أحد البسطاء الذي تخلى عن عقله من باب “حط بينك وبين النار مطوع” قال لي بعد مباراة المنتخب الإماراتي والمنتخب السعودي في نصف نهائي بطولة الخليج المقامة في “أبو ظبي” التي فاز بها منتخب الإمارات ، وبصريح العبارة : “هذه عقوبة من الله بسبب مشجعاتنا ، لأنهن كن كاشفات” ، حين سألته وماذا عن مشجعات الإمارات كن حاضرات فلماذا عوقبت السعودية ولم تعاقب الإماراتية ؟وكالعادة في مثل هذا الجدل الذي يناقش ما وراء الطبيعة ، لابد أن ينتهي بالجملة المانعة للحوار ، والمهددة لمن يريد فهم ما حدث (اتقي الله) .علي أن أؤكد .. البسطاء موجودون في كل مكان وكل زمان ، ويؤمنون بقصص أسطورية ، روى البطريك الإنجيلي الذي كتب أعمال المسيح قصة اثنين من المسيحيين الأوائل ، هما حانينا وامرأته سفيرة ، “كان حانينا وسفيرة قد باعا حقلا وكذبا حول الثمن الذي تلقياه ، وحين علم الرب بالاختلاس صعقهما في الحال” ، واحتاجت أوروبا إلى 1800 عام ليكتشفوا أن الله خلقهم أحرارا ، وأن حسابهم سيكون في الحياة الأخرى وأن على الإنسان أن يعمل عقله ليحقق العدل ويطارد من يسرقون ولا يترك المهمة للصواعق .بعيدا عن الجدل الأسطوري ، كان لحضور المشجعات السعوديات سطوته ، ففي البداية كان البعض يقول : إنهن لسن سعوديات بل بنات ليل تآمرن مع شخص ما ليشوهوا شعب الله المختار ، وبعد أن تم استضافتهن على قنوات خليجية وأثبتن أنهن طالبات سعوديات في الجامعات الإماراتية ، تغير الطرح وأعلنوا أنهن لا يمثلن الفتاة السعودية ، وأنهن فئة شاذة أو مغرر بها ، ولو كان الأمر بيد هؤلاء لسحبت الجنسيات من الفتيات ، لأن هؤلاء وإن قدموا أنفسهم أنهم مدافعون عن الإسلام إلا أنهم أعداء المرأة لأسباب “فرويدية” ، فالشاب السعودي لا أحد يحاسبه على ما يفعله بالخارج ، وإن سكن في النوادي الليلية ، مع أن الإسلام يحرم على المرأة ما يحرمه على الرجل .ورغم تعاطفي مع الطالبات ، لا أقف مع هذا الظهور بهذه الملابس وبهذا الشكل ، وإن كنت أعرف أن الكبت هو من دفعهن لأن يتحدين المجتمع ، فهن يشعرن أنه يضطهدهن إلى حد أنه يئدهن ميتافيزيقيا.فالاختلاط أصبح حراما ، مع أن التاريخ الإسلامي مليء بروايات كثيرة تؤكد أنه لم يكن هناك تحريم في صدر الإسلام ، ففي بيعة العقبة بين سيد الخلق صلوات الله عليه وسلامه كانت هناك امرأتان مع الأنصار ، إحداهما نسيبة بنت كعب الأنصاري ، التي غيبت في ثقافتنا لأسباب غريبة ، فهي أي “أم عمارة” دافعت عن الرسول في معركة أحد ، وهي من تلقت ضربة “ابن قميئة” في كتفها لتحمي الرسول ، الذي قال عنها : “أنظر يميني وشمالي فلا أجد من يقاتل مثل أم عمارة” ، ثم خاطبها قائلا : “من يطيق ما تطقن” ؟ومع هذا أنشأ المجتمع جهازا يجرم الاختلاط في الأماكن العامة ، فيدفعهما للخلوة التي حذر منها الإسلام ، كذلك أصبحت المرأة وإلى حد ما تابعة لوالدها ثم يسلمها لزوجها ، وإن مات زوجها ، تصبح إرثا لابنها ، لا يمكن لها فعل الكثير إن لم يوافق طفلها .الغريب في الأمر ، أنه في عام 1903م كان القانون الفرنسي لا يجيز للمرأة أن تتصرف بمالها إلا بإذن زوجها ، وكانت إحدى الفرنسيات قد اشترت أسهما في شركة فرنسية بمصر ، حين أرادت أن تبيع أسهمها ، طلبت منها الشركة الفرنسية أن تحضر موافقة زوجها ، فلجأت للقضاء الإسلامي في مصر ، ليخلصها من هذا الاستعباد .اليوم يحدث العكس ، بسبب هذا التزمت ، وأصبح بعض النساء يذهبن للغرب بحثا عن حرية ، قد تبدو جميلة لكنها وكما يقول حكماؤهم : إنها حرية لا تحكمها قيم أخلاقية ، ولكن هل ثمة خيار ثالث للمرأة غير الوأد أو التعري؟.[c1]-----------------------* نقلا عن جريدة “شمس” السعودية[/c]
أخبار متعلقة