صفاء علي إبراهيمأصبح الناس في همٍّ يوميٍ في عيشهم، كيف لا، وقد أصبح قوتهم اليومي يؤرقهم ويقضي على هدوئهم واستقرارهم الذي هو حق لهم في هذه الحياة.كل الشرائع والقوانين دون استثناء تقر هذا الحق لهذا الإنسان على هذه الأرض.والكل أصبح يرفع صوته بالشكوى والبكاء في الوضع التصاعدي للأسعار، أصبح المسؤول يهاجم ارتفاع الأسعار ويشكو، وأصبح التاجر أيضاً يلعن ارتفاع الأسعار ويشكو.والمواطن الذي لا حولَ له ولا قوة بات مقهوراً.. من ارتفاع الأسعار، ولكن إذا لاحظتم فهناك من يشكو من ارتفاع الأسعار ويتكلم بابتسامة مخفية وباستهزاء، ومنهم من يشكو من الارتفاع في الأسعار وهو معكوف الظهر ويتكلّم بمرارة وشتان بين الأمرين وهناك من يسير مع الناس سيراً ومجاراة في الحديث عن الارتفاع في الأسعار.وكثر الحديث في هذا الأمر، كم من كتابات وخطابات على صفحات الصحف والمجلات وعبر القنوات المرئية والمسموعة وحتى في المساجد ولكن يظل الأمر كلاماً في كلام وكأننا نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً.ولهذا وفي خضم الحديث عن الأسعار وتصاعدها المكوكي لجأ البعضٌ إلى الصمت وعدم الحديث عنها، على الرغم من أنّه يحترق بنارها ويتمنى على الآخرين أن يصمتوا مثله ولا يتحدثوا عن ارتفاع الأسعار، بل هناك من وصلت به الحال إلى الخوف من الحديث عنها ولسان حاله يقول كلما تحدثنا، فعن ارتفاع الأسعار ازدادت ارتفاعاً، فلربما إذا خففنا الحديث عنها وتناسيناها وتركناها في حالها تركتنا في حالنا ولم ترتفع؟!وجنون الأسعار لم يترك مجالاً واحداً في حياتنا؛ إلا وفعل فعلته فيه، ليس فقط المواد الغذائية الرئيسة التي يعتمد الإنسان عليها ويقتات الناس عليها، بل جنون الأسعار طال كل شيء، المأكل والمشرب والملبس والمسكن أيضاً.نعرف جميعاً أنّ الحكومة والشعوب تعمل من أجل القضاء على الفقر والجهل والمرض.وكم هي الشعوب التي نجحت في التقليل من فرص استفحال هذا الثالوث المدمر لحياة الشعوب وآمالها وطموحاتها.فالشعوب الضعيفة هي الشعوب الأكثر فقراً، وكلما زادت نسبة الفقر في أوساط الناس ارتفع معدل الجهل بينهم ومن ثمّ تفشت الأمراض فيهم.-الفقر قال عنه بعضهم إنّه طريق للكفر، أما سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه فرأى أن يقتل الفقر إذا أمكنه ذلك فقال رضي الله عنه :”لو كان الفقر رجلاً لقتلته”.ولا يدل هذا؛ إلا على شدة أثر الفقر على الإنسان ما يجب استئصاله قبل استفحاله، فالفقر آفة تهوي بالإنسان إلى المهالك، أما سمعتم بأنّ الجوع كافر.وما ارتفاع الأسعار إلا سبب في زيادة نسبة الفقر وتفيشه بين الناس، ففي الوقت الذي تصل فيه إلى عدم استطاعتك الانفاق على أسرتك وتأمين قوتهم الضروري ورابتك الشهري يقف عاجزاً أمام فهم الأسعار ونارها التي تأكل الخضر واليابس، حتماً تدخل في دائرة الفقر، وكم هي الأسر في مجتمعنا التي تعيش في هذه الدائرة وأجزم أن هناك أسراً كثيرة وكثيرة جداً تعاني من هذه الضائعة في حياتها، ولا أجافي الحقيقة بقولي هذا.خذوا مثالاً : موظف راتبه الشهري ثلاثون ألف ريال، ريال ينطح ريالاً، هذا الموظف، كيف تظنون بالله عليكم يستطيع أن يلبي حاجيات أسرته الصغيرة، إذا كان لديه زوجة واثنين من الأبناء فقط، وعليه أن يدفع فواتير الكهرباء والماء، ويؤمن ثلاث وجبات يومية لأسرته وبأقل التكاليف والصرفيات.هذا إذا لم نحسب إيجار المسكن، هل هذه الأسرة تستطيع أن تعيش حياة اللا فقر.احضروا ما شئتم من خبراء الاقتصاد والتدبير المنزلي، أراهن أنّهم سيعجزون عن إيجاد حل لمعضلة هذا الموظف وسيجد الخبراء مشقة كبيرة في أن يبعدوا عن هذه الأسرة شبح الحاجة والعوز والفقر.فكيف لهذه الأسرة الاستطاعة في تأمين تكاليف الدراسة للأولاد، ومن أين تأتي نفقات العلاج إذا مرض أحدهم حتى وإن زار مركزاً صحياً حكومياً.إذا لم يستطع رب الأسرة أن يوفر تكاليف الدراسة هذا يعني طريق العودة إلى الأمية بهذا يعني تفشي الجهل، وعدم الاستطاعة في توفير تكاليف العلاج يعني استفحال الأمراض وتفشيها.-أنا لا أحاول أن ارسم صورة قاتمة، ولكن إذا لم نصحو من غفوتنا ولا نستدرك الأمر، فالواقع يتحدث عن نفسه.-هناك ظلم واقع على حياة الناس، من يغالي في أقوات الناس فهو ظالم.من لا يتحمل مسؤولية ويؤدي حقها فهو ظالم.-فالتاجر عليه القيام بأعماله بأمانة وصدق.أفلم تسمعوا القول العظيم “التجار فجّار إلا من رحم ربي” هذا القول واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.وقول الرسول الكريم “مَنْ غشنا فليس منّا”.أما الذي تحمل مسؤولية تفي بمصالح الناس وحياتهم المعيشية، فمسؤوليتهم عظيمة وجسيمة، إما رعوها حق رعايتها، وإما فرطوا بها وأهملوها، فنذكرهم بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلّم الذي دعا فيه: يالتيسر لمن رعى المسؤولية وأعطاها حقها ومشى في ا لناس بما يحفظ لهم حقهم، أما من أهمل وشق على الناس فقد دعا عليه الرسول بالشُقة.فندعو إخواننا من التجار والمسؤولين إلى عدم التظالم، فالظلم ظلمات يوم القيامة.أما الجانب الآخر، فلابد من تفعيل القوانين واللوائح الخاصة بالجوانب المعيشية والحياتية للناس.هذه القوانين واللوائح التي جاءت لتنظِّم وتيسِّر للناس مصالحهم، هذه القوانين التي شرعت من أجل إحياء الناس.نحن لا نريد أن يتضرر المواطن الغلبان، كما إننا لا نريد أن يتضرر التاجر وأيضاً لا نريد أن يتضرر هذا المسؤول أو ذاك.إننا نريد السلام الاجتماعي، نريد العدل الاجتماعي.نريد حياة كريمة لكل الناس.يقول الله تعالى “ولقد كرّمنا ابني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات”.. صدق الله العظيم.نعم الطيبات من الرزق وليس الخبيث من الرزق.وما رفع أسعار السلع؛ إلا صورة من صور الجشع والطمع.وما رفع أسعار قوت الناس؛ إلا صورة من صور الظلم.رفع أسعار احتياجات الناس لحياتهم المعيشية هي صورة من صور أكل أموال الناس بالباطل ورفع الأسعار والمساهمة في رفعها لا ينم عن نوايا حسنة، بل عن نوايا خبيثة، وجب اقتلاعها، فسيندم هؤلاء ولات وقت مندم.
|
آراء حرة
الأسعار - همُّ يومي
أخبار متعلقة