القاهرة: 14أكتوبر/ أيمن رفـعتمؤلف هذا الكتاب هو د·نبيل حنفي محمود من مواليد مدينة شبين الكوم 1949 يعمل أستاذاً بكلية الهندسة جامعة المنوفية، اهتم بالأدب بالرغم من دراسته وعمله منذ صباه و حتى الآن، بدأ الكتابة في سنوات دراسته الجامعية متخذاً من الشعر والقصة القصيرة شكلية لأعماله الأولي التي لم تنشر ثم تحول لكتابة المقال الأدبي منذ منتصف التسعينيات تدور مقالاته ودراساته حول مباحث ثلاثة تتمثل في الدراسات التاريخية والاجتماعية، تبسيط العلوم وتعريبها بالإضافة إلى النقد وبجانب ذلك اهتم في عدد كبير من دراساته التاريخية بأحوال الغناء المصري في القرن العشرين حيث قدم دراسات عن تطور الأغنية الوطنية المصرية في القرن العشرين وعن تاريخ البرامج الغنائية وقدم أيضاً تراجم لبعض أعلام الغناء المصري ومشاهير قراء القرآن الكريم.وفي كتابه الجديد «معارك فنية» يرصد المؤلف في هذا الكتاب عشراً من هذه المعارك، التي دارت وقائعها عبر فترة زمنية تمتد لقرابة نصف القرن.في أولى معارك هذا الكتاب يذكر المؤلف المعركة الأولى بعنوان «تحت قميص سيد درويش قائلاً: جاءت الطلقة الأولى في المعركة لتكشف شخصية قائدها والمخطط لها، وكانت علي شكل رسالة بعث بها الشيخ يونس القاضي وهو شاعر غنائي معروف إلى مجلة «المسرح» وجه الشيخ يونس في رسالته التي جاءت بعنوان «ليهدأ زكريا» وتحدى يونس القاضي في ختام رسالته زكريا أحمد بقوله: «أما طلب الشيخ زكريا أحمد نشر النوتة، فهذا يحتاج إلى سؤال الملحن اللاحق هذه الأسئلة والإجابة عليها، وإليك الأسئلة على يد من تعلمت الموسيقى؟ هل تعرف النوتة الموسيقية، حسبك اليوم هذه الأسئلة ومتي أجبت عليها رجوت البحر أن يعتبرك موسيقيا وينشر النوتة، وحمل نفس العدد رقم 35 من مجلة المسرح» في ثنايا صفحته التاسعة رسالة أخرى من محمد البحر صاحب الشرارة الأولي والمصلحة الظاهرة في هذه المعركة، كانت رسالة محمد البحر تحمل عنوانا نصه» «مش بس ده؟» ثم جاءت طلقة النهاية من معسكر المهاجمين لزكريا أحمد من الأنواع المحرقة من القذائف تمثلت تلك الطلقة في مقال نشرته المسرح» صدر المقال بعنوان عجيب جاء كما يلي «الملحن والمغنية مذابح الغرام زكريا ـ رتيبة أحمد» زودت المجلة مقالها المشين بصورتين إحداهما لزكريا أحمد يقف إلي جانب المطربة رتيبة أحمد أو يجلس بجوارها والأخرى لرتيبة أحمد تجلس فوق كرسي تبدو وكأنها تفكر بينما تظهر صورة لزكريا أحمد أعلى رأسها وكأنها معلقة على الجدار أو تحوم حولها إن نظرة سريعة إلى الصورتين تكشف أن الأولى أخذت في مناسبة عمل أو لقاء عادي بينما تبدو سذاجة الاختلاق والتركيب واضحة للعيان في الثانية.[c1]ما وراء المعركة[/c]يؤكد الكاتب أن أياً من المقالات العديدة التي شارك بها البعض من الكتاب أو القراء لم تشر في هذه المعركة للأسباب الحقيقية لها ولقد انتقلت عدوي غموض أسبابها إلى كل ما كتب عنها بعد انتهائها ، ولكن تم الكشف مؤخراً عن السبب الحقيقي للمعركة وهو كشف يجيء مصداقا للآية الكريمة «وشهد شاهد من أهلها» والشاهد هو حسن درويش الابن الأصغر للموسيقار سيد درويش تحدث حسن درويش عن السبب الحقيقي للمعركة في كتابه «مع ألحان زمان» في حديثه عن هذه المعركة وهو حافز آخر عندما شعر يونس القاضي من غيظ لانصراف زكريا كلمات أغانيه إلى مؤلفين آخرين.[c1]حول مصباح الزيت[/c]يذكر الكاتب في المعركة الثانية في هذا الكتاب أن سنوات الخمسينيات من القرن العشرين شهدت الصعود السريع للمطرب الكبير عبدالحليم حافظ وهو صعود لم يلفت الأنظار إليه في بداياته عندما سجل في عام 1951 أولى أغنياته بصوته وعددها أربع بطريقة الدوبلاج في الفيلم الأجنبي «مصباح علاء الدين» ولكن بقوة إيمانه بهدفه وبيقين مضي عبدالحليم يسجل أغنيات جديدة ويشارك في الحفلات الغنائية التي أصبحت سمة العهد الجديد وذلك خلال عامي 1953، 1954م، وتميز صعود عبدالحليم حافظ إلى ذرى الشهرة شأنه في ذلك شأن أي نشاط إنساني بعديد من الظواهر المصاحبة وتعد صداقته بلفيف من الكتاب والصحفيين منذ بداياته الأولى أهم تلك الظواهر وكانت البداية عندما كتب راجي عنايت في باب «أفكار» وتحت عنوان «رأي غريب» ما يلي: «قال عبدالحليم حافظ اكتب علي لساني، سيد درويش أسطورة كاذبة، موسيقاه كانت شيئاً في زمنه، أما الآن فموسيقانا التي نقدمها تفوق موسيقاه بمراحل عديدة»، وكانت مناسبة هذا الكلام ما قيل أن محمد البحر ابن سيد درويش سيرفع قضية علي محمد عبدالوهاب لأنه صرح لأحد الصحفيين بأن الكوكايين قضى علي سيد درويش، ويؤكد الكاتب أن مقال راجي عنايت أحدث دويا بالوسط الفني وولد شعوراً لدي كل من قرأه أشبه بالصدمة إذ أصابت الجميع الحيرة، ولم يجد كل من قرأ ذلك المقال سبباً واحداً، مقنعاً ومنطقياً يدفع بالفتي الرقيق لأن يهاجم رائداً راحلاً.وفي سياق الحديث عن المعارك الفنية يذكر الكاتب معركة دارت بين أم كلثوم وزكريا أحمد قائلاً: ترجع علاقة زكريا أحمد الإنسانية والفنية بأم كلثوم إلى سنوات البداية الفنية لأم كلثوم في قريتها طماي الزهايرة بمركز السنبلاوين، ومن منطق تلك الصداقة وجه زكريا أحمد الدعوة لأم كلثوم لزيارة القاهرة، فلما حضرت برفقة أسرتها وكان ذلك قرابة نهاية عام 1922م، أقام لها حفلاً حضرته مجموعة من أبناء الطبقة الراقية إضافة إلى مجموعة من أهل الغناء ومنذ احترافها الغناء اعتنقت أم كلثوم مبدأ فحواه أن حصولها علي أعلي أجر في سوق الغناء يعد عادلاً لكونها المطربة الأولى، وقد طبقت ذلك المبدأ منذ أن خطت خطواتها الأولى في عالم الغناء وبلغت أم كلثوم في السنوات الأخيرة من عقد الأربعينيات ذروة عطائها وتأثيرها فقد قدمت في عام 1948 على سبيل المثال فيلمها الأخير «فاطمة» الذي تغنت فيه بتسع أغنيات، أما عن تأثيرها فإنه بلغ في تلك الفترة حداً جعلها تطاول الوزراء رأسا برأس فلا يستطيعون ردها بجانب ذلك استمرت في سياستها التي تمحورت حول حقيقة واحدة وهي اعتصار كل ناشر لغنائها حتي آخر جنيه يمكن الحصول عليه منه.[c1]اللجوء إلى القضاء[/c]ويشير المؤلف إلى موقف زكريا أحمد من الإذاعة عندما اختصم في النصف الثاني من عام 1948 مع كل من الإذاعة وشركة كايرو فون للقضاء مطالباً بحقوقه المتأخرة فيما بين عامي 1934، 1947 عن إذاعة وتداول ألحانه لأم كلثوم وبعض المطربين والمطربات وأدخل زكريا أحمد أم كلثوم خصماً ثانياً مع الإذاعة في الدعوى التي قدمها محاميه، عبدالرحيم غنيم، وقد اشتملت تلك العريضة علي الطلبات التالية: إلزام المدعي عليهما الإذاعة وأم كلثوم متضامنين بأن يدفعا للمدعي زكريا أحمد مبلغ 43444 جنيها و 666 مليماً وإلزام السيدة أم كلثوم بأن تدفع للمدعي 456 جنيها وإلزام هيئة الإذاعة المصرية وحدها بأن تدفع للمدعي مبلغ 889 جنيها و 300 مليم، وذلك نظير حقوق زكريا لدي الإذاعة وأم كلثوم خلال الفترة بين سنتي 1937 و 1947.ويواصل المؤلف حديثه قائلاً: واستمر نظر القضية أمام المحكمة حتي مطلع عام 1960 إلى أن أسدل الستار علي واحدة من أشهر قضايا أهل الغناء طالت مدة تداولها أمام القضاء لأكثر من تسع سنوات وعندما انتهت بالصلح بين الشيخ وسيدة الغناء العربي كانت أسباب حدوثها قد انتفت بظهور جمعية المؤلفين والملحنين واستقرار الأسس القانونية لحق الأداء العلني، ليعتدل ميزان الأمور، فينال المؤلف والملحن حقوقهم المشروعة من استغلال المصنف وينحصر حق المطرب فيما يتقاضاه عند تسجيل العمل وما يستحقه من عائد الطبع الميكانيكي.[c1]تأديب المشاغب[/c]يزخر تاريخ مصر الحديث بالعديد من المعارك وأن شئنا الدقة مذابح شعراء الأغاني وفي إطار ذلك يعرض المؤلف في هذا الكتاب اثنتين من هذه المعارك فدارت الأولى بين أنصار الزجال الشهير أبوبثينة وشاعر العامية الكبير محمود بيرم التونسي وبدأت هذه المعركة عندما كان الاكتساح البيرمي لعالم الغناء الذي ماكان ليمردون أن يثير ولو مشاعر الغيرة في نفوس البعض من الشعراء، حدث ذلك بعد عودة بيرم إلى مصر سراً في صيف عام 1938 حيث وافقت عودته احتفال الهيئات الرسمية في مصر بعيد الجلوس الملكي 6 مايو من كل عام وفي احتفال الإذاعة بهذه المناسبة ألقي أبوبثينة زجلاً علي الهواء مباشرة من دار الإذاعة فأثار دهشة المستمعين بخروجه عن تهنئة ملك البلاد بعيد جلوسه ليستعطفه كي يعفو عن بيرم التونسي ، وغضب بيرم لمبادرة أبي بثينة التي لم يطلبها منه فجاء رده في مجلة «الإمام» التي صدرها د.أحمد زكي أبوشادي ، وتكرر التراشق بالأزجال وكان هذا تمهيداً للمعركة التي دارت وقائعها فيما بعد على صفحات مجلة «الراديو والبعكوكة» وتوالت مقالات الهجوم على بيرم من معسكر أبي بثينة في أعداد الراديو والبعكوكة .ويرى المؤلف أن هذه المعركة اندلعت لأسباب أولها هو تضرر درامي ومن شارك في المعركة من شعراء بعودة بيرم إلى مصر، وأما السبب الثاني فإنه يرجع إلي ما تضمنته أزجال بيرم من ألفاظ ترفضها أذواق الطبقة الراقية وتتقبلها أذواق العامة التي بدأت تشكل الغالبية بين متذوقي الغناء منذ بداية الحرب العالمية الثانية.[c1]موسيقار أم فيلسوف[/c]يشير المؤلف إلى معركة دارت بين الموسيقيين والملحنين والموقف العظيم لموسيقار الأجيال في احتوائها فيذكر مقال محمد عبدالوهاب الذي حمل العنوان التالي«ختام معركة الموسيقيين» وقد بدأه عبدالوهاب بلباقته المشهورة اعتراضه على تسمية ما دار على صفحات الأعداد الأخيرة من المجلة باسم معركة، فقال في ذلك: وأنا لا أحب أن أخلع على هذه المناقشات اسم معركة فليس هناك ما يدعو لأن يتعارك الموسيقيون وإنما الأمر كما أراه تعاون في سبيل تأدية رسالة روحية تتصل بأدق الأحاسيس النفسية والمشاعر الإنسانية، وبعد أن يعيد تصحيح اسم ما حدث، ينثني عبدالوهاب ليحدد هدفه الذي خفي علي البعض من نقد الإذاعة ولم يدع عبدالوهاب الفرصة تمردون أن يرد علي ما رماه به الشجاعي من انتحال الموسيقي الغربية في بعض أغنياته، وأعاد عبدالوهاب التأكيد على أن نقده للإذاعة لم يكن بغرض التحريض على حل فرق الإذاعة الموسيقية ولكن ذلك كان من منطلق الاستفادة من الفرق في تقديم الموسيقى الشرقية فحسب. وفي الختام يري المؤلف أن هذا المقال فائق البلاغة ومحكم الأفكار ألقى فيه محمد عبدالوهاب كلمة الختام في هذه المعركة وأقفل باب النقاش حول مقولة أيهما أجدى لتطوير الأمم في كل مجالات الحضارة المحلي أم المستورد؟.
|
ثقافة
معارك فنية
أخبار متعلقة