محمد علي ميسري.. فنان الأرض والناس!!
عندما أفكر في مشروع لحديث صحفي فني مع الفنان محمد علي ميسري، فأنني أشعر أن لهذا الحديث نكهة خاصة لخصوصية الميسري في نفسي.. فهو رقيق كرقة النسمة.. أصيل أصالة هذه الأرض الطيبة.. صادق وصدوقاً لا يعرف الخداع أو المجاملة.. لذلك نجد أن فنه الغنائي الذي ينبعث من أعماقه يحمل في طياته براءة الريف الجميل.. وعظمة المدينة الطيبة.. فهو فنان جمع بين الريف والمدينة بنغماته وصوته الغنائي العذب.. ومن هنا، فإن محمد علي ميسري يعني الكثير.. وهو يبشر بتألق نجمة وصفاء فنه وتربعه بكل تواضع مكانة مرموقة في دنيا الغناء والطرب وفي قلوب الجماهير.. حبي لهذا الفنان الكبير دفعني أن أتجه إلى مودية محافظة أبين لألتقي به وأسأله عن بداية رحلته الفنية في دنيا الغناء والطرب.. قال الميسري :البداية لها قصة جميلة.. فقد كنت أول من يظهر في المنطقة ومعه آلة عود يعزف ويغني في مودية.. فقد غادرتها إلى منطقة مكيراس مدرساً، وعدت منها مطرباً أثار دهشة الجميع!!ففي مكيراس جمعتني مهنة التعليم بصديق من أبناء محافظة حضرموت والذي كان يعمل مديراً للمدرسة التي أعمل بها، وكان لديه آلة عود يعزف عليها.. وعرضت عليه رغبتي في تعلم العزف على العود، وقد علمني مبادئ العزف في مدة وجيزة، وكان ذلك في عامي /64 1965م بعدها حكمت علينا ظروف النقل للمدرسين أن نفترق، وقبلها عرضت عليه أن يبيعني آلة العود بالتقسيط.. ولكن زميلي أصر بأن هذا العود يجب أن يبقى معي لأنه سيكون رفيقي في مسيرة الغناء مستقبلاً.. وقد كانت أجمل هدية تحصلت عليها ولن أنساها مطلقاً ولن أنسى معها منطقة (عريب) في مكيراس التي تعلمت فيها العزف على العود.مع عودتي إلى مودية حاملاً آلة العود قابلت عدة مضايقات ومعارضة.. وشكلت أول فرقة صغيرة عام 1966م وقمت باحياء أول حفلة غنائية في عيد الفطر المبارك..ونجحت فنياً ومادياً، ليلتها لم انم من الفرح.. ولكن فرحتي لم تتم، ومع تباشير الصباح وجدت آلة العود قد تحطمت من قبل العائلة، وندمت وقمت بإصلاحها، ولكن دون جدوى.. وفي الجانب الآخر كان هناك في مودية من يعشق الغناء والطرب، وعند علمهم بما حصل لعودي قاموا بشراء عود وكمانات وإيقاع لمراصلة مسيرتي الفنية هناك.. وواصلت نشاطي الغنائي في القرى والمدن المجاورة.. ومع الانتصارات العظيمة لثورتنا (14 أكتوبر) العظيمة قمت بغناء بعض الأناشيد، وفي أوائل 1967م تقدمت للإذاعة بعدن للاختبار، ووجدت من يأخذ بيدي في الإذاعة ألا وهو الفنان العزيز الراحل محمد عبده زيدي الذي لعب دوراً كبيراً لتقديمي للجمهور.. بعدها سجلت أول أنشودتين هما (فرحة النصر/ وعيد الثورة) بعدها استمريت بتقديم الجديد للإذاعة، وعرفني الجمهور في أغنية (غني يا عدن الثورة) وأيضاً أغنية (فلاحة).. واستمريت اشق طريقي آملاً أن أجد مكانة مناسبة لفني الغنائي المميز والخاص بي لأنني ترجمت حبي للوطن والشعب والأرض عبر ألحاني الغنائية المتواضعة والبسيطة القريبة إلى قلوب كل الناس.ويستمر حديث الفنان الميسري معنا لنتطرق إلى رؤية الفنان لفنه.. فقال :بالنسبة لي.. فإن الرؤية واضحة، وسيجدها الناس عبر إنتاجي الغنائي، وأنا راضي بما اقوم به، بل وما قمت به.. وعلى رجال الفن والغناء أن يسمو بأغانيهم لتصل إلى المكانة المنشودة، وأن يسخروا فنهم لخدمة قضايا الناس وترجمة أحاسيسهم.. مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير الكلمة واللحن إلى المستوى الأفضل..وعن أهمية الدراسة للموهوبين والمبدعين.. يقول الميسري :أولاً لا بد من وجود الموهبة.. والموهبة هبة تعطي من الله ونجدها عند قلة أو صفوة من الناس، بعدها تأتي الدراسة والتحصيل لتغدو الموهبة مبدعة في مجالها متسلحة بالعلم.وحول علاقة الفنان الميسري وفنه بالناس يقول :أنا أعيش وسطهم، أعيش بينهم، لا استطيع أن أعيش من غير الناس.. فمعهم أعيش وأتنفس.. ومن غيرهم أموت وأختنق!!إن الفنان المبدع هو المرآة العاكسة لمجمل ما يعانيه، فيعبر عنه عبر أغنية أو لوحة أو رقصة.. الخ من أدوات التعبير الصادقة.. والمعاناة تختلف عند المبدع والفنان لإنه كتلة أحاسيس وعواطف..ويتحدث الفنان الميسري عن التراث وماذا يعني له.. فيقول :التراث بالنسبة لي يعني الكثير.. وهو القاعدة التي انطلق منها، واستمد الغذاء الروحي من مجمل ألوان الغناء اليمني المتعدد.. وهنا تقع المسؤولية على أجهزة الثقافة والإعلام في توثيق التراث لإنه يشكل مرحلة تاريخية للأغنية اليمنية ومراحل تطورها.. وسيكون ذلك المرجع لكل الباحثين والأجيال الجديدة.. وبهذه المناسبة أيضاً أود أن أقول أنني اتغنى بمعظم ألوان الغناء اليمني، وقد لحنت العديد من الأغاني ذات الطابع الحضرمي واللحجي واليافعي والعدني والأبيني، مستفيداً من خلفيتي لهذا التراث الجميل.أخي محمد.. ما رأيك أن نبتعد عن أسلوب الأسئلة الصحفية.. وأن نتحدث عن كل ما يجيش في صدرك حتى تخرج الكلمات صادقة..يوافقني الميسري ويقول :من بداية ظهوري كمطرب في دنيا الغناء وأنا أغني من ألحاني التي اعتمدت عليها.. راضٍ كل الرضا عنها لإنها بسيطة وصادقة ومعبرة، وفيها كل مواصفات النجاح.. لذلك جاءت ألحاني الغنائية تلبس حلة جدية بسيطة وشعبية.. ولكن لا يعني هذا أني لا أحب أن أغني من ألحان غيري من الزملاء!!وبهذه المناسبة أقول أنني تمنيت أن أغنية أغنية الفنان الكبير محمد مرشد ناجي (على ذكراها)..وعلى ذكر الفنان القدير محمد مرشد ناجي.. فإنني أود أن أعبر عن حبي وإعجابي بجيل العمالقة ومنهم المرشدي وأبوبكر بلفقيه وأيوب طارش والعطروش، وكذلك الفنانين الراحلين محمد سعد عبدالله والموسيقار أحمد قاسم ومحمد عبده زيدي واسكندر ثابت رحمهم الله وغيرهم من عمالقة الغناء اليمني، لأنهم شكلوا حركة غنائية غير عادية أعطت للأغنية حياة وإزدهار وإنتشار وخرجت بها إلى البلدان العربية لتصبح الأغنية اليمنية معلماً من معالم الأغنية في الجزيرة والخليج.أعاتب مؤسسة الإذاعة والتلفزيون لأنها أغلقت فرصة توثيق الفنان لأغانيه وألحانه الجديدة.. لأن الفنان بدون وسائل الإعلام يموت موتاً بطيئاً..كما أعاتب الإذاعة والتلفزيون في صنعاء وعدن لعدم إذاعة أغنياتي المسجلة لديهم وهي كثيرة وناجحة أيضاً؟!لدي العديد من الألحان والأغنيات العاطفية والوطنية.. وأتمنى أن تتاح لي الفرصة للمشاركة في الاحتفالات الوطنية القادمة.. وشكراً!!