أضواء
طلال عبدالكريم العربمع أننا سمعنا، وبوضوح، الفتوى التي تجيز قتل أصحاب الفضائيات بدعوى أنهم مفسدون في الارض، فإن إعادة محاولة تفسيرها من رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية، الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، لهي دليل واضح على ان التسرع في إطلاق الفتوى ونشرها إعلاميا، وعلى نطاق واسع، يثير روح العنف في نفوس ضعيفي الإيمان، وهي شهادة ينتظرونها من أجل إراقة المزيد من دماء المسلمين. هناك مشكلة في ان من يطلب الفتوى يحرص على انهاء سؤاله بكلمة «تشبها بالكفار». وهي كلمة سحرية تثير وتستثير عواطف المسؤول، فيصدر فتواه غير مدرك لنيات السائل، واهدافه، والعواقب التي قد تترتب على اصدار فتواه، وخاصة في التكفير وجواز القتل. وقد لاحظ هذا الامر الشيخ احمد بن عبدالعزيز بن باز، فقال: «تخيل مثلا لو أتى رجل الى سماحة الوالد ـ رحمه الله ـ وسأله: ما حكم «الجينز» يا شيخ، مع العلم ان فيه تشبها بالكفار؟ هنا وضع التشبه بالكفار هو العلة، ومن الطبيعي ان يفتي الشيخ بناء على سؤال السائل». هناك فتاوى كثيرة تثير الريبة، وتدل على ان ايادي خفية تصوغ الاسئلة المطروحة على المفتين بطريقة جهنمية تربك المسؤول وتجعله يتخبط في فتواه، خصوصا اذا ما كانت الاسئلة علمية او في امور لا يفقهها المفتي، او حتى لم يسمع بها، والنتيجة هي مزيد من الخنوع والتقهقر لهذه الامة بتحريم حتى العلوم الحديثة، فهناك امثلة ذكرتها سابقا في مقالة «فتاوى بحاجة لفتاوى» نشرت في 28ـ4ـ2004، وهي فتاوى ربطت اما بايحاءات جنسية او بالتشبه بالكفار او بالتمرد على السلطة، كتكفير من يقول بدوران الارض، وتحريم تعلم اللغة الانكليزية، واداء التحية العسكرية، وغيرها كثير جدا. ولا بأس من اعادة ذكر فتوى تحريم الجلوس على الكراسي وما شابهها، وبإيجاز، هي تثير كثيرا من الشك في أسباب اصدارها، وتمنع من يتعامل مع علوم العصر من ممارسة عمله وعلمه جالسا على كرسي. تلك الفتوى الغريبة والمخجلة، في آن، تحتوي على كثير من الاشارات الجنسية التي لم تخطر على بال بشر، إذ تقول الفتوى: «ان من اخطر المفاسد التي بليت بها امتنا العظيمة ما يسمى بالكرسي وما يشبهه من الكنبات وخلافها، مما هو شر عظيم يخرج من الملة كما يخرج السهم من الرمية، نسأل الله العافية! واليكم بيان بعض اسباب حرمة استخدام الكراسي واقتنائها والجلوس عليها والنظر اليها: ما يجلبه الكرسي او الاريكة من راحة تجعل الجالس يسترخي، وتجعل المرأة خاصة تفرج رجليها، وفي هذا مدعاة للفتنة، فالمرأة بهذا العمل تمكن نفسها من الرجل، وقد يكون الرجل من الجن او من الانس (...)»، تسترسل الفتوى في امور جنسية لا يسمح بها العرف (...) مستشهدة بصالحات تائبات من الجلوس على الكراسي، لهذا فالجلوس على الكراسي رذيلة وزنى، ولهذا وجب على الامة حماية اعراضها وشرفها ودينها وعقيدتها قبل ذلك! وتسترسل الفتوى «قوموا بواجبكم الجهادي في الانكار، بارسال البرقيات الى ولي الامر، وتكسير الكراسي في المدارس والمستشفيات والصالونات وغيرها من الاماكن التي يضع العلمانيون والفسقة والكفرة والملاحدة فيها الكراسي لاغواء الامة وافساد عقيدتها الصحيحة، وان تكسيرها وحرقها من اعظم ابواب الجهاد وذروة سنامه، الله اكبر ولله الحمد وسبحان الله ولا عدوان الا على الظالمين». نتساءل: لماذا لا توجد فتاوى تتناول حكم الشرع في من يتخطى الاشارة الحمراء فيتسبب في اهلاك الارواح، او في من يتعدى على المال العام واملاك الدولة، او في من يؤجل عمل اليوم الى الغد، او في من يترك عمله بحجة الصلاة، او في من يقبل الرشوة، او في من يتخطى دور غيره، او في من يرمي القمامة في الشوارع ويبصق على الارض، او في من يستغل منصبه الحكومي او النيابي من اجل منافعه ومنافع اصحابه، لماذا لا تصدر احكام وفتاوى علمية واجتماعية تحرم الكسل والجهل وعدم اتقان العمل؟ لماذا لا تحرم الفوضى والقذارة والكذب والجشع؟ فان عدم الالتزام بما ذكر لهو مهلكة للامة، وهي التي ادت بنا الى الانحطاط والانحدار امام الامم الأخرى. *[c1]عن/ (القبس) الكويتية[/c]