الكثيرون يعتبرون أن ما ورد من أحاديث فى كتب الصحاح هى تفسير محض للقرآن الكريم حتى يفهمه الناس وتصبح معانيه فى متناول يدهم وهم يذلك - أصحاب هذا الرأى - يخالفون الواقع المكتوب فى كتب الصحاح لأنها لم ولن تكون تفسيرا محمديأ لكتاب الله العظيم بل هى آلاف من المرويات التى كتبت بعد قرنين من وفاة الرسول الخاتم(ص)ومعروف أن بها أحاديث موضوعة وإسرائيليات ومرويات ذات سند ضعيف أو راو من غير الثقاة مما كان يستوجب أصلأ حذفها من كتب الصحاح لو أنصفوا .وعلى هذا الأساس فإن ما يفهم من قول الله تعالى (ونزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) هو أن هذا التبيين معناه أن الرسول عندما يبلغ القرآن الكريم فإنه بذلك يثبت لأهل الكتاب صحة ما انزله الله على رسوليه موسى وعيسى (ص) من كتابى التوراة والإنجيل السماويين وأن المسلم المتدبر بعقل مفتوح فى القرآن الكريم سوف يجد فيه سهولة ويسرأ فى فهم آياته والوقوف عند معانيها لقوله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) والجهاد الحقيقى فى زماننا هو جهاد البحث والتقصى والتدبر فى معانى القرآن من أجل الوصول لأسرارها وجواهرها المكنونة بالإضافة إلى الجهاد فى البحوث العلمية والمعملية من أجل مواكبة الحضارة والتقدم حتى لا نتحول إلى أمة عابدة فقط تقبع فى المساجد للتدبر والصلاة وتنسى أن العالم قد سبقها علميأ وحضاريأ بقرون طويلة.لعل المتدبر لكتب الله تعالى يتفق معى أن القرآن كتاب أخلاق وقيم عظمى ومثل عليا قبل أى شىء ولعله -- ذلك الباحث المتدبر -- أيضا يتفق معى أن المثل العليا والأخلاق والقيم العظيمة ليس لها علاقة بالزمان والمكان فالحب والتسامح والعدل وكرامة الإنسان وحقوقه والمساواة والحريات كلها مثل وخلق لا علاقة لها بالمكان ولا الزمان فالعدل منذ عشرة آلاف سنة له نفس مفهوم العدل الآن وبعد مليون سنة وكذلك الحرية والمساواة وكرامة الإنسان والتسامح والحب وغيرها. ولا شك أن المعانى السامية السابقة وأكثر منها هى ما تدعوا له آيات القرآن العظيم لقد حسم الله النزاع فى حرية الدين والمعتقد حين قال(لا إكراه فى الدين).وحسم حرية إختيار الدين حين قال( ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وحصر سبحانه القدرة على الهداية له وحده حين قال( إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء) وحصر القدرة على تأليف قلوب المؤمنين وجمعها على الهدى لله وحده حين قال( لو أنفقت ما فى الأرض جميعأ ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) وحصر سبب النصر له وحده سبحانه حين قال( وما رميت إذ وميت ولكن الله رمى) وحذر الرسول من إكراه الناس فى الدين حين قال( افأنت تكره الناي حتى يكونوا مؤمنين) ثم قال له ناهيأ عن الإصرار على هداية الرافضين للدين حين قال( فإن استطعت أن تبتغى نفقأ فى الارض أو سلمأ فى السماء فتأتيهم بآية).وجعل الله التقوى أعلى درجات التقرب لله حين قال(وجعلناكم شعوبأ وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ومعروف أن التقوى هى الخوف من الله والتعامل مع الناس بحب ورحمة وصدق وعدل وعدم ترويعهم أو الإعتداء عليهم تحت أى مسمى وعدم سرقة ممتلكاتهم أو قبول الرشوة منهم أو الإعتداء على أعراضهم أو الإنقاص من شأنهم أو التقليل من كرامتهم أو إحتقارهم أو الإستهانة بهم أو عدم إلقاء التحية عليهم أو عدم رد تحيتهم أو التحدث فيما يمس شرفهم أو كرامتهم أو أعراضهم أو الخوض فى كلام قبيح عنهم أوألخ كل هذه الأخلاق الكريمة والقيم العظيمة التى فى مجملها تمثل المعنى الحقيقى لكلمة التقوى وهى مجموعة الأخلاق التى لا تختلف أبدأ من زمان إلى زمان أو من مكان إلى مكان.لعلك تتفق معى - كذلك - أن القرآن لم ولن يكون كتاب علم من العلوم المتغيرة لأن كلام الله ثابت والعلوم الدنيوية كالطب والأحياء والفيزياء والكيمياء وغيرها كلها علوم متغيرة لا يمكن أن يحتويها القرآن الكريم وإلا فما قيمة عقل الإنسان لو أنزل الله نظرية علمية لكل مخترع كالطائرة والسيارة وسفينة ألفضاء والتلفزيون والكمبيوتر والراديو الخ رغم أن القرآن العظيم قد دعا للتبحر فى تلك العلوم إلى أبعد الدرجات للوصول بالإنسان إلى أرقى درجات العلم فى مجموعة آيات كريمة نذكر منها ما يلى على سبيل المثال1- ( إنما يخشى الله من عباده العلماء) والعلماء هنا هم المفكرون والمبدعون والمخترعون والمنقبون فى ملكوت الله بحثاً عن الحقيقة .2- (أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف بدء الخلق ) هذه دعوة للبحث والتنقيب فى طبقات الأرض المختلفة ووضع النظريات الإفتراضية عن كيفية بدأ الخلق على كوكب الأرض.3- ( أفلا يرون انا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها) وهذه دعوة اخرى للبحث فى مستقبل الكرة الأرضية وهل يتناقص حجمها بالفعل ام ان التناقص يحدث لليابسة فقط ؟ 4- ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغى لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون ) وهى دعوة للبحث الجاد والدؤوب فى علوم الفلك والكواكب والأجرام السماوية 5- ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) نفس الدعوة السابقة ولكن أعمق.6- ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ) والمشيج هو خريطة الجينات الوراثية داخل الخلية الحية وهى دعوة للبحث فى علوم الجينات والهندسة الوراثية وأكرر دعوة للبحث وليست نظرية علمية.7- ( يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق فى ظلمات ثلاث ) دعوة للبحث فى طب النساء والتوليد8- ( ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ) أعتبرها دعوة للبحث فى علوم الإتصالات السلكية واللاسلكية أو وصفاً لما سيتوصل إليه الإنسان من علوم الإتصالات المتطورة.9- ( مرج البحرين يلتقيان . بينهما برزخ لا يبغيان) دعوة للتفكر والبحث العلمى فى المكونات الكيميائية المختلفة لكل بحر وأسباب عدم إختلاط المياه فيهما 10- ( وكان عرشه على الماء ) دعوة كريمة من مالك الملك للبحث فى صفات الكرة الارضية قبل أن يخلق الله الخلائق.11- ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم ) وهى دعوة صريحة وواضحة لفهم الممارسة الجنسية بحيث يستفيد من متعتها الطرفان الرجل وزوجته دون إنتهاك من حق احدهم لحساب الآخر.12- ( ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) وهى دعوة للبحث فى هذين المحرمين للوقوف على اسباب التحريم ولمعرفة فوائدهما وأخطارهما.13- ( ومن الجبال جدد بيض وحمر وغرابيب سود ) دعوة صريحة للبحث فى تركيب الصخور وعمرها ونشأتها وصفاتها وما بها من معادن وفلزات مفيدة للتقدم البشرى وعلوم الحياة.14- ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ) وهى دعوة واضحة لهجر الجماع الجنسى أثناء الدورة الشهرية ( دم الحيض) لما يمكن أن تسببه من أمراض للرجل إذا غالط نفسه وجامع أثناءها.15- ( و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة ) وأى طبيب يعرف أهمية هرمون البرولاكتين الذى يفرز بكثرة فى دماء الأم أثناء الرضاعة ويستمر مركزاً فى جسم الأم عشرات السنين وأهمية هذا الهرمون فى مقاومة سرطان الثدى والرحم والمبيضنعم القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان حتى يوم القيامة لأنه كتاب مثل عليا وأخلاق ومبادى وقيم عظيمة حددها الله تعالى فيه ولم يكن كتابأ فى العلوم البحتة كما ذكرنا وإلا لكثرت الآراء والنظريات والشكوك ولو أنزل الله النظريات العلمية لكل مخترع فإن ذلك يضع العقل البشرى فى ثلاجة ابدية اما القرآن العظيم فلم ولن يوضع فى ثلاجة أبدية أبدأ لانه يدعو للعدل والإحسان وصلة الرحم( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى)ويدعوللأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).ولكن كيف يكون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:(ادع على سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن).( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الامر).ونهى القرآن عن قتل النفس حين قال:( من قتل نفسأ بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعأ ومن أحياها فكانما أحيا الناس جميعأ)ودعا للتسامح والعفو:( فليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)(يسألونك ماذا ينفقون قل العفو)ويدعو لعدم الإعتداء على الآخرين:(ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين)( ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)ولأصحاب الديانات الأخرى يقول:(لكم دينكم ولى دين)كتاب ينظم العلاقة بين الأنسان وربه ويفرض عليه مجموعة من العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج ثم يعفى الله الكثيرين من عباده من أداء هذه الفرائض رحمة منه سبحانه فيسقط فريضة الحج عمن لا يستطيع إليها سبيلأ لأى سبب من الأسباب كالفقر أوالمرض.(ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلأ) ويسقط الصوم عمن لا يستطيعه ويفرض عليه فدية للفقراء( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) فإن لم يستطع من شدة فقره سقطت عنه الفدية(لا يكلف الله نفسأ إلا ما آتاها) وتسقط الصلاة بشكلها المعروف عن العجزة والمرضى مرضا عضالأ(ليس على الاعمى حرج ولا على المريض حرج ولا على الإعرج حرج) ( وما جعل عليكم فى الدين من حرج) (لا يكلف الله نفسأ إلا وسعها)( ورحمتى وسعت كل شىء) ويكتفى بالتسبيح والذكرو الحمد والإستغفار.ويجعل ذكر الله وتسبيحه اعظم من أى عبادة أخرى ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد فى السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون)( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرأ كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلأ) .ووصلت الدرجة أن يضرب الله المثل بالجمادات التى تسبح بحمده حتى يستيقظ الإنسان من غفوته:( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) ( ويسبح الرعد بحمده):بل ودعا لعدم الإستهزاء بأى مخلوق آخر من الحيوانات والدواب الأخرى:( وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم امثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم إلى ربهم يحشرون)ولأن التواصل بينك وبين خالقك سبحانه يجعلك مطمئنأ فى كل أوقات حياتك(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)وتواصلك مع الله يجعلك خاشعأ مطمئنأ زاهدأ فى حطام الدنيا الفانى ولا تخشى الموت لأن نفسك تصبح مطمئنة:(يا أيتها النفس المطمئنة إرجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى)القرآن الكريم يجعلك تهتم بأقل الأمور وأدناها وتهتم بأعظم الأمورحتى التحية التى قد لا يعيرها البعض إهتمامأ فإن الله يحاسبك عليها:( وإذا حييتم بتحية فحيوابأحسن منها او ردوها إن الله كان على كل شىء حسيبأ)القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان لأنه جاء لإصلاح القلوب والأخلاق وتكريم الإنسان وتعظيم حريته وقيمته وجاء يلعن كل ظالم مستبد يقهر خلق الله أو يفرض عليهم شيئأ بالجبروت والقسوة والقسر حتى لو كان يريد فرض دين الله بالقوة فهو أمر يرفضه الله تعالى وترفضه كل العقول السليمة لأن الإنسان سيحاسب أمام خالقه بناءأ على ما منح من حرية فكرية ودينية وحرية رأى وحرية تعبير وحرية إختيار وإذا حرم هذه الحريات أو بعضها فعلى أى شىء يحاسبه الله وعلى أى أساس وتفقد الحياة قيمتها ومعناها ولذتها بمجرد أن تسلب من الإنسان حريته ورأيه وفكره وكرامته.القرآن صالح لكل زمان ومكان لأنه يدعو للأخلاق فى أسمى معانيها وللمثل العليا فى أبهى صورها وللكرامة الإنسانية فى أدق واعظم معانيها ولأن هذه المعانى الكبرى ثابتة ولا يمكن لمخلوق تغيير مفاهيمها فهى صالحة لكل زمان ومكان ولأن التشريعات التعبدية تسمو بروح الواحد منا إلى أعلى عليين وترتفع به إلى عالم الملائكة والأرواح فهى صالحة لكل زمان ومكان.اما عن قول البعض بتحويل القرآن الكريم إلى وثيقة تاريخية فهم واهمون لأنه كتاب الله العظيم وحبله المتين وصراطه المستقيم أنزله على خاتم الأنبياء والمرسلين ليكون هداية للناس أجمعين لمن أراد منهم أن يستقيم او يتذكر فتنفعه الذكرى. ولا يمكن أن ننكر أن القرآن به اجزاء من التاريخ القديم الذى حكى قصص السابقين من الأنبياء والمرسلين (ص) وما حدث بينهم وبين طغاة التاريخ مثل قصة إبراهيم والملك الكافر وموسى والفرعون الكافر وعيسى مع بنى إسرائيل وذى النون مع قومه وغيرهم .كما حكى القرآن الكريم وقصصه الحق المبين حكى لنا عن قصة الرسول الخاتم(ص) مع كفار قريش وكفار الجزيرة العربية وكيف دعاهم ومدى إستجابتهم لدعوته وقصة غزواته ضد الكارهين الإسلام المحاربين للمسلمين والمتربصين بهم الدوائر وكان لكل قصة ودعوة مواقف ودعوات وتشريعات وعلوم وثقافات وخلق لا يسع المجال هنا لتفصيلها فلم يكن القصص القرآنى تاريخأ للتأريخ فقط بل للعظة والعبرة وضرب الأمثلة وتنوير اللاحقين من المسلمين من أمثالنا بقصة الدعوة إلى دين الله تعالى وكيف عانى الرسول فى دعوته وتحمل الأعباء الجسام لنشر ونصر دين الله العظيم .[c1]* كاتب مصري[email protected][/c]
|
فكر
القرآن فوق الزمان والمكان
أخبار متعلقة