أولية العقل
اعداد/ مركز المعلومات:عن دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت صدرت الطبعة الثانية من كتاب ( أولية العقل .. نقد أطروحات الإسلام السياسي ) للمؤلف عادل ضاهر ، ويتكون من 415 صفحة كرسها المؤلف لبحث ومناقشة أطروحات مشتركة للحركات الإسلامية تثير أسئلة فلسفية، وأهم هذه الأطروحات: [c1]* [/c] النقل ذو أسبقية على العقل [c1]* [/c] الإسلام دين ودولة [c1]* [/c] لا يمكن للإنسان أن يتدبر شؤون دنياه من دون توجيه إلهي [c1]* [/c] لا اجتهاد في مورد النص [c1]* [/c] لا تعارض بين قيام دولة إسلامية والديمقراطية في بعض جوانبها ويشكك المؤلف في مشروعية إسناد الأطروحة الخامسة إلى الإسلاميين، وإن كان من بينهم من يؤيد هذه الأطروحة ظاهريا، وبخاصة في إصرارهم على أن نظام الشورى هو المعادل الإسلامي للنظام الديمقراطي، ولكن مع افتراض أنهم يتبنون فعلا هذه الأطروحة فإنها برأيه ليست صحيحة ولا يمكن تطبيقها.ويرد المؤلف على هذه الرؤية التي يقدمها على أنها العودة إلى النصوص لتوجيه شؤون الحياة، وأن هذا هو المنهج الصحيح الذي يعصم من الخطأ، وأن الإنسان لا يمكن أن يكون في الوضع المعرفي الصحيح إزاء ما ينبغي عمله في المجال العام من دون المرجعية العليا المتمثلة بالنص المقدس، ولا يجوز الاجتهاد إلا في الحالات التي لا تكون مشمولة بنص صريح.[c1]الديمقراطية والإسلام والعقل[/c]ويشغل المؤلف نصف الكتاب في مسألة أولية العقل وأنه لا مجال لديمقراطية أساسا إلا إذا قامت على العقل، ومن ثم فليس هناك نظام إسلامي ديمقراطي حتى ولو اقتنع القائمون عليه بالديمقراطية ويريدون تطبيقها بالفعل. ويعرض النتائج التي أراد الوصول إليها وهي:[c1]* [/c] لا يجوز النظر إلى علاقة الإسلام بالسياسة أو الدولة على أنها شيء في صلب ماهيته العقدية.[c1]* [/c] من المتناقض أن نفترض أن الإنسان عاجز عن تدبر شؤون دنياه من دون توجيه إلهي في الوقت الذي نفترض عدم عجزه عن معرفة الله.[c1]* [/c] لا يجوز تعطيل الدور الاجتهادي للعقل بأي نص ديني.[c1]* [/c] الكلام على دولة دينية ديمقراطية ما هو إلا إرداف خلفي.وتتلخص أطروحة المؤلف في أن المصدر غير العقلي لأي اعتقاد لا يتجاوز كونه مجرد اعتقاد ولا يرقى إلى مستوى المعرفة من دون سند عقلي، فإذا كان المصدر غير العقلي له سلطة ما فإن هذه السلطة لا يمكن أن تكون نهائية، إذ لا يمكننا أن نستبعد قبليا حصول تعارض بينها وبين سلطة أخرى فتنشأ الحاجة إلى اللجوء إلى اعتبارات مستقلة للحسم، وحتى في غياب تعارض كهذا فإنه يشترط لأي سلطة نلجأ إليها أن تكون سلطة موثوقة وذات خبرة وعلم بالأمور التي نلجأ إليها بخصوصها، وشرط كهذا لا يتعلق بنظرتنا إلى هذه السلطة ومدى احترامنا لها وثقة فيها مبنية على اعتبارات مستقلة عن هذه السلطة، وما عساها تكون هذه الاعتبارات إن لم تكن اعتبارات عقلية؟. ويبقى العقل وحده هو الدليل لمن لديه ملكة إدراكية، ولا يمكن القبول بكل ادعاء بالحيازة على ملكة خاصة في الإدراك على علاته لأنه ليس كل من يدعي أن لديه ملكة كهذه يحوز عليها فعلا.ولا يمكن إحراز تقدم في مجال المعرفة باللجوء إلى الطرق غير العقلية وحدها فهي طرق غير مرنة ولا تسمح بالاعتراف بإمكان تعرضها للخطأ وإعادة النظر في النتائج التي توصلنا إليها. واللجوء إلى الطرق النقلية يختلف جذريا عن الطرق غير العقلية، فاحتمال الوقوع في الخطأ سمة جوهرية لأن هذا يعني اعتبار النتائج التي توصلنا إليها غير نهائية وقابلة للمراجعة والشك.[c1]الإسلام والسياسة[/c] يعالج المؤلف أطروحات الحركات الإسلامية الأربعة التي عرضها في بداية الكتاب على أساس أنها مخالفة للعقل، ولا أهمية برأيه لوجود أو عدم وجود اعتبارات غير عقلية مؤيدة لهذه الأطروحات، فالاعتبارات العقلية مبطلة لأي اعتبار سواها سواء كانت مستمدة من نصوص دينية معينة أو من أي مصدر آخر، فإذا كانت هذه الأطروحات مخالفة للعقل فليس أمامنا سوى رفضها حتى لو كانت بعض النصوص توحي بغير ذلك.ومنذ أطلق حسن البنا شعار "الإسلام دين ودولة" تحول هذا الشعار من كونه خاصا بحركة الإخوان إلى شعار مشترك بين الحركات الإسلامية، بل إن الربط بين الإسلام والسياسة يقول به أيضا كتاب لا تربطهم بالحركة الإسلامية رابطة مثل أدونيس فهو يرى أن السياسة في الإسلام بعد جوهري من أبعاد الدين.والمفكرون الإسلاميون مثل حسن البنا والترابي والغنوشي والقرضاوي يعتقدون أن العلاقة بين الإسلام من جهة والدولة والسياسة والاقتصاد والاجتماع من جهة أخرى هي أكثر من علاقة تاريخية، بل هي علاقة منطقية مفهومة. ويبذل المؤلف جهدا كبيرا في توضيح أن العلاقة بين الإسلام والسياسة لا يمكن أن تكون أكثر من علاقة واقعية تاريخية، ومن غير المعقول فلسفيا ومنطقيا أن تكون هذه العلاقة أكثر من علاقة جائزة. فالشروط الموضوعية التاريخية التي نشأ فيها الإسلام اقتضت إقامة دولة لتأسيس وترسيخ دعائم الإسلام، ولولا هذه الشروط الموضوعية التي أحاطت بنشأة الإسلام لما اتجه وجهة سياسية ولما كان ثمة ضرورة لإقامة دولة إسلامية، وبما أن هذه الأغراض استنفدت منذ فترة طويلة فقد انتفت الحاجة إذن إلى إقامة دولة إسلامية.ويعتقد الإسلاميون أن الإنسان قادر على معرفة الله عن طريق العقل ولكنه غير قادر من دون توجيه إلهي على تدبر شؤون دنياه ومعرفة كيفية تنظيم حياته السياسية، ويرى المؤلف في ذلك تناقضا، فالله حين خلق العقل الإنساني وضع على عاتقه مسؤولية الكشف عن الوقائع بذاته وتقرير قيمه وغاياته ووسائل تحقيقها بحرية مميزا له بذلك عن كل المخلوقات، فإذا كان السبب من خلق العقل الإنساني هو جعل الإنسان صاحب المسؤولية الأخيرة في كل الشؤون التي تخص تحصيل المعرفة النظرية والعملية فلا يمكن من المنظور الإلهي نفسه أن يوجد لاحقا سبب مبطل للسبب الأخير، بمعنى أن يسوغ التراجع عن ترك هذه المسؤولية للإنسان وحده، ومعنى أن نجعل النص مثلا مصدرا أخيرا لتقرير غاياتنا الدنيوية هو أن نعطل عمل العقل وأن نجرد الإنسان من المسؤولية التي أنيطت به، وهذا يتعارض مع السبب الذي من أجله خلق العقل.ويتساءل المؤلف: هل لدى الإسلام السياسي جواب مقنع لسؤال مثل لماذا يناط بالعقل العمل والتفكير لشفاء أمراض مستعصية كالسرطان والإيدز والسيطرة على الكوارث، وإعمار الأراضي والصحاري وحل مشكلات الجوع والجفاف فهل يعجز هذا العقل عن معرفة كيف يعاقب السارق؟ وهل يكف النقل عن إرشادنا إلى المعرفة العلمية الضرورية لمعالجة قضايا الحياة ويشغل فقط بتعليمنا تنظيم حياتنا السياسية والقانونية.ولا يفعل الإسلاميون أكثر من إحياء أفكار قديمة حول الاجتهاد تتلخص في فكرة واحدة أساسية، وهي أنه لا اجتهاد في مورد النص، ويجد المؤلف تعارضا بين مقولتي إن قواعد وأحكام الشريعة المنصوص عليها على نحو صحيح مطلقة لا مشروطة ولا مجال للاجتهاد بخصوص ما إذا كان ينبغي تطبيقها أم لا، فهذه المبادئ يخضع تحديد مضمون أي منها للاجتهاد وكذلك ما يستمد منها من قواعد وأحكام، وثمة وقائع معينة تتوسط عملية الاستنباط هذه، وهي متغيرة من حيث المبدأ، فلا يمكن ضمان ثبات ما يستنبط من قواعد وأحكام من المبادئ العامة، ويمكن أيضا حصول تعارض عند التطبيق بين بعض القواعد التي تجد مسوغها النهائي في المبادئ العامة مما يجعل الاجتهاد أمرا محتوما بخصوص أي قاعدة من القواعد المتعارضة.لايقترح محمد عمارة مخرجا بأن يكون الاجتهاد مع النص ليس في تجاوزه وإنما في فهم الحكم المستنبط منه، وهو موقف متقدم ولكنه برأي المؤلف لا يكفي لاجتناب المأزق الذي يواجه الموقف التقليدي. [c1]الإسلام السياسي والديمقراطية[/c] يصف راشد الغنوشي الدولة الإسلامية بأنها تحفظ فيها الحقوق والحريات وحقوق الأقليات، ولا يعني هذا أن الإسلاميين من أمثال راشد الغنوشي يتبنون الديمقراطية في جميع وجوهها وسماتها بل يعني على الأقل أنهم يعتقدون - وربما يتظاهرون بالاعتقاد - بأن النظام الإسلامي المنتظر سيحتضن فكرة التمثيل السياسي إضافة إلى حفاظه على العديد من الحريات الديمقراطية، فأن يكون النظام غير علماني لا يمنع أن يكون ديمقراطيا.ويعتقد أيضا بعض المفكرين من غير الإسلاميين مثل محمد عابد الجابري بإمكانية تعايش الديمقراطية مع نظام إسلامي غير علماني ويعتقد أن العلمانية مشكلة مصطنعة اختلقت من قبل مفكرين مسيحيين في المشرق ظنا منهم أن العلمانية هي الضمان لحقوق الأقليات أو لحل مشكلة الحريات والحقوق عموما، ولكنهم بذلك يحولون الأنظار عن الحل الحقيقي والوحيد لمشكلة الحريات والحقوق وهو الحل الديمقراطي. ولكن المؤلف يصر على أن العلمانية شرط ضروري للديمقراطية وإن لم يكن كافيا، ولا يعنيه كما يقول هو إذا كان الإسلام الديني يتضمن أو لا يتضمن أفكارا أو مبادئ مساندة للديمقراطية فالمسألة لا تتعلق بالإسلام في ذاته وبعقيدته الدينية وما يترتب عليها من نتائج سياسية واجتماعية فاختيار النظام الديمقراطي أساسا لا يمكن أن يستمد من الإيمان بالله بل هو اختيار واجتهاد عقلي يخضع للمراجعة والتغيير وهذا يتعارض مع ثبات الاعتقاد الديني. هل يمكن أن تكون الديمقراطية سمة للنظام السياسي المزمع إقامته من قبل الإسلاميين؟ الجواب يراه المؤلف بالنفي فلا يمكن لنظام سياسي ديمقراطي أن يجد تربة صالحة له في الدولة الدينية غير العلمانية مسيحية كانت أم إسلامية، لأن الدولة الدينية تميل بطبيعتها لأن تكون كليانية (توتاليتارية) وهي تماما عكس الديمقراطية، وبما أن الغرض الأساسي للإسلام السياسي هو إقامة دولة إسلامية أي دولة دينية إذن فلا أمل في أن تكون ديمقراطية، وما يهم الغنوشي هو معنى الديمقراطية الكامن في كونها وسيلة لجعل الإرادة الشعبية حرة ونافذة على المستوى السياسي، وليس معناها بوصفها قيما تمخضت عنها تجارب الغربيين، أي أن قبولها مشروط بتجريدها من كل ما لا ينسجم مع أحكام الإسلام ومع قيمه ومبادئه ومقاصده .