إنا لله وإنا إليه راجعون، والبقاء والدوام له عز وجل ولسنا سوى مخلوقاته الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة إلا بإرادته سبحانه وتعالى.ومع إيماننا الوثيق والدائم بأن لكل منا اجلاً مكتوباً، فان من طبيعة الإنسان المفطور عليها ان يحزن ويفرح، وأن تنعكس مشاعره على ما يستجد من ظروف ونحن الصحافيين ـ بالذات ـ مفطورون على العاطفة والإحساس المرهف جداً بعكس ما يراه كثير من الناس من شراسة الكلام الذي يقفز بين السطور في أغلب الأحايين.وكلما فقدنا زميلاً نشعر ان هناك "خصماً"من حياتنا، وأن من زملائنا فاز بلقاء ربه قبلنا وله كل أعماله عنده وليس لنا إلا أن نترحم عليه حسب تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.قبل أيام فقدنا أستاذاً وزميلا وصديقاً، بل أخاً عزيزاً هادئاً صابراً مثقفاً أنيق اللفظ ونقي السريرة هو الأستاذ شكيب عوض الذي تعود معرفتي به لما يقارب ربع القرن كانت كلها اياماً جميلة وتواصلاً دائماً، وبالذات حينما كنت أكتب مقالة أسبوعية ثابتة في الصفحة الأخيرة تحت عنوان عام "آفاق القرن" واستضافني في لقاء إذاعي حي ناقشنا فيه المنتديات الثقافية في عدن.. الخ.كان لقاءنا دائماً في مبنى صحيفة 14 أكتوبر أو عبر الهاتف خلال الفترة التي تعرضت فيها لمرض القلب، وكان دائماً ودوداً طيباً رقيقاً، وهبه الله بحة خاصة تستطيع من خلالها تمييز صوت شكيب من بين آلاف الأصوات، هذا إضافة إلى مظهره النظيف البسيط الذي لم يتغير ابداً ولم يسقط في أي منحى من مناحي الضعف أو البهرجة أو المزايدة على أحد، رغم أنني أزعم انه كان بمقدوره تحقيق مكاسب أنانية لو أراد ذلك.مثل الأستاذ والأخ شكيب عوض رحل الكثيرون من أبناء هذه المهنة التي تحرق سنوات العمر أسرع من الشموع، ولست هنا بمعرض استعراض اسماء حتى لا أقع في فخ غير مقصود من خلال النسيان الذي قد تلوكه الألسن بعد ذلك.ويبدو ان عاطفتنا نحن الصحافيين تجاه بعضنا، وبالذات في الأحزان تعود بطبيعة المهنة التي تجعلنا دائماً في خضم الحياة اليومية بكل ما فيها من تقاطعات ولوحات إنسانية شديدة التعبير عن مكنونات حياة الناس، وربما كان مستوانا المعيشي المتقارب جداً، وفقرنا وبؤسنا الأشهران إلا فيما ندر، هما صفتان تلازمانا من المهد إلى اللحد. والصحافيون عموماً حطب السياسة والثقافة والاقتصاد وقليلون من تم استدراك تكريمهم، وأكبر الاحيان بدون تمييز.مثل الأستاذ شكيب قيمة فنية ثقافية جميلة وغنية بكل المعاني المفعمة بالبساطة والبعد عن النرجسية القميئة وكان يمكن ان يستفاد منه جيداً، وأذكر أنه كان من القلائل الذين يستضافون في مهرجانات سينمائية قارية وعالمية معروفة، لكن مشكلته انه لم يكن ممن يجيدون التملق والزندقة، ولا كان من أولئك الذين يستمرئون الكذب والخداع والباس مهنته لبوساً مخالفاً.وأسجل هنا لهذا الرجل المثقف والفنان والإنسان أنه من القلائل الندرة الذين لم يلهثوا وراء الكتابة حول كل شيء، ولم يعلق لافتة على صدره انه "صحافي شامل" على غرار البعض الذين يحاولون ايراث أنفسهم بصمات غير موجودة سوى في مخايلاهم!!رحمك الله يا أستاذنا وصديقنا الجميل المحيا.. وليس أجمل ولا أطيب ولا ألذ من لقاء المولى عز وجل، هو المصير الأبدي تقدم أو تأخر.
|
مقالات
شكيب عوض المثقف الجميل
أخبار متعلقة