قصص خيالية عن الأشباح (1)
كان السيد روبنسون أحد أبناء دونبل وهي مدينة صغيرة تقع في غرب إنكلترا، وعاش وحيداً في منزل صغير وجميل في هاي ستريت، وكان غنياً لذا لم يحتج إلى العمل، كما انه عاش عازباً ولكنه لم يكن وحيداً فقد كان لديه الكثير من الكتب وكان مغرماً بالقراءة كما كان يحب رياضة المشي كثيراً ويحب استطلاع بعض المناطق المرتفعة والتي تحيط دونبل، وكانت السيدة ويلز تأتي إلى منزله لتطبخ له ولتنظف المنزل يومياً وكانت ثرثارة حيث كان السيد روبنسون يقول لأصدقائه بأنه لا يشعر بالوحدة طالما السيدة ويلز تعمل عنده. وذات يوم وفي فصل الربيع كان السيد روبنسون ماشياً على بعض التلال وكانت الشمس مشرقة والعصافير تغرد فشعر بالسعادة، فالهواء النقي والهدوء والأعشاب الخضراء وكذلك التلال المستديرة كل ذلك أشعره بالحيوية والبهاء، لقد كان يسير في ممر لطالما كان يسلكه، وفجأة لاحظ طريقاً يؤدي إلى جهة اليسار فقال لنفسه »هذا غريب!! لم أر هذا الطريق من قبل قط«، انحرف من ذلك الطريق الذي سلكه من قبل وبدأ بالسير على ذلك الطريق الجديد باتجاه اليسار، انعطف الطريق الجديد ما بين وادي وقلعة مرتفعة، وكان هناك نهر جميل ينبع من ذلك الوادي، فقال السيد روبنسون لنفسه »إن هذا المنظر من أجمل المناظر التي رأيتها في حياتي«، لقد كان المكان منعزل، ولكنه كان كثيراً ما يحب تلك الأماكن المنعزلة الهادئة، نظر إلى الخريطة التي بحوزته فكانت تلك التل المرتفعة موجودة على الخريطة وكانت تسمى تل القلعة القديمة. بعد أن مشى حوالي الميل، وصل سفح تل القلعة القديمة، فقال لنفسه »سأتسلق هذه التل وسوف أخذ قسط من الراحة في قمتها، وسيكون المنظر جميلاً من هناك«. لم يكن تسلق التل من السهولة بمكان، لقد كان على السيد روبنسون التوقف عدة مرات، وفي كل مرة يتوقف فيها كان ينظر حوله وفي كل مرة كانت تبدو البلدة أكثر اتساعاً. فقال لنفسه »كم هذا غريب«!! ولكنه حاول ان يقنع نفسه بأن ذلك كان بتأثير صعوده المتتالي، وعند وصوله القمة نظر إلى أسفل ليرى البلدة فوجدها مختلفة كثيراً عما ألفها، فقال لنفسه »إنني أعرف بلدتي تماماً، ولكنها تبدو اليوم مختلفة عما كانت عليه من قبل، بالطبع لم يسبق لي الصعود إلى قمة مرتفعة كهذه من قبل، لذا لا ينبغي عليّ أن أستغرب لاختلاف الأشياء من مثل هذا العلو، فعلى الأقل أستطيع رؤية الطريق المؤدية إلى دونبل «، نظر حوله فرأى قمة التل مكسوة بالأعشاب، ولم يكن هناك أشجار وكان هناك سور منخفض يمتد عبر منتصف الأرضية، صعد السيد روبنسون إلى ذلك السور الذي كان مكسواً بالأعشاب، وكان ارتفاع ذلك السور حوالي أربعة أقدام وكان بارداً. قال السيد روبنسون متسائلاً »عجباً، ترى من بنى هذا السور؟« فتسلق السور وجلس على الأرض. واتكأ على ظهره على ذلك السور واستمتع بأشعة الشمس الدافئة وقد كان مسترخياً جداً من شدة التعب بحيث غط في نوم عميق، وحين استيقظ كانت الشمس مائلة في طريقها نحو الغروب، فنهض مسرعاً وتسلق ذلك السور ثانية في طريقه للعودة، وبدأ يسرع في النزول باتجاه ذلك الطريق المؤدي إلى مدينته دونبل، فلم يرد أن يخيم عليه الظلام وهو ما يزال على هذه التل. كان السيد روبنسون قد وصل إلى منتصف المسافة نزولاً في طريق عودته وشعر برعب شديد فجأة لأنه أحس بأن هناك من يراقبه من فوق قمة التل، فقال لنفسه »لا تكن غبياً، كيف لك أن تتخيل بأن هناك من يراقبك«؟ كان لديه الكثير من الشجاعة لذا فقد قرر التوقف عن الركض والنظر من خلفه، فإذا كان ثمة من يراقبه عندها له الحق في سؤاله عن السبب في ذلك، ولكن فجأة تذكر السيد روبنسون ذلك الحلم الذي حلم به في قمة التل وهو نائم لذا لم يتوقف عن الركض كما لم يلتفت إلى الوراء، كان يركض باتجاه ذلك الطريق المؤدي إلى بلدته ولم يخفض من سرعة ركضه حتى وصل ذلك الطريق المعتاد إلى بلدته. عندما كان نائماً في قمة التل، حلم بأنه كان قد سمع أصوات غريبة ولم يستطع فهمها، كانت بلغة غريبة غير مألوفة لديه وبالطبع لم تكن بلغة انكليزية، كما لم يستطع معرفة كم عدد تلك الأصوات الغريبة، هل هي أصوات لرجال أم نساء؟ هل هي أصوات لبشر أصلاً؟ لم يكن متأكد من ذلك، ولكن تلك الأصوات بدت غاضبة، وكان في نومه يعلم بأن المتكلمون بتلك الأصوات الغريبة ينظرون إليه ولكنه لم يستطع رؤيتهم. وعندما استيقظ كان قد نسي أمر ذلك الحلم ولم يكن همه سوى العودة إلى بلدته قبل حلول الظلام، تذكر الحلم مرة ثانية عندما ظهرت العيون المخفية لتراقبه من قمة التل. وصل السيد روبنسون باتجاه بيته لاهثاً، وكان لديه الكثير ليفكر فيه، فقد كان هناك لغز وهو يكره الألغاز. وكانت السيدة ويلز قد وضعت له العشاء على الطاولة فأكله بسرعة، بعدها دفع كرسيه إلى الخلف وغادر غرفة الطعام، ذهب إلى درج مكتبه وأخرج بعض الأوراق وبدأ في الكتابة. في تلك الأوراق دون السيد روبنسون كل ما مر به في تل القلعة القديمة وبالتفصيل وفي نهاية التقرير وقع عليه وكتب التاريخ في أسفل الصفحة، ووضع التقرير أسفل المحبرة ليصبح سهل الرؤية لم يراه. بعد ذلك تناول مشروباً وآوى إلى السرير مبكراً. كان السيد روبنسن قد قرر أن يحل لغز تل القلعة القديمة. في الحادي عشر من صباح اليوم التالي كان السيد روبنسون يتسلق بحذر جانباً من تلك التل، وكان يتحرك بكل هدوء، وفي بعض الأحيان كان يتوقف وينظر الجوانب الخالية للتل من أمامه وعندما تأكد بأنه لا يوجد أحد يراقبه واصل تسلقه مجدداً. أخيراً وصل إلى قمة التل، لم تكن هناك أثر لأي حركة ولا لأي صوت فقد كانت قمة التل خالية، أخذ نفساً عميقاً وبدأ بالمشي باتجاه ذلك السور، كان متأكداً الآن بأن سر هذه التل يكمن خلف هذا السور فبدأ بتسلق ذلك السور ليحل لغزه، كان شجاعاً بالرغم من دقات قلبه المتسارعة، بدأت خطواته بالتباطؤ فتوقف عن التسلق وكانت عيناه تتحركان يميناً وشمالاً، شيئاً ما كان قد تحرك خلف السور، وبدا بسماع أصوات غريبة، قرر البحث عن عدوه المختفي، كما قرر أن يخفي خوفه الذي بدأ، فوقف هناك مباشرة وعيناه مثبتتان نحو السور، فضربته حجر صغير بقوة شديدة على جبهته بين عينيه فسقط دون أن يحدث أي صوت. كانت قمة التل هادئة وخالية ولكن السيد روبنسون كان ممدداً على الأرض بجانب ذلك السور العشبي وكان قد فارق الحياة. في صباح اليوم التالي وفي منزل السيد روبنسون كانت السيدة ويلز قد اتصلت بالشرطة، وعندما أتت الشرطة قالت السيدة ويلز لهم متسائلة »لم يحدث ذلك من قبل مطلقاً، إنه ليس هنا، كما أنه لم ينم في منزله البارحة. نعم إنني قلقة بشأنه فربما قد حدث له مكروه ، أرجوكم أرسلوا أحد ما ليبحث عنه«. بعد ذلك بدقائق طرق شرطي الباب، فقالت السيدة ويلز »إنني مسرورة لقدومك، أنظر لهذه«، أخذته إلى غرفة السيد روبنسون وأرته تلك الأوراق التي كتبها ووضعها أسفل المحبرة. قرأ الشرطي تقرير السيد روبنسون بعناية بعدها وضع تلك الأوراق في جيبه قائلاً: »علي أن احتفظ بهذه. هل رأيته بالأمس«؟ ردت السيدة ويلز »نعم، ولكن لبضعة دقائق فقد خرج مبكراً. سألها الشرطي »هل كان بشوشاً؟« فأجابت: »نعم، كان هادئاً بل أكثر هدوء من ذي قبل كما لم يكن يعاني من أي مرض« »ألم يخبرك إلى أي وجهة كان يقصد؟« »قال بأنه ذاهب في نزهة حول التلال« أومأ الشرطي برأسه قائلاً »نعم، في التلال، ان ذلك لا يدهشني. ألم يخبرك أي شيء عن مكان يدعى تل القلعة القديمة؟« فردت السيدة ويلز بالنفي قائلة« لا، لم يفعل«. أخرج الشرطي التقرير مرة ثانية من جيبه ونظر إلىه قائلاً »حسناً، أنا ذاهب لأبحث عنه في تل القلعة القديمة. مسكين السيد روبنسون اعتقد بأن هناك عدو له، أخشى بأنه ربما كان قد وجد هذا العدو«. وبعد ساعة من البحث وجد كل من الشرطي والمخبر جثة السيد روبنسون أمام سور تل القلعة القديمة. وتحدث الشرطي بصوت منخفض مشيراً إلى جثة الرجل الميت قائلاً »أنظر، إن هذا رهيب، من يا ترى فعل هذا؟« فرد المخبر »لا أعلم« فجثا على ركبتيه بجانب الجثة وأشار إلى حجر صغير مستدير كان ملقى على الأرض بجانب الجثة، فأخرج منديل من جيبه وأخذ به الحجر. قال المخبر »والآن علينا أن نبحث في قمة التل فقد كان هناك شخصاً ما أمس، شخصاً ما كان ينتظر السيد روبنسون فلابد ان تكون هناك بعض الآثار على الأعشاب. أبحث بدقة لأي آثار أقدام، أنت ابحث في الاتجاه الأيمن وأنا في الأيسر. كن حذراً خصوصاً بجانب السور أعتقد بأن القاتل يختبىء هناك«. ظل الاثنان يبحثان في القمة لأكثر من ساعة كاملة ولكن لم يعثرا على شيئاً فلم تكن هناك آثار لأي اقدام عدا آثار أقدام السيد روبنسون. أخيراً قال المخبر« حسناً، لا يوجد شيء هنا، لا شيء سوى جثة لرجل ميت وتلك الحجر الصغير التي صرعته. من الأفضل ان تعود إلى مركز الشرطة سنحتاج للمساعدة في حمل الجثة. أشعل المخبر سيجارة بمجرد جلوسه منتظراً عودة زميله الشرطي، نظر إلى جثة السيد روبنسون كما نظر إلى السور. كان ذلك اليوم دافئاً ولكن المخبر فجأة شعر بالبرد، فوقف ورمى بسيجارته بعيداً ولسبب ما بدأ يشعر بالاضطراب. فقال لنفسه »رجل ميت وحجرة صغيرة مستديرة ولا شيء أكثر من ذلك« من الممكن أن يكون القاتل قد أثيرن بعدها اختفى، ولكن لا توجد آثار لأقدامه أو إشارة أو أي شيء يدل عليه«. نظر المخبر إلى الأسفل فشعر بالارتياح لرؤية زملائه وقد أتوا صاعدين إلى قمة التل التي يجلس فيها منتظراً قدومهم ، لقد كان ينظر فترة كانت كافية لشعوره بالقلق. بعدها بأيام زار المخبر المكتبة التي تقع في مدينة أوكس منستر وهي مدينة كبيرة لا تبعد كثيراً عن مدينة دونبل، فطلب مقابلة مسؤول المكتبة، وبعد مقابلته سأله »هل لك ان تخبرني كل ما تعرفه عن تل القلعة القديمة«. فرد مسؤول المكتبة »كانت مكان هام جداً في الماضي« فأستغرب المفتش قائلاً« هام!!أقلت بأنها مكان هام«. »لا تستغرب، إنني أتحدث عن ساكنها الأقدمين الذين عاشوا هناك قبل أكثر من ألف سنة أي قبل أن يعيش أي من السكان في أوكس منستر أو دونبل، ففي تلك الحقبة لم يعرف أي أحد عن أوكس منستر أو دونبل، لقد بنى السكان القدامى سور على قمة التل ومن خلف ذلك السور كانوا يصدون أي اعتداء من أعدائهم الذين كانوا يحاولون تسلق ذلك السور »قال المخبر ببطء« بدأت أفهم« فأخرج من جيبه تلك الحجر المستدير الصغير ووضعها على الطاولة قائلاً: »وماذا يمكنك ان تخبرني عن هذه؟« أخذها مسؤول المكتبة وبدأ بتفحصها بعناية قائلاً»لقد وجدتها في تل القلعة القديمة أليس كذلك«؟ »بلى، وكيف عرفت ذلك«؟ فأجابه مسؤول المكتبة »لقد تم العثور على العديد من مثل هذا النوع من الحجارة هناك قبل حوالي مائة عام. وتم أخذها إلى متحف أوكس منستر، إن ذهبت إلى المتحف بإمكانك رؤيتها هناك، أنصحك بأخذ هذه الحجرة إلى هناك وسيكون القائمين على المتحف سعداء بإقتنائها »فرد المخبر« لا يمكنني فعل ذلك، ولكن لماذا هذه الحجر الصغيرة متميزة؟ لماذا سيكونون سعداء بإقتنائها في المتحف؟ »رد مسؤول المكتبة« لأنها تنتمي إلى أولئك الأقدمين، فمقاتليهم كانوا يستخدمون هذه الحجارة وكان لها تأثير قوي جداً على أعدائهم بمعنى أن هذه الحجارة كانت فعالة وخطرة مثلها مثل الرصاص في عصرنا، ففي الماضي قتل الكثير من الرجال في تل القلعة القديمة بحجارة مثل هذا النوع كانت تقع على رؤوسهم »لم يرد المخبر بأي كلمة فنهض ووضع الحجرة في جيبه. قال له مسؤول المكتبة« آمل بأنني قد أفدتك بشيء« »لقد كنت رائعاً، ولكنني أخشى بأنك لم تستطع حل اللغز، فأنا شرطي وأبحث عن قاتل، إنها من مهامي أن أبحث عنه وأقبض عليه. ولكنني لا أستطيع أن أفهم بأن قاتل السيد روبنسون مات قبل أكثر من ألف سنة مضت.هامش:1- المترجم: معيد في كلية التربية صبر قسم اللغة الانجليزية.2- المؤلف: كاتب بريطاني.