في 14/12/1987م أي بعد بضعة أيام من اندلاع انتفاضة الحجارة(الانتفاضة الأولى) صدر البيان الأول لـ “حركة المقاومة الإسلامية” التي اختصرت اسمها لاحقا بكلمة “حماس ”، وكانت حماس نقلة نوعية في العمل الوطني الفلسطيني،وتحولا دراماتيكيا في النهج التقليدي لحركة الإخوان المسلمين ، وعند إعلان ميثاقها أكدت حماس أنها الجناح العسكري لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين،ثم ما لبثت حماس إلا وأصبح لها جناحها العسكري الخاص(كتائب القسام) ومكتبها السياسي والإعلامي ومجلس شورى ،لتغدو علاقتها بالحركة الأم فكرية وأدبية وتاريخية.خلال العشرين عاما الماضية مرت القضية الفلسطينية بظروف أثرت بها حركة حماس وتأثرت بها أيضا،وخاضت حماس تجربة طويلة ومعقدة ،وأصابت أحيانا وأخطأت أحيانا أخرى،واختلف معها من اختلف واتفق معها من اتفق ؛إلا أن من اختلفوا مع حماس أو اتفقوا معها يقرون ويسلمون بأن حماس لها موقع على الخريطة السياسية والاجتماعية الفلسطينية،وقد يكون الخلاف حول طبيعة وتأثير هذا الموقع لا على وجوده،طبعا في بدايات تأسيسها كان هناك تشكيك بوجود الحركة واستمراريتها،بعكس الوضع الحالي.منذ تأسيسها قبل عقدين من الزمن هناك فصائل على الساحة خفت أو انطفأ وهجها ولم تعد لها قاعدة شعبية مؤثرة وفعالة خاصة قوى اليسار الفلسطيني،إلا أن المنافس الرئيسي لحماس وهي حركة فتح ظلت موجودة وبقوة على الساحة رغم الأزمات الصعبة التي مرت وتمر بها،والمنافسة بين الطرفين أخذت منحى خطرا بالصدام المسلح الذي أسفر عن سيطرة حماس على قطاع غزة وحالة الانقسام التي يحياها الفلسطينيون اليوم.القناعة لدى حماس ولدى فتح –بشكل عام- أنهما الجناحان اللذان تحلق بهما القضية الفلسطينية نحو تحقيق الأهداف الوطنية ،ولكن القطيعة سادت بين الطرفين منذ شهور،مما أضعف الموقف الفلسطيني وأثر على شعبية كل من فتح وحماس رغم أن كلا من الحركتين تؤكد أن شعبيتها في تزايد ،وأنها صاحبة الحق والقرار والتفويض الشعبي،حماس تتسلح بفوزها في انتخابات المجلس التشريعي،وفتح تتسلح بفوز محمود عباس بانتخابات الرئاسة.ورغم تعاظم حجم وتأثير حركة حماس إلا أنها لا تستطيع وحدها إدارة شؤون الناس بسبب التعقيدات الدولية ،والحصار الذي فرض منذ أن فازت في الانتخابات التشريعية قبل عامين تقريبا ،وأيضا حالة التفرد والاحتكار التي كانت قائمة قبل ذلك على مدى سنوات أضرت بالشعب والقضية،ولهذا فإن جموع الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات ترغب بعودة الوئام أو التفاهم على الحد الأدنى من القواسم المشتركة بين الطرفين ،رغم أن أسلوب المحاصصة والتقاسم وحده لا يكفي إلا أنه قد يكون لبنة أولى في إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.وحماس باتت اليوم مطالبة بحسم خيارها،فقبل عشرين عاما كانت المسائل واضحة فيما تطرحه الحركة،أما اليوم فإنه تتسرب تصريحات وفلتات ألسنة من بعض قادة الحركة حول الاستعداد للقبول بحلول طالما هاجمتها الحركة بشدة من منطلقات شرعية إسلامية ووطنية،وهذا يثير الريبة،حتى لو كان الأمر مجرد تكتيك للخروج من الأزمة،ثم أنه ثبت بالوجه القاطع أن الاحتفاظ بالسلطة وممارسة أو حتى تبني المقاومة في الحالة الفلسطينية أمر غير ممكن في الظرف الراهن ،لاعتماد سكان الضفة والقطاع على الدعم المالي الخارجي،بسبب تركيبة السلطة وطبيعتها،والخيارات أمام حماس صعبة ومعقدة ؛فهي إما مضطرة للمناورة والتهدئة تارة والتصعيد تارة أخرى حتى تتغير الظروف الدولية والإقليمية،وهذا يتطلب على الأقل تخفيف الحصار الخانق عن سكان قطاع غزة الذين لا يمكن أن يبقوا سجناء وممنوع عنهم الدواء والإسمنت والمواد الأخرى حتى يرحل جورج بوش أو يسقط أولمرت أو تندلع حرب إقليمية أو عالمية تغير خريطة المنطقة،والخيار الثاني أمام حماس هو الانسحاب من السلطة التنفيذية تماما مع بقائها ممثلة في السلطة التشريعية التي تشكل غالبيتها ،ولكن في ظل اعتقال نواب الحركة في الضفة هذا شبه مستحيل.والخيار الثالث هو تحول الحركة إلى حزب سياسي وأن تتخلى عن سلاحها ونشاطها العسكري تماما لأن هذا من استحقاقات خريطة الطريق التي التزم بها رئيس السلطة الفلسطينية،وهذا يعني انكفاء الحركة لتصبح مثلها مثل القوى الصغيرة الأخرى،وحماس بعد عشرين عاما لن تقبل بتقليص حجمها إلى أصغر مما كان عليه عند ولادتها،خاصة بعدما قدمت رءوس قادتها ومؤسسيها على مذبح الصراع،والخيار الرابع هو أن تبادر الحركة إلى التصعيد مع إسرائيل لخلق واقع وظروف جديدة،ولكن هذا الأمر والذي عادة يطلق عليه مصطلح “الانتفاضة الثالثة ” غير ممكن دون مشاركة حركة فتح وحركة الجهاد الإسلامي،وأيضا من الناحية الموضوعية فإن الضفة الغربية قد خمدت فيها المقاومة بشكل شبه تام بسبب الضربات الإسرائيلية المتلاحقة والمتواصلة،وهنا تبقى ساحة غزة الخطرة جدا والمعزولة والمحاصرة والتي أرهق كاهلها الصراع الداخلي والحصار...هناك خيار آخر بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحسم العسكري في القطاع ولكنه خيار مستبعد بعد شروع السلطة بتنفيذ التزاماتها بخريطة الطريق ،والتلويح الإسرائيلي والأمريكي بإعادة فرض الحصار على السلطة لو عادت العلاقة إلى سابق عهدها بين رئيس السلطة وحماس...ولكن قد يكون في جعبة حماس شيء آخر فقد عودت أصدقاءها وخصومها على حد سواء على مفاجآت متنوعة خلال السنوات الماضية!حماس لها ما لها وعليها ما عليها،ولكنها جزء أساسي من النسيج الاجتماعي والتركيبة السياسية للشعب الفلسطيني،بإقرار الجميع،وعليه مطلوب من حماس أن تعيد تقييم وضعها بما يتوافق مع الأسس التي طرحتها عند انطلاقتها قبل عشرين عاما،وفي نفس الوقت من الضروري مراعاة الظروف الموضوعية لشعبها في الداخل ومدى قدرته على الاحتمال والصبر....وللعلم فإن الصبر قد طال كثيرا![c1]* كاتب فلسطيني[/c]
|
فكر
(حماس) بعد عشرين عاماً على تأسيسها
أخبار متعلقة