القدس المحتلة / 14 أكتوبر / رويترز :بعد ليلة أخرى من القصف الإسرائيلي المرعب لم تر فيها النوم بالحي المدمر الذي تسكنه في غزة لم تعد أم محمد تطيق أكثر من هذا.وتساءلت الأم لخمسة أبناء «نحن خائفون حتى الموت لكن إلى أين نذهب.. هل قتال حماس يعني محو غزة..»وفي غمرة الهجوم الذي يدخل يومه العشرين وتقول إسرائيل انه يهدف إلى ردع مقاتلي حماس حتى يتوقفوا عن إطلاق الصواريخ عليها يجد الفلسطينيون الذين يوجهون كل تركيزهم إلى محاولة الاستمرار على قيد الحياة أن من الصعوبة بمكان توقع ما يخبئه لهم المستقبل.واستقبلت أم محمد السؤال الذي أدهشها قائلة «مستقبل لغزة..» وقالت « ابني في الخامسة من عمره. سيحمل هذه الصور في ذهنه إلى الأبد. هل سيستطيع أن يعيش في سلام أبدا..»وبالتالي هل يملك أي أحد رؤية لغزة البالغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة والمحاصرين بين إسرائيل ومصر والبحر بعد أن تتوقف الحرب؟لقد شهد القطاع ذو الكثافة السكانية العالية والبالغ طوله 45 كيلومترا الكثير من البؤس منذ نزح اللاجئون من أراضيهم التي أصبحت الآن إسرائيل إلى القطاع خلال حرب 1948 بين العرب وإسرائيل.وبعد أن احتلت إسرائيل غزة في حرب عام 1967 ظلت تحت الاحتلال إلى أن تم توقيع اتفاقات أوسلو للسلام عام 1993 التي أعطت بارقة أمل في إحراز تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية.وشهد اقتصاد غزة بعض النمو لبضع سنوات. وحلم المتفائلون بأنها يمكن أن تصبح سنغافورة جديدة على البحر المتوسط.لكن كل هذا تداعى خلال أعمال العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي تفجرت عام 2000 بعد انهيار محادثات السلام التي قادتها الولايات المتحدة.وجاء الانسحاب الأحادي الجانب لإسرائيل من قطاع غزة عام 2005 ليؤكد انفصالها المادي عن الضفة الغربية المحتلة. وأدت سيطرة إسرائيل المحكمة على الحدود إلى محاصرة السكان داخل القطاع.ويعيش سكان غزة تحت حكم حماس منذ بسطت الحركة سيطرتها على القطاع عام 2007 بعد 18 شهرا من فوزها بالانتخابات الفلسطينية وتغلبها على حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس.وكان الكثير من الفلسطينيين قد سئموا ما اعتبروه فسادا في السلطة الفلسطينية فضلا عن رضوخها في «عملية للسلام» تقودها الولايات المتحدة ولم تسفر عن أي نتائج.لكن اختيارهم الديمقراطي أدى بهم إلى طريق مسدود آخر.وتجاهلت إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والعرب الحكومة التي قادتها حماس وأحكمت حصارها الاقتصادي لغزة. وجفت المساعدات الخارجية.وباتت حياة سكان غزة أكثر صعوبة بعد أن طردت حماس منافسيها من حركة فتح ما وسع هوة الانقسام بين القطاع والضفة الغربية وأضعف موقف عباس في الحديث عن السلام نيابة عن الفلسطينيين.والآن بعد سقوط أكثر من ألف قتيل ونحو 4700 جريح يشعر الفلسطينيون بالقلق من التطلع إلى ما بعد الأنقاض والركام.وقال المفاوض المخضرم صائب عريقات إن الحرب الإسرائيلية على غزة تقوض عملية السلام وتقوض المعتدلين. وأضاف أنه لا يمكن أن يقول الإسرائيليون إنهم يريدون السلام ثم يقيمون مقابر جماعية.ولن يعلن هو ولا أي أحد آخر من المستشارين الموالين لعباس عن آرائهم الخاصة بمستقبل غزة بعد الحرب على الرغم من أن بعض المسؤولين الأمريكيين يتحدثون بالفعل عن إعادة اعمار بتمويل أجنبي كفرصة لتعزيز عباس على حساب حماس.وتركز أهداف حماس من الحرب - بخلاف اكتساب هيبة من خلال مقاومة الحملة الإسرائيلية - على إنهاء الحصار مقابل تهدئة تصل مدتها إلى عام وربما تكون قابلة للتجديد مع نشر مراقبين أجانب على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي.وعلى المدى الطويل ينص ميثاق حركة حماس على هدف وهو إزالة الدولة اليهودية وإقامة حكم إسلامي في فلسطين كلها غير أن قادتها كثيرا ما تحدثوا عن تهدئة تمتد لعقود مع إسرائيل إذا انسحبت إلى حدود ما قبل عام 1967.ومن المستبعد أن تتخلى الحركة المدعومة من إيران عن أيديولوجية ينظر إليها الإسرائيليون على أنها تهديد لوجودهم لكن متى يتضح نطاق الدمار في غزة قد تقرر حماس تعليق إطلاق صواريخها عبر الحدود.في المقابل تقول إسرائيل إنها ستكون مستعدة أن «تعيش وتترك الآخرين يعيشون» إذا رضخت حماس لشروطها وهي أن توقف إطلاق الصواريخ وألا تعيد التسلح وأن تطلق سراح الجندي الإسرائيلي الذي خطفته عام 2006.ويقول مارك ريجيف المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت إن هذه قد تكون أفضل نتيجة على المدى القصير. وأضاف أنه ما دام الجندي جلعاد شليط محتجزا سيكون من الصعوبة الشديدة بمكان الوصول إلى أي شيء قريب من التطبيع بشأن أي من المعابر في إشارة إلى الحصار الإسرائيلي.وتابع ريجيف قائلا «في نهاية المطاف نريد حلا قائما على إقامة دولتين وليس حلا قائما على ثلاث دول وبالتالي يتعين على السلطة الفلسطينية الشرعية إعادة فرض سيطرتها على غزة» نافيا أن تكون لدى إسرائيل أي نية لان تكون لها يد في تلك العملية.ويقول علي الجرباوي المحلل السياسي الفلسطيني إن مستقبل غزة يتوقف على نتيجة الحرب وأضاف أنه إذا لم تستطع إسرائيل الفوز من خلال الوسائل العسكرية سيكون عليها التعامل مع حماس بالوسائل السياسية.وتابع الجرباوي قائلا إن إطلاق حماس الصواريخ على إسرائيل لم يحقق أي نتائج. ولا عملية السلام المستمرة منذ 15 عاما بين الإسرائيليين والفلسطينيين.وبالنسبة للفلسطينيين فان فكرة أن إسرائيل تسعى بإخلاص للوصول إلى حل ينهي الاحتلال ويمنحهم دولة موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة لا تبدو صادقة. كما أن فكرة حذف حماس من المعادلة لصالح «المعتدلين» تبدو خيالية هي الأخرى غير أن هذا لم يمنع إسرائيل والغرب وبعض الدول العربية من السعي إلى تحقيق هذا.ويجادل الاستير كروك وسيط الاتحاد الأوروبي السابق لدى حماس بأن الجماعة تركت التهدئة التي استمرت مع إسرائيل ستة أشهر تمر الشهر الماضي لأنها لم تقرب أي حل سياسي حتى مع تفاقم المعاناة الإنسانية لسكان غزة.وكتب كروك الأسبوع الماضي يقول «الخيار الوحيد كان كسر قالب غزة التي تركت لتطهى على نار هادئة في بؤسها المنعزل وضفة غربية مجمدة بنمط من السيطرة الإسرائيلية الكاملة مع توفير الوهم الشديد الأهمية الخاص «»بالعملية السياسية»» التي يستطيع الزعماء الغربيون الإشادة بها في أوطانهم.»ودفع سكان غزة الذين يظل مستقبلهم مظلما ثمنا غاليا لقرار حماس ورد إسرائيل المدمر.وتقول أم محمد «ربما يقع جزء من اللوم على حماس... ليس على ما يحدث لكن لأنها لم تخبرنا ما الذي تريد الحصول عليه من هذا. إذا كان كل هذا للوصول إلى (فتح) معبر رفح فنحن لا نريد معبر رفح.»