قصة قصيرة
بعقل مشتت راح ينقل بصره بين أسطر كتاب مفتوح على مكتبه ، وبين فترة واخرى يمد يده إلى قدميه وأسفل ساقيه ليهرش أثر لسعة لعينة .مضى من الوقت أكثر من ساعة ولايزال ينظر في نفس الصفحة ، يعيد قراءة أسطرها ببصره ككلمات رُصت دون هدف فهو لا يفقه شيئاً منها .. صور شيطانية تتراقص أمامه تفكك الحروف وتلغي المعاني وتطوح بعيداً دونما رحمة بتوازنه النفسي .إن عمله صباحاً كطبيب في المعمل أصبح مضجراً بشكل لايطيقه .. ضحكاتهم ، نظراتهم التحايلية .. توسلاتهم اللعينة للحصول على الإجازة المرضية ، اسبابهم التافهة للتهرب من العمل .ـ دكتور ، الله وكيلك البارحة حلمت بالعباس يطالبني نندر .. الله يوفقك أريد يومين إجازة أودي الندر وادعي لك هناك .ـ دكتور ، أمس سقط سقف الغرفة من شدة المطر احتاج إجازة حتى أعيد بناءه .ـ دكتور ، نهضت صباحاً تعبان ولا أشتهي الأكل أريد إجازة ولوم يوم واحد .دكتور ، دكتور ..وتتضخم الكلمة ليصبح رنينها كمطرقة تضرب أم رأسه بعنف .. لم يفعل اكثر من أن يُفهمهم أن الاجازة المرضية لا تُعطى إلا للمريض ، وان الانتاج بحاجة إلى كل ذرة من طاقاتهم .. رغم عنايته الكبيرة بهم وبعوائلهم علاجياً وتتبعه المستمر لحالاتهم المرضية .. لكن ذلك كله في وادٍ ومايفكرون به في وادٍ آخر .يسقط الدكتور .. تبعه صوت اصطدام حجر رمُي بقصد على باب منزله واصوات اشخاص يهرولون في الشارع .أصبح ذلك من الأمور التي اعتادها كل ليلة تقريباً .. انهم هم أنفسهم مراجعو المستوصف صباحاً .. هم لم يكتفوا بذلك بل في كل ليلة يُلطخ باب منزله بالأوحال .أحس كأن شيئاً يطبق على أنفاسه .. الجو حار ، ورطب، لم يفلح هواء المروحة السقفية أن يخفف من وطأته ، وقد زادته تعاسة لسعات البعوض ، فقرر ان يستلقي على سريره .