أضواء
سبق وأن كتبت عن الإرهاب الإلكتروني، أو دعم الإرهاب والتطرف والتشدد من خلال الشبكة العنكبوتية. ولا يمكن لأحد أن يجادل في أن الدفاع عن الإرهاب، ناهيك عن الدعوة إليه، والتبشير به، ودفع الشباب السذج إلى الانخراط فيه، على اعتبار أنه شكل من أشكال الجهاد المشروع، يعود في جزء كبير منه إلى الإنترنت. والقبض على بعض أفراد العصابات الإرهابية (الإلكترونية) من قبل السلطات الأمنية الأسبوع الماضي يؤكد أن الدولة انتقلت إلى محاصرة ثقافة الإرهاب، وتتبع منابعه الثقافية، ووسائله، والتضييق عليها، وهذا ما كنا ندعو إليه في الماضي.وقد كان الجهاد الإلكتروني أيام (عز) الصحوة يشجعه ليس أقطابها ومشايخها فحسب، وإنما -أيضاً- بعض المشايخ التقليديين؛ حيث يستغل (حبابتهم) بعض الخبثاء من الحركيين، فيستفتونهم بطريقة معينة، ليستدرجونهم إلى الفتوى بما يريدون، ثم يستغلون الفتوى بعد استصدارها منهم بكل ما أوتوا من دهاء وخبث لدعم التحريض على الآخر، والترسيخ للإرهاب و(فكر التشدد) والإقصاء الذي يفرز بالضرورة الإرهاب. وخطورة الإرهاب المعاصر، وبالذات بعد أن اتفق العالم على حربه والتصدي له، أنه اتجه إلى التنظيم (العنقودي)، بحيث يكون من الصعوبة بمكان تتبع جذوره واجتثاثها، والإرهاب الإلكتروني ساعد هذه التشكيلات الإرهابية (العنقودية) في مهامها، وتحديداً في نشر ثقافة الإرهاب والتطرف، والتنسيق، واستقطاب الأتباع. فرجل في بيته، يجلس خلف جهاز كمبيوتر متصل بالنت، قادر على أن يعيث في الأذهان فساداً، ويصيغ فكر من يريد كما يريد. فقط يجب أن تناور، وتتبدل، وتستخدم (معرفات) مختلفة، ذات توجهات متعددة، وبطريقة مدروسة، فتفعل في الأذهان الأعاجيب، خصوصاً إذا كنت صاحب أسلوب كتابي جذاب، وعرفت كيف تلعب بين العقل والعاطفة، وبين الماضي والحاضر، لتصل إلى ما تصبو إليه. وقد وظف الإرهاب تدفق المعلومات إلكترونياً، وسهولة الحصول عليها، لدعم أهدافه الإرهابية. فمحركات البحث في شبكة الإنترنت تتيح للإرهابي القدرة على الوصول للمعلومة، وتوظيفها لخدمة أغراضه. وفي الوقت نفسه تتيح له أداة اتصال وتنسيق (آمنة) إلى حد كبير للتواصل بين الخلايا الإرهابية. وكما في كتاب (الإرهاب على الشبكة العالمية Terror on the Internet) يؤكد جابرييل ويمان أن البريد الإلكتروني (الإيميل) ومواقع الدردشة على الإنترنت Chat Rooms) ، كانت من بين أهم الوسائل التي اعتمدها الإرهابيون في تنفيذ هجمات 11 سبتمبر للتواصل فيما بين العناصر المشاركة وكذلك بينهم وبين القيادة. ومهما كانت درجة اليقظة والحيطة والحذر والمتابعة من قبل السلطات الأمنية في المملكة أو في الخارج، فإن وجود ثغرة هنا، أو منطقة غير مغطاة هناك أمر لابد منه، والإرهابيون هم أهل خبرة ودربة طويلة في معرفة هذه الثغرات والولوج منها إلى تنفيذ مآربهم التدميرية. ولعبة السلطات الأمنية معهم مثل لعبة القط والفأر، فما أن تنتظره هنا، إلا ويظهر لها هناك وهكذا. والذي يجب أن نعيه ونحن نتحدث في هذه الخصوصية -وهي بالمناسبة نقطة في غاية الأهمية أرجو من المسؤولين التنبه إليها- أن الإرهاب الذي استطاع أن يوظف الشبكة العنكبوتية (بكفاءة) لخدمة أهدافه ثقافياً أو عملياتياً، بالإمكان مواجهته، ومحاصرة ثقافته، واختراق هذه الثقافة (الوبائية)، وعلاجها وتحصين الناس من جراثيمها، و(بكفاءة) من خلال الإنترنت -أيضاً- وتحديداً من خلال المواقع والمنتديات الوطنية التي أخذت على عاتقها التصدي لثقافة الإرهاب. غير أن المشكلة أن هناك عناصر مساندة للإرهاب تعيش بيننا تعمل بكل جهد ومثابرة وإصرار -وربما عن سذاجة- على (تشويه) صورة هذه المواقع، سواء من خلال الجهات الرسمية أو الشعبية. ومثل هذه الممارسات تصب في مصلحة تجذير ثقافة الإرهاب في النتيجة؛ وهي غاية ما يطلبه الإرهابيون بالمناسبة. إلى اللقاء. [c1]*عن / جريدة “الجزيرة” السعودية[/c]