عيد العشّاق قد انقضى، وهو العيد الذي يبارك الوجدان الإنسانيّ، ويدعو الفرد لاجتياز حواجز الذّكورة والأنوثة إلى رحاب الإنسانيّة العاشقة، حيث تتعانق الأرواح الولهة سابحة في إكسير الحبّ المتدفّق من منبع الأزل إلى مصب الخلود. عيد العشّاق هو يوم يهرب فيه الإنسان الذي أدرك عصر العشق من المعابد الرّسميّة التي تفوح منها رائحة الحقائق المطلقة العفنة إلى هيكل ربّ الأرباب الذي لا يقبل القرابين المجسّدة، ولا يبارك غير الصّلاة من أجل خلود المحبّة.عيد العشق، تلك البدعة الإنسانيّة الرّقيقة الرّاقية التي ابتدعها الإنسان من أجل نسيان أقدم صراع في التّاريخ، صراع الجنسين حتّى يتحوّل انقضاض الذّكر على الأنثى بغرض التّكاثر، إلى لمسة حنان وهمسة حبّ قد تنجب أطفالا يملؤون العالم بالسّلام والتّسامح، هو ذلك اليوم الذي يذكّر الإنسان بآدميّته المشرئبّة إلى الحياة، بالرّغم من واقعه المضمّخ بالدّماء والدّموع والبؤس. احتفلت بذلك العيد كلّ الأجناس التي لا زالت تؤمن بتحقّق الحلم الأبديّ في عالم يؤمن بالحياة ويتسلّح بالحبّ، إلاّ العرب الذين خرج عليهم كهنتهم من أجداثهم الغابرة ليفتوا لهم بتحريم الاحتفال بعيد العشّاق وتجريم إهداء الورود والنّهي عن صلاة العشق خارج شعائر الصّلوات الخمس.واليوم، يطلّ علينا عيد آخر، هو عيد المرأة، فهل من محتفل؟في ديار العرب، ليس ثمّة امرأة لأنّه ليس ثمّة رجل. في بلاد العرب ليس هناك غير الذّكر والأنثى، وهذا ليس عيدا للإناث، بل إنّه عيد للمرأة. هذا العيد أيضا سينفرد العرب بعدم الاحتفاء به. إنّ صفة الرّجولة عند ذكور العرب، وصفة المرأة عند إناثها مؤجّلة الاستحقاق حتّى عصر آخر، لأنّ مجتمعاتنا العربيّة تعجّ بمخلوقات تتناسل. فالذّكور تتحكّم فيهم تراتبيّة الفحولة، والإناث ينظر إليهنّ كموضوعات لإشباع الشّهوات. في مجتمعات كهذه، يكون هناك فحل واحد فقط يجبر القطيع بفعل سطوته وقوّته على الخضوع، بينما تبقى الذّكور الأخرى مجرّد كائنات مخصيّة بفعل العسف، فتمارس بدورها القهر على الإناث والأطفال والمختلفين. إنّ المنقّب في أركولوجيا الطّغيان في البلاد العربيّة سيجد طبقات وطبقات من القهر، لأنّ كلكل القهر ليس واحدا على كلّ مكوّنات المجتمع. إنّها طبقات تزداد ظلما وظلاميّة كلّ ما ذهبنا نحو القاع. سوف ينبعث الرّجل وتنبعث المرأة من رماد بلاد العرب عندما تقرّر ذكورها وإناثها طرد الفحل الأكبر ليكتسبوا صفات الفرد المواطن الذي يتحكّم في عقله وفرجه. عندها فقط، سوف تكفّ الذّكورة عن المناداة بحقوق وامتيازات مجتمعيّة بفعل امتلاك القضيب، وسوف تكفّ القبيلة والعشيرة عن مشاركة المرأة في ملكيّة جسدها. عندئذ، يمكن أن تتخلّق المرأة العربيّة في التّاريخ، ويمكنها أن تحتفل بعيدها كسائر النّساء في العالم، ويكون لعيد العشق نفسه معنى، وتكون ثمرة العشق بشرا يؤمنون بالمحبّة وبالغد الجميل, أمّا اليوم، فأدعو النّساء العربيّات إلى الإضراب عن التّناسل، لأنّ أطفالهنّ سوف يلقّنون فنّ الموت من فقهاء العدم، ويكونون مخلوقات بائسة مآلها أن تًقتل أو تُقتل قرابين لإله الفحل المجيد.* محمد عبدالمطلب الهوني
المرأة العربية لا عيد لها
أخبار متعلقة