على مدى ستة عشر شهراً الماضية، قمت بزيارة الشرق الأوسط أربع مرات، والتقيت قادة كل من إسرائيل، ومصر، ولبنان، والسعودية، والأردن، وسوريا، والضفة الغربية وغزة. وقد كنت في العاصمة السورية دمشق عندما ألقى الرئيس الأميركي«باراك أوباما» خطابه التاريخي في العاصمة المصرية القاهرة، ذلك الخطاب الذي أثار آمالا كبيرة في أوساط الإسرائيليين والفلسطينيين الأكثر تفاؤلا، ممن يدركون أن إصرار الرئيس الأميركي على التجميد الكامل للتوسع الاستيطاني، هو المفتاح الضروري لأي اتفاق سلام مقبول، أو أي استجابة إيجابية تجاه إسرائيل من جانب الدول العربية.وفي أواخر الشهر الماضي، سافرت إلى المنطقة مع مجموعة من الحكماء تضم الأسقف «ديزموند توتو»، والرئيسين السابقين البرازيلي «فرناندو هنريك كاردوسو»، والإيرلندية «ماري روبنسون»، ورئيسة وزراء النرويج السابقة «جرو برندتلاند»، والناشطة النسائية الهندية «إيلا بهات». وكان ثلاثة من أعضاء مجموعتنا قد قاموا من قبل بزيارة غزة التي تحولت الآن إلى «جيتو» مسوّر يسكنه 1.6 مليون فلسطيني، منهم 1.1 مليون لاجئ غادروا مدنهم وقراهم الأصلية بين عامي 1948 و1967 ، يتلقون مساعدات إنسانية أساسية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا). ومن المعروف أن إسرائيل تمنع دخول مواد كثيرة أساسية، مثل: الإسمنت، والخشب، والبذور، والأسمدة ومئات من المواد الأخرى الضرورية من خلال المعابر الحدودية. لذلك يلجأ سكان القطاع، من أجل تأمين احتياجاتهم الإنسانية الضرورية، إلى جلب بعض البضائع الإضافية من مصر المجاورة عبر أنفاق أرضية تمتد عبر الحدود الفاصلة بينهما. بيد أن ذلك لا يكفي إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن الغزيين لا يستطيعون إنتاج طعامهم ولا إصلاح مدارسهم، ومستشفياتهم، ومؤسساتهم التجارية، إضافة الى خمسين ألف بيت التي دُمرت أو تعرضت لأضرار جسيمة جراء الهجوم الإسرائيلي على القطاع في شهر يناير الماضي.وخلال الزيارة، وجدنا شعوراً متنامياً بالقلق واليأس بين هؤلاء الذين يرون، كما رأينا نحن أنفسنا، أن خطط إسرائيل الرامية لتوسيع المستوطنات تمضي على قدم وساق، رغم كافة التصريحات التي يطلقها مسؤولو الحكومة الإسرائيلية، وأن المستوطنات التي وصل عددها في الضفة الغربية وحدها 200 مستوطنة، تتمدد بسرعة على حساب القرى الفلسطينية، وإلى قمم التلال، وعمق المراعي، والمزارع، وبساتين الزيتون.وهناك توسع أكثر إثارة للقلق، وهو ذلك الذي يتم في القدس الشرقية التابعة للفلسطينيين. فمنذ ثلاثة أشهر زرت عائلة فلسطينية، كانت تعيش لأربعة أجيال في منزلها الصغير الذي كان قد صدر قبل زيارتنا بفترة قصيرة قرار من السلطات الإسرائيلية يفيد بأنه غير صالح للسكن وبالتالي يجب هدمه! كانت هذه العائلة تسعى لإتمام الهدم بمعرفتها تلافياً للنفقات المرتفعة التي يمكن أن يتكبدوها إذا ما تم تنفيذ قرار الهدم من قبل مقاولين إسرائيليين.وفي السابع والعشرين من أغسطس أخذنا، نحن وفد الحكماء، هدية من الأطعمة لثمانية عشر فرداً من عائلة «حانون» التي كانت قد أُجليت قبل ذلك بوقت قصير من بيتها الذي عاشت فيه 65 عاماً. وفي الوقت الراهن تعيش عائلة «حانون» في الشارع بكل معنى الكلمة، أي أنها تأكل وتشرب وتنام وتمارس كافة شؤون حياتها على قارعة الطريق وذلك بعد أن احتل المستوطنون الإسرائيليون منزلهم المصادر.وبشكل يومي، تشير مانشيتات الصحف التي تصدر في القدس، إلى أن هناك مناطق وأنواعا معينة من عمليات البناء سوف يتم استثناؤها من قرار تجميد المستوطنات، وأن هذا القرار في حد ذاته سوف يستمر لفترة قصيرة، على أحسن تقدير. والفلسطينيون الذين يتزايد يأسهم بشكل مطرد، لا يرون سوى إمكانية محدودة لتخفيف محنتهم، ولم يجد الزعماء السياسيون وقادة الأعمال وأساتذة الجامعات الفلسطينيون أمامهم -في ضوء ذلك- سوى المسارعة لإعداد خطط طوارئ لمواجهة احتمال فشل جهود الرئيس أوباما في تجميد المستوطنات.وخلال الزيارة التي قمنا بها للمنطقة، لمسنا اهتماماً كبيراً بالنداء الذي وجهه «خافير سولانا»، الأمين العام لمجلس الاتحاد الأوروبي إلى الأمم المتحدة لاعتماد حل الدولتين الذي يحظى بالتزام قوي من جانب حكومة الولايات المتحدة وغيرها من أعضاء اللجنة «الرباعية» الدولية، وهم روسيا، والأمم المتحدة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي بالطبع. يقترح «سولانا» أن تعترف الأمم المتحدة بالحدود التي كانت قائمة ما قبل حرب عام 1967 بين إسرائيل و«المناطق الفلسطينية»، وأن تبدأ في التعامل مع مسألة مصير اللاجئين الفلسطينيين، والكيفية التي سيتم بها تقسيم مدينة القدس بين الطرفين المتنازعين. وبموجب الاقتراح المقدم من قبل «سولانا» سوف تصبح فلسطين عضواً كامل العضوية في المنظمة الدولية، وتتمتع بعلاقات مع باقي الدول التي سيكون الكثير منها متشوقاً للاستجابة. وأثناء الزيارة أيضاً شرح لنا رئيس الوزراء الفلسطيني، سليمان فياض، خطته الأحادية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة.وهناك احتمال أكثر ترجيحاً للخروج من المأزق الحالي ألا وهو إقامة دولة واحدة، وهو الهدف الذي يسعى إليه القادة الإسرائيليون الذين يصرون على استعمار الضفة الغربية والقدس. وغالبية الزعماء الفلسطينيين الذين التقيناهم خلال الزيارة ينظرون جدياً في مسألة القبول بدولة واحدة تمتد ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. فمن خلال تخليهم عن حلمهم بإقامة دولتهم المستقلة، سوف يصبح الفلسطينيون مواطنين يعيشون مع جيرانهم اليهود، ويطالبون بعد ذلك بمساواتهم في الحقوق مع اليهود في إطار دولة ديمقراطية، وسوف يكون مثالهم الذي يتطلعون إليه في إطار نضالهم غير العنيف من أجل نيل حقوقهم المدنية، شخصيات مثل المهاتما غاندي، ومارتين لوثر كنج، ونيلسون مانديلا... وغيرهم من القادة الذين ناضلوا من أجل المساواة والعدالة ونيل الحقوق المشروعة في العالم.وليس هناك من شك في أن الفلسطينيين على وعي بالاتجاهات الديموغرافية. فغير اليهود يشكلون بالفعل أغلبية محدودة من إجمالي السكان الذين يقطنون في هذه الدولة، لكن خلال سنوات قليلة من الآن سوف يشكل العرب أغلبية واضحة.من الواضح إذن أن حل الدولتين الذي يتم تبنيه على مستوى القاعدة الشعبية الفلسطينية هو المفضل. وهناك شواهد على ذلك، فإلى الجنوب من القدس مباشرة، يعمل الفلسطينيون من سكان «وادي فوكين» بشكل وثيق مع القرويين الإسرائيليين في بلدة «تزور حاداسا» من أجل حماية الوادي الصغير، والذي يقتسمانه معاً، من مخاطر الصخور المتساقطة ومياه الصرف الصحي وفقد مزيد من الأراضي لمصلحة المستعمرة الضخمة المقامة على حافة التل المشرف على الوادي حيث يقوم 26 ألف مستوطن إسرائيلي بتوسيع الأراضي التي حصلوا عليها بالمصادرة على نحو سريع للغاية. وعندما رأينا التناغم الشامل الذي يواجه به القرويون التحديات والفرص المشتركة هناك، شعرنا بسعادة غامرة أثلجت صدورنا.لم يكن هذا هو الاستثناء الوحيد، بل هناك في الحقيقة 25 مبادرة شراكة عبر الحدود بين الإسرائيليين وجيرانهم الفلسطينيين وهو ما يجعلني أقول إن أفضل خيار للمستقبل هو التوصل إلى اتفاق بين الشعبين من خلال المفاوضات، بحيث يسود نموذجا «وادي فوكين» و»تزور حداسا» على طول الحدود المسالمة بين الدولتين السيدتين.[c1]عن / صحيفة «الاتحاد» الإماراتية[/c]
|
اتجاهات
رؤية الحكماء: أفضل اتفاق للمستقبل
أخبار متعلقة