محسن العطاس علماء الدين الأفاضل لهم مكانتهم الكبيرة وتقديرهم العالي في المجتمع وبين أفراد الشعب وقيادة الدولة ومؤسساتها، وليس في ذلك أدنى شك انطلاقاً من أدوارهم المشهودة وواجبهم الديني تجاه الجميع. ولكن رجال الدين وعلماءه الأجلاء يتحدد دورهم وواجبهم الديني العظيم في توعية وارشاد الناس، وكذا تقديم المشورة والنصح للحاكم كونه ولي الأمر، فإن الأمر يجب ألاَّ يتجاوز ذلك إلى خلط الدين بالسياسة والتدخل في الأمور الاقتصادية والتشريعية المدنية كون ذلك له أهله المختصون كما لرجال الدين اختصاصهم المحدد والواضح والمقدر في الوقت ذاته . وإذا كنا نقدر ونجل رجال الدين وعلماءه الأفاضل، فإن علينا أن نتساءل من هم «العلماء» وما هي المعايير التي تعطيهم تلك الصفة المستحقة لمن يصل ويرتقي إلى تلك العلمية؟، ونقول ذلك لأننا نجد اليوم أن الباب أصبح مفتوحاً ودون ضوابط، حيث من السهولة بمكان أن بعض من ارتقوا إلى منبر الجمعة وليس في رصيدهم شيء سوى حفظ عدد من السور والأحاديث النبوية الشريفة، ثم يمنحون أنفسهم - هكذا - صفة عالم يطلق من خلالها الفتاوى على العامة من الناس والتي لا تخرج بعضها من التحريض وتعبئة الناس بطريقة لا يقبلها حتى علماء الدين أنفسهم ممن يستحقون تلك الصفة عن جدارة وأهلية. إن على الدولة بأجهزتها المختصة وفي مقدمتها وزارة الأوقاف والإرشاد أن تقوم بواجباتها كاملة، أولاً تجاه تحديد من هم علماء الدين وما هي المعايير التي يجب أن تكون محددة وواضحة حتى تعطي كل ذي حقاً حقه أسوة بأي درجات علمية أو تخصصية أخرى، تخضع للشروط والضوابط المحددة بحيث لا ينالها إلا من يستحق تلك الدرجة دون أن تفتح الباب لأن يتحصل عليها من لا يستحقها أو أخذ فيها التأهيل والإجازة اللازمة . وكما أسلفنا القول بأن الخلط بين الدين والسياسة أو السياسة بالدين فإن ذلك يعتبر مفسدة لكليهما لأن للدين رجاله المتخصصين فيه وللسياسة أيضاً رجالها ومختصوها، غير أن ذلك لا يمنع اطلاقاً أن يستنير طرف برأي طرف آخر لكن من دون عملية الخلط بين المجالين لأنهما مثلهما مثل المجالات الأخرى المختلفة تسير في اتجاه واحد متواز دون أي تعارض أو تداخل. واليوم نجد في مجتمعنا حالة أشبه بالظاهرة أو « الموضة» ونحن نشاهد ونسمع الكثير من رجال الدين أو حتى خطباء المساجد وقد ركبوا موجة العمل السياسي من خلال استغلال المساجد والمنابر والصحف وغيرها وهم يتناولون الشأن السياسي الذي في الغالب يأتي دون علم أو دراية كما لا يخلو بعضه من التحريض وتعبئة العامة من الناس تعبئة خاطئة وهو ما لا يجوز لأنه يدخل في باب الخلط بين الدين والسياسة وهو ما لا يجب تحت أي مبرر كان. ونقولها واضحة إن أهل الدين أهل علم في مجالهم ولا يمكن أن يقبلوا اطلاقاً أن يأتي من هو بغير علم أو تخصص ليتحدث في الدين أو يفتي في مسألة بدون علم لأنهم يعرفون خطورة ذلك، وبالتالي بدورهم وبالقاعدة نفسها فلا يجوز لهم أيضاً ان يتدخلوا في مجال وعلم ليس من اختصاصهم. ومع هذه الظاهرة أو الموجة التي يركبها بعض رجال الدين باشتغالهم بالعمل السياسي نجد أن الكثير من المساجد والمنابر قد تحولت إلى منتديات تضج بالعمل السياسي، كما أننا نجدها وقد تحولت معها الكثير من منابر المساجد في خطب الجمعة إلى العمل السياسي وخطبة سياسية ليتحدث صاحبها في السياسة والاقتصاد والعلاقا-ت الخارجية والشئون الاجتماعية والقوانين والتشريعات وطبعاً دون علم وفي مقام غير المقام، حتى أن بعضهم نجده وقد أنصرف في الخطبة تماماً عن هدفها الأساسي المتمثل في توعية الناس وإرشادهم إلى العمل السياسي الذي لا يعنيهم ولا يخصهم خاصة في هذا المنبر والمقام. إزاء ذلك فإننا نطالب وزارة الأوقاف والإرشاد بأجهزتها المختصة أن تقوم بدورها كاملاً تجاه هذه الموجة والمد الذي يركبه البعض من رجال الدين الذين يخلطون الدين بالسياسة في خطبهم ودروسهم، وكذا القيام بواجبها كاملاً في الحد من استغلال البعض لمنابر المساجد وخطب الجمعة للعمل السياسي وهو ما يخالف أهداف خطب الجمعة ومنابر المساجد المحددة بالتوعية والإرشاد الديني وليس العمل السياسي الذي له أهله ومختصوه وله ميدان آخر غير المنابر والمساجد.
|
آراء
منابر المساجد وخطب الجمعة ليست للعمل السياسي
أخبار متعلقة