الشيخ عثمان مدينة عشقت الحياة ، والحياة عشقتها ، يغمرها النور في كل مكان ، مدينة تتنفس الحركة والنشاط ، أنها منبع الحياة ، ، مدينة مزجت بين الأصالة والحداثة ، وبين ثنايا صدرها ضمت الثقافة الدينية المتمثلة بالطرق الصوفية المختلفة المتمثلة بالطريقة الأحمدية المشهورة والتي كانت و مازالت حتى هذه اللحظة تحظى بكل الاحترام والتقدير الكبيرين من أهل المدينة ، بالإضافة إلى مساجدها العتيقة التي ترنو إليها بعين الرحمة والعطف كأنها حارس أمين عليها . و في أعقاب الحرب العالمية الأولى ظهرت عدد من الأندية الثقافية والجمعيات الأدبية على سبيل المثال نادي ( الإصلاح العربي ) الذي أسس في سنة 1930م ، وبعده أنشأ نادي ( الإصلاح العربي الإسلامي) ، وكانا لهما دورًا كبيرًا في إحداث نهضة ثقافية وتعليمية في المدينة بل في اليمن جمعاء . وعاش في كنفها بعض السياسيين المناوئين للسلطة الأمامية في صنعاء أمثال الشهيد محمد محمود الزبيري ، الأستاذ محمد النعمان ، أحمد محمد الشامي ، والموشكي ، ومطيع دماج وغيرهم من الأحرار اليمنيين ، ولقد ذكر لي مؤرخ اليمن الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ـــ حفظه الله ـــ أنه هو وأخيه العلامة محمد الأكوع فرا من قبضة الإمام أحمد في مطلع الخمسينيات إلى مدينة الشيخ عثمان ، ومكثوا بها فترة طويلة. [c1]يعشقون كل ما هو جيل[/c] كانت في وقت من الأوقات مدينة الشيخ عثمان تمتلئ بالبساتين الغناء ، والحدائق الفيحاء كبستان حسن علي ، وبستان الكمسري . كان سكان عدن في قيظ الصيف يفرون إليها ليستمتعوا بهوائها العليل الذي يداعب خوالج النفس ، ويريح البال ، وإذا تجولت في طرقاتها ، وشوارعها ، وأزقتها ، وأسواقها شممت عبق التاريخ ـــ ورأيت ــ أيضًا ـــ التآلف ، والتعاون ، والمحبة يسود بين أهلها ، وغالبيتهم يعرف بعضهم بعضا ، والابتسامة لا تفارق وجوههم الطيبة . ويلفت نظرنا إنّ الكثير من أهل الشيخ عثمان مولعون بالثقافة بصورة عامة ، فهم يعشقون الشعر الشعبي الجميل ، والحكايات الشعبية الممتعة ، والأمثال والنوادر الرائعة ، والطرائف البديعة وبعبارة أخرى يقدرون كل ما هو جميل بمختلف صوره وأشكاله وألوانه [c1]الشيخ عثمان منبع الحياة[/c] كانت في يوم من الأيام تقام في مدينة الشيخ عثمان مجالس القات بصورة واسعة وشبه دائمة تغص بالأدباء ، والكتاب ، والشعراء ، كانت تلك المجالس أو مبارز القات أشبه بصالونات الأدب التي كانت تقام في القاهرة ، وبيروت في الماضي البعيد . كانت تلك المدينة تمور مورًا بالحياة الثقافية ، والموسيقى والطرب . كانت المدينة قبلة شعراء ، وأدباء ، وفناني الريف اليمني وعلى وجه الخصوص من لحج الخضراء وغيرها من المناطق الداخلية المختلفة ، وكما كانت منطقة جذب للإبداع والفن ، كانت أيضًا منطقة جذب للتجارة الداخلية البرية ، فقد كانت تصب فيها مختلف أنواع السلع والبضائع الآتية من الريف اليمني . وتنسب الشيخ عُثمان إلى الولي المقبور بها . وقيل أنّ تاريخه يعود إلى القرن التاسع عشر الميلادي ، وتذكر المصادر التراثية أنه من قبائل ( الزبيرة ) المنتشرة ما بين الوهط والفيوش ـــ على حد قول مؤرخنا الكبير عبد الله محيرز ـــ و كانت إلى وقت قريب موردًا للماء ولذلك اشتراها الإنجليز من سلطان لحج لتزويد مستعمرة عدن بالمياه العذبة . وفي تاريخها المعاصر وتحديدًا في سنة 1915م ، شهدت الشيخ عثمان معارك عنيفة على أرضها الطيبة بين القوات العثمانية بقيادة القائد العثماني علي سعيد باشا الجركسي والقوات الإنجليزية . وكان النصر من نصيب الأخيرين . وفي أثناء الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية ، ضرب أهلها مثالاً رائعًا في التضحية والفداء من أجل نيل الاستقلال الوطني . [c1]أول مديرة مدرسة [/c]وكان من الطبيعي في ظل تلك الأجواء الثقافية الصحية التي ، كانت تعيشها الشيخ عثمان في تلك الفترة التاريخية أنّ تبذر فيها بذور العلم والمعرفة في تربتها . وتنمو وتترع فيها شجرة العلم والمعرفة وذلك بظهور أول مدرسة حكومية للبنات في سنة 1941 , . ولقد تولت أول امرأة يمنية في الشيخ عثمان بل وفي اليمن منصب مديرة مدرسة وهي الأستاذ الفاضلة نور حيدر سعيد . والحق يقال ، إنه على الرغم إنّ مدرسة البنات التي أقيمت في مدينة الشيخ عثمان كانت حكومية إلاّ أنها كانت بمثابة الخطوة الأولى على طريق بناء المدرسة الحكومية للبنين والبنات في المدينة أو كما يقولون بداية الغيث قطرة والذي انهمر بعده تأسيس العديد من المدارس الأهلية في المدينة . والحقيقة أنّ المدارس الحكومية التي كانت تنشئها إدارة المعارف في مستعمرة عدن ، كانت قاصرة على فئة معينة من الناس , ولم يكن جميع اليمنيين يدخلونها . وهذا مما دفع الكثير والكثير جدًا من المخلصين والواعين لأهمية العلم في تحطيم قيود الجهل ، والمرض ، والفقر في بلادهم ، فساهم الوجهاء ، والتجار ، والمثقفين الوطنيين ، والمغتربين من اليمنيين ساهمة فعالة في بناء مدرسة أهلية تضم كافة أبناء اليمن المحرومين من دخول المدارس الحكومية ـــ كما قلنا سابقاً ـــ ، وكانوا من المحميات التسع ، والمناطق الشمالية .[c1]وأشرقت شمس بلقيس[/c]وبعد جهود جهيدة ، وترتيبات دقيقة ، وجيدة ، وتأني في اختيار هيئة التدريس الجيدة ، أشرقت في سماء العلم والمعرفة في الشيخ عثمان مدرسة أهلية في السادس عشر من أكتوبر سنة 1961ميلادياً وهي كلية بلقيس ، والتي كانت ـــ بحق ـــ أشعاع حضاري ليس لمدينة الشيخ عثمان بل ولليمن جمعاء . ومن محرابها تخرج أجيال من الطلبة والطالبات عبر تاريخها المديد ، واحتلوا مناصب رفيعة في الدولة ، ومكانة سامية في المجتمع . وتميزت كلية بلقيس بأنه تخرج من تحت معطفها أجيال أتسموا بالنبوغ والتفوق العلمي . وإنصافًا للحقيقة أنّ تأسيس مدرسة بلقيس الأهلية ، كان شيئاً رائعا ، ولكن الأروع منه هو الحفاظ على استمرارها ، ونجاحها ، وتواصلها الدائم في تخريج أجيال متسلح بالعلم والمعرفة . [c1]هيئة التدريس الأولى[/c] والحقيقة أنّ كلية بلقيس لم تكن مدرسة تدرس فيها المواد التعليمية المقررة للنشء فحسب بل كانت تضم بين جوانبها العلوم والمعارف الأخرى أو بعبارة أخرى ، كانت منبعًا صافيًا يستقي منه الطلاب والطالبات شتى العلوم الإنسانية المختلفة لتوسيع مداركهم المعرفية ، فقد وضعت هيئة التدريس الأولى نصب عينيها أنّ تفتح الكلية آفاق واسعة للطلبة والطالبات في ميدان العلم والمعرفة وفروعه المتنوعة . والحقيقة أنّ هيئة التدريس الأولى في كلية بلقيس تحلت بالكفاءة وحسن إدارة الكلية مما أنعكس على سير الدراسة الجادة والمنتظمة وحققت نجاحها منقطعة النظير في مجال التعليم سواء على الصعيد الإعدادي أو الثانوي . والحقيقة إنّ هيئة التدريس الأولى كان لها الفضل الأول والأخير في ترسيخ وتثبيت مبادئ تواصل نجاح رسالة كلية بلقيس التعليمية حتى هذه اللحظة . ويجب بل ويتوجب أنّ نحتفي ونحتفل بالرواد الأوائل من هيئة التدريس الذين وقعت على أكتافهم وضع اللبنات الأولى لنجاح كلية بلقيس التي كانت ومازالت تتدفق بالنجاح المتواصل والمستمر حتى يومنا هذا . فالمدرسة الناجحة تعني إدارة جيدة ، وتحلت هيئة التدريس الأولى بتفكير واعي وبرؤية واسعة ، ونظرة عميقة لفهم الرسالة التربوية وهذا ما جعل كلية بلقيس للبنات منارة للعلم والمعرفة . وفي هذا الصدد ، يقول الأستاذ علوي عبد الله طاهر في كتابه ( كلية بلقيس تجربة تربوية رائعة ) في صفحة 19، : “ وللحقيقة التاريخية أقول إنّ كلية بلقيس ، كانت قد حظيت بإدارة تربوية كفؤة . ومدرسين مؤهلين تأهيلاً جيدًا ، وخاصة مدرسي المرحلتين الإعدادية والثانوية “ .
|
تاريخ
كلية بلقيس إشعاع حضاري
أخبار متعلقة