الدائمة والمطلقة للرئيس وسلطته حتى إسقاطه بحسب ما جاء في ذلك المقال الذي سبق لي الرد عليه ومناقشته آنذاك.الحق أقول أن تيار الأقلية الذي يمثله مسدوس ليس هو وحده مَنْ أطلق النار على تلك الوثيقة التي دعا فيها الحزب الاشتراكي إلى الحوار الوطني، بل أنّ نيراناً أكثر شراسة وعنفاً أطلقها صوب تلك الوثيقة تيار الأغلبية من خلال الرفيق علي محمد عبده ( الصراري)، عضو المكتب السياسي وأحد أبرز رموز ومنظري هذا التيار ، حيث قام الصراري وبالتزامن مع نشر مبادرة “الحوار الوطني” ووجهة نظر مسدوس إزاءها في صحيفة “الثوري”، بكتابة ونشر مقال على حلقتين في صحيفة “الناس” التي يموّلها حزب التجمع اليمني للإصلاح خلال الفترة 10 - 17 يونيو 2002م شن فيه هجوماً ضارباً على المؤتمر الشعبي العام الذي دعت الوثيقة إلى الحوار معه.لم يخفَ الصراري في ذلك المقال رفضه المطلق لمبادرة “الحوار مع المؤتمر الشعبي” الذي وصفه بأنّه “تعبير سياسي عن الفساد، وأداة لإفساد الحياة السياسية في بلد انتهت فيه السياسة”، مشيراً إلى ( أنّ المؤتمر الشعبي العام سيظل كذلك إلى أن ينتهي الفساد وينتهي معه المؤتمر الشعبي العام أو أن ينتهي اليمن والعياذ بالله ) بحسب قوله.في غمرة تلك النيران التي أطلقها الصراري على وثيقة “الحوار الوطني” التي أقرتها اللجنة المركزية عام 2002م لم ينسَ تذكير قرائه بأنّه كتب مقالاً في صحيفة “ الشورى” عام 2001م، وصف فيها المؤتمر الشعبي العام بأنّه “حزب من ورق” مؤكداً على أنّه لن يتراجع عن ما جاء في ذلك المقال، “لأنّ المؤتمر هو حزب مصنوع من ورق الكتابة وورق البنكنوت، ويشكل خطراً على الحياة السياسية في اليمن”!!!والحال أنّ مسدوس في رفضه لآخر مبادرة رسمية أطلقها الحزب الاشتراكي للحوار الوطني عام 2002م، لم يكن ضد مبدأ الحوار مع المؤتمر الشعبي العام - كما هو الحال عند الصراري بما هو المنظر البارز لتيار الأغلبية - بل أنّه أبدى حرصاً على الحوار مع الرئيس علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام كشريكٍ تاريخيٍ للحزب في الوحدة وليس كنمر من ورق يفسد الحياة السياسية ويضعها أمام خيارين تصفويين أما أن ينتهي الوطن ويبقى المؤتمر.. أو أن ينتهي المؤتمر ليبقى الوطن!!وإذ يرفض “الصراري” ممثلاً عن تيار الأغلبية مبدأ الحوار بشكل مطلق مع السلطة وحزبها الحاكم ، فإنّ مسدوس الذي يمثل تيار الأقلية كان مع مبدأ الحوار، ولكن حول قضية واحدة تتعلق بإعادة إنتاج الشراكة في السلطة وتقاسمها بين طرفي الوحدة انطلاقاً من نقطة سابقة في تاريخ قديم توقف عندها زمن مسدوس، على عكس الصراري الذي لا يكتفي برفض الحوار مع الآخر - أي الحزب الحاكم ورئيسه - بل يرفض وجود الآخر من أساسه، وينزع إلى إقصائه وإلغائه واستئصاله، ويدعو إلى محاربته وإزالته مقابل بقاء الوطن، على نحوٍ ما تدعو إليه اليوم أيضاً الزميلة توكل كرمان .. “ فأما أن ينتهي المؤتمر الشعبي العام ، أو أن ينتهي اليمن والعياذ بالله “!! مع أنّ الصراري الذي يتظاهر بالدعوة إلى حماية الديمقراطية والتعددية والوحدة، يتجاهل حقيقة أنّ المؤتمر الشعبي العام الذي يدعو إلى استئصاله « لأنه نقيض وعدو للوطن » هو الشريك التاريخي لحزبه في تحقيق وحدة الوطن، وهو مَنْ حرص على بقاء الحزب، وقاوم مطالب حزب “الإصلاح” بحله وتصفيته بعد الحرب.. وهو من يتمسك بأن تكون شرعية الحكم في اليمن مستمدة من صناديق الاقتراع وليس من رجال الدين وأهل الحل والعقد.. وهو من يضمن حق الصراري وغيره من المعارضين في التعبير عن آرائهم وأفكارهم ومواقفهم، ولا يدعو إلى تصفيتهم وإقصائهم وإلغائهم على نحوٍ ما يطالب به الصراري وتوكل كرمان اليوم، وكذلك على نحو ما طالب به حزب التجمع اليمني للإصلاح عندما كان شريكاً في السلطة بعد الحرب.[c1]وجهان لمأزق واحد[/c]نحن الآن أمام وجهين لمأزق واحد يعيشه الحزب الاشتراكي اليمني وأحزاب “اللقاء المشترك” أيضاً، وهو مأزق لا يؤهل هذه الأحزاب للحوار والمصالحة مع الرئيس والحزب الحاكم والآخرين عموما ً ، تنفيذا ً لما دعا إليه الرفيق “مقبل” في رسالته. فالذين أطلقوا النار على آخر مبادرة تقدّم بها الحزب الاشتراكي عام 2002م بشأن الدعوة إلى “الحوار الوطني” ، وكذلك الذين رفضوا نتائج الانتخابات الرئاسية والمحلية ، ثم اتجهوا بعدها الى الشوارع بهدف التمرد على نتائج الديمقراطية وإسقاط نظام الحكم ، هم أنفسهم من سيطلقون النار على المطالب العشرة التي وجهتها رسالة “ مقبل” إلى رئيس الجمهورية. وينبغي على هؤلاء إدارة حوار داخل الحزب أولاً وداخل أحزاب ( اللقاء المشترك ) بكافة تجنحاتها ثانياً، وصولا ً الى تحقيق المصالحة بين تياراتهم المتصارعة . وهو ما يفسر أنّ الدعوة للحوار والمصالحة بشروطها ومطالبها الملتبسة التي تضمنتها رسالة “مقبل” لم تأتِ هذه المرة من اللجنة المركزية حتى وإن كانت في بيان دورتها الأخيرة قد وقعت رهينة الشارع الشارد، حيث يعلو صوت مسدوس وباعوم والنوبة إلى جانب أصوات مشبوهة لأشباح ميتة تسللت من خلف أسوار التاريخ والجغرافيا!!لا ريب في أنّ الاختباء خلف شخص أنهكه المرض ويحمل صفة “الأمين العام السابق” على نحو ما فعله كتبة رسالته المشحونة بالألغام والمتفجرات التي تكفي لنسف المطلبين الأخيرين (9 - 10) وهما الحوار والمصالحة، يدل على أنّ الحياة الداخلية للحزب لم تعد صالحة لرسم سياساته وصياغة أهدافه وتحديد وجهة سيره على نحو يجسد وحدة الإرادة والقضية.وفي الاتجاه المعاكس ليس بمقدور أي طرف سواء داخل الحزب أو أحزاب “اللقاء المشترك” أو المنظومة السياسية للدولة والمجتمع، البحث عن بيئة للحوار والمصالحة في الشوارع المنفتحة على الرياح والعواصف والأشباح .. كما أنّه ليس بمقدور أي عاقل التهافت على مخرجاتها الملتبسة بالخطوط والظلال والغبار والأتربة والأوساخ!.ولئن كان تيار الأغلبية وجد نفسه مضطراً لإدارة حوار مع تيار الأقلية على نحو ما جاء في بيان اللجنة المركزية ورسالة “مقبل” الأخيرة من حديث حول “القضية الجنوبية” ومطالبة بالعودة إلى دستور دولة الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق، فإنّ هذا الحوار سيكون أشبه بحوار طرشان لا يجري داخل هيئات الحزب بل يجري في شوارع مفتوحة على الرياح والأشباح.إنّ أخطر ما في التمسك بهذه المطالب ليس الهروب إلى الإقامة الدائمة في الماضي وهو خيار العقل السلفي بامتياز، بل الاغتراب عن الواقع وفقدان القدرة على قراءته وإعادة اكتشافه في ضوء مفاعيله ومتغيراته الجديدة والمستمرة.. لأنّ وثيقة العهد والاتفاق لم تعد صالحة اليوم، كما أنّ مشاريع الإصلاحات المطروحة سواء من السلطة أو المعارضة تجاوزت هذه الوثيقة، وتجاوزت دستور دولة الوحدة بحسب ما أكده الأستاذ عبدالرحمن الجفري رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (المعارض)، والذي كتب بنفسه تلك الوثيقة وكان من أشد المدافعين عنها والمطالبين بتنفيذها في وقتٍ سابق. ولذلك فإنّ الذين يرفضون الحوار، هم الذين يهربون إلى مطالب جاهزة ومسبقة لا تحظى بالإجماع لتسجيل مواقف لا غير، أو إخفاء أجنداتهم الانقلابية التي تستهين بقيم الديمقراطية التعددية وأدوات الحوار، وتشكل خطراً على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.وإذ ْ نزعم بأنّ الحزب لم يعد مؤهلاً للحوار في داخله والمصالحة مع نفسه أولاً، فإننا نزعم أيضاً بأنّ من يعجز عن فعل ذلك ليس مؤهلاً للحوار والتصالح مع الآخرين.. فقد سبق لتيار الأغلبية إجهاض وإعدام مبادرة الحزب عام 2002م برفض الحوار والتصالح مع المؤتمر، لأنّه نمر من ورق ونقيض للوطن يتوجب إقصاؤه لكي يبقى الوطن . أما تيار الأقلية فهو يدعو إلى الحوار مع المؤتمر حقاً، ولكن من خلال العودة إلى نقطة سابقة في التاريخ والجغرافيا.. وكلا التيارين يسعيان إلى إعادة إنتاج وتكريس ثقافة المجابهة الموروثة عن عقلية شمولية قادت البلاد في المراحل السابقة إلى أزمات وكوارث وصراعات سياسية خلفت وراءها عشرات الآلاف من الضحايا الذين يدفعون على الدوام أثماناً باهظة لأخطاء حفنة من السياسيين الذين لا يجدون لحياتهم معنى بدون احتراف هذا النوع المدمِّر من السياسة التي تنزع إلى المجابهة والإقصاء من خلال الحرب الأهلية أو التحريض عليها، ثمّ تنقل بعد ذلك مخرجاتها إلى الشارع في صورة دماء وجراح وأحقاد وأجندات وشعارات وتصفية حسابات.. وهو الدرس الذي يبدو أنّ الحزب لم يتعلمه - حتى الآن - رغم المتغيرات المأساوية التي أصابت “ شرعياته “ المتعاقبة قبل الوحدة وبعدها. حيث لا يزال ثمة من يصر على الإقامة الدائمة في الماضي سواء من خلال الإدمان - المزمن والمطلق وبلا حدود - على معارضة الرئيس علي عبدالله صالح وسلطته على غرار ما يفعله تيار “الأغلبية”، أو من خلال الوهم بإمكانية إقناع الرئيس علي عبدالله صالح بفكرة الحوار والمصالحة على أساس إنتاج شرعية ماضوية لم تتجاوزها الأحداث فحسب، بل تجاوزت نفسها بنفسها، تحت تأثير وفعل القوانين الموضوعية والحقائق والمتغيرات الجديدة. فقد جرت على نهر الواقع خلال السنوات السبعة عشرة الماضية بعد الوحدة، والسنوات الثلاث عشر بعد حرب صيف 1994م، مياه كثيرة.. وبحكم القوانين الموضوعية التي تجاهلها الحزب، فإنّ الإنسان لا يضع قدميه على النهر مرتين.. ففي كل مرة ثمة مياه جديدة لنهر مختلف عما قبل.. وصدق الله القائل : “ وترى الجبال تحسبها جامدة ً وهي تمر مر السحاب “.[c1]* تم نشر هذه المقال بتنسيق خاص بين صحيفتي « الثورة » و «14 اكتوبر» [/c]
|
فكر
حاطِبُ ليل ٍ أضاعَ ظِلـَّه في النـَّهار
أخبار متعلقة