تجدّدت مؤخراً أعمال العنف التي تنفذها جماعة ما يسمى "الشباب المؤمن" ضد سلطة الدولة والقوات المسلحة، امتداداً لفتنة أشعلها المتمرد حسين بدر الدين الحوثي وأنصاره الذين جاهروا منذ انطلاق شرارة هذه الفتنة في صيف عام 2004م بأفكار ضالة تمثل تمرداً على الدستور، وتعدياً على نظامنا السياسي الديمقراطي الذي يقوم – منذ إعلان الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990 - على قواعد التعددية والاختيار الحر للسلطة عبر انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية حرة ومباشرة، يتساوى فيها المواطنون والأحزاب والتنظيمات السياسية في الترشح لشغل الوظائف القيادية في الدولة ومؤسساتها الدستورية، وانتخاب من يراهم المواطنون أكثر كفاءة وأهلية لإدارة شؤون الدولة والمجتمع بعيداً عن أي شكلٍ من أشكال التمييز أو التسلط الطائفي أو الفئوي أو السلالي.ولما كانت الديمقراطية تشكل المحتوى الرئيسي لحياتنا السياسية الجديدة فقد أصبحت حرية التعبير السلمي عن الرأي والفكر في إطار الثوابت الدستورية والوطنية سبيل كل المواطنين للمشاركة الحرة في الحياة السياسية.. بيد أنّ الديمقراطية تتعارض مع محاولة استخدام حرية التعبير بهدف الدعوى إلى أفكار ومشاريع سياسية تهدد أسس النظام الديمقراطي التعددي، وتبرر استخدام العنف المسلح من أجل تجسيد هذه الأفكار في الأرض، الأمر الذي يضع حملة هذه الأفكار وأفعالهم المتطرفة في سياق الإرهاب فكراً وممارسة.اللافت للنظر أن أحداث التمرد الذي قادته ومازالت تقوده جماعة دينية متشددة في صعدة أحيطت بتناولات سياسية وإعلامية مغرضة داخلياً وخارجيا ًعلى نحوٍ لا يخلو من التضليل والانتهازية السياسية والمراهنات الخاسرة للأزمات والمواجهات التي شهدتها بلادنا في سنوات سابقة بين أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية من جهة، وبين بعض الجماعات المتطرفة التي ارتكبت جرائم إرهابية طالت بواخر أجنبية ومنشآت حكومية وسفارات أجنبية، وألحقت بأعمالها الإجرامية أضراراً خطيرة باقتصاد بلادنا ومكانة موانئنا وسمعة مواطنينا في الخارج.من نافل القول إن جانباً من الخطاب الإعلامي المعارض يحرص على تناول أحداث صعدة منذ اندلاعها في عام 2004م وتجددها بعد ذلك وحتى الآن بشكل لا يخلو من الالتباس والتدليس من خلال اعتبارها قضية رأي تارةً وقضية اضطهاد طائفي أو خلاف سياسي تارة أخرى.وبهذا الصدد تقتضي الموضوعية ملاحظة إصرار هذا الخطاب الملتبس على تجاهل الأهداف والمنطلقات والأبعاد الخطيرة لجرائم الإرهاب التي تستهدف تقويض أسس النظام السياسي القائم على الديمقراطية التعددية وحرية التعبير وحق تداول السلطة سلمياً عبر صناديق الاقتراع، فقد حرص هذا الخطاب على تشويه تلك المواجهات التي كانت ومازالت أجهزة الأمن تقوم من خلالها بواجبها الوطني الدستوري إزاء تلك الأخطار التي تهدد أسس النظام السياسي والسلم الأهلي والمصالح العليا للبلاد، حيث تمحور ذلك التشويه في محاولات إظهار تلك الجماعات الإرهابية في صورة الضحية التي تتعرض للقمع والملاحقة وانتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير على نحوٍ ما فعلته ومازالت تفعله بأشكال متفاوتة بعض أحزاب اللقاء المشترك وصحافتها وكتابها.ولا نبالغ حين نقول إنّ تناقضات الخطاب الإعلامي المُعارض لأحزاب اللقاء المشترك منذ اندلاع فتنة صعدة عام 2004م حتى الآن، كشفت الإفلاس القيمي لذلك الخطاب وسقوطه في مستنقع الانتهازية السياسية، وإدمانه على البحث عن فرص ضائعة لتصفية حسابات سياسية وحزبية مع السلطة وحزبها الحاكم، وتسويق ذرائع واهية لتبرير الإرهاب وتبرئة مرتكبيه والتقليل من مخاطره على مستقبل الديمقراطية وحياتنا الجديدة بشكل خاص، ومصالح الوطن والمجتمع والشعب بشكل عام.لا ريب في أنّ المنطلقات الفكرية لجرائم الإرهاب والجماعات المتطرفة التي ارتكبتها وواجهتها أجهزة الأمن والمؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية في بلادنا كانت غائبة تماماً عن الخطاب الإعلامي المعارض الذي أسرف خلال السنوات السابقة في إخراج المواجهة مع الإرهاب من سياقها الموضوعي إلى سياق آخر يتسم بالكيدية تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان، فيما كان هذا الخطاب يتجاهل تماماً أنّ هذه الحقوق موجودة في البنى الدستورية والسياسية والإعلامية والثقافية لنظامنا الديمقراطي التعددي، مقابل غيابها المطلق عن منظومة الأفكار المتطرفة والمتشددة التي تغذي الإرهاب وتوجه نشاط الجماعات المتطرفة، بشقيها السني والشيعي، بدعاوى دينية زائفة وملفقة، ناهيك عن أنّ الفكر السياسي الأحادي للجماعات الإرهابية التي واجهتها الدولة في أوقات سابقة في صعدة وأبين ومأرب ومناطق أخرى من اليمن - ومازالت تواجه ذيولها وتوابعها حالياً في صعدة- لايعترف بالديمقراطية وبحقوق الإنسان، ويسعى إلى بناء دولة دينية استبدادية شمولية على غرار نموذج نظام ولاية الفقيه ونموذج نظام طالبان، وكلاهما وجهان مذهبيان للدولة الدينية التي تجاهد حركات الإسلام السياسي السنية والشيعية من أجل بنائها، وهي دولة لا مكان فيها للتعددية السياسية والفكرية وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة و لا مجال فيها للمساواة بين المواطنين ومعتقداتهم ومذاهبهم الدينية المتنوعة.اليوم يتكرر الحال مجدداً مع تجدد أحداث فتنة صعدة حيث تواجه الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية تحديات ومخاطر جدية تهدد السلم الأهلي والنظام الديمقراطي التعددي في بلادنا على إثر قيام جماعة دينية مذهبية متشددة بمحاولة تسويق أفكار سياسية رجعية وضالة بلباس ديني، و الاعتقاد بولاية إمام منتظر غائب ينوب عنه فقيه قبل ظهوره، وحصر سلطات مطلقة في يد هذا الفقيه إلى جانب حصر الحكم وتوريثه في فئة أو سلالة معيّنة، بعيداً عن حق الشعب - باعتباره مالك السلطة ومصدرها – في اختيار حكامه عبر صناديق الاقتراع، وحق كافة القوى السياسية والمواطنين من مختلف التيارات الفكرية والمذاهب الدينية في ممارسة حرية التعبير عن برامجها وأفكارها وعقائدها بالوسائل الديمقراطية والسلمية التي يكفلها دستور الدولة ونظامها الجمهوري.الثابت أنّ فتنة صعدة ارتبطت بالتمرد المسلح الذي قامت به جماعة دينية قادها شخص لقي مصرعه بعد أن ادعى لنفسه حق " الإمامة ".. وسعى بالقوة إلى انتزاع البيعة ونصب نفسه إماماً على المسلمين في اليمن، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من علماء الدين في بلادنا إلى دحض أفكاره الضالة وبيان تعارضها مع صحيح الإسلام.ومما له دلالة خطيرة أنّ هذه الجماعة لم تكن محصورة على بعض أبناء مديرية حيدان في محافظة صعدة التي اتخذ منها زعيم هذه الجماعة المتطرفة منطلقاً لتمرده المشبوه، ودعوته الضالة، بل شملت أتباعاً لها تم تجميعهم وجلبهم من مختلف المدارس الدينية المذهبية في بعض المحافظات حيث تقوم هذه المدارس بتعليم طلابها دروساً و أفكاراً خارج النظام التعليمي الرسمي للدولة، وبما يتناقض مع قانون التعليم الذي تمّ بموجبه إلغاء منظومة المدارس والمعاهد والمراكز الدينية التي كانت تدرس أفكاراً ومفاهيم دينية وفق نسق فكري أُحادي مغلق قبل دمجها بالنظام التعليمي الرسمي، بينما استثنت الدولة لأسباب غير مفهومة عدداً كبيراً من المدارس الدينية السلفية السنيـــــة والشيعيــــة الهادوية، وأبقتها حــرة طليقـة خارج النظام التعليمي الرسمي، حيث تمارس هذه المدارس تحريضاً مذهبيا مسعورا ًً ضد بعضها البعض، وما يترتب على ذلك من إثارة النعرات الطائفية والمذهبية في المجتمع، وفتح الباب واسعاً لإغراق البلاد في بحر فتن أهلية غير محمودة العواقب.ظلت هذه المدارس الدينية المذهبية رغم اختلاف مسمياتها قائمة خارج النظام التعليمي الرسمي على الرغم من تطبيق قانون التعليم، ولعبت بسبب وجودها غير القانوني دوراً خطيراً في صناعة بيئة ثقافية متشددة تتغذى منها هذه الجماعة الضالة وغيرها من الجماعات المتطرفة التي اتخذت من صعدة وبعض مساجدها ومدارسها المذهبية معقلاً للأفكار التي تدعو إلى إحياء نظام الإمامة الشيعي أو نظام الخلافة السني، وصولاً إلى إعلان التمرد على الدولة والدعوة إلى إعادة النظام الإمامي الكهنوتي الذي انتهى وإلى غير رجعة بعد قيام ثورة 26 سبتمبر الخالدة، وهو ما ألمحت إليه وحذرت منه صحيفة ( 22 مايو) التي يصدرها المؤتمر الشعبي العام في عددها الأخير الصادر يوم الخميس الماضي.لجأت جماعة المتمرد حسين الحوثي وأتباعه وورثة أفكاره في بادئ الأمر إلى نشر أفكارها الضالة عبر توزيع الكاسيتات والخطابة في المساجد وتشكيل المليشيات المسلحة وعدم الاعتراف بالدستور بحجة أنّه وضعي ويتعارض مع الشريعة الإسلامية التي تحصر الولاية العامة في حي واحدٍ من قريش بحسب أحد التأويلات المتعددة والمتناقضة للشريعة الإسلامية، الأمر الذي يؤكد خطورة المدارس الدينية السلفية على اختلاف مذاهبها، والمنتشرة في معظم أنحاء الجمهورية اليمنية خارج النظام التعليمي الرسمي، حيث يدرس الطلاب في مدارس أخرى أفكاراً لا تقل خطورةً عن تلك التي تعلّمها وآمن بها أنصار الجماعة المتمردة في صعدة. فإذا كان المتمردون -ومعظمهم من الشباب الضال- قد درسوا فكرة حصر وتوريث الحكم في حي واحد من قريش، وهو الحي الهاشمي أو حي آل البيت أو سلالة البطنين في إطار آل البيت، فإنّ طلاباً آخرين يتعلمون في مدارس دينية أخرى داخل صعدة وفي غيرها من المحافظات أفكارا رجعية تدعو بشكل مموه إلى القضاء على النظام الجمهوري، والانقلاب على الديمقراطية التعددية وإعادة نظام الخلافة وحصر وتوريث الحكم في قريش فقط بجميع بطونها وأفخاذها وأحيائها، بدلاً من حصرها في الحي الهاشمي من قريش، وما يترتب على ذلك من إهدار للحقوق السياسية لبقية المسلمين ومصادرة حقوقهم كمواطنين متساويين أمام الدستور والقوانين في الحقوق والواجبات.وإمعاناً في التضليل والتعبئة الخاطئة حرصت الجماعة المتمردة في صعدة قبل تفجير تمردها الأول عام 2004 م، على رفع شعارات معادية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وتحريض المصلين في بعض مساجد صعدة وأمانة العاصمة ومحافظات أخرى لترديد هتافات معادية لهاتين الدولتين، وإنزال العلم الوطني للجمهورية اليمنية من بعض المؤسسات الحكومية والمنازل في محافظة صعدة بقوة السلاح عند بدء التمرد ورفع علم دولة إسلامية غير عربية وعلم حزب الله الشيعي في لبنان، بدلاً من علم الجمهورية اليمنية، بالاضافة الى تسليح بعض الصبية من الشباب الذين ربطوا على رؤوسهم عصاباً من القمــاش الأخضر كتبوا عليه (( يا حسين.. الموت لأمريكا وإسرائيـل ومن والاهما ))، ثمّ توّجوا هذه الأعمال في تمردهم الأخير مطلع العام الحالي2007 م، بتنفيذ هجمات على مراكز القوات المسلحة والأمن وتوجيه إنذار يستهدف طرد المواطنين اليهود وترحيلهم من منازلهم والمنطقة التي يعيشون فيها، الأمر الذي يقدّم خدمةً مجانية ومباشرة للمشروع الصهيوني العالمي الذي يسعى إلى تبرير وجود إسرائيل ونقل اليهود إليها بذريعة اضطهاد اليهود ومعاداة السامية.ما من شكٍ في أنّ المخاطر والتداعيات المحيطة بتجدد فتنة التمرد المذهبي في صعدة تقدم دليلاً إضافياً على خطورة الثقافة الدينية المتطرفة التي تؤسس نسقاً مغلقاً وأُحادياً للوعي والممارسة.ولعله من المفيد أن تستفيد أحزاب المعارضة من أخطائها السابقة في التعامل مع فتنة الحوثي بصعدة عندما توّهمت بأنّ الأحداث المسلحة الناجمة عن هذه الفتنة يمكن أن توفر لها فرصة ذهبية لتصفية حساباتها مع الحزب الحاكم، وإظهار القضية وكأنّها صراع بين حكومة المؤتمر الشعبي العام من جهة، وجماعة مدنية تمتلك الحق في التعبير عن آرائها وأفكارها.ومما له دلالة أنّ الدولة تعاملت مع هذه القضية منذ بدايتها قبل ثلاث سنوات بروح وطنية من خلال عرض مبادرات سلمية لحل المشكلة وتشكيل العديد من لجان الوساطة التي فشلت في مهمتها بسبب تعنت هذه الجماعة ولجوئها إلى أساليب الدس و الخداع والمناورات التي تجيزها السياسة ويتضرر منها الدين عند خلطه بالسياسة.وكما هو معروف كانت لجان الوساطة قد تقدّمت بعروض ومقترحات بل التزامات من قبل الدولة لضمان أن تؤدي تلك الجماعة دورها السياسي وفق القواعد الدستورية والقانونية، والاستفادة من قرار العفو العام الذي أصدره الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، والاستفادة من النهج الديمقراطي وأجواء التعددية السياسية وحرية الصحافة للتعبير عن نفسها من خلال صحف خاصة بها وتنظيم سياسي يمثلها أسوةً ببقية القوى السياسية الناشطة في الساحة الوطنية.المثير للدهشة أنّ إصرار جماعة التمرد على إثارة الفتنة المذهبية في صعدة ومواصلة أعمال العنف ضد الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية بين فترة وأخرى يُحاط دائماً بتناولاتٍ سياسية وإعلامية مغرضة على الصعيد الخارجي، إلى جانب الكشف عن روابط بين عناصر التمرد المذهبي والطائفي في صعدة، وبين قوى خارجية تزوّدها بمختلف أشكال الدعم السياسي والمالي والإعلامي، وهو ما يفسر حرص الدولة على التعامل مع المخاطر المترتبة على هذه الأحداث بمسؤولية وطنية عالية، تستهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية للمجتمع اليمني، وقطع الطريق على محاولات جعل اليمن هدفاً مباشراً للمخططات الرامية إلى إشعال الحروب الطائفية في المنطقة العربية، تمهيداً لتفتيتها وتمزيق نسيجها الاجتماعي الوطني.بوسعنا القول ان الموقف الوطني المسؤول للدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية من أحداث صعدة وتداعياتها، يجسد قلق القيادة السياسية والحكومة والنخب الوطنية الفاعلة في اليمن إزاء المشاريع التي تستهدف تحويل الدول العربية إلى كانتونات طائفية متناحرة، وصولاً إلى إخضاع المنطقة العربية للأطماع الخارجية التي تتربص بثرواتها ومواقعها الإستراتيجية. وتأسيسا ً على ذلك يجب التعامل مع فتنة صعدة بوعيٍ وطنيٍ يأخذ بعين الاعتبار خطورة الخطاب السياسي الطائفي الموبوء بالأمراض الناتجة عن النزوع إلى الإقامة الدائمة في الأنفاق المظلمة للماضي، وعدم الانجرار إلى مخطط إحياء الصراعات القديمة والدامية على السلطة بين مركز دولة الخلافة وأطرافها منذ رفض الشهيد الحسين بن علي أداء البيعة للخليفة يزيد بن معاوية، ومصرعه المأساوي إلى جانب العديد من أبنائه وأفراد أسرته ومناصريه بسبب موقفهم الرافض لبيعة يزيد بن معاوية، وإطلاق صفة "الروافض" – بالمعنى المعاصر للمعارضة السياسية – عليه وعلى أتباعه، بالإضافة إلى ارتكاب خطيئة الدعاء على والده الإمام علي بن أبي طالب بواسطة خطبة الجمعة كل أسبوع في جميع مساجد دولة الخلافة طوال عقود عديدة من الزمن، حتى جاء الخليفة عمر بن عبدالعزيز ليضع حداً لآثار تلك المأساة التي ورثها عن أسلافه من الخلفاء والفقهاء والقُضاة وقادة الجيوش والجواسيس في العهد الأموي، وإعادة الاعتبار لتاريخ الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتكريمه، ومنع لعنه والدعاء عليه وعلى أولاده وآل بيته في خطب الجمعة كل أسبوع، الأمر الذي أسهم في تعزيز وحدة المسلمين لحقبة تاريخية طويلة ازدهرت فيها الحضارة الإسلامية، واستحق خلالها الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز لقب خامس الخلفاء الراشدين.ومما له دلالة عميقة أن تتزامن عودة الحياة إلى هاتين المنظومتين الفقهيتين المتعارضتين والمتناحرتين مع أفول وغروب عصر الحضارة الإسلامية، وانقسام العالم الإسلامي بعد ذلك إلى مركز لدولة الخلافة ومراكز متمردة لدول ملوك الطوائف في أطراف دولة الخلافة، ما أدى إلى انقطاع المسلمين عن المساهمة في ميدان إنتاج الحضارة، وتغييب دور العقل وتحريم التفكير العلمي النقدي، وهيمنة ثقافة شفاهية قائمة على الحفظ والتلقين والنقل عن موروث الفكر الديني السلفي بشقيه الشيعي والسني انطلاقاً من منظومتين فقهيتين متناحرتين على قاعدة الخلط بين الدين والسياسة. وكان من نتيجة انقسام العالم الإسلامي على تربة الصراع الطائفي إصابة دولة الخلافة الإسلامية ودول ملوك الطوائف على أطرافها، بالعجز عن اللحاق بركب الثورة الصناعية الأولى والثانية في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر الميلادي، وسقوط العالم العربي والإسلامي تحت نير السيطرة الاستعمارية الأوروبية وتفوق الحضارة الغربية في القرن التاسع عشر الميلادي، وصولاً إلى تشرذم نظام الخلافة وانهياره على تخوم الثورة الصناعية الثالثة في القرن العشرين الميلادي، بعد هزيمة دولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى.بهذا المعنى يتوجب على كافة القوى الحية في العالم العربي والإسلامي التنبه لخطورة خطاب الفتنة المتبادل هذه الأيام في الساحة العربية بين مختلف أقطاب المشاريع الطائفية المتناحرة، حيث يتجسد هذا الخطاب بكل وضوح في محاولات استدعاء صراعات الماضي من بطون الكتب الفقهية القديمة التي خلقها لنا الفقهاء المتناحرون الأسلاف (الروافض والنواصب) بحسب ألقابهم التي تنابزوا بها في العصور الغابرة على نحوٍ ما نطالعه هذه الأيام في المآتم الاستعراضية ومهرجانات الندب والنواح، وصراخ الفضائيات المذهبية ومخرجات المدارس السلفية وإفرازات جماعات الإسلام السياسي الشيعية والسُّنَّية، وغيرها من الوسائل والمنابر والأدوات التي تستهدف شحن وتعبئة اللاوعي الطائفي بشقيه السني والشيعي، وتلحق الضرر البليغ بوحدة البلدان والمجتمعات العربية والإسلامية، حيث من شأن التعاطي مع الخطاب الطائفي التناحري إعادة العالم الإسلامي إلى حقبة ما قبل الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، وتحويله الى ساحة مفتوحة ودامية للحروب الطائفية والأطماع والتدخلات الخارجية لبعض القوى التي تحاول إدارة أزمات حقبة ما بعد الحرب الباردة، بما يمكنها من تمرير مخططات التفتيت والتمزيق والإضعاف، كمدخل لفرض سياسات الهيمنة والاحتواء والإخضاع.. وهو ما سنتناوله في الحلقة القادمة من هذا المقال بإذن الله.ـــــــــــــــــــــ[c1]نقلاً عن / صحيفة (26 سبتمبر)
|
فكر
فتنة صعدة.. محاولة للقراءة 1-2
أخبار متعلقة