كتب / المحرر السياسي:بصدور القانون الخاص بإستراتيجية الوظائف والمرتبات والأجور في يوليو 2005م الماضي، دخلت عملية الإصلاح المالي والإداري مرحلة نوعية لإعادة تنظيم الجهاز الحكومي وإعادة بناء المؤسسات والوحدات الاقتصادية العامة على قاعدة تصحيح الاختلالات الوظيفية التي شوّهت أداء أجهزة السلطة التنفيذية ، وأضعفت استخدام الموارد المخصصة للأجور والمرتبات والتشغيل بسبب غياب الضوابط والهياكل الوظيفية التي تسببت طوال الأعوام الماضية في إهدار هذه الموارد وزيادة الإنفاق على وظائف وهمية ومزدوجة واستحقاقات طفيلية لا عَلاقة لها بمتطلبات التشغيل وحقوق العاملين الفعليين، الأمر الذي أسهم في إحباط القوى العاملة الفعلية نتيجة لمساواتها بالقوى العاملة الفائضة، وضعف وتائر الأداء الوظيفي كماً ونوعاً، واختناق مجالات التشغيل بعد تحويل مخصصاتها إلى الانفاق على رواتب وبدلات القوى العاملة الفعلية والفائضة والوهمية والمزدوجة.ولما كان تطبيق إستراتيجية الوظائف والمرتبات يحتاج إلى منظومة إجراءات ضرورية تسبق عملية توصيف الوظائف وتحديد استحقاقات شاغليها بصورة تحقق العدالة وتضمن الحوافز اللازمة لرفع مستوى الانضباط الوظيفي والأداء المهني وبما من شأنه بناء هيكل موحد للأجور والمرتبات يقوم على ربط الراتب بالوظيفة ونوع العمل المنجز، وإعادة تقييم التوازن بين الراتب والبدلات، وبناء أجهزة حكومية ومؤسسات اقتصادية كفوءة وفعالة، فقد كان لزاماً على الحكومة تطبيق هذه الإستراتيجية تدريجياً على مراحل زمنية يتم خلالها بناء قاعدة بيانات وظيفية متكاملة تتيح فرصاً متوازنة لحل مشكلة البطالة بين صفوف الشباب الذي أصبح مؤهلاً للإنخراط في سلم القوى العاملة، وتضمن في الوقت نفسه نهاية عادلة وكريمة لشاغلي الوظائف الذين بلغوا سن التقاعد تقديراً ووفاءً لخدماتهم الطويلة.وبالنظر إلى الدور الذي تؤديه النقابات العمالية المعنية في الدفاع عن حقوق العمل والعمال في آنٍ واحد، فإنّ مسؤولية النقابات في الدفاع عن حقوق العاملين لا تقل عن مسؤوليتها في بلورة رؤية وطنية تسهم في توصيف العمل وحمايته من التشوّهات والاختلالات التي كانت سبباً في انتشار الفساد وإهدار الموارد وحرمان الجيل الجديد من الشباب الذي يعاني من قسوة البطالة ويتطلع إلى الالتحاق بسوق العمل من حقه في الحياة والمشاركة في بناء الدولة الحديثة والمجتمع الجديد، بما في ذلك الدفاع عن حقوق العمال الفعليين الذين لا يجوز وضعهم مع القوى الوظيفية الوهمية أو المزدوجة في سلة واحدةٍ من حيث الحقوق بعيداً عن الواجبات، وعدم جواز المساواة في الحقوق بين الذين يعملون والذين لا يعملون.والثابت أنّ تطبيق الإستراتيجية الوطنية للوظائف والمرتبات والأجور بما هي جزء لا يتجزأ من برنامج الإصلاح الاقتصادي والإداري والمالي الشامل، تتطلب رؤية وطنية تتسم بالمسؤولية الوطنية بعيداً عن المكايدات السياسية والحزبية التي تنزع إلى استغلال مصاعب تطبيق الإستراتيجية الوطنية للوظائف والمرتبات والأجور من أجل تصفية حسابات سياسية وممارسة الابتزاز على حساب العاملين الذين تتم المتاجرة بهم لأغراض بعيدة عن مصالحهم وحقوقهم التي تستهدف هذه الإستراتيجية حمايتها وترشيدها.ولئن كانت الدولة والحكومة قد رفعت الحد الأدنى لأجور العاملين والمتقاعدين، ومنحت زيادات كبيرة للمرتبات الأساسية في المرحلة الأولى من تطبيق قانون الوظائف والمرتبات والأجور الجديد وصلت إلى عشرات المليارات من الريالات، فإنّ المرحلة الثانية التي تتعلق بصرف بدلات طبيعة العمل، سوف تتطلب أيضاً صرف عشرات أخرى من مليارات الريالات، وتوصيف الوظائف التي تستحق هذه البدلات، وهو ما لا يمكن تحقيقه بالمزايدات الرخيصة والأكاذيب الملفقة والمكايدات الحزبية التي تزدهر في المواسم الانتخابية بعيداً عن توفير قاعدة بيانات علمية وميدانية تؤمن حقوق العاملين الفعليين، بعد تنقية جداول وكشوفات المرتبات والأجور من الموظفين المنقطعين عن العمل لسنوات طويلة، وإنهاء حالات الازدواج الوظيفي وحصر الوظائف القيادية والإشرافية الوهمية!صحيح أنّ المكايدات السياسية والحزبية أوقعت بعض أطراف العمل النقابي مؤخراً في مستنقع السلوك الانتهازي من خلال سعي هذه الأطراف لتعطيل العملية التعليمية، لكن هذه المكايدات السياسية والحزبية لم تنجح في استغلال المعلمين والمعلمات، واستخدامهم كقرابين في معارك التحضيرات المبكرة لمواسم الانتخابات القادمة، ويعود الفضل في ذلك إلى حرص الحكومة على حماية حقوق المعلمين الفعليين وصرف ما يزيد على ثلاثين مليار ريال، كدفعة أولى مقابل بدلات طبيعة العمل للمعلمين الذين يزاولون مهنة التعليم بصورة فعلية، كما يعود الفضل في ذلك أيضاً إلى يقظة القيادات النقابية الوطنية التي دافعت عن حقوق المعلمين بمسؤولية وطنية ومهنية، ورفضت جر العملية التعليمية إلى فخ المصالح والأغراض الحزبية الضيقة.وبوسعنا القول إنّ طريق المرحلة الثانية لتطبيق قانون إستراتيجية الوظائف والأجور والمرتبات لا يزال طويلاً، ويتطلب مزيداً من التعاون بين الحكومة والنقابات العمالية والمهنية في الجهاز الحكومي والإداري والمؤسسات والوحدات الاقتصادية العامة، بما يضمن وضع الأسس والضوابط الكفيلة بتحقيق العدالة لقوى العمل والعمال على حدٍ سواء، كخطوةٍ أولى على طريق تحفيز الاستثمار والاستخدام الأمثل للموارد وتنشيط قوى العمل وضمان حقوق العاملين أيضاً في القطاعين العام والخاص، باتجاه رفع وتطوير وتائر التنمية، وإحداث إصلاحات حقيقية في نظام الوظائف والأجور والمرتبات تواكب الإصلاحات الجارية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
|
مقالات
حقوق العمال ليست مجالاً للمكايدات الحزبية في المواسم الانتخابية
أخبار متعلقة